حرب الجياع - الحلقة التاسعة والثلاثون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
وجهة نظر المعارضة الارترية:
تقييم الوضع السياسي في ارتريا:
تعيش ارتريا منذ تحررها في مايو 1991 تحت نير وبطش نظام ديكتاتوري
قاس وظالم بدد التطلعات الوطنية للارتريين، وارتكب انتهاكات صارخة لحقوقهم الإنسانية، ووضع وحدتهم الوطنية التي كرسها نضالهم ضد الاحتلال الاثيوبي في محك خطير، وأدخل بلادهم في مواجهات مسلحة مع جيرانها.
فبدلاً من بناء الدولة الارترية على أسس ديمقراطية تتيح الفرصة أمام مختلف القوى السياسية في الساحة الارترية بما يرتب أولويات الدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويؤسس لعلاقات متطورة مع الدول الشقيقة والصديقة التي ساندت نضال شعبنا وثورته التحررية، على أساس من احترام مبادئ حسن الجوار والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام القوانين والمواثيق الدولية، والحرص على السلام والمصالح المشتركة في المنطقة والعالم، بدلاً من كل ذلك، نجد أن النظام الديكتاتوري للجبهة الشعبية قد اتبع الآتي:-
1. انفرد بالسلطة واتبع سياسات تتعارض مع التنوع الثقافي والاجتماعي والديني للشعب الارتري.
2. فرض نظام الحزب الواحد، وركز كل السلطات بيد رئيس النظام وصادر الحريات العامة، وارتكب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان الارتري. مثل الاغتيال السياسي والاختطاف والاعتقال التعسفي بحق المواطنين والمناضلين والمجاهدين.
3. أهمل التنمية الاقتصادية في ارتريا ولم يعر تطوير الخدمات الصحية والتعليم أي اهتمام، حيث كرس كل موارد الدولة لصالح تقوية أجهزته الأمنية والعسكرية، كما احتكر حزبه الحاكم مجالي الاستثمار والتجارة، كما ان السياسات الاستثمارية الخاطئة مثل تضييق فرص الاستثمار على المستثمرين الارتريين وانتزاع الأرض من أصحابها أعاقت التنمية في البلاد.
4. اتبع نظام الجبهة الشعبية سياسة عدائية تجاه دول الجوار تتعارض مع الوشائج الحضارية التي تربط شعبنا مع هذه الدول. وتنكر للدعم الذي قدمته لنضالنا الوطني بما تضر بمصالح شعبنا السياسية والاقتصادية والثقافية. كما أن الحروب والنزاعات التي فجرها النظام مع دول الجوار أعاقت نمو وتطور دولتنا الفتية، وأضرت بسمعتها وأظهرتها بمظهر الدولة العدوانية.
5. أعاق نظام الجبهة الشعبية عودة اللاجئين الارتريين إلى ديارهم، وبالنسبة للذين عادوا رفض أن يستقروا في مناطق سكانهم القديمة ولم يقدم لهم أي مساعدة تمكنهم من ترتيب حياتهم بل وظف المساعدات التي قدمتها لهم المنظمات الإنسانية والدولية لصالح برامجه الخاصة.
الخاتمـــة:
أسوأ حرب شهدتها منطقة القرن الإفريقي:
بحضور كل من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس النيجري أباسانجو ورئيس دولة جنوب إفريقيا ثامبو إمبيكي ووزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت ووزير الخارجية الإيطالي والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وسكرتير منظمة الوحدة الإفريقي د. سالم أحمد سالم، وقع الرئيس الاثيوبي والارتري اتفاقية سلام تنهي الحرب بينهما. وبعد 45 يوماً من توقيع الاتفاق تولت قوات حفظ السلام الدولية مسؤولية الإشراف على الشريط الحدودي بعد اكتمال نشر قوات قوامها 4200 جندي ينتمون لثلاثة وعشرين دولة يقودها جنرال هولندي.
وبتوقيع الزعيمين تكون الحرب قد أنهت آخر فصل من فصولها الدموية التي ترجع أسبابها إلى أسباب عدة اقتصادية وحدودية ذات صلة بسياسية منطقة القرن الإفريقي، وقيام دولة تجراي تجرينيا، التي كانت تجمع الجبهتين (الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة القابضة على زمام الأمور في أسمرا والجبهة الثورية لعموم اثيوبيا التي تدير دفة الحكم في اثيوبيا) إذ أن الجبهتين ينتميان إلى مرجعية اثنية واحدة، كما أن هنالك أقاويل كثيرة تشير إلى رابطة قرابة ودم بين الرئيس الارتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي.
وبالرغم من هذه العلاقات فقد ارتفعت حدة الخلاف بين البلدين وتطورت الحرب بينهما وتحولت إلى مواجهات دموية عنيفة مرت بثلاث مراحل وكانت المرحلة الأولى في أيار مايو من عام 1998 أحكمت فيها القوات الارترية سيطرتها الكاملة على مثلث بادمي المتنازع عليه بين الدولتين.
وفي الثاني عشر من أيار مايو من نفس الشهر أصدرت الحكومة الاثيوبية قراراً من البرلمان طالبت فيه ارتريا بسحب قواتها فوراً من الأراضي الاثيوبية التي وصفتها بالمحتلة.
وصنفت هذه المرحلة بمقاييس الربح والخسارة لصالح ارتريا التي أحكمت سيطرتها الكاملة على مثلث بادمي وكانت قواتها أكثر تنظيماً وانضباطاً مقارنة بالقوات الاثيوبية التي تفاجأت بالحرب ووجدت نفسها في موقف محرج واقتصرت مواقفها على مطالبة ارتريا بالانسحاب فوراً من أرضيها.
وبعد ثلاثة أسابيع من عدة محاولات يائسة استخدمت الحكومة الاثيوبية قواتها العسكرية إلا أنها عجزت عن إخراج القوات الارترية نتيجة للتحصينات التي أقامتها ارتريا في بادمي.
ولما لم يتم حسم المعركة برياً تدخلت القوات الجوية إذ قامت المقاتلات الارترية في مايو من عام 1998 بالعديد من الغارات الجوية على مدينة مقلي معقل الجبهة الحاكمة في اثيوبيا وقصفت أيضاً مدرسة (عيد أباد) الابتدائية وتوفى في الغارة ثلاثة عشر تلميذاً.
وكان لهذا أثراً كبيراً في تبديد فرص السلام وتعميق الخلاف بين البلدين.. وردت اثيوبيا على الغارات الارترية وقصفت بطائراتها مطار أسمرا، الأمر الذي اعتبره الجانب الارتري اعتداءاً سافراً.
وكانت الغارات الجوية المتبادلة بداية للحرب التي امتدت رقعتها في جميع الجبهات فيما بعد. التقطت اثيوبيا أنفاسها أثر المرحلة الأولى وأعدت العدة لاسترداد المناطق المتنازع عليها بعد أن أكدت ارتريا أنها ليست على استعداد للتنازل عن منطقة بادمي.
وإثر انتهاء القمة الإفريقية في وقادوقو تم تشكيل لجنة إفريقية خماسية لإيجاد نهاية إفريقية للأزمة الحدودية الاثيوبية الارترية، ضمت كل من رئيس دولة بوركينا فاسو ورئيس زيمبابوي روبرت موكابي والرئيس الجيبوتي السابق حسن جوليد والرئيس البورندي والأمين العام للمنظمة الإفريقية الدكتور سالم أحمد سالم، وهنا جاءت المبادرة الأمريكية الراوندية التي اعتبرت أول مبادرة عملية لإنهاء الخلاف الاثيوبي الارتري سليماً.. ومشاركة بورندي هذه الدولة الصغيرة والتي ليست لها أي تأثير سياسي على منطقة القرن الإفريقي كان الهدف منه إعطاء الجهود الأمريكية ثقلاً إفريقياً إلا أن بورندي انسحبت إثر تهجم الرئيس الارتري على بورندي ورئيسها.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة