رواية عطر البارود برؤيا الروائي أحمد الصمادي
بقلم الروائي الأستاذ: أحمد الصمادي (الراوي) - روائي اردني - مدير دار ابن رشيق للنشر والتوزيع في الاردن المصدر: فقرة
عطر البارود: عنوان مقلوب على ذاته كخبر مؤخر محذوف المبتدأ، يحمل الصدارة في اللفظ والمعنى
يبتدئ بنكرة للشمول وينتهي بمعرف للتحديد والتخصيص، يجمع ضدين في شبه جملة من مضاف ومضاف إليه، باختلاف الاجناس ليحمل دلالة الغرابة في بناء العنوان، ويفتح باب السؤال في نظرة القارئ، ويصنع عجينة التساؤل أمام المتفحص الذكي، حيث العطر للأزهار والبارود للبنادق إلا أن العطر لزهور العشاق والبارود لعشاق الوطن، وربما يكون العطر للبارود حين يعلن البارود عشق الوطن والتحرير، ويملأ المكانات الخالية من ساكنيها بالكثير من عطر الحرية، بالرغم من رائحة الحرب الطاغية ومشاهدها الكثيرة من دمار وهدم وانقاض وشهداء، وقد يمثل النزعة الإنسانية للبقاء والاستمرار عن طريق الحب، رغم الحرب الطاحنة ورغم أسباب الغياب الكثيرة، وأهمها الموت برصاصة طائشة تنطلق من فوهة بندقية تحمل الكثير من الرسائل وردا واحدا، من روح تفارق جسدها.
المحتوى:
عبر الروائي ها شم حسن من خلال روايته عن حالة تاريخية وإنسانية تحمل حقبة الحرب الاثيوبية الاريتيرية في العقدين الاخيرين من القرن العشرين وتسلسل فيها من لحظة المفاجأة الصادمة التي تنقل مشاهد اللجوء والخراب الانساني والمعنوي والمادي، الى نهايات الثورة الارتيرية ضد المحتل الذي فرض نفوذه على ارض ليست له، ودمر مقدراتها وشتت شعبها في مشهد لا يوصف من مشاهد الحرب للقاسية التي تأتي على الأخضر واليابس امامها ثم لا تبقي ولا تذر.
الجسد الروائي:
جسد مكتمل في واقعيته لمن عايش حالة الحرب بكافة تفاصيلها وتلمس اصوات المتعبين من خلال شوادر اللجوء التي لا تفرق بين غني وفقير، في الخيام يتساوى الجميع، ويحلم الجميع بنهايتين حتميتين للخيمة الغريبة، موت غريب او هودة الى الديار ومواطن الذكريات، استطاع الكاتب فيها ان يحاكي المشهد بحرفية عالية، فنقل الحوارات ونقل الامنيات والمشاهد الحركية والمواقف الصادمة، وكتب عن الحب الصغير الذي يعجز اصحابه عن البوح به الا من خلال النظرات فالأرض غريبة والسماء غريبة والخيمة قاسية لا يعلم احد متى تنهدم فوق رؤوس ساكنيها.
جسد يحمل الكثير من الدوائر الزمنية التي تسلط الضوء على مناطقيات عدة في تلك الحقبة الزمنية بين منطقة العزل بالقرب من الحدود وبين طرقات الرجوع الى الثورة والتحرير ومنطقة خاصة جدا يكبر فيها الحب على مهل، حقبة تتحدث عن زمن الماضي في قلب ام ابراهيم الام الكبرى لعدة ابناء رباهم الوطن واحتضنتهم في دفء خيمتها وتكرر عليهم ايام الاهل الذين قضوا في الحرب والحياة، وزمن حاضر مليء بالتحديات ومشاهد الخوف والعذاب النفسي في خريف البرد والمطر الليلي والصباحات المحرقة، وزمن جميل يحمل الحب في مهد يسمى عافيت وطفلتها التي لم تلدها ”مريم“ والتي تحولت بالنسبة لثلة من شخوص الرواية لمعنى كبير واسمه الامل.
جسد يحمل لغة البساطة والسهولة والتوجه الى عمق الفكرة من خلال لمس العرق الدافئ بداخل القلب حيث لا يمكن الفرار من دمعة هنا ورفيق يموت هنا ووجع محمول على الاكتاف هنا وطفلة تكبر وهي تحمل يتمها في ملامحها وصبية ترسم الحب على ورقة بيضاء صغيرة بفحم الموقد لتصنع تذكرة ولوجها الى عالم الاستعادة الراجعة واسترجاع الموقف في اللحظة المناسبة،
جسد يمثل التاريخ الحقيقي والحدث الحقيقي المدعم بالتواريخ التي سجلها الشاهد الحي من تلك الحقبة المنصرمة في الذاكرة احداث عمرها يتجاوز الثلاثين عاما من الان، لتتحول الرواية من نصها الادبي الى دورها التوثيقي لمرجلة من عمر الوطن الذي شرب من دم اطفاله وابطاله حين اصابه عطش الحرب.
الشخوص:
الام المثالية التي تسيطر على انفعالات الابناء الايتام والابناء الحقيقيين.
شباب في مقتبل العمر يحلمون بالعودة.
صبية تحمل ندبة في وجهها.
شخوص عابرة على الحدث لسد الفراغات المكانية والزمنية في جسد الرواية كصاحب العمل في المزرعة وضباط الثورة وسائق المركبة التي تسير ليلا.
شخصية رمزية اسمها مريم طفلة ولدت في خيمة الحرب وفقدت امها في لحظة صرختها الاولى للتحول لمعناها الجميل وتحمل معنى الوطن في انعكاسها للآخرين.
العقدة العاطفية
قدرة الانسان على التكيف مع اسوء الظروف والرغبة في نجاة الروح والجسد من ويلات المسير والهروب ليتحول الى حالة خاصة تعبر عن عمومها.
المفارقات الجميلة
تحول الشاب الى محارب بامتياز.
وتحول المحارب الى شاعر عاشق.
وتحول الصبية الغضة التي تعاني حزنها الاول على فقدان الحياة الى سيدة مجتمع متعلمة وصاحبة شخصية مختلفة.
استمرار الحرب لسنوات وخروج العاشق ”محمد“ سالما معافى من كل الرصاص ومطر البارود حيا وحين ينوي الدخول في حضن الحبيبة تتعثر به الطريق فينقلب الى مصاب بحادث سير بعد ان كان المتوقع اصابة في حرب طاحنة استمرت اعواما.
الحزن اللطيف الذي يتحول بلحظة لغرام عارم
الخاتمة التي تحمل انتصار الثوار وعودة الحب الى الدار والوطن والبدايات التي ترأب صدوع الزمن المنقضي في بلد خرج لتوه من القيد الى الحياة كسجين لم ير النور والشارع منذ اعوام ووجد نفسه مقابل شروق يوم صيفي جميل لكنه لا يعلم اي طريق يسلكه.