ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الثامنة والثلاثون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
إرث الجبل المنهار:
بعد حركة 1982/3/25 بدأت التنظيمات الآخرى، تستقطب من ترك الجبهة من مقاتلين وكوادر وقياديين،
أي كل الأطراف المقطّعة من الجبهة، اعتمدت هذه التنظيمات على إرث الجبل المنهار. فقد تم الاتفاق بين ما تبقى من جبهة التحرير بقيادة الدكتور هبتي تسفا ماريام وقوات التحرير الشعبية بقيادة عثمان سبي. وهذا بعض ما جاء في هذا الاتفاق المبرم بعد اللقاءات التي عقدت في روما وكسلا والخرطوم والمناقشات المستفيضة لوحدة التنظيمين:-
1. الدمج الفوري لأجهزة التنظيمين كافة.
2. تشكيل لجنة عليا مشركة، تشرف على عملية الدمج.
3. يتم تشكيل لجنة تحضيرية لعقد المؤتمر التنظيمي، على أن يُعقد في فترة أقصاها ثلاثة أشهر.
4. يعتبر أعضاء المجلس الثوري أعضاء في المؤتمر إسوة بأعضاء المجلس المركزي ولا يخضعون للانتخابات.
يتم سريان هذه الاتفاقية من تاريخ توقيعها، التوقيع الدكتور هبتي تسفا ماريام وعثمان سبي حرر في 1982/12/11. وتتوالى الأحداث وتبدأ الحرب الميدانية والتصفيات من كل الأطراف التي بقيت على الساحة الأرترية في كفة وتصفيات الجبهة الشعبية في كفة أخرى، فكثيراً ما كانت تغذي الجبهة الشعبية الكفة الأولى حتى تزيد الانشقاق وتزيد الفرقة، وتبقى هي في الساحة تسرح وتمرح وهذا ما تمّ لها فعلاً.
بتاريخ 11/4 اغتيل الشهيد/ محمد عثمان الملقّب بتمساح في القاش، على يد عناصر من جبهة أحمد ناصر وهو ردّ على قتل مسؤول الأمن ملاكي نخلة وهذا مسيحي المذهب. وحامد عثمان مسلم.
الرد كان على وتيرة واحدة بين أخوة وأشقاء وزملاء سلاح ملاكي كان وطنياً شجاعاً، كانت الجبهة تخشاه تمساح كان وطنياً شجاعاً كانت الجبهة الشعبية تخشاه..!
في 1982/6/20 قدّمت جبهة التحرير الارترية أحمد ناصر مذكرة إلى اللواء عمر محمد الطيب النائب الأول لرئيس الجمهورية السوداني ورئيس جهاز أمن الدولة، هذه المذكرة تتضمن سرداً لواقع الجبهة من ماض وحاضر ومستقبل وهذه بعض الفقرات منها:-
1. تحت رعاية الحكومة السودانية تم توقيع اتفاق وحدوي مع قوات التحرير الشعبية عثمان سبي هذا الاتفاق لم ير النور وبقي كلاماً على ورق وذلك بسبب الانقسام الذي حدث للقوات والذي نتج عنه قيام الجبهة الشعبية رمضان محمد نور وأسياس أفورقي الغطاء كان رمضان والأصل أسياس.
2. في تشرين الأول/أكتوبر عام 1977 تم توقيع اتفاقية مع الجبهة الشعبية أسياس وهذه الاتفاقية تعثرّت، والسبب هو الجبهة الشعبية التي خلقتها وذلك عن طريق افتعال الصدمات العسكرية، وفي النهاية تحالفت الشعبية أسياس مع الشعبية تجراي الأثيوبية ملس الزيناوي وضربت جبهة التحرير، وبعد عام دخلت الجبهة إلى الأراضي السودانية وفي 1992/3/25 قام عبدالله ادريس بحركة 25 آذار/مارس واعتقل رئيس اللجنة التنفيذية ورفاقه وقتل مسؤول الأمن ملاكي تخلة.
3. إن عبدالله ادريس كان قائداً للجيش لمدة 13 عاماً، وواحدا من العناصر التي كانت في موقع صنع القرارات السياسية والعسكرية. أضف إلى ذلك شجاعته وجرأته.
4. إن العنف لا يولّد إلا العنف المضاد، والخسارة سوف تكون أكبر، ويظل العدوّ هو المستفيد الأكبر.
5. إن ما حدث جرى داخل الأراضي السودانية، ونحن نرفض أن ننقل صراعنا إلى داخل الأراضي السودانية.
6. إننا نتقدم بمقترحاتنا التالية التي نرى إنما تعتبر خطوات عملية في سبيل الوصول إلى وحدة التنظيم:-
أ) إطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم الأخ أحمد ناصر.
ب) الدعوة لاجتماع طارئ لكل أعضاء المجلس الثوري تحت رعايتكم أي تحت رعاية رئيس جهاز الأمن السوداني اللواء عمر الطيب حيث أن المجلس الثوري هو أعلى سلطة للتنظيم على أن يُصدر قراراً بتعيين لجنة تحضيرية لعقد المؤتمر الوطني الثالث.
ج) انتخاب قيادة انتقالية للتنظيم من خارج المجلس الثوري، لحين انعقاد المؤتمر الوطني الثالث.
د) أن يتم المؤتمر الوطني الثالث لجبهة التحرير الارترية خلال شهرين.
واختتمت المذكرة بهذا سعادة النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز أمن الدولة.
إننا على ثقة مطلقة بأنكم لن تألو جهداً في سبيل تقديم الدعم والمساندة لحل ما تواجهنا من عقبات ومشاكل، فقد كنتم دائماً تبذلون الجهد تلو الجهد في سبيل مساعدتنا والحفاظ على وحدتنا.
وتقبلوا خالص شكرنا وتقديرنا
جبهة التحرير الأرترية
هذا ما تم فعلاً وأنا أخترت لكم القليل.. القليل وأني أستذكر معكم النصائح والإرشادات والتوصيات من كوادر الثورة وقياداتها والحكومات والدول الصديقة علّنا نصل إلى الحقيقة، وما أذكره هنا ما جرى خلال سنوات قليلة، وهذا ما استطعت أن أدوّنه في مذكراتي، ومن خلال معايشتي للأحداث حين وقوعها.
ومن المذكرات والوثائق التي أستطعت الحصول عليها هذه الوثيقة التي أنشرها كاملة بعد تقديم فقرات منها:-
في رسالة مؤرخة بتاريخ 1981/12/5 ورقم 1197 م. ق 81 يقول فيها مسؤول مكتب الجبهة في القاهرة ادريس قلايدوس: قابلت أحد المسؤولين المصريين، وبعد النقاش عن الأحداث الأخيرة ونتائج اجتماع المجلس، كانت نتيجة المناقشات أو بالأحرى الملاحظات التي قدّمها هذا المسؤول هي وهذه فقرات منها:-
1. إن ما حدث رغم مرارته ورغم بعض التحفظات، هو أمر متوقع في مسيرة الثورة... ينبغي التركيز في المستقبل.
2. ترك لوم السودان أو توجيه العقاب إليه لأن السؤال المهم هو كيف دخلت هذه القوات الكبيرة العدد المسلحة تسليحاً جيداً وثقيلاً إلى الأراضي السودانية؟
3. لكن ما العمل الآن؟.
يقول هذا المسؤول: إننا نؤكد أن موقفنا ثابت ولا يتغير بالنسبة لقناعاتنا في الساحة الارترية، نحن مع جبهة تحرير ارتريا، وسنتعامل كدأبنا دائماً، أي نتعامل معها بالدرجة الأولى، ونحن نحبّ أن نؤكد التقدير الكبير للقرار المسؤول بتسليم الأسلحة للسلطات السودانية، ورفض الدخول في قتال مع الجيش السوداني، لأن مثل هذه القرارات الصعبة، هي المحك للتصرف المسؤول.
4. كما نلاحظ أن اهتمامكم بالسعودية ليس كما ينبغي، لذا لابد من بذل جهد أكبر مع هذا البلد.
وفي عام 1977 وتحديداً في 1977/1/5 عممته قيادة جبهة التحرير كتاباً إلى مكاتبها في الخارج تقول فيه: إن عناصر ارترية من الجبهة الشعبية دُرّبت على وسائل الاستخبارات في إسرائيل، وستأتي هذه العناصر من أوروبا إلى السودان، إلى الأراضي الارترية المحرّرة والبلاد العربية باعتبار أنهم ارتريون، لذلك نحذر مكتبنا من أن تستقبل عناصر غير معروفة، ومن ارتريا تحت تغطية أنها لاجئة ومنها تسافر إلى أوروبا ثم إسرائيل، إن هذه العناصر سوف تقوم بالتخريب السياسي والعسكري، نأمل أن تسرعوا بغبلاغ كل مكاتبنا بذلك.. التآمر على جبهة التحرير قديم، وما أذكره وأكتبه ليس إلا جزءاً من هذه المؤامرة الكبيرة.
تزييف العملات:
جاءت مذكرة من مكتب القاهرة وبتوقيع ادريس قلايدوس وتحمل الرقم 456م ق76 تاريخ 1976/12/12، وهذا بعض ما جاء في هذه الرسالة نصاً وحرفاً: موضوع تزييف الدولارات الذي مارسته الجبهة الشعبية، وهو ما كتبنا لكم عنه من قبل، حديث فيه تطور جديد، فلقد أبلغتُ وزارة الخارجية المصرية عن هذا الموضوع.
قال المسؤول في الخارجية المصرية إذا اتخذنا أي إجراء مضاد فلا يفسر بأنه عمل سياسي ضدّ الجبهة، وملخص الحديث إن هناك تزييف لنقد مارسته بعض أجنحة الثورة الارترية وأوردوا الأسماء التالية:-
1. محمد علي الأمين – مسؤول مكتب الكويت للجبهة الشعبية.
2. محمد علي افعرورا – مسؤول مكتب لبنان للجبهة الشعبية.
3. رمضان محمد نور – رئيس تنظيم الجبهة الشعبية.
4. حسن كيكيا – تاجر.
5. ولد ميخائيل...؟
6. نافع كردي – ممثل الشعبية في فرنسا.
7. حديش ضرار مالو – ممثل الشعبية في لبنان.
الأول كان ممثل قوات التحرير في الكويت، ثم انضم إلى الجبهة الشعبية، وهرب من الكويت لتورطه في فضيحة مالية مع أحد المسؤولين الكبار جداً، وسجن في السودان بسبب اختلاسه أموالاً من بعض التجار العرب، واليوم مطلوب من الانتربول لتجارته بتهريب اليورانيوم، والثاني كان ممثلاً للقوات في لبنان ثم انضم إلى الجبهة الشعبية وكان يبيع ويتاجر بالسلاح وغير السلاح.
الثالث الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا الواجهة، الرابع تاجر ارتري عاش كل حياته متنقلا بين اديس أبابا واسمرا والخرطوم، يتاجر ويفعل أي شيء في شبيل مصلحته، الخامس لا أعرف عنه شيئاً.
أما السادس فهو ممثل الشعبية في فرنسا، ثم انضم إلى الجبهة الشعبية وقبل سنوات قتل شاباً وأدع السجن من أجل إحدى الصحفيات العرب، وعندما كنا في تونس نحضر ندوة عن ارتريا شتم العرب وبلدي بشكل سافر وتشاجرتُ معه، بل صفعته عندما شتم العرب عندها تدخل كل من الشيخ ادريس محمد ادم وأدم بيك وعنّفاه وأتيا به إلى غرفتي وقدّم اعتذاره.
وقال قلايدوس في رسالته: "إن هذه الأسماء تحت الرصد من قبل الأجهزة الأمنية المصرية والكويتية والانتربول، هذا ما قاله المسؤول في وزارة الخارجية المصرية.
فكان ردي (نحن نناضل لتحرير وطننا ونعيش تحت أقسى الظروف المادية والمعنوية). وإني أحب أن أؤكّد أن تزييف عملة العدو أمر مشروع ثورياً لأن تحريب اقتصاد العدة هو وسيلة من وسائل الحرب الثورية، فهل هذا التزييف هو للنقد الأثيوبي؟.
كان ارد بالنفي، وقالوا من المؤكد لدينا الآن تزييف النقد الأمريكي، وقالوا إذا كان بامكانكم أي في جهاز أمن الثورة رصد هذا الأمر في السودان وابلاغنا عن النتيجة.
وبعد أيام وجدت إبراهيم منتاي في القاهرة وهو من المقربين لعثمان سبي قائد قوات التحرير، وأثناء دردشة طويلة معه دخلنا في الموضوع فقال لي حرفياً: "إن الجماعة - ويقصد بالجبهة الشعبية - زيّفوا العملة الأمريكية بالاتفاق مع أمن الثورة في عدن، وتقاسموا المبلغ وكان هذا منذ مدة.
