فدائى يكتب عن الفدائيين قراءة فى كتاب المناضل على محمّد صالح
بقلم الأستاذ: عبدالفتاح ودّ الخليفة
حالنا فى تسجيل وتوثيق تأريخنا النّضالى ينطبق عليه المثل الذى نقلته من مقال للأستاذ (ردئى محارى) والذى يقول:
"زتقبرى بزوح إيو.. زى تنقرى خينو إمبر" ويعنى به: "ما حدث كثير ومالم يذكر أكثر"
لا يسعنى فى هذه السانحة إلاّ أن أشكر المناضل و الفدائى على محمد صالح على الجهد الذى بذله، ولخطوته الجريئة فى التوثيق فى الفترة التى يجرى فيها سباق محموم نحو الطمس والتحوير...
أولا: عنوان الكتاب كان حقّا كلمة مختصرة وجامعة للمحتوى (الذاكرة والتأريخ - ونمازج من بطولات) فحقا نمازج جميلة ورائعة من بطولات هذ الشعب الأبّى... ومواقف تأريخية يجب أن تكتب بمداد من ذهب... والتصميم كان فى أروع صورة حيث صمم الغلاف الأستاذ (سليمان بخيت) فألبس الكتاب حلّة الفداء والتصميم والصبر والعزيمة وكلّها ترجمتها الألوان ذات المعنى الأصيل والمعبّر... أما صورة الغلاف الخلفى كان رسالة لمن يهمّه الأمر: التمسك برمزية عواتى فهو حقّا رمزُ لا يعلى عليه...
ثانيا: من حيث المحتوى كان الكتاب جامعا لأحداث وطنية شملت كثير من التضحيات التى قدمها شعبنا وخاصة من كانوا فى مقدمة خنادق المواجهة (الفدائيون). ومن كلّ التظييمات السياسية بلا فرز وبلا تهميش... وهذا المعنى شمله الإهداء والمدخل... فحقّا الفدايئون أهمّ شريحة من شرائح صناع هذا الوطن والشهداء منهم حملو شهادات طهرهم ونقاءهم معهم فى لحظة إستشهادهم ليصبحوا هم الحقيقة الوحيدة الثابتة فى تأريخ الثورة.. وأى إرترى لا يملك إلآ أن يشكر الأستاذ والمناضل الفدائى على محمد صالح شوم على على هذا الجهد المقدر...
فقد حوى الكتاب على كثير مواقف وأحداث غيّرت مجرى التأريخ فى إرتريا مثلا:
1. عملية (أغردات) فى ساحة (جامع الأرواح يقيادة (آدم قندفل)
2. عملية هيكوتا فى نفس العام والفدائى (آدم قندفل)
3. معجزة (سمبل الأولى) فى العام 1963 بقيادة الشهيد (سعيد حسين محمد) ورفاقه الأماجد.. وملحمة التسلل إلى المطار وإحراق طائرات عمل بطولى لا يضاهيه عمل بالرّغم من قلّة السلاح وشحّ موارده... وإنتشار مخابرات العدوّ فى العاصمة أسمرا مثل الكلاب المسعورة.
4. ثم التخلص من العميل الإثيوبى الإرترى الأصل العقيد (جرى كدان تسفاى) بقيادة سعيد صالح، عبدالله دوؤود والمناضل حامد جمع.
5. ومن ثم تفاصيل عمليات منظمة العقاب.
6. ووقفة مع الفدائى المناضل الشهيد (سراج الشيخ أحمد حجّى) ودوره فى حماية المناضلان الفدائيان (سيوم عقبانكئيل - حرستاى) والمناضل (ولدى داويت تمسقن) قبل القبض عليهم ودخولهم السجن...
ثالثا: قرأت فى الكتاب ملاحم ومطاردات داخل أسمرا علق منها فى ذهنى المناضل (كبروم قبرى مدهن) (ودّى بولا).. رجل يطارد ويتوارى من أنظار مخابرات الجيش والمخبرين ويختفى فى أزقة أسمرا، ومن ثمّ يعود ثانية، وفى مطاردة أخرى وعندما أحسّ أنه قد يقع فى الأسر يطلق رصاصة الرحمة على جسده النحيل وقلبه الذى ينزف حبّا لوطنه إرتريا فى خطوة جريئة لحماية أسرار العمل ولدرأ الخطر عن رفاقه القابضون على الزّناد فى زوايا أخرى من شوارع المدينة... هذا المناضل كان حقّا شبلا إبن أسود حملوا روحهم على كف والفرد فى يد أخرى طورد بعضهم سينينا فى (أسمرا) ولم تعثر مخابرات العدوّ لهم على أثر، يذكر منهم دائما وابدا (بطل إرتريا وإبن (عناقر) القرية (أحمد محمد برهان) المعروف بالإسم الحركى (أحمد أسمرا) ويذكر منهم دائما (عمر أحمد عمر) الفدائى الشجاع شهيد دنكاليا .. ويذكر منهم (شهيد أم حجر عام (1978) (أبراهام تخلى) الذى لم ينم يوما غرير العين فى مدينة مولده (أسمرا) من كثرة المطاردات و (زمهرت يوهنس) المسؤول فى حكومة الهقدف... ومنهم (تارقّى براخى) عضو المجلس الثورى السابق و (عبدالملك بشير) و (حدراى فسها) رفيق (عمر أحمد عمر) و(أبراهام تخلى) وأحد منفّذى (العملية الكبرى) فى سجن (سمبل) فى 31 ديسمبر عام 1974
رابعا: أقرأ فى الكتاب أهمّ نقاط فارقة وضربات موجعة فى تأريخ العمل الفدائى للعدوّ فالثورة بالعمل الفدائى هزّت أركان النظام الكهنوتى الإثيوبى بالتخلص من العميد (تشومى إرقتو) قائد الجيش الثانى فى (إرتريا) عام 1970 وفى شهر نوفميبر وفى القرية التأريخية (بالوا)... ثم جاء دور القائد الثانى الجنرال (يلمّا ألم) و فى يوم قتله وقع فى الأسر الفدائى العصامى (عمر أحمد عمر) وعذب حتى أخرجته الجبهة فى (العملية الكبرى) من سجن (سمبل) ليستشهد بسلاح إخوته فى (عدّى) فى جنوب (دنكاليا) الحبيبة قاهرة الرجال...
ولكن من مفارقات الزمن ونوادر معركة التحرير فى إرتريا القائد الجديد كان العميد (تفرّى بانتى) والذى أصبح لاحقا رئيس (الدرق) ربّما أرسلت الثورة من يصفّيه ولكن (مسدّس) العقيد منقستو هيلى ماريام كان قد سبقنا إليه فأعدمه عندما هاجت إثيوبيا وبدأت تأكل بنيها.. وحتى الجنرال (هيلى ماريام) وزير الدفاع الذى أمر بالذبح والقتل وإحراق القرى وأرسل لتلك المهمة المجرمين (تشومى) و(يلمّا ألم) أحرقه المتهوّر (منقستو) من ضمن (63) عميلا ووزيرا فى عملية تصفية جماعية فى نوفيمبر 1974 فى (أديس أببا) وتلك أحدى الشواهد على أنّ لعنة إرتريا ودعاء الثكالى واليتامى لاحقتهم أينما حلّوا وإرتحلوا.. فالله يمهل ولا يهمل وتلك عاقبة المجرمين.
خامسا: فى الكتاب ملحمة أخرى وهى (العمليّة الكبرى) عملية (سجن سمبل) قيل عنها الكثير وقيل أنّ أحد أبطالها كان النقيب (تخلى هايمانوت) والعميد (أبرهلى كفلى) لم يذكر من نفذوها ولم يذكر رفاقه (عبدالقادر رمضان، حديش ولدى قرقيش، محمود قدوى) ولا أحدا من أبطال تلك العملية ربّما لأن الكلام لا يصح فى الجو العدائى الذى تكنه حكومة (أسمرا) للتراث الجبهجى العتيق،،، ولكن عوضونا الفدائيون المتواجدون فى الخارج فشكرا (تولدى قرزجهير - حدراى فسها - كبروم محارى) وغيرهم ممن سلط الضوء على العمل الفدائى والعملية الكبرى فى (سجن سمبل)...
سادسا: ملحمة الفدائيّان عبدالله حسن و (همّد عامر إدريس - كابلى) أحمد الله الذى ابقى لنا المناضل عبدالله حسن ليروى لنا ملحمة أخرى من ملاحم المواجهة.. لست من هواة الأفلام ولكنى أحلم فيه باليوم الذى يعاد كتابة هذه القصّة الملحمة لتكون مادة لفلم يحكى ويحفظ للأجيال إحدى درر المواجهة وحجم التضحية فى معركة التحرير وصناعة هذا الوطن، ممّا يعزّز الإرتباط الوجدانى بالوطن عند الأجيال الناشئة وعموم الإنسان الإرترى على مرّ العصور.
سابعا: وحتّى لا ينسى تأريخ (النّساء الفدائيّات) أفرد الكتاب مساحة لدور الفدائية (سعديّة تسفو) فى تصفية العميل (على بخيت) فى مدينة كرن كنت أشاهد هذا العميل بشكل يومى أمام حوانيت الآباء فى قلب السّوق، يتتبّع الشّرفاء أبناء الرّيف وأضاق عليهم المدينة بما رحبت، كانت المناضلة الشريفة أخت الرّجال (سعدية تسفو) تعمل فى (شركة العلك) التى كان يديرها المخضرم العم (عبدالرّحيم كيكيا) وبعد تنفيذها للعملية قتل جيش العدوّ والدها (تسفو) وأحرق منزل الأسرة الذى كان خلف (جبل وحىّ بتّريت) وخلف قلعة القتلة الـ (فورتو)...
وأضاف كتاب الأستاذ على محمد صالح إلى ذاكرتى أسم الفدائية (رقبا) ا الفدائية التى كتمت سرّا لسنين وشاركت فى إعدام (حارس سجن سمبل)...
ثامنا: وحتى لا تنسى ملاحم الرجال المدنيون ومن إستشهدوا دفاعا عن العرض والأرض، أعاد الكتاب ذاكرتى ألى أيام الصبا والطفولة وملاحم سجلها رجال مدنيون منها ملحمة المناضل المدنى (محمود بلاى) فى القاش عرفته عن قرب وبالصدفة لأنه كان يأتى لزيارة أبناءه الذين كانوا يحفظون القرآن فى خلوة الخليفة جعفر فى حينا فى مدينة (كرن) وباقى القصة يمكن قراءتها فى الكتاب... وكنت أتمنّى لو أنّ الكتاب يفرد فصلا أو عنوان فى دفتيه (للفدائيين المدنيين، أما الفدائى المدنى الذى يجب أن يكتب تأريخه هو العم المغوار (سالم هداد أدق) شهيد الجبل فى مدينة (كرن) فى يوم مقتل العقيد (جرى كدان تسفاى) قتل جندى إثيوبى غازى فقتله غازى جائر آخر،،، ولا شك هناك الكثيرون من أبناء هذ الوطن مثلهم دفعوا أرواحهم فى كثير من (قرى) و(مدن) إرتريا دفاعا عن عرضهم وأرضهم فقط تحتاج إلى من يدوّنها لترى النور...
تاسعا: قرأت قصة المناضل العنيد الفذّ العم (على محمود أحمد) تبعته من قرية مولده (عيلا قندت) وهبطت معه وهو طفلا إلى (مرب) وكركون... ثم (أمحجر) رحلت معه إلى (بوشكا) (شمبقو، (إندا أبقوناى) (صندل أودا) (عد قناد ) ومعقل الـ (شفتا) (عوبل القاش)
قصة هذا الرجل الشجاع والصادق فى عمله وقوله قصة حياة إنسان وهب الرّوح للوطن، فى كلّ سطر فيها كانت تعيدنى إلى قصة (ودّى حدرا) و إسمه الحقيقى (ولدنكئيل ودّى فطور) الفرق بين الرجلين كبير من حيث الوعى والوطنية فالمناضل الرعيل (على محمود أحمد) رفض فكرة الخروج عن القانون ورفض أن يكون (أبضاى مسلّح فى الغابات) بلا هذف وطنى واضح ولكنهما إشتركا فى الشجاعة والجنوح نحو المواجهة والصبيانية ولا بأس فى ذالك فالإنسان فى كلّ مرحلة عمرية هو شخص آخر إن جاز التعبير...
الإثينين أعطيا فكرة موجزة وحية عن ظاهرة( الشفتا) فى إرتريا التى يتأفف الكثيرون من ذكرها والخوض فيها وكثير من المسلمين يعتقدوان أنها مهنة المسيحيين ابناء كبسا.. و كان البعض يعتقد عندما كتب (ألم سقّد تسفاى) عن (ودّى حدرا) فى العام 1983 بأنّ الرجل يقحم أسماء المسلمين فى ظاهرة الـ (شفتا) مع أنّ الأحداث كانت تروى على لسان (ودّى فطور) فى الكتاب ولأن الرجل أيضا أعطى إنطباع بأنّه يكره (جبهة تحرير إرتريا) كره الإنسان للبرص وتلك ظاهرة مرضية لم يشفى منها الكثيرون حتّى اليوم... فهم الناس بأنّ الكاتب متحامل وأنه يريد أن يقول (كلنا فى الهوى سوى)
ملاحظات على الكتاب:
كنت أرى لو يبوّب الكتاب على حسب التسلسلا الزمنى أو التأريخ الفدائى فى كلّ مدينة على حدة، فمدننا وقرانا حبلى بالتأريخ الفدائى تأريخ ملأه التضحية والفداء بالروح والأنفس، وربما كانت سوف تأخذ العاصمة (أسمرا) نصيب الأسد فى التدوين...
• أو تقسيمه على حسب الأحداث التأريخية فى الثورة...
• العمل الفدائى إبام (حركة تحرير إرتريا
• العمل الفدائى منذ فجر سبتمبر وحتى قيام المناطق
• العمل الفدائى 1965 إلى قيام الوحدة الثلاثية ...الخ
وفى الأخير لا يسعنى فى هذه العجالة إلا أن أشكر المناضل/ على محمد صالح شوم على على الجهد المبارك فحقّا الكتاب وثيقة لمن أراد المعرفة وزبدة طيبة لمن أراد أن يتوسّع، أما التوثيق الممهور بختم الدولة مفقودُ الآن نسبة للظروف التى تحيط بالبلاد من جرّاء الحكم الفاسد فى (أسمرا) ومن وجد فرصة الكتابة مكبل ومقيد بسياسة الهقدف وفرعونها المتسلط على الرقاب.. فمثلا كتب الوزير (تسفاى قبرى سلاسى) وهو من المؤسسين وعضو رابطة الطلبة فى ثانوية (لؤول نكنّن) مع زميله (أسيّاس أفوورقى) و(هيلى ولدى تنسائى - درّع) كتب عن تجربة الجبهة الشعبية ومرّ دون أن يذكر دور مدرسة الكادر التى أخرجت للجبهة الشعبية 10 ألف كادر سياسى وكان الدور الأكبر فيها لزميله (هيلى درع) لماذا؟ ربّما لأن الرّأيس لا يريد أن يذكر رفيقه الذى أرسله إلى (عيلا عيرو) ليموت موتا بطيئا ويكون نسيا منسيا.. إذن التدوين الوطنى يحتاج إلى جهة مخلصة لوطنها وتأريخها والحقد والحساسية لا يسقط التأريخ ولا يمحيه والتأريخ السليم يكتب فى جوّ حر وديموقراطى بعديدا من الحقد والحساسية المفرطة... وفى هكذا حال لا نملك إلا أن ندوّن ما عندنا من معلومات ونترك التلقيح والتنقيح لدولة القانون والمواطنىة فى إرتريا الحرة قريبا إنشاء الله وفى الأخير الشكر المكرّر للمناضل (على محمد صالح شوم على).