ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الخامسة عشر
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
سر يعلن للمرة الأولى:
أما أحمد جاسر الذي أصبح مسؤولاً لتنظيم خاص به، بعد فترة من الزمن،
والذي كان مرتبطاً سراً بالجبهة الشعبية، وهو الآن يعيش في القاهرة، في ثبات ونبات (ويخلّف أولاداً وبناتاً).. لماذا؟! لأن حكومة الجبهة الشعبية راضية عنه، ألم يكن ينفّذ كل ما تطلبه منه ؟!.. وما أود قوله يعتبر سراً خطيراً في تاريخ الثورة الارترية ويُعلن للمرة الأولى:
كان أحد أصدقائي المجاهدين واقفاً بجانب الطائرة في مطار جدة يفرّغون الصناديق المكتوب عليها عبارة قابل للكسر. وضعت الصناديق على عدد من الشاحنات الصغيرة، وجلس صديقي المجاهد بجانب السئق في أول شاحنة ليخرج ومعه باقي الشاحنات من باب مطار جدة الخلفي، متوجهاً إلى ميناء صغير في أطراف مدينة جدة، وتقف الشاحنات ويتم نقل الصناديق منها إلى ظهر السفينة بكل هدوء وتأنٍ خوفاً من كسر محتوياتها.
وسارت السفينة على هدى النجوم، وعاد صديقي المجاهد إلى منزله هادئ البال، لقد تم كل شيء بهدوء، ثم عاد وكان بصحبته شخص أسمه عبدالرحمن جاسم، كان صديقي المجاهد يعتبرّه أحد الثوار المتشدّدين لنيل حرية بلاده كاملة.
ذهب صديقي إلى منزله وذهب الثائر المتشدّد إلى مركز للهاتف وطلب الخرطوم، كان على الجانب الآخر من خط الهاتف أحمد جاسر، المسؤول العسكري في قوات جبهة التحرير الشعبية، وهو ابن عم الثائر عبدالرحمن جاسر قال المسؤول العسكري في قوات التحرير الشعبية الارترية سوف تحفظ لك الجبهة الشعبية هذا العمل الكبير وسترى نتائجه في المستقبل.
كان العقيد كرّار والمسؤول الثاني في جهز الأمن السوداني واقفاً بجانب السفينة، وهي تفرّغ الحمولة في ميناء بورسودان غادرت الشاحنات ميناء بورسودان بحراسة بعض عناصر الأمن السودانيين برئاسة العقيد كرار.
الشاحنات تغوص في الرمل، وتعن لتخرج وتستأنف سيرها، عبر البلدات سواكن و توكر ومرافيد و قارورة السودانية، المسؤول العسكري لقوات التحرير الشعبية يلعب بشاربيه الصغيرين وعندما رأى غبار الشاحنات من بعيد ترك شاربيه وفتح فمه؟!.
وصلت الشاحنات، وتعانق العقيد مع المسؤول العسكري لقوات التحرير الشعبية، وقال له هذه هي هدية الشعب الإيراني للثورة الارترية 800 بندقية أم 16 مع ذخيرة لها تقدّر بمئات الآلاف من الطلقات، تعانق المسؤولان وقال العقيد خليفة كرار لأحمد جاسر الله يطوّ لكم عمر الأخ/ عثمان سبي فهذا جهده، وجذب أحمد جاسر العقيد قائلاً الله يخلينا ياك.
وحُملت الأسلحة على الجمال "سفن الصحراء" لتخترق قرية قارورة السودانية، إلى قارورة الارترية المحرّرة ومنها لتنطلق إلى قواعد الثوار في العمق الأرتري لتحفظ في مستودعات قوات التحرير الشعبية، بعد أيام وصلت سفن الصحراء ووضُعت الأسلحة والذخيرة في مخازنها في الساحل الشمالي من ارتريا.
في حي الأمتداد في الخرطوم يقع الشارع رقم 29 وفي فيلا أنيقة، سأل السيد/ أسياس أفورقي أحمد جاسر متى ستسلمنا الأسلحة يا رفيق جاسر؟.
هل أنتم مستعدون يا رفيقي العزيز؟
مئة بالمئة؟
الأسبوع القادم سيختفي القمر، وعندها تقومون بشن هجوم وهمي، على مستودعاتنا في الساحل الشمالي، وتدخل قواتكم المسكن وتستولي على الأسلحة.
لن أنسَ لكم عملكم البطولي، فأنت ابن الجبهة الشعبية الأمين.
نعم لقد كان أحمد جاسر مرتبطاً سراً بالجبهة الشعبية، وعند نهاية الشهر غاب القمر ودخلت قوات الجبهة الشعبية معسكلر قوات التحرير الشعبية ودون أية مقاومة، لأنه لم تكن هناك حراسة في الأصل، فلقد أعطى المسؤول العسكري إجازات طويلة للثوار المكلفين بحراسة هذه الأسلحة، إجازات لايعودون منها أبداً...!
واستولت الجبهة الشعبية على السلاح المقدّم هدية لقوات التحرير الشعبية من الشعب الإيراني، بواسطة رئيسها المرحوم عثمان صالح سبي.
الآن يعيش المسؤول العسكري عن قوات التحرير الشعبية في مصر بنعم بالديباج والحلي، أما ابن عمه عبدالرحمن جاسر الذي كان همزة الوصل بين المسؤول العسكري في قوات التحرير الشعبية والجبهة الشعبية فهو يحمل رتبة عقيد في جهاز الأمن الارتري وأخيراً لم يرجع الثوار حراس الأسلحة من إجازاتهم.!
أعود أتمّم الحديث عن لقائي مع أحمد جاسر في عدن:
جاءأحمد جاسر وسلّمته الرسالة حول الأحمدين الذين طُردا من الجبهة واشتغلا فراشّين في المملكة العربية السعودية، أفشلنا رحلتي إلى ارتريا وعدت إلى القاهرة لألتقي بطه محمود نور ممثل التنظيم في القاهرة، وصديق عثمان الحميم، دعاني طه إلى منزله وكان في الزمالك وعرفّني على عائلته، كانت زوجته إيطالية، وهو شاب لطيف ومهذب وشيوعي سابق، وهذا هوالتناقض طه محمد نور رجل تقدمي وعثمان سبي محافظ، عدت إلى دمشق، وبعد فترة قصيرة أخبرني ممثل عثمان سبي في دمشق ويدعى اسبروم وقد عرفته منذ عام 1968 عندما كان يأتي إلى الإذاعة السورية حيث كان يعمل في برنامج موجه إلى ارتريا، وسألني وبطريقة مخابراتية - بعد أن وضع الضوء على وجهي:
كيف سلمّت الرسالة؟
عن أي رسالة تتكلم؟
وأنكرت الموضوع كاملاً.
فقال لي: لقد خنتنا.
وأجبته وبحة أكثر:
أنت تتحدث عن الخيانة! وأنت أكبر خائن! إياك أن تتكلم عن الثورة والحرية، فأنت مجرم هارب من ارتريا، بعد أن قتلت عمداً مواطناً وهربت والتحقت بالثورة لتحميك، إذن وجودك كان للحماية، وليس من أجل حرية واستقلال شعب ارتريا.
على فكرة إن اسبروم يعيش اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، غن ألمي يزداد بعد مرور السنوات الطويلة، أعتقدت بأنني أقوم بخدمة الشعب الارتري عن طريق أصدقائي.
وأقف وقفة صغيرة هنا لأقول:
أين أصدقائي؟ أين صالح أياي و عمر جابر وحروي وتسفاي ومحمد نور أحمد ومحمد سعيد ناود وطه محمد نور وأين.. وأين؟ هل اعدد آلافاً أين زهرة جابر رئيسة الاتحاد النسائي الارتري، وهذه رواية أخرى وما أكثر الروايات والأحداث مع القياديين الارتريين.
في عام 1992 اتصلت بي زهرة جابر وقالت: أريدك ضروري يا أحمد.
أجبتها: في هذا الوقت المتأخر من الليل؟
قالت لي: نعم أريدك حالاً؟.
ألا تستطيعين التأجيل إلى غدٍ؟
لا.
حسناً أنا قادم إليك.
وأثناء مكالمة زهرة لي كان حامد طنبار وهو المسؤول المالي عن مكتب دمشق، موجوداً عندي، ذهبنا إلى زهرة أنا وحامد طنبار سوية وأعتقدت بأن شيئاً حدث لها أو لأبنتها.
خيراً يا زهرة.. خيراً ما بالك؟
وكانت ترتجف بشدّة وترغى وتزبد..
انظر ماذا يقول أسياس!
الهذا السبب استدعيتني؟.. ألا تستطيعين الانتظار إلى الصباح؟. ماذا يقول السيد/ أسياس؟.
وأعطتني مجلة الصياد بحدة وقالت: خذ أقرأ!
وعلى فحة الغلاف خريطة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وصورة السيد/ أسياس عليها وتحمل عنواناً كبيراً.
يقول: مفاجأة في القرن الأفريقي في حديث للصياد (رئيس ارتريا سنعترف بإسرائيل) ورقم العدد هو 2486 السنة 48/26 حزيران 1992.
لم أقرأ المجلة لأني أعرف مسبقاً ما هو توجه الجبهة الشعبية وضربت زهرة الأرض بقدمها وصاحت: لن نقبل بهذا التصرف! وسوف أدوس رأس أسياس بجزمتي هذه؟!!!.
وقلت: يا الله ما أعنفك يا زهرة! وكم أنت ثورية ومناضلة، أكثر من زوجك محمد نور أحمد، وكان هذا بحضور حامد طنبار الذي هرب من بلدنا بعد أن صدرت له الأوامر من الجبهة الشعبية بتسلم ممتلكات الجبهة في دمشق، وفعلاً قام هذا المناضل الذي عاش في سورية 16 عاماً وتعلّم فيها وأخذ شهادة الإعدادية والثانوية وشهادة الجامعة، هرب في جنح الظلام مع شلته ودفع بالجواز السوري الذي كان ينتقل به إلى مكتب الجبهة الشعبية، هل هذا هو الوفاء وهل هذه هي الأمانة؟ يا أصحاب الأمانة؟.
وإذا عدنا إلى زهرة جابر ونتساءل: ماذا تفعل الآن في ارتريا؟
أولاً: إن المناضلة زهرة جابر هي عضو في البرلمان الارتري، وعندما عيّنت لتكون عضواً في البرلمان الارتري، كانت في دمشق وأخبرني أحد الأصدقاء من السعودية بأنها أصبحت عضواً في البرلمان المعيّن وإن الذي رشحّها لهذا المنصب هو رئيس الحكومة السيد/ أسياس.
وقد أخبرت أصدقائي كافة: إن زهرة على علاقة ما بالجبهة الشعبية، ولم يستجب أحد منهم، إما كانوا متعاملين معها أم على علمٍ بذلك ولم يفعلوا شيئاً أوقصر بصر؟!!!
وزارتني في منزلي وتناولت الطعام معي عشرات المرات وكذلك أنا في منزلها لكني لم أثق بها أبداً!، وكانت تحاول معرفة أمور الجبهة وتتمتع زهرة بثلاثة مناصب هامة:-
الأول: عضو البرلمان المعّين والثاني عضو في لجنة الدستور والثالثة عضو في اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، أما كيف تم انتخابها في الجبهة الشعبية فله قصة.
لقد دافع عنها رئيس الدولة شخصياً وقال للمؤتمرين في مؤتمر الجبهة الشعبية الذي اعقد عام 1994 إن زهرة جابر هي عضو في الجبهة الشعبية منذ عام 1980، لقد خدعت أصدقاؤها وزملاؤها في جبهة التحرير، خريجة الجامعة الجزائرية، لم يكن ولاؤها ولا إنتماؤها للأمة العربية كما كانت زهرة تدعّي بل كان ولاؤها للجبهة الشعبية، أما زوجها محمد نور أحمد فهو يعمل الآن عملاً بسيطاً رغم قدرته وإمكاناته الفكرية، أما أخوها عمر جابر فقد لجأ إلى استراليا وأصبح مواطناً استرالياً، إن ألمي يزداد اليوم وبعد مرور الأشهر والسنوات لأنني لم أقف إلى جانب الأخ/ عثمان سبي، على الأقل هو رجل عربي مسلم، كنت أعتقد سابقاً بأني أقوم بخدمة تنظيم جبهة تحرير ارتريا.
وقفة صغيرة لي:
أين أصدقائي؟ لم يبق إلا القليلين، أين ثوار جبهة تحرير ارتريا؟ لا أحد.. معظمهم ذوّبوا أنفسهم في الجبهة الشعبية أما بعض الباقين فهم يعيدون لملمة أنفسهم من جديد..! لماذا فعلتُ هذا بعثمان؟ وقابلته مرة أخرى في دمشق وكان على علم بأني تآمرت عليه مع أصدقائي.
وقلت له: مالك؟ هل أنت غاضب مني..؟
قال: لقد تعاملت مع الارتريين، وليس مع أعداء ارتريا، وهذه نظرك.
أريد أن أعود إلى ارتريا، وعلى نفقتي، يا أخ عثمان!
رحم الله عثمان.
قال لي: جيبك وجيبنا واحد.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة