ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الثانية عشر
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
لَمْ الشمل: صباحاً وبعد شروق الشمس، جلست لوحدي، وكان موسى مع الحرس ينامون جانب بيت القش،
وأحس موسى بي وقال لي:
حبابك.. أي مرحباً.
صباح الخير يا موسى.
ألف صباح يا أبو سعدة. أعملك جبنه؟
نعم إذا أردت يا موسى.
ذهبت وتمشيت لوحدي إلى الخور، كنت أحب أن أجلس لوحدي. وجلست في وسط الخور أتأمل هذه الطبيعة.. أتأمل الأشجار الدوم الطويلة، أتأمل أشجار التاوي ونباتات لا أعرفها.
وأنا جالس جاء موسى ومعه القهوة، إن الارتريين لا يشربون من القهوة المهيّلة فنجاناً واحداً بل عدداً كثيراً من الفناجين، ويضعون فيها الزنجبيل.
قلت لموسى: لماذا عذبت نفسك؟
فقال لي: حبابك يا أبو سعدة، أنت صديق الثورة وأنا أخوك.
صدّقوني إذا قلت، إن أجمل وأطيب أيام حياتي، حين كنت أعيش بين المقاتلين، شربت القهوة وسرحت بخيالي نحو بلدي وأسرتي ولم أفق من شرودي، إلا عندما جاء حروي تدلا بايرو ومعه إبراهيم توتيل وعبدالله إدريس جلسوا بجانبي.
وقال توتيل لي:
لماذا أنت وحدك يا أبو سعدة؟
أليست الوحدة عبادة؟
كيف يا أبو سعدة لماذا؟
وضحكنا وشربنا القهوة واستعرضنا ما يتم في المؤتمر.
ثم قلت لهم: لماذا لم يأت بقية الأخوة المناضلين، ويشاركون في المؤتمر.
أجابني توتيل لقد فعلنا ما بوسعنا، وأرسلنا الوفود والرسائل، وللأسف لم يرد أحد، كان الأخوة العسكريون يريدون مؤتمراً خاصاً بهم، وهم لهم حقوقهم، فلولا الوعي الذي بدأ ينمو تدريجياً، لما تمّت دعوتهم إلى مؤتمر، سمّي بمؤتمر عواتي، وتمّت مناقشة الأمور المطروحة، وخرج المؤتمرون كافة بعد نقاش طويل ومستفيض بقرارات مهمة ومن هذه القرارات ضرورة الاتصال بالمنشقين كافة، ودعوتهم لحضور المؤتمر الوطني الأول.
وقبل عقد المؤتمر العام، عقدت مؤتمرات مصغّرة، وذلك للانتقال إلى المؤتمر الوطني الأول. وتم تشكيل وفود مشت إلى هؤلاء المنشقين، ومن هذه الوفود التي ذهبت وقد ضمت كلا من الشهيد صالح عمر شوم، عبدالله سليمان، محمد نور درماس، آدم أكي هذا الوفد مشى إلى منطقة قدم ليقابل محمد علي عمارو وبعدها يتجهون إلى المنطقة المتواجد فيها أسياس، وحتى الآن لم يعرف سبب توجيه هذه الرسالة، ومن كان وراءها وهذا ما أعتقده أنا شخصياً.
وتهرّب أسياس من الالتقاء بالوفد، أما عمارو فقد قابله هذا الوفد الذي ذهب وعاد مرتين، من قرب مدينة أغرادات إلى قدم ذهبوا وعادوا على الأقدام، ومن يعرف المسافة يقدّر الصعاب وقدم هذه المنطقة تقع جنوب مصوع، إذن من المنطقة الغربية إلى جنوب مصوع مرتين سيراً على الأقدام.
وأقدامنا هي وسيلتنا للوصول: وأنا الذي ذهب إلى أسياس وبعد التهرّب والمراوغة استطاعوا أن يقابلوه،
وقد وعدهم قائلاً: إما أحضر المؤتمر،أو أكتب لكم رسالة.
وهذا يعرفه المناضلون القدامى كافة.
اليوم وبعد مرور 29عاماً وفي مدينة دمشق الحبيبة، التقيت بالأخ/ أحمد ناصر وسألته عن هذا الموضوع.
فقال لي: كنت ممن ذهب لمقابلة أسياس ودعوته، وكان هذا في شهر 6-7 عام 1971 لكن أسياس لم يحضر، ولم يكتب رسالة كما وعد.
وقال أحمد ناصر:
إن الكتاب الذي أُرسل إلى أسياس، قمت أنا بتحويله وترجمته إلى التجرينية بيديّ هاتين، حيث أن أسياس لا يعرف حينئذٍ لا القراءة ولا الكتابة، باللغة العربية إلا القليل جداً، والنقطة الهامة في هذه الرسالة تدور حول الانشقاق، وقلنا له إننا لا نقبل به مطلقاً، يجب أن نجلس ونتحاور وتخبرنا ماذا تريد؟.
أما الانشقاق فهو غير مقبول.
هذا ما رواه لي أحمد ناصر بعد 29 عاماً، أما إذا سألتموني عن إبراهيم توتيل، فإني أقول لكم: إنه الآن يعمل تحت إمرة الرئيس أسياس أفورقي بصفة محافظ، ولي عودة للحديث عن إبراهيم توتيل فيما يعد.
وأعود إلى الجلسة مع الرفاق حيث تابع إبراهيم توتيل الكلام عن المناضلين عمارو و أبو طياره يعتبران من أكبر المنشقين لكن بمفهومهم الخاص، فقد روى علينا بلهجة عربية ركيكة قائلا: نحن نعرف تكتلكم وأساليبكم القبلية ونحن لن نحضر المؤتمر أما عمارو فقال: وبعد إعجاز إن شاء الله سوف أحضر إليكم ولطمأنينة هؤلاء المنشقين كان من ضمن الوفد أبو بكر محمد حسن وهو من قوات التحرير الشعبية، وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر.
أنت هنا يا أخ أحمد، في المؤتمر ترى القيادات والكوادر والشعب الارتري، هنا يُمثل باستثناء المنشقين.
وخطر لي خاطر غريب: في عام 1970 كنت في بيت القائد/ محمد أحمد عبدو في مدينة كسلا، كنت في ضيافته وبصحبتي كثير من الأخوة المناضلين.
كانوا يأتون للسلام والحديث معي. وكان من هؤلاء المناضلين حامد محمود آدم صالح وصالح فرج ومحمد عمر يحيى وآخرون وكلهم أعضاء في القيادة العامة، باستثناء محمد عمر يحيى وبدأ النقاش حول العمل الثوري والثورية، وما هو المفهوم الثوري؟ كان هذا هو محور النقاش، وهل هناك إنسان ثوري يا أبا سعدة؟ وطُلب إليّ أن أجيب على هذا السؤال،
وقلت لهم: يا أصدقائي إن رأيي هو الآتي: ليس هناك إنسان ثوري، إنما هناك حالة ثورية، يتفاعل معها الإنسان، فيصبح ثورياً.
وعند انتهاء هذه الحالة يعود الإنسان إلى طبيعته. وتطر النقاش بين حامد محمود وآدم صالح. بدأ نقاشاً وانتهى بمعركة. وللحقيقة أقول إن الذي بدأ بالمهاترات كان آدم، وهو من العسكريين الذين تدرّبوا في العراق. وابتدأت المعركة واشتدت، وتمزقت الملابس وصار استعمال الكراسي للضرب وهات يا عنف ثوري. لقد التحم العرب ولكن بمن؟
هل التحموا بالصهاينة بالأعداء؟ لا... كالعادة التحموا بعضهم ببعض، و(تبهدلت مع المتبهدلين) لأني شاركت في فض الشجار ولكن على الخفيف، إني آسف، نسيت أن أخبركم أن الأثنين من قبيلة واحدة هي قبيلة بني عامر، وبعد مرور 29 عاماً على هذه الحادثة، يجلس حامد محمود وآدم صالح في مدينة كسلا وعلى حد علمي وإطلاعي بالأمور، فلقد اجتمعوا من جديد بعد أن أصبحا لاجئين في السودان، ويحملان بطاقة لاجئ من الأمم المتحدة.
حامد محود هذا المناضل الكبير عضة و في جبهة تحرير أرتريا، برئاسة عبدالله إدريس وآدم صالح قائد اللجنة الثورية فقد فقد مكانه بعد إنعقاد مؤتمر لهم قلت لكم أن الأثنين عرب، وفعلاً هما عرب أقحاح، أما زملاؤهم المنشقون فقد أصبحوا حكام أرتريا، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية السيد/ أسياس.
وتوجّه الأخوان إلى قاعة المؤتمر، أما أنا فبحثت عن شجرة أجلس تحتها وأدوّن ما سمعته من الإخوان، وبجانب شجرة الدوم تمددت لأستمع إلى إذاعة دمشق، فوجدت إرسالها صعباً جداً وأنتبهت على صوت المناضل/ محمد عمر.
وهو يسألني: هل تريد ماء؟.
أهلين محمد عمر، اجلس لنتحدث قليلاً! يا محمد، إني أسمع الكثير عن أسياس أفورقي وعن عثمان سبي وغيرهما،ألهذه الدرجة يرفضان الوحدة الوطنية؟ هل من أجل مصالحهما الشخصية!، وهل هما خطران لهذه الدرجة!..
كنت في حينها لم أقابل عثمان ولا أسياي، ولا أعرف عنهما إلا القليل، قال محمد عمر كما تعلم إن القيادة عملت كثيراً مع عثمان لقدومه إلى الميدان ليحضر المؤتمر وقالت له (يجب أن تحضر ونحن نضمّن لك سلامتك) وأنا يا أحمد من الذين، قاموا بالمحاولة.
وهناك 4 شخصيات عربية رسمية تمثل كلاً من سورية، ومثلّها وهيب جبر القائم بالأعمال السورية في السودان في حينها، و عبدالرحمن أحمد علي سفير الصومال في السودان، وهو اليوم رئيس الجبهة الوطنية ورئيس جمهورية أرض الصومال والقائم بأعمال السفارة العراقية ويسمى طارق العاني و خليفة كرار وهو ضابط كبير في جهاز الأمن السوداني.
قال محمد عمر: يا أخ أحمد إن عثمان سبي أرسل لي مندوباً عنه، وقال المندوب إن عثمان يريد أن يلتقي بك لوحدك ودون مشاركة أو محاولة من أحد، وهذا شأن خاص بنا، ونعالجه لوحدنا، رحم الله عثمان كان يناور كثيراً ولهذا لا يضع شهوداً على عهد قطعه على نفسه.
قال مندوب عثمان: لا نريد هؤلاء المسؤولين الرسميين،
وتابع محمد عمر قائلاً:
عندها قلت لمندوب عثمان: اسمع! قل لعثمان من دون أشقائنا هؤلاء، لن أجتمع بك ولا أعرفك ولا تعرفني!..
عاد موفد عثمان ليقول: حسناً سيلتقي بك عثمان، وحدّد المكان وهو السفارة الصومالية.
وكان المناضل سليم الكردي هو الذي ينقل الكلام ذهاباً وإياباً وذهبتُ إلى السفارة الصومالية، في الموعد الذي حدّدناه، وحضر الأشقاء المعنيون، لكن عثمان لم يحضر مع الأسف.
كان هذا الكلام في خور آر قبل 29 عاماً وفي شهر 11 عام 1971 وكانت لي جلسة مع أحمد ناصر ومحمد عمر في دمشق عام 1994، وأحمد ناصر هو رئيس جبهة تحرير ارتريا سابقاً.
قال أحمد والألم يغمره: لقد بذلنا كل جهدنا من أجل لم الشمل، وتوحيد الساحة الارترية، كانت هناك مشاكل كبيرة وحاسمة، ومن بين هذه المشاكل، كانت مشكلة مسؤول الأمن في حينها صالح حيوتي وآدم صالح وأنوّه هنا إلى أن صالح حيوتي هو صديقي ويعيش الآن لاجئاً في السويد، وصالح حيوتي مناضل له أفعاله الحميدة وهفواته، كذلك آدم صالح وكانوا يلعبون بهما وهما لا يدريان ويبثون بينهما التفرقة ويزرعون الفتن.
تساءلت لقد أصبح الثنان لاجئين بعد استقلال أرتريا وقبلها، الأول في السويد والثاني في السودان، وبقيت الأمور على ما هي عليه، إلا أن هذه المشاكل حُسمت حسماً كاملاً في المؤتمر الوطني، تبادر إلى ذهني أن أسأل الأخ أحمد ناصر رئيس الجبهة سابقاً، وهو صديقي بل أكثر من ذلك: كيف يا أحمد بدأ قتال الأخوة؟.
إن أحمد ناصر جاء رئيساً للجبهة، في المؤتمر الوطني الثاني، وكان عضواً في المجلس الثوري للمؤتمر الوطني الأول، وخريج كلية الضباط في العراق، وتخرج بدرجة ممتازة، وأمضى ثلاث سنوات كاملة في الكلية العسكرية العراقية.
أجاب أحمد ناصر بهدوء ورصانة: (فهو معروف بأخلاقه الأرترية العربية الأصيلة).
يا أحمد في شهر 12 من عام 1970 كانت مجموعة أسياس المتمركزة في المرتفعات فقد فعلت مالم يفعله أحد، قامت بعمل خسيس دنيئ، حيث غدرت بمقاتلين فدائيين، كانوا في طريقهم إلى المرتفعات، ليقوموا بأعمال ذات أهمية تهدف إلى كسر شوكة الجيش الأثيوبي وعملائه، إن هؤلاء الفدائيين، ومجموعة أسياس، كانوا في خندق واحد، وكانوا مقاتلين.
وقد دعوهم، أي جماعة "أسياس" للغداء معهم والنقاش، وطبعاً استجاب هؤلاء الفدائيين، أليسوا رفاقهم...؟ كان مع الفدائيين مناضل شاب أسمه كداني كفلة.
جلسوا بانتظار الغداء والحوار، فما كان من جماعة أسياس إلا أن فتحت النار عليهم، وقتلتهم جميعاً وبوحشية تامة،
كان هذا بأمر أسياس كيف حدث هذا؟
وكيف يقتل المناضل أخيه المناضل..؟
إنه عمل دنيء وبإيعاز مبّكر من الأسياد...
هكذا قال أحمد ناصر لي، وتساءلت: (كيف حصل هذا؟ وهل من المعقول أن يقتل المناضل أخاه المناضل؟) ما أقسى هذه الفعلة الشنعاء...، والتي لا تنطوي إلا على الدناءة والهمجية، وهنا نستطيع أن نؤكد يا أخ أحمد، أن أول من قام بالتصفية، وضرب الطلقة الأولى هو أسياس الذي أشعل نار الحرب الأهلية.
وإذا تساءلنا أيضاً من قام بتصفية حركة تحرية أتريا؟
نستنتج أن أي أرتري يرف من قام بتصفية الحركة وقادتها فعلياً، إنه عثمان صالح سبي. ونتيجة للتصية هرب من هرب، وقُتل من قتل. كان هذا عام 1965 وعندما يبرّرون ذلك كان عثمان وأسياس يقولان: (لا يجوز إلا تنظيم واحد على الساحة).
وكل الأخوة المناضلين الذين التقيت بهم، يروون لي أفعال عثمان بتصفية حركة تحرير ارتريا، ألم تكن أنت صاحب نظرية التصفية،
وعدم السماح لأي تنظيم في الساحة، إلا تنظيم واحد فقط؟
كانت هذه نظريتك وكيف الآن تستطيع أن تبني قوات التحرير الشعبية؟
وتوجد قوى عسكرية كبيرة وشبه كاملة؟
وكيف تتحمل الساحة أكثر من تنظيم واحد؟
أنت يا عثمان الذي صفيّت حركة تحرير أرتريا، وأسياس هو الذي غدر بفدائيي الجبهة، هذا هو الذي وحدّهم. إذن، حدثت تصفيتان، تصفية حركة تحرير أرتريا، وقتل الفدائيين الأرتريين في المرتفعات.
التصفية الأولى، قد نعطيها المفهوم السياسي، والثانية التصفية الجسدية، أي عملية الغدر والسؤال البسيط الذي يطرح نفسه: لماذا تمت تصفية هؤلاء المناضلين من قبل سبي وأفورقي؟.
فالجنود الذين قُتلوا لم يكونوا سيا سيين، ولا هم قادة صانوعو قرار، إنهم بسطاء، إذن إن أسياس منشق، والمنشق هو المتمرد.
ماذا حدث بعد ذلك؟ أراد بعض أعضاء القيادة وكرد فعل جلب أسياس ومحاكمته، أما الرفاق المقاتلون البسطاء فأرادوا الانتقام لرفاقهم الشهداء وهذا عمل مشروع، ما العمل إذن؟ إن دم الفدائيين قد ذهب هدراً، لكن إذا ما قورن بأهمية نزاع، يؤدي إلى حرب أهلية نعود ونقول: "الله يرحمهم ويساعد أهلهم، ويساعدنا على تضّميد هذا الجرح البليغ".
هذا ما رواه لي الأخ أحمد ناصر:
لقد أنيط بي أنا أحمد ناصر أن أمشي إلى أسياس ضمن وفد مؤلف من إبراهيم قدم، صالح حيوتي، عبدالله سليمان، صالح صباح، الخير نمشي إلى أسياس وقوات التحرير الشعبية.
لقد رفض أسياس مقابلتي في منطقة سمهر (وتحديداً في عشومة)، وهذه تقع في المنحدرات الشرقية، ما بين جندع و كرن لقد قابلتنا مجموعة أسياس مقابلة غير كريمة وباستفزاز، وكانت هذه المقابلة في شهر حزيران، وهذه المناطق معروفة بقسوة الطقس، كانت مناطق حريق حيث أن درجات الحرارة تتجاوز الخمسين درجة.. بصعوبة كنا نتنفس وبصعوبة أكثر نجد الماء.
لم تكن معاملتهم لنا تليق بالأخلاق الأرترية، وعندما اجتمعنا بأسياس، وبإعتبار أن إبراهيم قدم كان من اللجنة التحضيرية هو الذي تكلّم معه.
قال له حرفياً: إننا باسم القيادة ندعوك لحضور المؤتمر، وأنت واحد من القيادة العامة، وهذه دعوة ورسالة نرجو أن تلبي مطامح شعبك.
بعدها قابل عبدالله سليمان قوات التحرير الشعبية المشكّلة حديثاً، واللذين قابلهما من قوات التحرير.
هما:-
أحمد قيسي و بارودي لكن الوفود عادت والوعود هي وعود ميتة للأسف.
ومرت الأيام وأنا في آر مكان انعقاد المؤتمر الوطني، أتقي بالأخوة المناضلين وأتبادل معهم الحوار، وفي ظل إحدى الأشجار التي كانت تظلل المنطقة، جلست مع الأخ/ إبراهيم توتيل وسألته سؤالاً غريباً مبطناً:
يا إبراهيم.. أنت مناضل وصديقي، بالله عليك أجبني بالحقيقة، لماذا لم تدع سبي وأسياس إلى المؤتمر؟.
وضحك وقال: "أنت تضحك عليّ يا أبو سعدة، والله أقول لك صادقاً، إن أسياس وعثمان ما هما إلا رموزاً للطائفية البغيضة، فعثمان يريد ضم المسلمين المتشردين وأبناء الساحل بالذات، وأسياس يريد ضم مسيحيين حماسيين"،
ثم قال توتيل: أنا لا أغشك يا أبو سعدة، أسياس رجل طائفي، وكذلك عثمان، الأول يريد أرتريا مسيحية، والثاني يريدها مسلمة، والاثنان يريدان أن يحققا مآربهما وبينهما نوع من التنسيق، وسوف يلتقيان قريباً ليكونا في صف واحد (توقف ثم قال) سمعت أنك مغادر اليوم، فلماذا لا تبقى حتى تصدر قرارات المؤتمر وتوصياته؟. ثم تقوم بجولة مع أخيك وصديقك عبدالقادر رمضان.
فجأة أصبحت بعجلة من أمري، لقد طرأ أمر وهذا الأمر سوف يبقى في ذهني ودفتري الخاص، إلى أوقت أرويه بوضوح وأضمه إلى كتابي في المستقبل.
وقررت العودة إلى بلدي الحبيب سورية، وأخبرت ألأصدقائي من القياديين عن رغبتي في المغادرة.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة