ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الرابعة والعشرون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
لم أقل القيادة كلها، بل أكثر من نصفها كان في حينها عبدالقادر رمضان يتجه إلى دنكاليا عن طريق عدن
كان هذا آخر لقاء بيننا وروى لي هذه الحكاية:
قال لي اسمع يا أخ أحمد كنا نعقد اجتماعاً مصغراً نناقش فيه أوضاعنا، وكان يحضر هذا الاجتماع ادريس قلايدوس وعندما كان هذا يتكلم كان يلمز ويغمز تجاهي، لكنه زاد في الغمز واللمز وصار يتهمني مباشرة، ويذكر الأشياء التي حدثت والتي لم تحدث واستمرّ في غيه وذهب بعيداً جداً في الكلام، حتى بت أخشى أن يتهمني بالجاسوسية.
وأنا ساكت أكلمه وأنا الذي يخوض المعرك هنا وهناك من المنطقة الغربية إلى كبسه إلى المرتفعات إلى اكلى كوازي إلى دنكاليا الشمالية والجنوبية، لقد جبت ارتريا مرات عديدة، على قدميّ وصاحبنا قلايدوس في الخارج يأكل في الفنادق الفخمة، ونحن هنا لا نجد الماء، وحين نجده يكون ملوثاً، صار قلايدوس يتفلسف ولم استطع أن أتحمّل أكثر من ذلك.
وقفت ورفعت يدي، وصفعته على وجهه صفعة قوية أخرجت حليب أمه من جوفه وتدّخا الحاضرون وابعدوني عنه.
سألني عبدالقادر: كيف تتصور ردة فعله؟
حمد صالح حمد جالس يسمع وكان في حينها حاضراً.
قال عبدالقادر: أتعرف كيف تصرف هذا الثعلب الماكر؟ ذو الوجوه العديدة.
وقف قلايدوس وقال: لماذا أنتم منبهرون! إن الذي حدث كان طبيعياً، مناضل تضايق من أخيه المناضل فضربه، ألسنا مناضلون؟
ويجب أن نتحمّل بعضنا بعضاً؟
كان قلايدوس داهية، ولكن على من؟ على رفاقه وأبناء وطنه؟
أتعلم يا أحمد أن قلايدوس قد سُجن لمدة عامين في مصر.
وماذا كانت تهمته؟
التجسس لحساب اسرائيل، والله إن أخذت برأيي فهو أكثر من ذلك. ودارت الأيام يا أبا سعدة وأنا أريد أن أوصلك إلى نقطة هامة.
لقد حكم على ادريس كلايدوس بالإعدام بعدها، لماذا لأننا اختلفنا مع كلايدوس وزمرته على اسلوبهم. وأراد قلايدوس تنفيذ الإعدام من أجل استقلال بلدي وسوف أقاتل حتى استشهد، فالطريق طويل أمامنا وأعداؤنا في الداخل والخارج كثيرون، وسوف يأتي اليوم الذي ننتهي منهم جميعاً، أرجوك يا أبا سعدة ألا تتأثر بما حدث! أنت تعرف أن شعبنا يحبك ويحترمك.
هنا قال الصامت المثقف: كثيراً ما يسألنا المواطنون وشيوخ القرى عنك يا أبو سعدة يقولون لنا بالحرف الواحد: أين صديقنا أبو سعدة؟
نرجوك ألا تتأثر فنحن أشقاء.
رحم الله عبدالقادر وحمد صالح وأعود لأتابع لكم بقية الرواية.
تابع أحمد ناصر: لم يكن لحروي يد في اغتيال عبدالقادر،
ثم استطرد قائلاً: من المستحيل أن يُقدم حروي على عمل كهذا، وأنا اخلّص ذمتي فيما أقول، إن قسماً من الفالول قاموا بعمل كمين لعبدالقادر ورفاقه، ومن الذين استشهدوا مع عبدالقادر علي ابراهيم وهو عضو أيضاً في المجلس الثوري، ثم الممرض الشاب ضرار كانوا يسيرون بالعربة حين فاجئهم الفالول وقتلهم جميعاً.
كان هذا في دنكاليا وهي صحراء، وهؤلاء الفللوليون المجرمون هربوا فماتوا من العطش وعندما قامت الجبهة بالتفتيش عنهم فلم تجدهم بل وجدت جثثهم التي نهشتها الوحوش، ومثال آخر على جرائم الفلالول هناك شاب صغير السن اسمه حدقو وهو المسؤول المالي في حماسين، وكان نائماً مع رفاقه ولم يعرف أنهم من الفالول فقتلوه وهربوا إلى قوات التحرير الشعبية بل كان أكثر من ذلك لقد تمردت كتائب وسرايا: فحين كنت في ارتريا وقتها كنا نسير في الطرق غير الطرق المتعبة عادة والسبب هو هؤلاء الجنود المتمردون.
وكان من أبرز عناصر الفالول في حماسين ويرأسهم قبر برهان ذرأي وهو الآن يعيش في اديس أبابا ويرأس الحركة الديمقراطية لتحرير ارتريا والتي تسمى اي دي م والتي أسسها حروي تدلا بايرو بعد هذا كله ترك حروي الميدان وتوجّه إلى السودان وبقي فترة من الوقت في كسلا وتم اكتشاف القيادة الفالولية كان ضمن هؤلاء الفوضويين الجواسيس الذين عملوا لحساب اثيوبيا، ذكر لي أحد المناضلين حين كنت في مدينة اغردات الآتي: اكتشفنا جاسوساً يعمل لحساب أثيوبيا، واسمه زكرياس وقد تمّ إعدامه وقد كان فالولياً.
كما قلت سابقاً عن تمرد الكتائب والسرايا: فقد انضم حوالي الألفين من الجنود بأسلحتهم الكاملة إلى الجبهة الشعبية، وكان هؤلاء المقاتلين من الذين دُربوا تدريباً عسكرياً جيداً، فقامت الجبهة الشعبية بالتخلص منهم في حرب مصوع الأول وانتهى منهم.
لقد انتهى الفالول في الداخل، وبدأ الفالول في الخارج. بدأت الدعايات ضدنا وكنا نصبر ونتغاضى عن هذه الدعايات.
كيف التقيتم مع عثمان وهو سكرتير البعثة الخارجية لقوات التحرير الشعبية. وشكلتم واياهم وفداً موحداً؟
فقال أحمد ناصر: لم نكن نعلم أن هؤلاء الأفراد لا يمثلون القوى المسيطرة ضمن تنظيمهم.
ولما جلسنا نتكلم معهم، كانت البعثة الخارجية برئاسة عثمان صالح سبي موجودة بكاملها.
سألتهم وقلت لعثمان شخصياً: ألم تخبرني أن ممثلين عن اللجنة الادراية سوف يحضرون؟ أين هم؟
وفي ذلك الوقت أرسلت معظم الدول العربية وفوداً عنها، لتحضر مع الأخوة السودانيين هذا الحوار ويكونون مراقبين هنا صدرت دعاية عن البعثة الخارجية تقول: إننا فوضويون ونحن متطرفون ولسنا بحاجة إلى وحدة.
واجتمعت مع عثمان في الخرطوم وكان برفقته عمر سراج ممثل قوات التحرير الشعبية في بغداد وقلت لعثمان: مبروك يا أخ عثمان اليوم زغرد الشهداء لأن الوحدة قريبة.
أجابني عثمان: ثلاث كلمات فقط على بركة الله.
يتابع أحمد ناصر: عثمان قال لي كيف لا تلتقون معنا ونحن موجودون معكم؟ إن وفدنا مؤلف من رئيس البعثة الخارجية ولد آب ولد مريام وأنا أي عثمان سكرتير البعثة ومحمد سعيد ناود مسؤول الإعلام في حينها و عمر برج وطه محمد نور وعمر سراج ممثلهم في بغداد. كل هؤلاء حضروا ولم يحضر أحد من اللجنة الإدارية.
قلنا لن نجتمع بكم. أين اللجنة الغدارية؟
قالوا لنا: هذا تدخّل في شؤوننا، وأنتم ليس لكم الحق، بالتخل بشؤوننا سألت أحمد ناصر قائلاً: اعتقد أن وفد الجبهة كان مؤلفاً من أحمد ناصر رئيس المجلس الثوري، وإبراهيم توتيل رئيس المكتب السياسي وملاكي تخله مسؤول الأمن عبدالله ادريس مسؤول المكتب العسكري. والزين ياسين مسؤول العلاقات الخارجية أليس هذا صحيحاً يا أحمد: أجابني أبو بردي.
نعم.. هذا صحيح. ثم تابع حديثه قائلاً: إننا لا نتكلم معكم من الناحية القانونية، لكننا نخشى من المشاكل السياسية، وهي كثيرة.
قال عثمان: إذا كنتم تريدون أن تكون اللجنة الإدارية حاضرة، فانتظروا لأن أعضاءها قادمون.
وانتظرنا طويلاً، ثم عاد عثمان وقال: إن اللجنة الإدارية لا تستطيع الوصول بسبب فيضان نهر بركه تجاه توكر وبور سودان وهنا.
انتهى اللقاء الأول بين الجبهة وقوات التحرير.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة