شهادة في أدب الأديب الإريتري هاشم محمود حسن
بقلم الأستاذ: عفيف قاووق - لبنان
لمن لا يعرف هاشم محمود، فهو الأديب الأريتري الذي سخّر فكره وقلمه لتعريف القرّاء عموماً،
وخاصة القُرّاء في الشرق العربي، على ذاك البلد المنسيّ ”أريتريا“، والمعاناة التي عاشها ذاك الشعب المظلوم جرّاء الإحتلالات المتعاقبة لبلده، فجاءت رواياته ”فجر أيلول“ وقبلها ”عطر البارود“ و”كولونيا الجديدة“ ومؤخرا روايته الحديثة ”الكتيبة 17“، جاءت لتنقل لنا تلك المعاناة، وتبعث في النفوس الأمل بالغد الآتي والمستقبل المشرق، وبالرغم من أنّ هذه الروايات تؤرّخ وتوثّق لحقبات تاريخية متعاقبة في أريتريا، إلا أنّ هاشم محمود أستطاع أن يُطّعمها بقصصٍ إنسانية وبنفحاتٍ شعريّة وفنيّة ابعدت عنها سمة التقرير أو التوثيق وقدّمتها بأسلوب رشيق، وبلغةٍ سهلة تجذب القارىء وتُبعده عن أيّ تعقيدٍ او ملل.
والذي قرأ لهاشم محمود، لا بدّ أن يلاحظ أن أدبه يمكن إدراجه ووصفه بأدب المقاومة أو الأدب السياسيّ بشكلٍ أو بأخر، وهاجسه الوحيد ربما هو رغبته في أن يحفر في تاريخ بلده أريتريا، والعمل على أرشفة وتوثيق معاناة هذا البلد وشعبه منذ الإحتلال الإيطالي وصولاً للإحتلال الأثيوبي ومروراً بالإحتلال البريطاني.
والملفت في روايات الاستاذ هاشم، إضافة إلى براعته وحرفيّته الأدبيّة، هو حُسن إختياره للعناوين الصادمة التي تحمل العديد من الإشكاليّات والدلالات. مثلا رواية ”عطر البارود“، كيف استطاع هاشم محمود أن يجمع بين البارود الذي يرمز للقتل والتدمير، وبين العطر الذي تفوح منه روائح الجمال والحياة؟! وكأنّه يريد القول أنّ البارود إذا أحسِن إستخدامه وإستثماره في الوجهة الصحيحة، لا بدّ وأن ينتج عطراً، هذا العطر هو بلا شكّ عبق الإنتصار والتحرير.
رواية أخرى حملت عنوان ”فجر أيلول“، وأيلول هو شهرخريفيّ سِمته الذبول وتساقط أوراق الأشجاروانتفاء الأزهار، ولكن إذا تضافرت الجهود وخلصت النوايا لا بدّ من فجرٍ سيبزغ بسواعد الأحرار، فجر تحرير أريتريا وحرّيّتها ، هذه الحرّية التي جسّدها أحد شخوص الرواية ”إبراهيم“ بالقول: ”المتحرّرون من الخوف هم أوّل الناجين من النار، وأوّل الوجوه التي تطلع عليها الشمس“. والأحرار فقط هم من يلهمون العالم، وهم فقط من يلِدون أحراراً، والحرّية هي دين البشريّة التي لا يختلف عليها إثنان، ولا حرّيّة من دون فجر ولذا كان فجرأيلول.
النقطة الثانية اللافتة في أدب هاشم محمود، هي في الإهداءات التي يُصدّر بها رواياته، ففي رواية نجدها مهداة إلى بلده ”إرتيريا مهد الرجال وعهد الوفاء ووهج الأمل“، وفي رواية ثانية تُهدى إلى الشهداء والمناضلين فهو يقول: ”إلى كلّ مناضلٍ غيور سعى جاهداً لتحرير أريتريا“، وإهداء في رواية أخرى يتوجه به ”إلى الراغبين في نور الفجر والقابضين على جمر القضية“ وهكذا… وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على ذوبان هاشم محمود وتعلّقه بوطنه وبقضاياه المُحقة، فحضور الوطن في رواياته يبدو طاغيا ويمكن اعتباره الشخصيّة الإعتباريّة المحوريّة لا بل البطل الرئيسيّ في تلك الروايات إلى جانب الشخوص والأبطال الآخرين.
برأيي، إن الروائيّ يجب أن يكون صاحب رسالة، يُعبّر من خلال نصوصه عن قضايا مجتمعه، وهاشم محمود البعيد طوعاً - أو ربّما قسراً - عن موطنه هومن هذا الرعيل، حيث انتدب نفسه سفيراً فوق العادة لبلاده، فمن خلال كتاباته تعرفنا على إرهاصات الثورة الإرتيرية ورجالاتها أمثال حامد إدريس عواتي وإدريس محمد آدم وغيرهم من رجال جبهة تحرير إرتيريا، لذا جاءت رواياته تتمحور حول تأريخ حقبة زمنيّة معيّنة من تاريخ إريتريا، تُبرز بطولات وتضحيات أبناء هذا البلد خلال سنوات عديدة من الإحتلالات، بطولات ومعاناة أرادها هاشم أن تبقى حيّة في وجدان الأجيال اللاحقة، لئلا تضيع تضحيات من وصفهم بأنهم من”جيل لم يسعَ أبطاله إلى مجدٍ شخصيّ أو إلى مكاسب فرديّة، فقط كان حلمهم بالوطن الحرّ الذي يهب السكن والسكينة لأبنائه“. وهو في هذا المنحى يمكن إعتباره انّه يمارس واجبه النضالي وإن كان هذا النضال نضال بالأدب كما وصفه أحد النُقاد.
لقد استحق هاشم محمود بجدارة لقب ”كاتب الوطن“، هذا الوطن الذي يراه في روايته الأخيرة ”الكتيبة 17“ أنه ”إنشودة الحياة وهو عِزّ الماضي وبريق المستقبل وسند الضعيف وهو لقمة الجائع وأمان الملهوف“.
نقطة أخيرة لا بد من التنويه بها وهي إصرار الروائي هاشم محمود على الكتاية باللغة العربية وكأنه بذلك يحاول التأكيد على الوجه العربي لبلده رغم تعدد اللغات واللهجات المحليّة فيه، وهنا أقتبس ما جاء في روايته عطر البارود .بلسان سميح القاسم وهو يتغني بإريتريا فيقول:
”إرتريـا
سمعت عن صبية… تغوص في دمائها
تمسح الغبار والدموع عن أبوابها
وتطرد الأشباح عن سمائها
وقيل إن وجهها.. ينضح بالخصوبة
والشمس والعروبة.“
ختاما كل التمنّيات للأديب هاشم محمود بالمزيد من التقدّم والتألّق، مع الأمل بأن تجد رواياته وأدبه المكان الذي يليق بها في المكتبات العربية وحتى العالمية لأنها تستحق.