أما بخصوص تزييف النقد، فذكر أن هذا من رواية لسعيد مطهر وكان حسن كيكيا وشقيقه موسى موجودان في القاهرة، وقد طلب سرية الموضوع، وعدم الزج باسمه، لأن هذه الأسماء معروفة، وهي تحت الرصد، أما سعيد مطهر فهو يمني الأصل وعاش في ارتريا وله تجارة في كا من السودان واليمن والسعودية واثيوبيا.
تقرير سري:
الرقم ك 97/6/77م التاريخ 1977/6/3 مرسل من علي محمد صالح إلى مسؤول العلاقات الخارجية في جبهة التحرير الارترية بتاريخ 1977/5/2.
استدعيت من قبل الدائرة السياسية في وزارة الخارجية الكويتية، وذلك لاطلاعي على زيارة وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الصباح الأخيرة إلى إيران، وضمن المباحثات مع الحكومة الايرانية، تناولوا الوضع في ارتريا ومنطقة البحر الأحمر. وشرح وزير الخارجية الكويتية بالتفصيل عن القضية الارترية والنضال العادل الذي يخوضه شعبنا... قال لهم: أنتم كنتم تساعدون هيلا سيلاسي، والآن الوضع في المنطقة تغير ما هو موقفكم من القضية الارترية حالياً؟.
كان الرد الإيراني لم يتصل بنا أحد من الثورة الارترية، ونحن الآن مستعدون لتقديم المساعدات للشعب الارتري من أجل قضيته العادلة... وبعد النقاش توصلوا لزيارة وفد إلى الكويت بطريقة سرية، واللقاء مع ممثلي الجبهات الثلاث، وذلك بعد أخذ رأي الجميع سبق وأن طلبت بعض الدول العربية من إيران تقديم المساعدة للثورة الارترية.
كان هناك تحفظ أما الآن فعلاقتهم مع الكويت جيدة وعميقة، وهناك تبادل ثقة واستجابوا لمبادرة الكويت، إن الحكومة الكويتية ترى أن دعم إيران سيكون له تأثير.
وبعد فترة سافر وفد مكوّن من الأخ أحمد ناصر رئيس المجلس وعبدالله سليمان وقابلا الإمام آية الله الخميني فماذا كانت النتيجة؟..
موقف القطر العربي السوري الثابت:
قالت السيدة مديرة مكتب الوزير: تفضل الأستاذ أحمد يريدك، وتعني الوزير أحمد اسكندر، بعد السلام والكلام، قلت للاستاذ الكبير: خيراً يا أستاذ أحمد.. لا يوجد شكوى هذه المرة عليك، قال لي السيد وزير الإعلام: من هو المسؤول في مكتب جبهة التحرير الارترية في دمشق غيرك أنت بالطبع وضحك... خير هل هناك شيء؟ اخبر أصدقائك إن السيد الرئيس حافظ الأسد تكلم مع السيد بريجنيف لمدة طويلة حول القرن الأفريقي شرح فيها السيد الرئيس موقف سورية الثابت من القضية الارترية.
قال السيد الرئيس للرئيس بريجنيف والقادة السوفييت: "إن سورية لا تؤيد الاعتداء على أرض الغير، ولكن القضية الارترية تختلف تماماً، وأوضح أن ارتريا ضُمت قسراً إلى الامبراطورية الأثيوبية، وإن الثورة الارترية هي حركة تحرر وطني تناضل ضد الاستعمار".
وقال الرئيس حافظ الأسد: "إن سورية لها موقف مبدئي من النضال الارتري وهي تدعمه وسوف تستمر بدعمه وتزيد من دعمه العسكري والمادي في هذه المرحلة للثورة الارترية". وأوضح الرئيس للقيادة السوفيتية أن هناك خطاً فاصلاً بين هذا الموقف المبدئي لسورية من القضية الارترية وباقي القرن الأفريقي.
وقال السيد الرئيس الأسد: إن تقدمية النظام يجب أن تقاس من خلال عطائه للثورة الارترية وليس من خلال قمعه لها وطلب من القيادة السوفيتية أن تتعامل مع القضية الارترية بمعزل عما يدور في القرن الأفريقي.
كذلك قال لي الأستاذ اسكندر وزير الإعلام: إننا نريد أن توضح لأصدقائك في قيادة الثورة هذا الكلام إلى أن تتاح لهم فرصة لمقابلة السيد الرئيس الذي سيشرح لهم ما دار في الحديث. هذا هو موقفنا ولكن ماذا عن موقفهم.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة