قراءة في التاريخ الجنرال تدلا عقبيت

قراءة الأستاذ: عبدالله الشريف - إعلامي إريتري ديمقراطي  تأليف المناضل الأستاذ: أحمد طاهر بادوري

لقراءة في التاريخ كتب: الأستاذ/ أحمد طاهر بادوري في كتابه "إرتريا.. رحلة في الذاكرة" في صفحة "23، 24، 25"

ارتريا رحلة في الذاكرة

نقلا عما دونه الأستاذ/ محمد سعيد ناود "رحمه الله"، نعيد قراءته لعلنا نجد فيه تفسيرا لما جاء به ذاك الرجل المعتوه، وأيضا نعيد نشره كما جاء في كتاب "إرتريا.. رحلة في الذاكرة" وذلك بقصد تعميم الفائدة المعرفية.

كتب الأستاذ/ أحمد طاهر بادوري يقول: دون الأستاذ/ محمد سعيد ناود في كتابه القيم حين تحدث عن الجنرال/ تدلا عقبيت مايلي:

"ربما يجهل الجيل الحالي إسم الجنرال/ تدلا عقبيت، ولكن الذين ناضلوا من الأجل القضية الإرترية في أواخر الخمسينات وأوئل السيتنات يعرفون جيدا إسم الجنرال/ تدلا عقبيت لأنهم زاقوا على يديه الأمرين من المطاردات والإعتقالات والتعذيب، فقد كان الجنرال تدلا عقبيت عضوا في حزب الإنضمام "الأندنت" وأنه لم يؤدي عمله في حدود وظيفته كمدير للشرطة الإرترية. ولكن سخر هذا الموقع الهام في ممارسات التسلط والتجبر ضد القوى الوطنية الإرترية.

كما سخر هذا الموقع لخدمت مخططات إثيوبيا الرامية لضم إرتريا. والرعيل الذي عاش تلك المرحلة يحفظ عنه ذكريات أليمة ومرارت لا حصر لها. كما أن الجنرال/ تدلا عقبيت لم يخضع لا لرئيس السلطة التنفيذية في إرتريا ولا حتى للمحاكم الإرترية. بل كان يتصرف بسلطات مطلقة وكأنه الحاكم الفعلي وبصلاحيات مطلقة، حيث كانت إتصالاته مباشرة بالحكومة الإثيوبية سواء كان عن طريق ممثل الإمبراطور او مباشرة بأديس أبابا. ولذا فإن مجرد سماع إسمه كان يمثل الرعب والخوف والإرهاب. وبالنسبة لأعضاء حركة تحرير إرتريا الذين ذاقوا السجون والمعتقلات في عصره لا حصر لهم. وكمثال..يكفي أن نذكر بأن المظاهرات التي أخرجتها الحركة كانت نتيجتها في أسمرا فقط إعتقال أكثر من سبعمائة شخص من أعضاء الحركة وغيرهم، دعك عن بعض المعتقلين في الأقاليم الأخرى. وكان الجنرال/ تدلا عقبيت يشرف على الإعتقالات والتحقيقات وحتى التعذيب.

أخبرني الكثرون بأن الجنرال كان موعودا من قبل الإمبراطور/ هيلي سلاسي بأن يعينه حاكما على إرتريا بعد ضمها لأثيوبيا. فقد كان يقوم بتهديدهم لكي يوافقوا على الإنضمام. ويتوعد من يرفض ذلك بأنه سيتعرض لبطشه. بل أن بعض أعضاء البرلمان الذين كانوا بالأقاليم كان يجلبهم بواسطة الشرطة ليحضروا تلك الجلسة. وكان يقوم بكل تلك الخطوات بالإتفاق مع الإثيوبيين.

لقد كان الجنرال/ تدلا عقبيت في حوالي الخمسين من عمره تقريبا وهو إرتري الجنسية. ولم تكن لديه أي خلفية ثقافية. ولكنه كان شرطيا ناجحا. وكانت تسيطر عليه فكرية شيطانية لا ندري من أين إستوحاها، وهي أن المسلمين يودون الإستلاء على إرتريا ومن ثم القيام ببيعها إلى جمال عبدالناصر. ربما تعود تلك الفكرة إلى جهله بحقائق الموقف وسط الشعب الإرتري آن ذاك. أو إلى دعايات حزب الإنضمام والذي كان عضوا فيه. ولذا كانت مطاردته وإعتقالاته قد بدأت بالمسلمين ولكنه فوجئ وأصيب بصدمة عندما إكتشف أن حركة تحرير إرتريا لم تكن تنظيما خاصا بالمسلمين بل كانت لكل الإرتريين. وهذا عندما شملت الإعتقالات أعداد كبيرة من المسحيين من أعضاء الحركة.

بعد ضم إرتريا طلب من الجنرال/ تدلا عقبيت بالقدوم إلى أديس أبابا لحضور سيمنار لكل مدراء الشرطة في عموم أثيوبيا. لكنه لم يلبي الدعوة معتبرا إياها خدعة ليتم حجزه في أديس أبابا ووضع مكانه شخص آخر. وبعدها بفترة وجيزة طلبت أثيوبيا من الجنرال/ تدلا عقبيت أن يسلم مهامه كمدير عام للشرطة لشخص آخر لكي يتوجه إلى أمريكا في بعثة دراسية. وهنا أصيب بصحوة غير مفهومة حيث بدأ يتصل بعدد من أعضاء حركة التحرير إرتريا الذين عرفهم من خلال ممارست التعذيب معهم أثناء إعتقالهم. وبدأ يناشدهم بتحريك الجماهير. فواجه كثيرون تحركه بالتشكك. أذكر أن قيادة أسمرا قد أخبرتني بتحركه. وكان جوابي "أنه لم يدخر وسعا في محاربتنا، والآن يود أن يدخل بين صفوفنا ليوجه لنا ضربة قاضية من داخلنا، فعلينا الإبتعاد عنه". وكان ذلك موقفا طبيعيا لي ولغيري، وهذا ما كنت أعتقده من تحركه.

ربما كان الجنرال/ تدلا عقبيت صادقا للإستعانة بالحركة. إلا أن ذلك كان بعد فوات الأوان، وبعد أن أصبحت قضيته شخصية. كما أنه لم يكن بالإمكان أن يقوم بالتسلط على الحركة بهدف القضاء عليها. وفي اليوم الثاني يعود إليها طالبا تعاونها. كما أنه وعندما تم الإفراج عن المعتقلين الذين تظاهروا ضد ضم إرتريا، فإن الجنرال/ تدلا عقبيت أبقى من المعتقلين عضوي حركة تحرير إرتريا دبساي قبري سلاسي ونور عبد الحي وأخذهما إلى المكتبة وأجلسهما وقال لهما: أن جلستنا هذه هي جلسة الأب مع أبنائه. وأقسم لهما بأنه لم يتسبب بعد الآن في إلحاق أي ضرر بهما. وأن ما سيتم عنه في هذه الجلسة سيكون مكتوبا بينهما وبينه ولا يعرف عنه أحد أي شيء. وطلب منهما أن يشرحا له بكل صراحة الأهداف التي يناضلان من أجلها. وبدورهما شرحا له أنهما ينضالان من أجل إرتريا والتي بمقدورها أن تصبح دولة مستقلة دون الإعتماد على أثيوبيا، حيث تتوفر لها الزراعة والصناعة والموانئ والمواشي والمعادن.

وأستمر النقاش بينه وبينهما من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثالثة بعد الظهر. وفي نهاية اللقاء قال لهما: (أنتما من اليوم أحرار وعليكما أن تستمرا في نضالكما. وإذا تعرض لكما أي أحد من رجال الأمن قولا له أن قضيتنا مع الجنرال/ تدلا عقبيت وأطلبا مقابلتي) ثم أطلق صراحهما. وهناك من أخبرني ممن كان على صلة بالجنرال/ تدلا عقبيت، بأنه وفي تلك الفترة بدأ يبحث عن الكتب الثورية لقراءتها والإستفادة منها في تصدية للإثيوبيين.

وفي يوم مقتله وبعد أن رفع حالة الإستعداد القصوى وسط نقاط الشرطة استدعى عضو حركة تحرير إرتريا دبساي ولد سلاسي: (أمامكم ثلاثة ساعات فقط لكي تحركوا الجماهير لتخرج في مواكب في جميع أنحاء إرتريا. وإذا لم يحدث ذلك فبعدها لم تكون هنالك فرصة). ذهب دبساي وبدره قابل كحساي بهلبي عضو قيادة الحركة في أسمرا ونقل له هذا الحديث. وكان رد كحساي بهلبي: (أن الامر ليس بهذه البساطة. فأولا لا أستطيع أن أفعل شيء قبل عقد إجماع للقيادة. وبعدها فإن الأمر يحتاج لإتصالات أوسع.) ونتيجة لتحركات الجنرال/ تدلا عقبيت المكشوفة فإن أحد مساعديه من كبار رجال الشرطة قام بنقل كل شيء عن تحركاته وأقواله ونواياه إلى ممثل الإمبراطور بإرتريا. والذي قام بدوره بنقل كل ذلك إلى أديس أبابا. وأخذ الإمبراطور/هيلي سلاسي زمام المبادرة حيث أصدر تعليمات بالقضاء على تحركات الجنرال/ تدلا عقبيت. فقد جاءت مجموعة من رجال الأمن لتنفيذ تلك التعليمات حيث دخلوا عليه في مكتبه في رئاسة الشرطة وقاموا بقتله في وضح النهار).

Top
X

Right Click

No Right Click