تدشين كتاب إرتريا من الفيدرالية الى الإلحاق والثورة 1956-1962
بقلم الإعلامي الأستاذ: خالد محمّد طه - قاص وصحفي ارتري
كانت امسية الجمعة الثامن عشر من نوفمبر الجاري احدى امسيات اسمرا المميزه،
حيث شهدت القاعة الرئيسية بارض المعارض (اكسبو) تدشين كتاب، ”إرتريا من الفدرالية إلى الالحاق ثم الثورة“ للمؤرخ الشاعر والروائي الكاتب الأستاذ/ ألم سقد تسفاي، الجزء الاخير من ثلاثية التاريخ السياسي لارتريا، وشمل البرنامج احتفالية بالذكرى العشرين لتفرق الأستاذ/ الم سقد لكتابة التاريخ الارتري، أصدر خلالها ثلاثة كتب قيمة جدا، هي:-
1. لن نفترق – ترجمة الأستاذ/ سعيد عبد الحي،
2. فدرالية إرتريا وإثيوبيا – ترجمة الأستاذ/ إبراهيم توتيل،
3. إرتريا من الفيدرالية الى الإلحاق والثورة 1956–1962
قدم السفير الاستاذ/ عبده هيجي، استعراض رائع للكتاب، حيث يعد التقديم نفسه قطعة أدبية هامة، وصف فيها الكتاب بأنه كان شامل من حيث احتواءه على تفاصيل الأحداث في الفترة من 1956 إلى 1962، وردت بقراءة متوازنه، بالاستناد على مبدأ انه (عند كتابة التاريخ لايمكن وضع خطوط فاصلة بين السيئ والجيد) كما اورد معلومات من مصادر مختلفة وموثوقة، بينت خيارات الشعب الأرتري ونضالاته، ومؤامرات الاستعمار الإثيوبي وشركاؤه، في سرد موغل في التفاصيل يحكي وقائع الضم الجائر وماتم تمريره من الالعيب، ويعزز ذلك بالوثائق.
تناول الكتاب بدايات النضال السلمي في ارتريا، و الحركة السياسية النشطة، وأسباب اختلال ميزان القوة بفعل التدخلات الخارجية والمؤامرات الداخلية، التي اجهضت ثمرات النضالات. وشدد الم سقد على أنه لايمكن الكتابة بشكل انتقائي، لابد من طرح الحقائق كما كانت، وكشف عن الاستراتيجية الأثيوبية والأساليب الذي اتبعتها لتحقيق أهدافها التوسعية، مع السند الأنجلو امريكاني المنحاز، وثنائية التعدد الديني في ارتريا مع استخدام الاستعمار لها، ثم موقف الكتلة الاستقلالية، (حزب الرابطة الاسلامية) وما واجهه من مخططات التقسيم والتشويه، تماما كما صادف (حزب إرتريا للارتريين)، ثم الموقف المخزي للكنيسة الأرثوذكسية وتحويلها الى أداة من ادوات الاستعمار، عبر ما عرف بمحبر هواريات - جمعية الحواريين - الذي سيطر على الكنيسة، ثم لعب دورا خطير في التقسيم وأثارة النعرات الطائفية وما دونها، والمشاعر الطبقية، وتنظيم وتمويل ورعاية عصابات الشفته، وأثارة الخوف و إرهاب الامنين، واستخدام سلاح المال و التوظيف وتوزيع المناصب، و تفريغ المؤسسات الفدرالية ومنعها من أداء وظيفتها الحقيقية، وجعلها واجهات صورية ثم تقويض الاتفاقية وإلغاء الاتحاد الفدرالي نفسه . يقول الم سقد تسفاي في الفصل الثالث من هذا الكتاب (امضى القادة الارتريين وقتا طويلا في العمل لمصالحهم أو في صراعاتهم الخاصة، أكثر من الوقت الذي امضوه في خدمة الشعب أو محاولة التعلم منه).
ايضا تناول الكتاب مرحلة بدايات الكفاح المسلح بكثير من التفصيل، أنصف فيها جيل الرعيل وتحدث عن مكابدتهم وجلدهم و غيرتهم على إرتريا وانحيازهم لشعبها وتفانيهم من أجله، وتناول مجمل الظروف، و الأسماء، و المواقع، وخصص قسم من الكتاب يبين خلفية تاريخية عن القائد الشهيد/ حامد ادريس عواتي، وقال (لا يستقيم، نكران دور شخص مثل عواتي، أو التقليل من اسهامه، الرجل - عواتي - قدم حركة تحريرية إرتريه).
وبالمقابل ذكر بالأسماء والمواقف مصير ارتضوا أن يكونوا أدوات لأثيوبيا من رموز وتابعين!.
يقول الم سقد تسفاي في هذا الكتاب أن (تاريخ جبهة التحرير الارترية، هو تاريخ مشرف لارتريا، لانها كانت تنظيم وطني، وستظل، وما دار فيها سلبا اوايجابا هو انعكاس للمجتمع الارتري الذي منه انبسقت، وأي تفسير آخر يعني أنه لايجب أن يشبه الابن أبيه، فجأه التحرير نتاج لهذا الشعب)، ثم يختتم السفير عبده هيجي استعراضه للكتاب بمقولة الم سقد تسفاي: (التاريخ معلم كبير، فالنتعلم منه).
بعد ذلك قدم الأستاذ/ صلاح الدين علي، الباحث في مجال الدراسات الانسانية تقييم اكاديمي لكتاب (ارتريا: من الفدرالية الى الالحاق، ثم الثورة) تناول فيه فنيات الكتابة، ومناهج البحث، والتدقيق اللغوي والمعلوماتي، والتبويب، ووضع الخلاصة، والربط بين اقسام الكتاب، والهوامش الإيضاحية، وفهرست المصادر، والخ، كما وضع توصيات اشار الى ضرورة مراعاتها في الطبعات القادمة.
تخللت فقرات الحفل قراءة مختارات من كتابات الم سقد تسفاي، كما قدم فصل من مسرحية (الحرب الآخرى) وهي من الأعمال الدرامية من تأليف الم سقد تسفاي، وتقدم المخرج والمسرحي الكاتب/ مسقنا زراي (ود فراداي) الذي كان يقوم بالربط بين الفقرات بوصف الأستاذ الم سقد بأنه شخص عادل، وهي صفة يجب أن يعرفها عنه من لم يعرفه بعد.
حينما أتيح المجال للأستاذ الم سقد ليقول كلمته قال (كنت محظوظا لعملي في الميدان بين المبدعين وأطفال مدرسة الثورة، ذلك قلل وطأة الظرف القاهر ايام الثورة، فقد كانوا خير رفقة والهام لي، لهم شكري، يسالني البعض هاقد وصلت في كتابة التاريخ الى بدايات الكفاح المسلح، هل ستكتب ما بعد ذلك؟، أن كان لدينا شباب مؤهلين اكاديميا مثل ابننا صلاح الدين علي، لما لا يتحمل الشباب مسؤوليتهم ويكتبون؟ (ضجت القاعة بالضحك).
فيواصل: نعم ساكتب وبذات الروح، أريد أن أقول تاريخ الكفاح المسلح كبير وواسع وعامر بتفاصيل لم تنشر بعد، لكنا اغلقناه، يجب ألا نخافه والا نغلقه خلف أسوار السرية أو الخوف من اتهامنا بادعاء البطولات، يجب أن يفتح المزلاج ليتجدد الهواء، ولتمتلك الاجيال كافة تفاصيل الوقائع، هنالك بطولات واقعية لمقاتلين إحياء و شهداء، وهنالك اخطاء ايضا، على ايه حال كان هو تاريخنا، يجب أن نقبله نحن أولا، قبل غيرنا، عندما كنت طالب في الولايات المتحدة هممت بكتابة حول تاريخ الحقبة الفدرالية، لم أجد أي كتابة ارترية استند عليها، تاريخنا واقعنا يكتبه الآخرون، الآن بيننا في هذه القاعة كثير من المسؤولين وقادة الجيش وغيرهم لابد أن نكتب قبل أن نموت ونحن صامتون، حينها ستكون (البراءة اوالغباء) صفتنا.
