فجر أيلول.. رواية توثق لتاريخ الكفاح الإرتري ضد العدوان الإثيوبي
قراءة: لوسي عوض المصدر: المصري اليوم
بين «إمباسيرا» وهي أعلى القمم الجبلية في دولة إريتريا، و«لندن» مدينة الضباب وعاصمة الإمبراطورية الاستعمارية
الكبرى في العصر الحديث تدور أحداث رواية «فجر أيلول» التي توثق لتاريخ الكفاح الإرتري ضد العدوان الإثيوبي، والرواية صادرة عن دار النخبة بالقاهرة للكاتب الإريتري هاشم محمود.
ورواية فجر أيلول تحتوي على تفاصيل أكثر إثارةً وإدهاشًا، تؤكد حقيقةً أن المثقف الحقيقيَّ هو الذي ينحازُ إلى البسطاء والفقراء والمهمَّشين من أبناءِ وطنه، والأديب الحقيقيّ هو الذي يصوِّرُ آلام البؤساء والتعساء والمقهورين في هذا العالم، والمفكر الحقيقي هو الذي تَشغَلُه همومُ البشرية ومصير الإنسانية فوق سطح هذا الكوكب، والسياسيّ الحقيقيّ هو الذي ينتصر للمظلومين ويدافع عن المضطهدين، ويحارب الظلم ويقاوم البغي ويرفع رايةَ الحقِّ والعدلِ والحرية.
تدور أحداث رواية فجر أيلول بالحديث عن علاقة الحب الطاهر الذي جمع بين «إبراهيم» و«ترحاس»، وسوف يبدوان في أول الأمر أنهما بطلا الرواية الأساسيين، وكيف أنهما قاوما الأهل والمجتمع، وتحملا الأذى والعذابَ، وحاربا العادات والتقاليد، ومن هذين الأبوين اللذين ألَّف الحبُّ بين قلبيهما، وعاشا طوال حياتيهما يقاومان الاستعمار الإثيوبي الغاشم، ويرويان جرائمه البشعة لأبنائهما، جاء «إدريس» بطل الرواية الأول، والذي سمع من أبويه ما ارتكبه الإثيوبيون الأوغاد من مجازر وحشية في «عونا» و«أغردات» و«باسيك ديرا» وغيرها من القرى والبلدات الإريترية؛ حيث كانوا يقتلون كل من يمشي على قدمين، ويبقرون بطون الحوامل ويمثلون بجثثهن ويرقصون على أشلائهن، وحيث كان الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي يصدر أوامره بذبح الإرتريين وإبادتهم، وهو ما كان يحدث بالفعل في أكثر من قرية؛ اعتقلوا جميع من فيها وأغلقوا مساجدها وأحرقوا بيوتها وتركوها خراباً بلقعاً وأثراً بعد عين.
تتردد هذه الذكريات الدامية كثيراً عبر طول الرواية وعرضها، عند إدريس وهو في لندن أو عند أبويه وهما في إمباسيرا.
ذهب «إدريس» إلى لندن إذن ليحصل على الدكتوراه في القانون الدولي، وليبدد ضباب هذه المدينة الفاجرة ويزيل الغشاوة عن عيون أبنائها، كما كان يقول. وهناك، ومن النظرة الأولى سوف يقع في غرام «ليزا» سكرتيرة أستاذه.
• يبدو «إدريس» هنا رمزٌ للإريتري، أو الأفريقي، الذي جاء لندن ليثبت لنسائها أنه الأقوى؟
• و«ليزا» التي اغرم بها هنا أيضًا رمزٌ للحضارة الأوربية الهشة المتهالكة وقد استسلمت وسلمت للبطل الأفريقي المغوار؟
• ولن نلبث أن نجد «إدريس» نفسه متعاليًا على نداء الغريزة، متساميًا فوق مغريات الشهوة، مستدرجًا «ليزا» ذاتَها إلى علاقة حبٍّ شريفة، لا تحركها رغبات الجسد، ولا تفسدها وساوس الشيطان.
لم تؤتِ إقامة «إدريس» في لندن أُكلَها، بل ولم تكن حياته فيها وادعةً هانئة؛ لقد تعرض لمضايقات كثيرة، وحاول جهاز المخابرات (إم ـ آي ـ فايف) تجنيده ضد زملائه من الأفارقة والمسلمين، وهددوه وعذبوه لأنه رفض أن يطيع أوامرهم. وكان طبيعيًا أن يعود «إدريس» إلى بلاده مرةً أخرى، بعد أن عرف حقيقة لندن السيئة من أستاذه الذي فضح له هذه الحضارة المزيفة التي تبيع كل شيءٍ من أجل المال، والتي يتحكم فيها الأقوياء بمصائر الضعفاء؛ «إنهم يا عزيزي يراقبون الأنفاس في صدورنا، والأفكار في عقولنا، والخيال في خيالنا، حتى إذا استشعروا من وجودنا خطرًا، ظهرت جيناتهم المتغولة في أبشع صورها».
ولكن الذي لم يكن طبيعيًا أن يجد «إدريس» أهل قريته وعائلته كلها في استقباله؛ ولم ينطل عليه قولُ أبيه إن عودته وعيد ميلاده مناسبتان كافيتان ليجتمع الكل في استقباله والاحتفال به. ولشد ما اندهش حين أخبره أبوه بأنه قد أعد له مفاجأةً سارة، ولم تكن هذه المفاجأة سوى «ليزا» نفسها. لقد تركت لندن لأهلها، وتخلصت من ماضيها الملوث ومن أبيها الذي كان يستغل جسدها ويقدمها لأصدقائه من أجل أن يتمم صفقاته المشبوهة. «واحتضنها إدريس لأول مرة تحت سماء أفريقيا، تاركا كل ما مر خلف ظهره، ليبدأ حياة يسودها السلام والأمان».
وهكذا تنتهي بنا الرواية إلى ما يشبه بدايتها، بعد أن تطورت الأحداث ليتزوج (إدريس الإفريقي بليزا الأوربية) إيذاناً بعصرٍ جديدٍ من الحب والسلام.