جذوة الخلاص ومحنة المصائر في رواية - كولونيا الجديدة
بقلم الأستاذ: إبراهيم سبتي - كاتب عراقي
الرواية التي تمنح زخما للخلاص والكفاح والتحرر، مؤكد انها مكتوبة بلغة مليئة بالثورية
والغارقة في خوض تفاصيل البلاد المغتصبة والتي تتظافر كل الجهود الخيرة من اجل الخلاص والتحرر والامل.. انها ضربة قوية وصفعة لا تمحى اثارها بوجه الحاكم المتسلط المغتصب للبلاد التي تحتشد يها الرواية بقيم البطولة والثورية والطيبة والخير.. انها رواية كولونيا الجديدة للروائي هاشم محمود، الذي كتب روايته بلغة هادئة تفوح منها روائح الانتفاضة ورفع الاصوات العالية للمضي في طريق التحرير.
الرواية كبيرة في معناها وثيمتها، ووجدت ان الاحداث تتلاحق للوصول الى الذروة وكشف المصائر.. الصراع بين انتظار الابن من زوجته ليزا بعد عشر سنوات، هو نفسه الانتظار من الخروج من الكابوس والظلم في بلاده الذي سيطرت عليه قوة غاشمة لا تنظر الا لرغباتها ورغبات الاخ الاكبر.
ان التوغل في تفاصيل الشخوص التي كانت متوزعة بين لندن (الدراسة) والقاهرة (الحب والامل والاصالة)، نجد انهم حملوا الهم الاكبر، كل واحد وقدرته لكن يبقى الراوي هو حامل الهم الاخطر والاهم بالخلاص والتحرر.. ومفارقة الموت والولادة قد منحت الرواية نقلة في الخروج من نفق الانتظار والترقب، الى فسحة الحياة الواسعة وفضاءها المفتوح دائما.. رواية مشوقة ومهمة وهي وثيقة تاريخية عن نضال شعب والتطلع نحو الحرية والخلاص.. يسجل الروائي نقلة في طريق الخلاص من خلال اللقاء ب(عامر) اللاجئ الارتيري في القاهرة وبين التفاوض والاتفاق مع (خليل) للتخلص من وحيد القرن كما وصفه.
ومن خلال سير الاحداث ندخل في قضية خطيرة تلاحق عامر وهو البحث عنه من قبل ماجورين اثيوبيين لاغتياله.
انها تضعنا في صورة ما يحدث للثوار والذين يبحثون عن الحرية والتطلع لتحرير بلادهم، ان المستعمر سوف لن يتركهم في حالهم، فيستخدم شتى الوسائل القبيحة والشريرة للقضاء عليهم.
وهكذا نجد ان عامر يمثل الثورة المطاردة والتي يريد الحاكم المستعمر قمعها والتخلص من جذوة الوطنية الموجودة في دواخلهم وعامر يمثل كل اللاجئين الارتيريين في اصقاع العالم والذين ظلوا يحاولون ايقاد شعلة الثورة في اية لحظة. يتحمل (ادريس) الشخصية الرئيسية، كل ما يسمع ويرى ويلمس من الذي يحيط حوله، فهو يرى الثورة في عيون اصدقائه ويرى الموت بغيب عامر اللاجيء الارتيري وهو يرنو الى اليوم الذي تتحرر فيه بلاده ويجد اهله وهم يلحون عليه يريدون ولدا من زوجته ليز بعد عشر سنوات من الزواج ويرى كل شيء بصدر رحب يتسع لكل الهموم والمحن والامل واشعاع النور القادم.
فيجد ادريس نفسه في القاهرة وهو يتجول في سيارة الاجرة مسرورا وسعيدا بمنظر الشوارع الباعثة عن الحب والامل وهناك يستقبله صديق الدراسة عشري الذي يكون بمثابة الصديق الباسط ذراعيه له وهناك يتعرف على عبير ويلتقي بخليل، انها المعادلة التي نظمها الكاتب ليقول بان القاهرة تكمل مشوار التحرر من المستعمر لأنها تحتضن الثوار برحابة ويسر.
وفي مفاجأة يلمسها القاريء سوف نجد ان عامر الذي مات من عملية الاغتيال، سيختفي من خشبة الغسل ويحولّ ادريس بكل هدوئه وقوته وعدم حزنه (يلتفت إليها إدريس، فإذا هي عبير فتاة مركز الدراسات التي حضرت ترتدي الأسود، لكنها لم تر في ملامح إدريس ما يشير إلى حزن)، هذا المشهد يتحول الى انطلاقة تحكي قصة الرواية وهو يقول بان عامر عاد (ويبتسم ابتسامة ملأت وجهه، ثم يحتضنه بشدة، وينظر إلى زوجة عامر مهنا:
أيتها السيدة العظيمة ! يا ابنة الأرض المقدسة! ارفعي رأسك
وتحللي من السواد والدموع ! أخيرا عاد عامر، أخيرا تحرر.)