البحث وتدوين التاريخ مهمة كبيرة، ومسؤولية علمية وأخلاقية، والواقع انهم في المكتب المركزي للجبهة الشعبية سمحوا لي بحرية العمل، واعلم انه كان لديهم برنامج لكتابة تاريخ مرحلة الكفاح المسلح، وشرعوا فعلا في تسجيل إفادات من المقاتلين، لكن حالت ظروف الحرب وغيرها من تمكنهم من إتمام ذلك البرنامج، بالنسبة لي لم اكتب وحدي كان لدي الكثير من الزملاء و المعاونين، والمستشارين ايضا، يماني و زمهرت يوهنس مثلا، هنالك أشياء قيل لي لا تكتبها، وامتثلت لذلك بعد نقاش وإقناع، لكني لم أزل مقتنع أيضا بضرورة العمل الحر، وأرى أن الطلاب والشباب يجب أن يروا الحرية فعلا.
اشكر جهود مكتب الهقدف معي وزملائي، الشكر للاستاذة/ أزيب تولدي وزملائها في مركز الدراسات والبحوث والتوثيق، ولمن قدموا أوراق حول الثلاثية في مختلف المراحل، وللاساتذة الذين قاموا بمراجعة اللغة وضبط المادة، واذكر هنا اننا بدأنا هذا العمل قبل 20 سنه وكنا 10 اشخاص، تبقى مننا 3 اشخاص فقط، الشكر لكل من كان معنا أينما هو الآن.
من المواقف الموثرة جدا خلال هذه الامسية، حكى الاستاذ/ الم سقد تسفاي تجربته المريرة مع المرض، وعن كيف جمعت أسرته تكلفة علاجه في الخارج، ثم يتابع (قيل لي اني ساعيش، وعشت لاشهد مصرع ابني الوحيد وقتها كان ابن 16 ربيع، في 2 سبتمبر 2009، كان موت ابني تمسقن فاجعة لا توصف، حزنت كثيرا، أكن أتوقع اني سأعود للكتابة مرة اخرى أو للحياة نفسها، لكني وجدت اهتمام بالغ من كل هذا المجتمع الطيب، بينهم تحدثت الي مواسية، سيدة لا اعرفها، قالت انها من قودايف، شجعتني بقولها: لدي 4 اطفال، تمنيت لو ان تضحيتي باحدهم تعيد اليك ابنك، ارجعوا كما كنتم انت وزوجتك انه قضاء الله وقدره، عدنا لمواصلة حياتنا لكن بعد سنوات، مع ملازمة إحساسنا بالفقد، الآن لدينا طفل آخر، صغير لم يزل، هو هنا معنا لكنه يلعب غير أبه بما نقول)
اود ان اشدد على ان شعب إرتريا محترم وراقي وطيب وله ثقافة محترمه، وهو يستحق كل تقدير واحترام ورد جميل.
كانت فقرة الختام تقديم لشهادة تقديرية و هدية تذكارية قدمها السيد/ الأمين محمد سعيد سكرتير الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، واللافت أن الهدية كانت عبارة عن منحوته باسم (قلب الممقاتل) وقد كان هذا الاسم عنوان لمقال كتبه الم سقد تسفاي و نشر في إصدارة المناضل - حربنيا - بعد تحرير ميناء مصوع، وكان يحكي عن مشهد في عز المعركة رأى فيه الكاتب قلب بشري لم يزل ينبض بعد أن اقتلع من الجسد بفعل قذيفة جعلت صاحب الجسد في سجل الشهداء، وانتج المشهد مقال كان له أثر كبير في رفع الروح المعنوية للمقاتلين، كانت تلك الهدية بمثابة اهداء لكل من عايش تلك الفترة وعاشها.