حرب الجياع - الحلقة الثامنة عشر
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
بداية الحرب الأولى:
لقد وضعت إسرائيل في عقل السيد أسياس أفورقي إنه القوة التي لا تقهر.
قالت له: أنت قائد وزعيم القرن الإفريقي وصدق الزعيم ذلك وابتدأ بالعدوان.
في 12 أيار من عام 1998 انفجر الخلاف الحدودي بين التوأم، وتفكك تحالف دولة "دولة تجراي تجرينيا". انفجر الصراع الارتري الاثيوبي على منطقة صغيرة تسمى "بادمي" حيث استولى الجيش الارتري على هذه المنطقة. استيلاء الجيش الارتري هذا قصم ظهر العلاقات الارترية الاثيوبية وشطر التوأم الحاكم في البلدين إلى نصفين فالعلاقات بين اثيوبيا تجراي والهضبة الارترية لها بعدها التاريخي والديني، بدأ الصراع صراعاً حدودياً محدوداً ثم تطور إلى أن استخدم الطرفان كافة أنواع الأسلحة من برية وجوية، فقامت الطائرات الاثيوبية بقصف مدينة أسمرا عاصمة ارتريا فما كان من حكومة أسمرا إلا أن ردت على القصف بقصف مماثل ولكن على مدينة (مقلي) عاصمة إقليم تجراي المتاخم للحدود الارترية. بدأ الجيشان الارتري والاثيوبي بحفر الخنادق وإقامة المتاريس في مناطق الحدود التي تعتبر من أشد الأراضي وعورة في العالم.
أوقفت هذه الحرب وبقي الصراع فاتحاً أذرعه.
إن الملاحظ والمتتبع للأحداث السياسية والعسكرية في القرن الإفريقي ودول الجوار العربي يشاهد تسارع الأحداث وتشابكها، لعبة كبيرة يمارسها الكبار على الصغار والإمساك بخيوط اللعبة ومتابعتها لا يحتاج كثيراً إلى التريث في وضع النقاط على الحروف، فالكبار دائماً يحبون ويرغبون في تحريض الصغار على القتال والتناحر ليبعدوهم وينسوهم مطالبهم المشروعة وغير المشروعة. دعونا نضيء النور على صورة قتال أخوة الأمس وأعداء اليوم، وإذا نظرنا إلى صورة الوضع القائم نرى الآتي:-
1. مجموعة عوامل من أهمها الموقع الإستراتيجي لاثيوبيا وارتريا.
2. الأهمية البحرية والملاحة في البحر الأحمر.
3. الثروات الطبيعة.
4. الزراعة.
5. الجغرافيا وأهميتها السياسية البشرية أي "الجيويولتيك".
6. الضروريات العسكرية.
7. التجارة ـ إيجاد الأسواق التجارية للمنتجات المصنعة أمريكيا ـ إسرائيلياً.
8. تصريف السلاح أي إيجاد أسواق لتجارة السلاح التقليدية.
9. الحصول على المواد الخام للصناعات الكبيرة والاستراتيجية.
التاريخ يقف عند محطات لها طابع مميز في مسيرة الشعبين الارتري والاثيوبي المسلوبي الإرادة، فلنقف قليلاً مع التاريخ المعاصر ونقرأ الآتي.
لماذا حدث هذا الصراع ونحر الإنسان في كلا الجانبين؟
1. يقول النظام الارتري إن الخلاف هو خلاف حدودي فقط لكنهم يتهمون النظام الاثيوبي بالأطماع والتوسع على حساب السيادة والتراب الارتري ويدللون على ذلك بخريطة اثيوبيا الجديدة المطبوعة على العملة الاثيوبية (البر)( ) حيث تظهر الخريطة الجديدة قاضمة أجزاء من الأرض الارترية، خارطة العملة هذه أثارت النظام في ارتريا فطالب اثيوبيا بالتوقف عند حدود خارطة اثيوبيا القديمة التي رسمها الاستعمار الإيطالي. ويتابع النظام الارتري قوله ـ إن ارتريا لم تغزوا الأراضي الاثيوبية مطلقاً وأن استيلاءها على منطقة بادمي ما هو إلا استعادة لأراضينا.
2. رد النظام الاثيوبي.
رد النظام الاثيوبي قائلاً احتلال النظام الارتري لأرض إثيوبية يعتبر غزواً وانتهاكاً لحرمة الأراضي الاثيوبية، بل يعتبر انتقاصاً من سيادة اثيوبيا الوطنية. وغزو ارتريا جاء نتيجة أطماع نظام أسمرا في الأراضي الاثيوبية وهروباً من الأزمات الخانقة المتلاحقة للنظام الارتري.
