قراءة في مضامين كفاحي في حرب التحرير الإرترية
بقلم الأستاذ: عثمان محمد نور المصدر: عونا
وصلتني نسخة إهداء من الأخ العزيزالأستاذ/ عبدالله إسماعيل آدم - مدير مركز دراسات القرن الأفريقي،
مشكورا على هذا الإهداءا ومشكورا في حرصه على التواصل، وبعد اطلاعي على الكتاب آثار فضولي أن أسجل قراءة عامة في أهم مضامين الكتاب وذلك لأهميته ولكونه لم يصل بعد إلى الكثيرين من القراء.
الكتاب الذي نحن بصدد قراءة لمضامينه هو (كفاحي في حرب التحرير الإرترية) وهو عبارة عن يوميات للمناضل/ إدريس إبراهيم هنقلا، الكتاب يغطي الفترة من العام 1977-1982م، والفترة على قصرها ست سنوات، الا أن لها أثرها البالغ لأهمية الأحداث التي وقعت فيها وكان لها ما بعدها، يقع الكتاب في 438 صفحة، الطبعة الأولى منه صدرت في عام 2020م.
الشكر لأهل العطاء:
الشكر للشهيد إدريس إبراهيم هنقلا في قبره لتسجيل هذه اليوميات ووعيه المتقدم، والشكر لأسرته الصغيرة فردا فردا لكونهم حافظوا على هذه اليوميات من التلف والضياع والإهمال لأكثر من ثلاثة عقود، وتحملهم لتكاليف الطباعة والنقل والتوزيع على نفقتهم الخاصة.
والشكر أيضا لمحرر هذه اليوميات الأخ/ عبدالله إسماعيل آدم، واضح أنه بذل جهدا كبيرا يشكر عليه في تحرير هذه اليوميات، ويتضح ذلك جليا في إعداد (279) هامش زادت من القيمة العلمية والتوثيقية للكتاب، أعانه على ذلك تخصصه في التاريخ في البكلاريوس، والماجستير، ومواكبته للعمل السياسي منذ مراحل التعليم العام، ومعرفته بالتكوين الجغرافي والتاريخي لأرتريا، وتطورات القوى السياسية الوطنية.
عبق الذكرى:
الأبطال لا ينساهم أحد وإن أسقطتهم أيدي الإغتيالات الآثمة فهم قامات سامقة ونجوم يهتدى بها ويقتدى، غيبوه عن دائرة التأثير ولكن لم ولن يستطيعوا تغييبه عن ذاكرة شعبه فكان الموت حياة أخرى له، أما العملاء فلا أحد يذكرهم من منكم يذكر قاتل الشهيد هنقلا أوالشهيد محمود حسب أو الشهيد محمد حامد تمساح أو غيرهم من الشهداء الذين مضوا في هذا الدرب الطويل.
أهمية الكتاب - تأتي أهمية الكتاب من ناحيتين:
من حيث الزمان –لكونه سجل لأهم فترتين في تاريخ جبهة التحرير الإرترية، فترة الصعود والانتصارات وتحرير المدن الرئيسية في ارتريا ومحاصرة العاصمة أسمرا، وفترة الهزائم والانكسارات والانهيار.
ومن حيث الموضوع - تناول الكتاب أهم وأكبر وأعرق تنظيم في الساحة حينها، التنظيم الذي كان يملك قوة عسكرية ضاربة (12) لواء وينتشر في نحو 80%من الساحة الارترية، وكان يمثل راس الرمح في مواجهة العدو الاثيوبي خاصة خلال فترة تحرير المدن (1977-1978م).
سيرته الذاتية:
سيرة حافلة بالعطاء والإقدام والتضحيات الجسام والصعود المستمر حيث تولى العيد من المهام والمسؤوليات مالية، وإدارية، وسياسية، وعسكرية وأمنية، سيرته تترجم لكونه كان شعلة من النشاط لا تنطفئ، كان كالغيث حيث ماحل نفع.
بين الحسرة والأمل:
هنقلا ولد في حلحل عام 1946م واستشهد في كسلا عام 1985، أقامت أسرته حفل تتويج يومياته في مدينة ملبورن - باستراليا عام 2020م، تعطينا هذه الأمكنة والتواريخ لمحة عن طول معاناة هذا الشعب، وانتشاره في قارات الدنيا وراء المحيطات والبحار والمنافي، ورغم بعد المكان وتطاول الزمان لاتزال القضية حية في الوجدان، وما ضاع حق وراؤه مطالب، وعند الله الأمل والمرتجى.
بناء القيادات:
سيرة الشهيد هنقلا تعكس لنا دور جبهة التحرير الإرترية في بناء قياداتها وكوادرها العسكرية والسياسية الأساسية في تلك الفترة إذ نجد أن الشهيد هنقلا بجانب قدراته ومواهبه الذاتية، نال العديد من الدورات التأهيلية والتدريبية في الداخل والخارج عسكرية وأمنية وسياسية، أهلته في أن يتولى هذه المسؤوليات بجدارة.
من مضامين الكتاب:
1. اليوميات سجلت بدقة وعناية من حيث تسلسل الأحدا ث اليومية، والتناول بدون إخلال أو اسهاب بمضمون المعلومة يفسح تارة وكثيرا ما يكتفى بالإشارة إلى الحدث وإعطاء المضمون، بأسلوب سلس ولغة رصينة خالية من الحش والاستطراد ودون تضخيم أو تهون للأحداث.
2. اليوميات توثق للسياسية العسكرية لجيش جبهة التحرير الإرترية بجميع قواته البرية والتي كانت عماد الجيش والجوية وما يمكن أن نطلق عليه بالقوات الخاصة (الفدائيين) انتصارات جيش جبهة التحرير وهزائمه، تمدده وإنسحابه، تقدمه وتأخره، تكتيكاته ومناوراته تحالفاته ومواجهاته العسكرية والسياسية، كل ذلك نجده بتفاصيله الدقيقة وغير المملة.
3. اليوميات وثقت لتطور تكوينات جيش جبهة التحرير، مجموعة ثم فصيلة ثم سرية ثم لواء، كما وثقت لكل القيادات العسكرية والإدارية والسياسية التي كانت تتواجد في الميدان وكان لها دور في قيادة وتوجيه قوات جيش التحرير.
4. اليوميات توضح جانبا من الانضباط العسكري والإداري، وسرعة ودقة التواصل بين المعنيين، على الرغم من قلة وسائل التواصل وصعوبات التنقل، وانتشار جيش التحرير في الساحة الإرترية.
5. تناولت اليوميات كيف تمت تصفية قوات جيش التحرير الارتري، ذلك العملاق الصاعد حينها وهي في قمة انتصاراتها وعنفوانها العسكري، وذلك بتآمر محكم محلي وداخلي وإقليمي وعالمي.
6. تناولت اليوميات إستراتيجيات وحملات قوات العدو الاثيوبي، أعداد قواته وتسليحه، وتحالفاته مع محور المنظومة الشيوعية (الإتحاد السوفيتي، وكوبا، واليمن الجنوبي) وما تلقاه من دعم عسكري ولوجستي غير محدود كما ونوعا وآثار ذلك.
7. اسباب انهيار جيش جبهة التحرير الإرترية تناولت اليوميات في الصفحة (389) الأسباب الرئيسة التي أدت إلى إنهيار جيش جبهة التحرير وذلك بعد تقييم بتأريخ 1982/3/26م قام به المجلس الثوري الجناح الذي أعلن خطوة 25 مارس، لتجربة الجبهة خلال الفترة من عام 1975–1981/8/24م في عشرة نقاط مختصرة كل واحدة منها تصلح أن تكون موضوعا للنقاش.
أذكر أبرزها للفائدة العامة:-
1. تجاوزسياستنا الخارجية للبرنامج السياسي المقر من المؤتمر الوطني.
2. ضرب قوات التحرير الشعبية عام1978م استغل ضدنا ولعب دورا سلبيا في سياستنا الخارجية.
3. تقييم الجبهة الشعبية بأنها تنظيما إنتهازي مغامر وعدم استعدادنا لمواجهتها.
4. علاقتنا بالسودان وتقييمنا لدوره لم يكن بمستوى حجمه وثقله المؤيد والمساند.
5. تقييمنا للنظام الأثيوبي أستغل ضدنا من قبل التنظيمات الأخرى والمنطقة المحيطة بنا في الإقليم.
6. وجود تيار خائن داخل الجبهة يعمل ضدنا.
7. عدم وجود تقييم لتجاربنا السابقة بصورة جادة للاستفادة منها.
هذه الفقرة تعتبر من أميز الفقرات في اليوميات وأحسب أنه تقييم لامس الكثير من الحقائق دون الجزم بالقول بأنها الحقيقة الكاملة، لأن أطراف أساسية في التنظيم لم تكن حاضرة عند التقييم، الا أنه مما يميز هذا التقييم أنه من داخل التنظيم ومن أشخاص هم صانعون للأحداث وشهود عليها، وفي لحظة تجرع مرارة الهزيمة، ومحاولات النهوض بالتنظيم من جديد، مما يجعل التقييم ربما أكثر صدقا وتجردا.
الهوامش:
الهوامش إضافة قيمة علمية وتوثيقية كبيرة، تمثلت في الترجمة للعديد من المناضلين والقاده العسكريين، قادة سرايا وكتائب والوية ونوابهم ،والمفوضين السياسيين وغيرهم.
ترجمة المصطلحات العسكرية، التعريف بجغرافية إرتريا من خلال الترجمة للعديد من مسميات المناطق والمسافات بينها مع بيان الأهمية العسكرية للموقع أحيانا.
كما قدم معلومات وتفاصيل غاية في الأهمية عن حجم الدعم العسكري من قبل الاتحاد السوفيتي خلال الفترة (1976–1980م).
وقدم كذلك معلومات إضافية قيمة حول اتفاق كل من الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، وجبهة تحرير شعب تغراي أصدقاء الأمس أعداء اليوم، على تصفية جبهة التحرير الأرترية عسكريا، والمعارك التي دارت بينهم وبين جيش جبهة التحرير خلال العامين (1980–1981) حيث بلغت جملة المعارك بين الطرفين خلال عام 1981 فقط (87) معركة.
وأهم ما يميز الهوامش أن هناك تفريق واضح في الكتاب بين ما هو متن ويقصد به (يوميات المناضل هنقلا) وما هو هامش وهومن أعمال المحرر.
وهذا بعضا من جهد الأخ/ عبدالله إسماعيل محرر اليوميات وهو جهد كبير لا تخطأه العين، بارك الله فيه ونفع بعلمه.
ملاحظات شكلية:
1. الهوامش في معظمها خلت من التوثيق للمصادر والمراجع التي اخذت منها.
2. وجود بعض الخطاء المطبعية - كوب - بدلا من كوبا الصفحة 55- تسمية مدينة اغردات - اقردات وذلك في العديد من الصفحات على سبيل المثال 21، 29، 38، 172
3. بعض الصور الفوتغرافية ملامح الأشخاص فيها غير واضحة أرى من الأفضل حذفها في المستقبل.
هذه بعض الملاحظات الشكلية التي عادة لا يخلو منها مؤلف وتذكر بغرض التجويد والتحسين في المستقبل ولا تنقص من الكتاب ولا قيمته العلمية.