ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الثامنة والعشرون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
اتفاق مع الجبهة الشعبية ومفاوضات في ألمانيا.
قلت لأحمد ناصر: طالما لا تريد أن نتكلم فلنغيّر الموضوع.
أجريتم اتفاقاّ في شهري سبتمبر وأكتوبر عام 1975 مع الجبهة الشعبية ويقول هذا الاتفاق: (إن أي لقاء مع أثيوبيا يجب أن يكون مشتركاً) أصحيح هذا؟ وما الذي حدث؟
قامت الجبهة الشعبية من وراء ظهرنا بإجراء ثلاث مقابلات مع الأثيوبيين في المانيا الديموقراطية، رغم وجود نص صريح ومتفق عليه بأن أي لقاء مع الأثيوبيين يجب أن يكون مشتركاً بيننا ..فوجئنا بهذه اللقاءات وتمّت هذه اللقاءات في شهر كانون الثاني وشباط وحزيران وكانون الأول 1978 وأجرى هذه اللقاءات مع الأثيوبيين وفد برئاسة أسياس أفورقي والأمين محمد سعيد وبرعاية المانية.
قلت لأحمد ناصر: انتم التقيتم والشعبية في 1978/5/22 في مدينة كرن في ارتريا، ألم تتفقوا على شيء؟
نعم التقينا في مدينة كرن في التاريخ المذكور وكان هذا اللقاء قد جرى الإعداد له قبل مدةٍ. ذهبنا في الموعد المدد وضمن وفد كبير برئاستي وعضوية كل من عبدالله إدريس رئيس المكتب العسكري وإبراهيم توتيل رئيس المكتب السياسي وعبدالله سليمان مسؤول العلاقات الخارجية وملاكي تخلة مسؤول الأمن، اجتمعنا وكان على رأس وفد الجبهة الشعبية رئيس التنظيم رمضان محمد نور وإبراهيم عانة وآخرون.
وأسأل عن أسياس أين هو؟
أجابني رمضان: إنه موجود في ارتريا ولعمل طارئ لم يستطع الحضور، لم يكن رمضان صادقاً، إن أسياس كان موجوداً عند الالمان ويلتقي مع الأثيوبيين في برلين سراً، ويعمل من خلف ظهرنا، نحن ننسق أن نكون سوية، وهم يعملون عكس ذلك.
صدّقناهم في بادئ الأمر، ألسنا نحن ثوار وصادقون؟ لم يخطر في بالنا أن يكونوا في هذا المستوى، اتفقنا نحن والشعبية أن يكون لنا وفد سُمي الوفد الموحد للقيادة السياسية العليا، يضمني أنا احمد ناصر رئيس جبهة تحرير ارتريا ويرافقنا مسؤولا العلاقات الخارجية من كلا التنظيمين. اتفقنا أن نزور الدول العربية الشقيقة والدول الأوربية والأفريقية، هكذا تم الافاق فيما بيننا، وعدت إلى مقري في هواشيت.
وهناك وجدت برقية تقول: "يجب حضورك فوراً إلى الخرطوم"، إن أمراً هاماً حدث ويحدث، والبرقية كانت مرسلة من عبدالله سليمان، وتقول البرقية إن أسياس في المانيا؟ كيف عرف بوجود أسياس في برلين يتفاوض مع الأثيوبيين؟ ولم يطل الجواب إن سفارة ألمانيا الديمقراطية أخبرتهم بذلك.
ويتابع ناصر: أتيت إلى الخرطوم، ومنها إلى دمشق، والتقيت بصالح أياي، وهناك جاءت تفاصيل الخبر الذي يقول: "إن الأثيوبيين والجبهة الشعبية يتفاوضون في ألمانيا وتحت رعاية المسؤولين في جمهورية المانيا الديمقراطية.
قال لنا الألمان "إن رفاقكم في الجبهة الشعبية موجودون في برلين، ويحاورون الأثيوبيين، وعليكم أن تحضروا إلى برلين بسرعة".
إذن أسياس في برلين وليس في ارتريا كما قال رمضان محمد نور.
قال أحمد ناصر: إن الألمان قالوا لنا، غن عضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الموحّد قادم من ألمانيا لهذا الغرض وسوف تلتقون به في بيروت، وهذا ما تم في دمشق، إذاً علينا الذهاب إلى بيروت والالتقاء بالمسؤول الألماني هناك، هكذا قال لي صالح اياي وفي بيروت التقينا القائم بأعمال السفارة وكان ذلك في الشهر السادس عام 1978.
قلنا للقائم بالأعمال: "ما هذا التصرف؟ وما هذه الفوضى؟ كيف تدعون وفداً ارترياً عدة مرات وتخفون عنا هذا؟ ربّما يكون ذلك من حقكم، أما أن تقولوا لنا احضروا إلى ألمانيا فهذا لا يليق بنا ولا بكم.
قلت لأحمد ناصر: ألا تعتقد أن هذا شأن ألماني..؟ ثم قلت له أن الألمان عام 1977 دعوا وفداً من قوات التحرير، وذهب الوفد وكان برئاسة محمد سعيد ناود والتقى بالألمان، ثم ألم يذهب مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة عبدالله سليمان إلى ألمانيا والتقى بالألمان أيضاً؟
أرجو المعذرة من القارئ لأن لي تعليقاً بسيطاً: (بعد 29 عاماً اتضّح لي أن صديقي صالح اياي لم يكن يطلعني إلا على ما يريد هو..) إن حلولاً سلمية هي المطلوبة فأنتم أحرار أن تدعوا من تشاؤون، أما نحن قلنا رأينا نحضر أو لا نحضر. هذا ما قاله أحمد ناصر للألمان.
قلت له: ألا يعلم الألمان أن هناك اتفاقاً بينكم وبين الجبهة الشعبية بألا يلتقي أحداً بالأثيوبيين سراً أو علناً إلا وتكونون معاً؟. قال أحمد ناصر هذا للقائم بالأعمال الألماني: أنتم استقبلتم الوفد، من وراء ظهرنا، كذلك فعلت الجبهة الشعبية، لقد اجتمعتم ثلاث أو أربع مرات سوية من وراء ظهرنا، فما هو المقصود من تصرفكم هذا؟
بدأ التأثير يظهر على وجه القائم بالأعمال الألماني بل كان واضحاً عليه. سكت قليلاً ثم قال: إن اللجنة المركزية للحزب أوفدت أحد أعضائها لتتناقشوا معه، هذا ما قاله لنا القائم بالأعمال الألماني.
وتابع أبو بردى قائلاً: بعد أيام التقينا بعضو اللجنة المركزية في بيروت وكان يصحبني المناضل صالح اياي التقينا به لمدة ثماني ساعات،أربع ساعات قبل الظهر وأربع بعد الظهر، قلت له أي لعضو اللجنة المركزية: هل تريدون أن تخلقوا فتناً فيما بيننا بلقائكم هذا مع الجبهة الشعبية؟ هذا عمل غير لائق بكم وبمعتقداتكم.
قال لنا عضو اللجنة المركزية: نرجوكم أن تنضموا إلى وفد الشعبية.
أي وفد؟ تتفقون أنتم والشعبية من وراء ظهرنا، ثم تقولون انضموا للوفد!! هذا شيء معيب ونحن لا نقبل به ونرفضه، ولن نذهب إلى المانيا.
لم يبق هناك ثقة في معتقداتهم، ونحن لا نعرف ماذا تم في هذه اللقاءات، لماذا أخفيتم أنتم والجبهة الشعبية هذا الموضوع عنا؟ هناك سر في الموضوع، أنتم تعلمون أننا وقعّنا اتفاقية بهذا الخصوص لكن الذي تم يعتبر غدراً من الشعبية خاصة. ربما يكون قد جرى اتفاق سري بينكم، فما الذي يدرينا ألا يتم هذا من وراء ظهرنا؟
إذا كنتم تعتقدون بأن الجبهة الشعبية تستطيع أن تنفرد بالحل، فاستمروا معها، أما إذا كنتم تريدون علاقة معنا نحن جبهة التحرير الارترية فأهلاً وسهلاً ونحن حاضرون، نحن بعد فترة سنذهب إلى موسكو، وبعد أن ننهي مباحثاتنا مع السوفييت من الممكن أن نعرّج على ألمانيا ونلتقي بكم أما بخصوص حضورنا الآن ومشاركتنا بالوفد فنحن نرفض.
قلت لأحمد ناصر: كنت قد سمعت بأن هذه اللقاءات لم تسفر عن شيء، سمعت ذلك بطريقتي الخاصة.
قال أحمد ناصر: أراد عضو اللجنة المركزية الألماني أن يهدئ الموقف. فقال: إن المباحثات كلها قد فشلت.
لم نكن نثق بكلامه، إلا أن الألماني قدّم لنا بعض الوثائق التي تؤكّد فشل هذه اللقاءات، ثم قال عضو اللجنة المركزية الألماني: إن وفد الجبهة الشعبية برئاسة أسياس أفورقي مغادر، وقلنا لهم: إن هذا لا يليق بكم كعقائديين.
هذا ما قاله لنا عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الألماني الموحّد، نحن رفضنا الذهاب إلى ألمانيا وعاد هو إلى بلده وسألتُ أحمد ناصر: إنكم عدتم والتقيتم بالألمان من جديد أليس هذا صحيحاً؟
نعم.. التقينا بالألمان في طريق عودتنا من موسكو، ولم تسفر اغللقاءات عن شيء يذكر، وكرّر الألمان محاولاتهم عن طريق الفلسطينيين واليمنيين، لكن دون جدوى.
قلت لأحمد ناصر: إن لكم علاقة طيبة باليمنيين ولهؤلاء علاقة مميّزة مع الأثيوبيين فما هو دور اليمنيين في هذا؟.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة