حرب الجياع - الحلقة الخامسة والثلاثون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
مجـريات الأحـداث:
إذا وقفنا على مجريات الأحداث الأخيرة للحرب فإننا سنجد أنفسنا أمام العديد من الأوضاع
التي سوف توصلنا إلى العديد من النتائج، لذلك سوف نتناول هذه الأوضاع بشكل موجز.
أولاً ـ الاقتصاد الاثيوبي:
استطاعت الحكومة الاثيوبية أن تكفل للجميع حرية الاتجار وانسياب الصادر والوارد دون أي عوائق أو مزايدات، من حيث احتكار التجارة في الحزب الحاكم وأعوانه. وكنتيجة للاستقرار السياسي النسبي في اثيوبيا استطاعت أن تستجلب قطاعاً كبيراً من المستثمرين سواء كان على مستوى الدول أو رجال الأعمال في العالم، رغم ما خاضته من حرب مع ارتريا.
لقد أوجدت لنفسها معابر بحرية من خلال بعض دول الجوار عوضاً عن مينائي عصب ومصوع ولو مؤقتاً؟ وبالتالي فإن اثيوبيا لم تختنق قارياً؛ فقد وقعت مع السودان على عدة اتفاقيات اقتصادية في الأشهر الفائتة. وبدأ العمل بفتح طريق يربط بين السودان واثيوبيا مما سيكون له الأثر الكبير في زيادة القدرات الاقتصادية والتجارية بين البلدين وبمقابل ذلك نجد حكومة الشعبية الارترية تحشد قواتها على الحدود السودانية لغزو مدينة كسلا وسواها. أما إذا تعاملنا مع لغة الأرقام فإننا نجد:-
أولاً: 2.2 مليار دولار هو راسمال استثمار الدول الغربية في مشروع مارشال لإعادة إعمار اثيوبيا.
ثانياً: 15 مليار دولار رأس مال شركات غربية استثمارية.
ثالثاً: 2.5 مليار دولار هي استثمارات السعودية والكويت في اثيوبيا.
رابعاً: 6 مليارات دولار استثمار ماليزيا في مشروع واحد فقط هذا وتعتبر ماليزيا من أكثر الدول الأجنبية المستثمرة في اثيوبيا.
خامساً: 190 مليون دولار قرض بنك التنمية الإفريقي لاثيوبيا.
هذه بعض الحقائق الرقمية حول مؤشر النمو الاقتصادي في اثيوبيا، أما إذا ما قارنا ذلك بارتريا فسوف نجد العكس تماماً.
ثانياً ـ الاقتصاد الارتري:
أولاً: كان من المفروض بعد تحرير ارتريا أن تتوجه الحكومة إلى تأسيس البنية التحتية وإعمارها في كافة الجوانب العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية. وبالتالي إفساح المجال لكل الارتريين ليساهم كل منهم في تقديم ما يستطيع تقديمه طالما أن ارتريا ملك للجميع. لكن النظام رفض ذلك وأبى إلا أن ينفرد بالسلطة وبجيش الشعب للمعارك التي يعد لها من دون أي سبب. وكانت اعتداءاته على اليمن والسودان وجيبوتي وأخيراً على اثيوبيا.
الحرب التي استغرقت عامين مع اثيوبيا.
من خلال نتائج هذه الحرب سوف نجد أنفسنا أمام عدة حقائق:-
1. إن ارتريا منذ الاستقلال لم تنعم بالاستقرار مطلقاً وهذا يعني عدم التنمية.
2. من هو المتسبب في ذلك؟
النظام الحاكم هو المتسبب في كل ذلك، إن النظام لا يريد أن يعترف بحقوق الارتريين جميعاً في المواطنة وممارسة الحق السياسي أو الديني؟
3. إن البيروقراطية القاتلة في التعامل، وقد ورد هذا كأحد المهددات التي تواجه النظام حسب تقرير CIA( ) عن ارتريا. وقد ورد ذلك ضمن تقرير مطول نشر عن ارتريا، وذكر نفس التقرير أن ميزانية الدولة الارترية تعادل 226 مليون دولار أمريكي ونفقاتها تساوي 453 مليون دولار، أما الديون الخارجية فتبلغ 46 مليون دولار لعام 1996، أما المساعدات الخارجية فتبلغ 149 مليون دولار لعام 1995، وهذه الأرقام نقلت كما ذكرت عن وكالة المخابرات الأمريكية ومنشورة في عام 1999 عبر الانترنت.
إذا كانت الديون الخارجية عام 1996 هي المبلغ المذكور أنفاً فماذا تكون الآن بعد حرب العامين؟.
ثم هناك أيضاً بعض الأرقام المتعلقة بالتسلح فقد ورد في تقرير لمعهد الدراسات الاستراتيجية بلندن أن ارتريا اشترت خلال العامين الماضيين الأتي:-
1. 200 مئتان صاروخ أرض جو من طراز سام 18 من روسيا.
2. 6 ست طائرات مقاتلة من طراز ميبج 29.
3. 4 اربع طائرات هيلوكوبتر من طراز مي 17.
4. 6 ست طائرات نفاثة مقاتلة من طراز ميبج 21 معدلة.
5. 8 ثمان طائرات سوخوي 24.
إنني أترك لكم إجراء بعض المعادلات حول أسعار هذه المعدات العسكرية ومقارنتها بميزانية الدولة.
أما الحديث عن الجانب التنموي في الاقتصاد فنجده صغيراً. إن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالبلاد من جراء الحرب كثيرة ومن هذه الأضرار ما يأتي:-
أ ـ تدمير معظم البنى التحتية في معظم مدن غرب ارتريا وذلك من جراء الحرب وفعل النظام الحاكم نفسه.
ب ـ لقد تم تدمير محطة الكهرباء في حرقيقو( ).
ت ـ قدر النظام الحاكم في ارتريا خسائره في الحرب بما يقرب من 2 مليار دولار.
ث ـ تم تشريد وتهجير حوالي مليون مواطن إرتري وقد ذكرت المفوضية العليا للاجئين أنها بحاجة إلى 23 مليون دولار لإعادة توطين هذه العدد المتأثر بنتائج الحرب.
إذا كانت الصادرات والواردات تمثل أحد الأعمدة الأساسية لاقتصاد الدول فقد شل ذلك بفعل الحرب الأخيرة فالصادرات والواردات الاثيوبية عبر ميناء عصب التي كانت تشكل حوالي 75% توقفت تماماً.
رابعاً ـ المجال العسكري:
إن اكثر ما كان يراهن عليه النظام في أسمرا ويلوح به في سياساته وتوجهاته هو الجيش الذي صيغ على مبدأ الجندية المحترفة حتى بعد أن وصل إلى مرحلة الدولة. فلم تعد تتماشى عقليته مع مرحلة التحول من المرحلة الثورية إلى المرحلة الدستورية لكن بتفاعلات الأحداث وبمرور الزمن تبددت هذه الأمنية تحت ضربات المعارضة الوطنية وخاصة ضربات حركة الجهاد الإسلامي الذي سددت ضربات قاسمة لجيش النظام الذي سيق إلى حتفه. وإذا تصفحنا تواريخ الحرب الارترية الاثيوبية فإننا نقف أمام جملة من الحقائق والمواقف على أرض الواقع وهي حسب التقديرات الاثيوبية:-
أ) تم تدمير حوالي ثمانية قطاعات من الجيش حسب قول متحدث باسم الحكومة الاثيوبية لـ محطة “B.B.C” أوت لاين" وإذا اعتبرنا هذا القول قول عدو للنظام، وأنه من مقتضيات الحرب النفسية. فلا يمكن أن يكون هذا الكلام في مجمله مغاير للصحة، وليس أدل على ذلك من هذا الانهيار السريع الذي حصل لجيش الجبهة الشعبية، وعمليات الانسحاب والتسليم غير المنظمة التي حدثت له. لهذا يمكن القول أن كلاماً كهذا له منطقه إذا عدنا واستذكرنا ما كان يحدث على الأرض أيام المعارك حيث تحطمت كل جبهات القتال في الغرب والوسط كما ذكرنا سابقاً.
ب) أعلنت القيادة السياسية للنظام وبشكل غير علني استسلامها وقبولها لكل ما طلب منها.
الفصــل الأخيــر:
أولاً - بيانات الحكومة الاثيوبية:
ـ يوميات الحرب:
ـ الجانب الاثيوبي.
ـ الجانب الارتري.
ثانياً ـ حقيقة ما جرى:
ـ وجهة نظر الحكومة الارترية.
ـ الأمن العربي والحرب الاثيوبية الارترية.
ـ الموقف العربي.
ـ الموقف المصري.
ـ الموقف السعودي.
ـ وجهة نظر المعارضة الارترية.
ـ تقسيم الوضع السياسي في ارتريا.
الخاتمة:
الحقيقة المرة:
بيانات الحكومة الاثيوبية:
1. بتاريخ 12-5-2000 أدلى رئيس وزراء اثيوبيا بأول تصريح له بعد اندلاع القتال قال رئيس الوزراء ملس الزيناوي "لا بد من وضع حد للحرب بين ارتريا واثيوبيا بسرعة لأن اثيوبيا لا تستطيع أن تتحمل ان تعيش عاماً آخر وهي في حالة حرب".
2. في 19-5-2000 الحكومة الاثيوبية تعلن قبولها بالمفاوضات غير المباشرة مع ارتريا دون شرط أو قيد وفي نفس التاريخ تعلن اثيوبيا رفضها لقرار مجلس الأمن رقم 1298 والقاضي بحظر بيع الأسلحة للبلدين.
3. وفي 23-5-2000 يلتقي وزير الخارجية مع سفراء الدول الغربية المعتمدة في أديس أبابا ويبلغهم بحسم المعركة مع ارتريا خلال 48 ساعة.
4. في 25-5-2000 تعلن الحكومة الاثيوبية انتصارها في الحرب على ارتريا، والعاصمة أديس أبابا تخرج عن بكرة أبيها للاحتفال بهذا النصر.
5. وفي 26-5-2000 يجدد رئيس الوزراء الاثيوبي ملس الزيناوي تأكيده بعدم استهداف الشعب الارتري أو السيادة الارترية والتزام الحكومة الاثيوبية بحق الشعب الارتري في الاستقلال.
6. في 27-5-2000 نفت الخارجية الاثيوبية أن تكون ارتريا سحبت قواتها استجابة لنداء منظمة الوحدة الإفريقية.
7. في 29-5-2000 يعقد رئيس الأركان الاثيوبي الجنرال صادقان مؤتمر صحفي فهو الأول منذ اندلاع الحرب. يؤكد الجنرال صادقان أن قواته ستستمر في القتال حتى استعادة السيادة على الأرض الاثيوبية المحتلة من قبل ارتريا، وأن الجيش الاثيوبي لم ينته من مهمته بعد.
8. 2000-5-29 الحكومة الاثيوبية تعلن بأنها استعادت جميع أراضيها، وأن حربها مع ارتريا تعتبر في حكم المنتهية.
9. 2000-5-31 أكدت الحكومة الاثيوبية أنها استعادت جميع أراضيها التي كانت قد استولت عليها ارتريا سابقاً. وفي نفس اليوم يعلن رئيس وزراء اثيوبيا ملس الزيناوي، أن بلاده طلبت من المجتمع الدولي بسحب القوات الاترية إلى مناطق ما قبل السادس من أيار 1998 كما اكد أن حكومته مستعدة للانسحاب إذا قدم المجتمع الدولي ضمانات لعدم شن ارتريا هجمات عسكرية على بلاده وتقليص القوات الارترية، وتحجيم الأسلحة والجيش بحيث تتناسب مع عدد السكان. كما طالب رئيس الحكومة الاثيوبية المجتمع الدولي أن يضمن أمن وسلامة الأراضي التي تقع تحت المرتفعات ارترية، وأن تكون هذه المناطق منزوعة السلاح.
10. في 1-6-2000 أعلنت الحكومة الاثيوبية أن الجيش الارتري هاجم المدنيين العزل في قرية راما( ) الاثيوبية.
11. 2000-6-11 اثيوبيا تعلن موافقتها على خطة منظمة الوحدة الإفريقية وتطلب من المنظمة مهلة لاتخاذ قرار رسمي من مجلس الوزراء والبرلمان الاثيوبيين.
12. 2000-6-15 الحكومة الاثيوبية تعلن موافقتها النهائية على اتفاق منظمة الوحدة الإفريقية لإحلال السلام بينها وبين جارتها ارتريا.
إن النصر الذي حققته اثيوبيا على ارتريا كان كبيراً وكبيراً جداً. فقد أوشك النظام الارتري على الانهيار لولا النجدات والتدخلات التي حدثت له؟.. وتوقف العمليات العسكرية بين اثيوبيا وارتريا بعد أن سلم نظام الجبهة الشعبية من أراضي الشعب الارتري شريط حدودي بطول 1000 كم وعرض 25 كم، ثم خرج ما تبقى من الجيش الارتري من كل المناطق التي كان قد احتلها وتمسك بها، حيث تقدمت القوات الاثيوبية إلى داخل العمق الارتري أثناء سير المعارك مشكلة أحزمية أمنية وخطوط دفاعية لجيشها لتحقيق بعض الغايات السياسية وبعض الأهداف العسكرية من تقدمها هذا.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة