حرب الجياع - الحلقة السابعة عشر

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

أصحاب الجمل إننا نشترك في هم واحد، وإن إسرائيل تعتبر سنداً لنا ونعتبر نحن حلفاء إسرائيل

حرب الجياع 2

في القرن الإفريقي. الرئيس أسياس أفورقي

عندما حضرت احتفالات عيد الاستقلال العاشر لارتريا، تعرفت بطريق الصدفة على أحد أفراد قوات الأمم المتحدة في ارتريا.

سألني المدعو ماسيمو وهذا هو اسم الضابط الذي يعمل في قوات الأمم المتحدة ويحمل رتبة مقدم، قال:

أرى إنك من المهتمين بالوضع الارتري.

نعم.. ولولا ذلك لما كنت هنا.

لقد تعرفت وعشت مع الشعب الارتري الطيب مدة 33 عاماً أي أكثر من نصف عمري.

لقد رأيت وزير خارجية ارتريا يصافحك ويسلمك صندوق؟

ضحكت وضحكت كثيراً، قلت: اسمع يا ماجور ماسيمو سأقول لك سراً هاماً وأرجو ألاّ تطلع عليه أحداً، بشوق ولهفة قال لي الماجور.

أنت لا تعرفني جيداً وقد التقينا الآن وتريد أن تطلعني على سر هام، هل سكرت يا مستر أبو سعدة؟!.

لا يا صاحب القبعة الزرقاء، لم اسكر، لكنني "انتشيت" انتشيت كثيراً، هل تعلم ما بداخل هذا الصندوق.

ابتسم ولم يجب.

قلت له: خمن.

لا أعرف، ربما يكون بداخله هدية قيمة ومعها عدة آلاف من الدولارات؟

نعم أيها الميجر، بداخلها هدية وهدية قيمة جداً وسأعتز بها طيلة حياتي.

يعني أنك أصبحت غني؟

نعم أنا غني باحترام ومحبة الشعب الارتري الوفي، مددت يدي وفتحت الصندوق لأخرج منه "مجسم" لجمل رمز الدولة الارترية، أما الدولارات فيبدو أنها تبخرت، لأنها بالأصل لم تكن موجودة.

ضحك صاحب القبعة الزرقاء وتأمل الجمل، ثم أعاده لي وقال:

هل جملك هذا سيجتاز الخنادق الجديدة؟

عن أي خنادق تتكلم يا سيادة "الماجور"؟

عن خنادق الحرب الذي قام أصدقاؤك بإنشائها.

تقصد الخنادق التي بناها الجيش الارتري بين الحدود الاثيوبية والارترية، وهذا من حقهم فالدفاع عن الوطن شيء مشروع.

أجابني الماجور: نعم الدفاع عن الوطن شيء مشروع، ولكن الاهتمام بالمواطن هو الأساس لتشكيل الوطن. اسمع يا صديق أصحاب الجمل، فأنا أريد أن أروي لك الشيء القليل عن الذي رأيته بأم عيني عن الحدود الارترية الاثيوبية وخنادق أصحاب "الجمل".

تفضل يا سيادة الميجور وأخبرني بما رأيته وعرفته.

على طول الشريط الحدودي أي من "بادمي" إلى "زالامباسا" تشاهد بقايا الحرب الفتاكة التي حدثت، تشاهد الخنادق الخرسانية الباهظة التكاليف.

هذه الخنادق التي بنتها القوات الارترية، والتي تمتد على طول مائة كيلو متر، خنادق ضخمة مكونة من شبكات لها مداخل ومخارج عديدة ومن داخل هذه الخنادق تستطيع القصف والقنص لأي هدف في أي جهة كانت. بنت الحكومة الارترية هذه الخنادق على مدى سنة، وحالياً لا يسكنها سوى بقايا جثث الجيش الارتري وأرواحهم التي تنادي لماذا قاتلنا، ولماذا سفكت دماؤنا وتناثرت أشلاؤنا؟ لقد حَوَّل الاثيوبيين الخنادق إلى "متحف" يزوره كل من يرغب أن يرى هزيمة الجيش الارتري.

يتابع "الميجور" كلامه فيقول:

هل تعلم سر نجاح الجيش الاثيوبي بتدمير هذه الخنادق والدخول إلى المدن الارترية لملاحقة الجيش الارتري الهارب؟!

هنا ظهر الألم على وجهي وقلت له، أنت تحدثني عن الخنادق الباهظة التكاليف ولم أطلب منك ذلك والآن أدخلتني في موضوع أخر، أتمم موضوع الخنادق أو أرجو أن تصمت، ألا تعلم يا سيادة "الميجور" أني عشت مع الشعب الارتري "ثلاثة عقود".

لذلك عليك أن تسمع الحقيقة وربما لن تسمع ما سأقوله لك من شخص آخر؟

حسناً تكلم عن الخنادق فقط.

ابتسم "الميجور" وتابع حديثه، اعتمد الجيش الاثيوبي في قتاله على الدفاعات والقتال المتحرك، أي استخدم مواقع غير ثابتة بعكس الجيش الارتري الذي اتخذ مواقع ثابتة، لقد استخدم الجيش الاثيوبي مبدأ كثافة وقوة النيران على تلك الخنادق، ثم قام بعملية التفاف على القوات الارترية المتخندقة ومن جميع الاتجاهات. نجح الاثيوبيون في إخراج من بقي حياً من الخنادق الباهظة التكاليف "رغم تبجح رئيس النظام بأسطورته العسكرية التي لا تقهر والتي أدخلها في عقله الضباط والخبراء الإسرائيليون. لقد خسرت ارتريا أرضاً بطول 1000 ك م طولاً، و 25 ك م عرضاً أي خسرت أرضاً قدرت بحوالي 25 ألف كيلو متر مربع لصالح الاثيوبيين؟

اصمت أيها الميجور يا صاحب القبعة الزرقاء لأني لم أعد أستطيع أن أتحمل واسمع أكثر من ذلك.

لقد وقفت كثيراً عند كلمة الجيش الذي لا يقهر، صحيح أن جيش الكيان الإسرائيلي يمتلك أحدث وأفتك أنواع الأسلحة الأمريكية، لكن هذه الأسلحة وبمختلف أنواعها الفتاكة لم تستطع أن تهزم أطفال فلسطين العربية وحجارتها، وكل إنسان يرى ويشاهد يومياً على شاشة التلفاز أو على صفحات الجرائد والمجلات كيف يقاتل أطفال الحجارة أطفال فلسطين الجيش الذي لا يقهر؟.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click