3. الأسباب الحقيقية للصراع.
إن الخلاف بين الطرفين يتركز حول قضايا جوهرية أهمها الآتي:-
أ) شهدت اثيوبيا تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية بعد تسلم الجبهة الشعبية لتحرير تجراي السلطة وحصرها في شعب تجراي، فقد أقيم نظام فيدرالي بين المقاطعات والأقاليم.
فالنظام الاثيوبي يصف التحول هذا بأنه كفيل بتقسيم السلطة بين كل الشعوب والقوميات الاثيوبية من خلال ضمان حق تقرير المصير لكل هذه القوميات والشعوب والتي تصل إلى حد الانفصال الكامل. إن شعوب اثيوبيا المتعددة القوميات يجب أن تتمتع بالمساواة وذلك من خلال تقسيم الثروة القومية الاثيوبية عبر السياسية الاقتصادية التي تعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة حيث تصل نسبة المزارعين في اثيوبيا إلى 85%.
ب) توفر نوع من الديمقراطية مما ساعد في إيجاد حرية سياسية محدودة فالتحولات الاجتماعية السياسية الاقتصادية شكلت تهديداً مباشراً للنظام الارتري مما دفع هذا الأخير إلى دفع جيشه لاحتلال بادمي بقصد إثارة صراع حدودي مفتعل يبعد شعبه عن التحولات الإيجابية في اثيوبيا ويصرف أنظار الشعب الارتري والعالم من حوله بعيداً عن ما يجري داخل ارتريا.
ت) عرقلة عجلة تنمية الديمقراطية في اثيوبيا التي يليها بلا أدنى شك الانفتاح السياسي والنهوض الاقتصادي وذلك بجر اثيوبيا من جديد إلى حرب مدمرة أغلق النظام الجديد ملفها تماماً.
ـ يتساءل المتابع للأحداث: لماذا سكتت الحكومة الارترية قرابة السبعة أعوام أي لغاية عام 1998 يوم تفجر الصراع؟
ـ لماذا لم يتم استعادة الأرض يوم دحرت القوات الارترية الجيش الاثيوبي عام 1991 وحررتها؟!.
ـ هل كانت منطقة (بادمي) متفاهم عليها وبصراحة أكثر مباعة؟
ـ هل كانت (بادمي) متفاهم عليها ضمن بروتوكول سري ما بين شعبية تجراي وشعبية ارتريا؟!.
ـ ما سبب سكوت النظام الارتري طيلة هذه السنوات السبع على احتلال اثيوبيا لمنطقة (بادمي)، ألم تكن العلاقة بين النظامين في اثيوبيا وارتريا في أوج التعاون والتنسيق والازدهار أم أن هناك أسباباً مجهولة لهذا الصراع؟
المرجح أن سبب الصراع هو نكوص أحد الطرفين عن التزام ما على الطرف الآخر. أو تخلى الطرفين عن الاتفاقات السرية والعلنية التي أبرمت بينهما وهذه الاتفاقات تكمن في الآتي:-
أولاً: تم توقيع اتفاق أمني يتيح للطرفين تبادل المعلومات الأمنية وكبح جماح المعارضة أما بالتصفية الجسدية في أي مكان من البلدين وحسب الضرورة دون العودة إلى أمن البلد التي تتم فيه التصفية الجسدية وسواها.
ثانياً: توقيع الاتفاقية العسكرية المسماة اتفاقية الدفاع المشترك والتي تنص على أن أي اعتداء يتعرض له طرف من الطرفين يكون اعتداء على الطرف الآخر.
ثالثاً: التجارة والاقتصاد والسياسة الخارجية تكون موحدة.
رابعاً: حرية تنقل الأفراد بين البلدين مع الأخذ بعين الاعتبار حمل الجنسية المزدوجة.
خامساً: هناك ملاحق سرية لكل هذه البنود.
الأسباب التي أدت إلى انطلاق شرارة الحرب:
هناك من يرى عدة أسباب لهذا الصراع الذي أخذ يتطور وينمو تدريجياً لتصبح حرباً شاملة خسر فيها الشقيقان الكثير لكن الخسارة الكبيرة والتي كادت أن تطيح بالنظام الارتري من رأسه إلى ذيله.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة