حياته و بطولاته عواتي - الجزء الثاني والأخير
قراءة الأستاذ: صالح عثمان كيكيا - كاتب إرتري - جدة تأليف المهندس: سليمان فايد المصدر: فرجت
الخروج وإعلان الثورة: بعد فشل خطة سلطات الاحتلال الإثيوبي لاعتقال عواتي
أتضح تماما للقائد عواتي أن الظرف لا يحتمل التأجيل والانتظار الي حين وصول السلاح من الخارج ولذلك بدأ الرجل يعد نفسه لساعة الصفر ويبلغ إخوته الذين يثق فيهم بضرورة حمل السلاح لتفجير الثورة، وبشكل سريع اكتملت كل الاستعدادات لتكوين النواة الأولى لجيش التحرير الارتري ولم يبقي أمام عواتي إلا التحرك والقيام بالعمل الحاسم واختيار مكان وزمان إعلان الثورة.
وفي أمسية 1961/8/15م جمع عواتي رفاقه المقاتلين استعدادا للخروج، وكان عددهم ثلاثة عشر مقاتل تم إعدادهم وتدريبهم وكان تسليحهم عبارة عن خمسة بنادق قديمة إيطالية الصنع من نوع أبو خمسة وبندقية تركية الصنع ذات طلقة واحدة بالإضافة الي بندقية عواتي أبو عشرة مع كمية قليلة من الذخيرة ومجموعة من السلاح الابيض.
ويستطرد المؤلف في سرد الاحداث حيث يقول: وروى لي همد حسن إدريس دوحين وهو من الرعيل الذي حضر تلك الأمسية إذ قال: (كان الماس شديدا، وكان الكل ذاهبا لكي يموت أقدس ميتة وأشرفها وكل من حضر تلك الأمسية من الرعيل الأول يذكر حديث عواتي ويذكر قوله:
”نحن اليوم لا نخرج لقتال عدو أهان وأغتصب أرضنا فحسب ولكننا نخرج لنكتب التاريخ المشرف لإرتريا ونتحدى سلطات الاحتلال بكل أسلحتها وجيوشها ونقول لها أننا لن نقبل بعد هذا اليوم حياة الذل والهوان، وإننا عازمون ومن خلفنا الشعب الارتري العظيم للمضي قدما في درب النضال والشهادة حتي التحرير“.
ويواصل المناضل دوحين قائلا (في تلك اللحظات تعالت الصيحات بالتكبير والتحدي للغزاة وأشتد الحماس وبلغ أوجه وأقسمنا ألا نتراجع الي الوراء وأن يكون شعارنا النصر أو الشهادة).
بهذا التحدي والحماس الوطني خرجت في ذلك المساء المبارك مع القائد حامد عواتي شلة من الابرار نذكرهم:-
1. عبده محمد فايد
2. إبراهيم محمد علي قلحاي
3. همد قادف
4. عواتي محمد فايد
5. بيرق نوراي آدم
6. محمد آدم حسان
7. صالح محمد آدم قروج
8. أحمد فكاك
9. همد حسن إدريس دوحين
10. آدم فقوراي
11. سيدنا علي بخيت
12. إدريس محمود
13. عمر محمد علي كراي
إثيوبيا تحاول استدراج عواتي:
لقد كان لنبأ خروج عواتي للجبال بمثابة المفاجأة الكبرى لسلطات الاحتلال الإثيوبي التي لم تحسب لمثل هذا التحدي حسابا، ولهذا سعت لتطويق هذا الحدث من خلال استدراج عواتي عن طريق الإغراء بالمال والجاه فأرسلت إليه رسالة بهذا الشأن عن طريق أحد أعضاء البرلمان الارتري فرد برسالة خطية كتبها باللغة الايطالية يقول فيها: ”إن خروجي الي الجبال وحمل السلاح ضد إثيوبيا لم يكن إلا لتحرير إرتريا وليس لمنفعة شخصية“.
كما أرسل أحد الوزراء في الحكومة الارترية رسالة الي عواتي يطلب فيها حضوره الي مدينة اغردات لمقابلته فرد عليه بالقول: ”إذا كنتم تريدون إنزال العلم الارتري فإنني ومن معي إن شاء الله سوف نرفعه بقوة السلاح وبلغ الحومة الارتري بذلك“.
لم تيئس سلطات الاحتلال الإثيوبي من محاولاتها لإقناعه بالعدول عن رأيه وإلقاء السلاح والعودة الي قريته فأرسلت له وفدا كبيرا من أعيان المنطقة بهذا الشأن وكان رده حاسما عندما قال لذلك الوفد: ”أخبروا من بعثكم بأن يعدلوا هم عن رأيهم في احتلال إرتريا، إننا لن نتراجع عن الهدف الذي اختاره الشعب الارتري بإعلان الكفاح المسلح ونحن لم نكن قطاع طرق وهواة حروب ولكننا طلاب حرية ونتحمل كل الصعاب في سبيل تحرير الوطن“.
لقد كان عواتي صادقا مع الجماهير فقد كان يقول: ”طريق الثورة صعب وطويل ووعر تمهده التضحيات وتحف به المخاطر من جميع الجهات، ولكنه طريق مضمون النتائج للاقتراب من ساعة الخلاص“.
لم تتوقف الضغوطات التي كانت تمارسها سلطات الاحتلال الإثيوبي علي عواتي لكي يتخلي عن دعوته عند هذا الحد بل تجاوزت ذلك الي اعتقال أفراد أسرته وزجهم في السجون بما فيهم زوجته الحامل يومها والتي وضعت وليدها الذي حمل اسم كرار حامد عواتي في سجن تسني.
حملة عسكرية إثيوبية للقضاء علي عواتي:
بعد فشل الوسائل والمحاولات التي قامت بها سلطات الاحتلال لإقناع عواتي بالعدول عن الثورة جهزت قوة عسكرية للقضاء عليه أسمتها - الفيلد فورس - قوات الميدان لمكافحة العصابات - قوامها نحو ثلاثمائة جندي اشتبكت هذه القوة مع الثوار في معركة حامية صبيحة الفاتح من سبتمبر 1961م. في منطقة تسمي كتاي أدال غرب أغردات أبلي فيها المناضلون بلاء حسنا وقاتلوا ببسالة، سقط من العدو فيها ثلاثة قتلي وأصيب بعض المناضلين إصابات خفيفة وفقدت الثورة أول أسير لها وهو المناضل بيرق نوراي آدم. ومن يوم أدال هذا أرخ لثورة الشعب الارتري في الفاتح من سبتمبر 1961م.
عقب انتهاء معركة أدال عقد عواتي ورفاقه اجتماعهم الأول الذي تدارسوا فيه نتائج معركة أدال وتأثيراتها ووضعوا في هذا اللقاء الصيغ التي يعملون من خلالها علي طريق النهوض بالمسؤوليات الكبيرة الملقاة علي عاتقهم والاستمرار في الصمود والاستعداد للمعارك الكبيرة المقبلة بين الثورة وأعدائها وطرح عواتي في هذا اللقاء النقاط التالية لتكون دليل عمل في المرحلة المقبلة.
المواجهة الكبيرة والطويلة التي تنتظرنا مع العدو الاثيوبي تنذر بمخاطر كبيرة في عرقلة مسيرتنا النضالية لذلك يستوجب علي المقاتلين أن يكونوا متيقظين وحريصين مع توخي الحذر في تحركاتهم اليومية والمحافظة علي أسرار الثورة إذ يشكل إفشاء أسرار الثورة ثغرة خطيرة تنفذ من خلالها مخططات العدو الإثيوبي الهادفة لإخماد الثورة في مهدها:-
1. عدم قبول الملتحقين بالثورة من أجل المنفعة الشخصية والمشبوه في أمرهم.
2. تعبئة الجماهير الارترية في الريف الارتري والمدن وتنظيمها وربطها بالثورة عبر لجان.
3. التركيز علي تدريب المقاتلين وتسليحهم من الغنائم التي يتم الاستيلاء عليها من قوات العدو.
وضع عواتي في هذا اللقاء الأسس والمعالم الواضحة للثورة وهذا يعكس وعي عواتي وإدراكه لطبيعة العمل الثوري، واستعداده لخوض حرب طويلة الأمد ضد الاحتلال الإثيوبي، وكانت تتجلي فيه الصلابة وإرادة الصمود والتحدي، ونستطيع أن نقول أنه كان يتمتع بشخصية قوية وإرادة صلبة وكانت جذور الثورة مغروسة في أعماقه، وكان ينظر للأمور بمنظار إستراتيجي بعيد، كما كانت ثقته بنفسه وبالشعب قوية وكان يؤمن بحتمية النصر مع اعترافه بجسامة المسؤولية في العمل الثوري والتضحيات التي يتطلبها.
مجموعة كسلا تلتحق بعواتي:
كانت مجموعة الارتريين العاملين في الجيش السوداني قد أطروا أنفسهم في جبهة التحرير الارترية بقيادة الشهيد طاهر سالم، وبعد معركة أدال تحركت هذه المجموعة من المتطوعين بعضهم من العساكر والبعض الآخر لم يكن في الجيش تحركوا للالتحاق بالقائد عواتي.
وهم:-
1. آدم محمد حامد قندفل
2. آدم النور تيته إدريس
3.الأمين حسب الله
4. الأمين كرار
5. حامد يوسف آدم
6. محمد آدم قصير
7.عمر محمد أبوبكر
8. عبدالله ادريس محمد
9. محمود جعفر سالم
10. إبراهيم ليمان
11. محمد إبراهيم
12. كشه محمد كشه
خرج هؤلاء النفر في يوم 1961/9/4م وهم لا يملكون من السلاح سوى بندقية واحدة، وتزامن وصولهم الي مواقع الثوار مع بداية عمليات المحاصرة والمطاردة التي كانت تقوم بها القوات الإثيوبية للانتقام والثأر لهزيمتها في أدال وعندما علم عواتي بقدوم أولئك المناضلين العزل من السلاح في هذا الظرف الخطير رأى وقتئذ ضرورة المحافظة علي أراوحهم لتدخرهم الثورة لمعارك التحرير القادمة وعلي وجه السرعة أرسل إليهم الشيخ عبدالله محمد عامر ليبلغهم بضرورة العودة الي كسلا مؤقتا الي حين ترتيب الأوضاع والحصول علي السلاح إلا أنهم رفضوا بشدة هذا الرأي وبعد نقاش بينهم وبين الشيخ تم الاتفاق علي أن يبقى بعضهم ويعود البعض الآخر ليبحثوا مع المناضل طاهر سالم ورفاقه في السودان عن مصادر للسلاح، وبعد فترة قصيرة نهاية عام 1961م.
تسلم القائد عواتي أول دعم من خارج إرتريا عبارة عن 75 طلقة أبو عشرة دفع ثمنها الجنود الارتريون في الجيش السوداني أرسلت من كسلا مع المناضل عبدالله إدريس محمد، عندما تسلم عواتي الذخيرة كان في غاية السرور بهذا الدعم من الارتريين العاملين بالجيش السوداني وقلب الرصاص بين يديه وقال: (بهذه الرصاصات القليلة نستطيع أن نصمد هذا الخريف بإذن الله).
تسلم القائد عواتي بعد ذلك عددا من البنادق وكمية من الذخائر والملابس من الشيخ محمد داوؤد والشيخ حامد همد وسيدنا سليمان محمد الأمين والشيخ علي درهوي وكان دعم هؤلاء الشيوخ متواصلا، كما كان لهم الدور الكبير في ترسيخ دعائم الثورة في بداياتها الأولى والتي تعتبر من أصعب المراحل التاريخية للثورة الارترية، ثم توالي الدعم بعد ذلك ففي ابريل من عام 1962م تمكنت الجبهة من شراء خمسة بنادق إنجليزية الصنع وخمسة مسدسات وكمية من القنابل اليدوية من عدن بالأموال التي جمعها العمال الارتريون في المملكة العربية السعودية وأستمر الأمر علي هذا المنوال في شراء السلاح والذخائر بكميات قليلة وتهريبها الي الثورة.
ونعود مرة أخري الي الدوي الهائل الذي أحدثته معركة أدال في 1961/9/1م فقد تناقل خبرها من قرية الي أخري ومن مدينة الي مدينة وتحدث بها الجميع معتزا ومفتخرا بالانتماء لهذا الوطن وثورته المسلحة بقيادة البطل حامد عواتي، بات تصاعد لهيب الثورة بهذه السرعة مزعجا لسلطات الاحتلال الإثيوبي مما جعلها تعمل بكل ما تملك من قوة عسكرية لسحق الثورة في مهدها ولهذا بدأت في مطارداتها المستمرة دون توقف لإنهاك الثورة وإبادة أفرادها ولذلك نشرت جواسيسها في جميع المناطق التي كان يرتادها الثوار. وتمكن أحد هؤلاء الجواسيس من معرفة مكان تواجد الثوار في أومال في منطقة ساوا وقام بإرشاد القوات الإثيوبية الي هذا الموقع فأحاطت قوات العدو في يوم 1961/9/29م بعواتي ورفاقه كإحاطة السوار بالمعصم ودارت معركة عنيفة قلبت حسابات العدو رأسا علي عقب حيث كان يستهدف القضاء علي الثوار ولكن استطاع عواتي بخبرته العسكرية الإفلات من هذا الحصار والنيل منهم حيث خسر العدو ستة قتلي وأربعة جرحي، وغنم الثوار في هذه المعركة عددا من البنادق وكمية من الذخائر وفقدوا شهيدا واحدا هو المناضل عبده محمد فايد وهو أول شهيد للثورة الارترية.
وإثر الانتصارات التي حققها جيش التحرير الارتري في معركة أدال ثم أومال أصدر الإمبراطور هيلا سلاسي أوامره المشددة الي قواته المسلحة في ارتريا باستمرار العنف بحرية مطلقة لقمع الخارجين عن القانون - كما كان يحلو للإمبراطور أن يسمي الثوار - وحشدت لهذا الغرض أكثر من ألف وخمسمائة جندي وبدأت خطتها بضرب نطاق حول المنطقة التي يتحرك فيها الثوار من كل الاتجاهات ثم التضييق تدريجيا حتى تحاصر الثوار في مساحة ضيقة ومن ثم تتمكن من إبادتهم.
أدرك عواتي خطورة هذا المخطط العدواني الهادف لإخماد لهيب الثورة وهي في مهدها ولهذا جمع رفاقه المقاتلين وخاطبهم قائلا: ”أنتم تعلمون أن عددنا قليل ولا نملك سلاحا كافيا وصالحا للاستعمال، لمواجهة قوات العدو الضخمة الزاحفة والمستهدفة إطفاء شعلة الثورة وقتل أمل التحرير، ويجب أن نعمل علي إبقاء شعلة الثورة مشتعلة علي الدوام حتى التحرير الكامل لإرتريا فإذا أطفأت لا سمح الله يصعب إشعالها مرة أخري في وقت قصير“.
بعد هذا الحديث القيم قسم عواتي المجموعة الي قسمين، حيث أمر أفراد القسم الأول بالاختفاء في قراهم أو الذهاب الي مدينة كسلا بالسودان بعد أن حدد لهم مكان وزمان اللقاء القادم وكان بعد شهرين تحديدا في منطقة القدين، أما المجموعة الثانية ومعها السلاح والعتاد فقد انسحب بها قبل بدء الحصار إلى الجبال وأعتصم بها في مكان آمن لا تستطيع قوات العدو الوصول إليه ومكثوا هناك قرابة الشهر تعرضوا في هذه الفترة لظروف غاية في القسوة لانعدام الماء النقي والغذاء في تلك الجبال، وبذلك استطاع عواتي بحنكته وتجربته العسكرية الإفلات من الحصار وإفشال المخطط الإثيوبي.
ونتيجة لاختفاء الثوار لجأت إثيوبيا كعادة المستعمر دائما الي نشر الموت والدمار والقتل الجماعي وإحراق القرى والمزارع وإبادة الثروة الحيوانية، وعندما علم عواتي بتلك الأعمال الانتقامية التي قام بها العدو الإثيوبي ضد القرى تحرك للانتقام ورد العدوان وتجنب في هذه الفترة الاصطدام المباشر بقوات العدو وأكتفي بالمناورة والانسحاب وكانت تهدف خطته هذه الي إبعاد العدو عن القرى واستدراجه إلى المواقع الإستراتيجية وإيقاعه في كمين محكم ثم القضاء عليه وإلحاق اكبر الخسائر في صفوفه.
وكانت معركة هناق هنجر في منطقة ساوا في 1961/10/15م حيث اشتبك الثوار مع العدو في معركة ضارية ضرب فيها الثوار أروع الأمثلة في البطولة والفداء وأستطاع الثوار أن يلحقوا بالعدو خسائر فادحة في الأفراد وغنموا عددا من البنادق، وفي هذه المعركة أصيب القائد عواتي بجروح طفيفة في ذراعه كما فقد الثوار أسيرا آخر هو المناضل محمد ابره الذي كان يقاتل ببندقية إيطالية قديمة وفي لحظة حرجة تعطلت البندقية وعندئذ أخذ البندقية وضرب بها حجرا حتى لا يستفيد منها العدو ثم أستل سيفه وهجم على العدو الذي حاصره من جميع الجهات ورموه بالحجارة حتى أدموه فسقط مغشيا عليه ثم تم أسره وسيق الي القائد الأعلى لقوات العدو في بارنتو الذي وضع أمامه العلم الإثيوبي وأمره بالانحناء للعلم وتقبيله بهدف إذلاله فما كان منه إلا أن بصق في وجه الضابط فأطلق عليه النار فخر صريعا ومات كأنبل وأشرف ما يموت الأبطال.
وتتوالى انتصارات الثورة بقيادة القائد عواتي ويتوالي معها تدفق الجماهير الي ثورتها لحمل السلاح ففي يوم 1961/2/17م التحق بالثورة عدد كبير من المواطنين وعدد من ضباط الأرطة الشرقية الذين استقالوا من الجيش السوداني ومن هؤلاء الكوكبة التالية:-
1. أحمد إبراهيم نفع (حليب ستي)
2. سعيد حسين
3. آدم محمد حامد قندفل
4. أحمد محمد حسن
5. موسي محمد دين
6. محمد إدريس حاج
7. عثمان محمد إدريس أبو شنب
8. محمد عمر أبو طيارة
9. محمد علي إدريس أبو رجيلة
10. عمر محمد علي دامر
11. آدم محمد حامد قندفل
فرح عواتي كثيرا بتزايد عدد المقاتلين خاصة بقدوم المناضلين من ذوي الخبرة القتالية والكفاءة العسكرية من الجيش السوداني الي الثورة الارترية ورحب بهم قائلا:
”لقد أصبح وضع الثورة العسكري قويا بالتحاق هؤلاء الأبطال القادمين من الجيش السوداني للثورة ونحن على ثقة أنهم سيطورون ويدعمون جيش التحرير الارتري بما يملكون من تجارب وخبرات عسكرية وأوصى جميع المقاتلين أن يستفيدوا من خبرات هؤلاء المناضلين“. ثم طلب القائد عواتي من المقاتلين الجدد أن يؤدوا القسم ويقول القائد محمد إدريس أبو رجيلة كان القسم على النحو الآتي:
”أقسم بالله العظيم أن أكون مناضلا لأجل الشعب، وأن لا أخون الثورة وأن أحافظ علي أسرارها وممتلكاتها، إما التحرير أو الشهادة والله علي ما أقول شهيد“.
مرت خمسة أشهر علي بداية الثورة وأخذت النواة الأولى لجيش التحرير الارتري تتزايد عددا وعدة وتجربة وبالتالي أصبح زمام المبادرة في يد الثورة لأول مرة.
لهذا رأي عواتي بعد تقييمه ودراسته للوضع العسكري للثورة ضرورة تقسيم الجيش الي وحدات عسكرية صغيرة لسهولة الحركة والانتشار وإتباع أسلوب الكر والفر في القتال لإزعاج وإرهاب العدو والمحافظة علي قوات الثورة وتقليل الخسائر إلى أقل ما يمكن، ولهذا الغرض دعا عواتي الي اجتماع عام للمقاتلين في منطقة (أبو حشيلا شكور) جنوب تسني وذلك يوم 19/2/1962م وحضر هذا لاجتماع المقاتلون الارتريون القادمون من الجيش السوداني وعدد من المواطنين وتم الاتفاق علي النقاط الاتية:-
1. انتخاب حامد إدريس عواتي قائدا عاما لجيش التحرير الارتري ومحمد إدريس حاج نائب للقائد العام.
2. تقسيم الجيش الي ثلاث فصائل علي رأس كل فصيلة قائدا من أولئك القادمين من الجيش السوداني.
3. أي شخص ينضم بسلاحه الشخصي للثورة يصبح سلاحه ملك للثورة ولا يحق له المطالبة به تحت أي ظرف من الظروف.
4. إعادة توزيع السلاح بحيث يتم تسليم بنادق أبو عشرة لقادة الفصائل ونوابهم.
5. عدم استخدام سلاح الثورة في النهب والثأر وانتهاك حرمات وأعراض المواطنين والأجانب وكل من يرتكب مثل هذه الجرائم تتخد ضده العقوبات الصارمة.
6. أي مقاتل لا يلتزم بالتعليمات الصادرة من قائده أو يخلق بلبلة أو فوضى داخل الجيش يطرد من الثورة.
7. يجب أن يرتدي جميع المقاتلين الزي العسكري.
8. التركيز علي التدريبات اليومية للمقاتلين لرفع كفاءتهم القتالية.
9. تنظيم الخلايا السرية في المدن والريف علي هيئة لجان وذلك لضمان استمرار دعمها للثورة.
10. القيام بالتعبئة السياسية في أوساط الجماهير للتعريف بأهداف ومبادئ الثورة وبسط مداها لتشمل جميع الأراضي الارترية.
11. يتولي مهمة الإشراف علي نشاطات الجبهة في المدن السودانية وربط العمل العسكري بالداخل والخارج مع القيادة السياسية بالخارج في القاهرة.
المناضلين التالية أسماؤهم:-
1. محمد سعد آدم
2. طاهر سالم
3. بابكر محمد إدريس
4. جعفر محمد تسفي تيدروس
5. صالح آدم محمد حدوق
6. محمد عثمان محمد شنقباي
وفي نهاية الاجتماع أوصى عواتي المقاتلين بضرورة إتباع التعليمات والتوجيهات التالية:-
1. التقيد بالقيم الدينية والأخلاقية وأن هذا واجب علي المقاتل في كل وقت في حالة السراء والضراء.
2. لابد من تحديد نقطة تجمع عند كل تحرك.
3. عدم المبيت في مكان العشاء.
4. عند عبور الخيران والأنهار يكون بالتحرك باتجاه الخلف وليس بالسير الي الأمام.
5. إخراج الحرس عند موقع الراحة.
6. التأكد من سلامة المنطقة قبل الذهاب الي بئر الماء.
7. عدم التدخين والكلام أثناء الليل.
8. الانتشار في السير لضمان سلامة المقاتلين ولإرهاب العدو.
9. التدريب المستمر للمقاتلين.
10. التأكيد علي القيادة الجماعية والانضباط بالتعليمات العسكرية.
11. توزيع المقاتلين الي مجموعات صغيرة لتخفيف العبء علي الجماهير.
12. عند مغادرة المقاتلين لأي قرية عليهم وبعد التواري عن الأنظار تغيير اتجاه السير الذي خرجوا به.
13. يجب أن تكون دوما المبادرة بأيديكم وأن مبدأ أضرب وأهرب يحكم هذه المبادرة، هاجموا النقاط الضعيفة وانقضوا عليها كالصاعقة وانسحبوا كالبرق وقبل الهجوم يجب أن تعرفوا طبيعة المنطقة جيدا الطرق غير القابلة للحصار.
14 . لابد أن تكون معنويات السائرين عالية علي الدوام لان الجندي الذي يتمتع بالمعنويات العالية يكسب دائما المعركة.
15. غيروا علي الدوام المواقع التي رآكم فيها المواطنون مهما كان موقفهم ودرجة الثقة فيهم وخاصة الرعاة وعابري السبيل.
16. أرقعوا علي أحذيتكم وجه آخر معاكس للهيئة الطبيعية للحذاء حتى لا يعرف العدو اتجاه سيركم.
17. لا تنسوا الاستطلاع مهما كان عددكم قليل أو كثير كما ينبغي ألا تسمحوا للمدنين بالدخول بينكم ومعرفة عددكم وعدتكم.
يلاحظ أن ذلك الاجتماع التاريخي الهام كان نقطة تحول كبيرة في المسيرة النضالية الارترية المباركة وعكس أيضا مدى الوعي السياسي والعسكري الإبداعي للطلائع الأولى المقاتلة في ذلك الوقت المبكر من عمر الثورة.
وحول تلك اللحظات التاريخية لاجتماع أبو حشيلا شكور حدثني المناضل محمد علي إدريس أبو رجيلة قائلا: (كان الحماس شديدا وكانت المعنويات عالية جدا وكان جميع المقاتلين بعد ذلك الاجتماع التاريخي متهيئين لتنفيذ المهام الوطنية الكبرى وتحمل المسؤولية التاريخية بشرف وأمانة حتى تحرير الوطن والمواطن).
كان عواتي رحمه الله في ذلك اليوم في غاية الفرح والسرور عندما شاهد طابور المقاتلين وهم يؤدون له التحية العسكرية وهم في درجة عالية من الانضباط والتنظيم والحيوية والنشاط وتحدث إلينا عواتي قائلا:
”التحية لكم أيها الشجعان وأنتم تجمعون كل الإرادة الوطنية، وتتسابقون علي ركوب الصعاب والتضحية دفاعا عن وطنكم ووجود شعبكم في الحياة وإني مطمئن وواثق تمام الثقة أن عدوكم وعملائه وجواسيسه لا يستطيعون بعد هذا اليوم إطفاء شرارة الكفاح المسلح في إرتريا“.
ويواصل رفيق عواتي عن حديثه قائلا: (إن حديث عواتي جدد في نفوسنا روحا جديدة للبذل والعطاء والحرص علي أداء الرسالة التاريخية والقيام بدورنا الوطني بشكل كامل) إ نتهى حديث أبو رجيلة.
وعقب انفضاض هذا الاجتماع اجتمع عواتي بقيادة الوحدات العسكرية ونوابهم في منطقة ابيلناي في جنوب القاش وزودهم بالمعلومات التالية:-
1. طبيعة الارض - المغارات والمواقع الإستراتيجية والمواقع المكشوفة الخطرة والطرق والممرات الامنه والخطرة وأماكن تواجد الماء في الجبال وأماكن رعي المواشي في فصل الخريف والصيف والوديان سهلة العبور والخطرة في فصل الخريف.
2. القرى الآمنة والخطرة.
3. مراكز ومعسكرات العدو وأسلحتها.
4. الأفراد الارتريين الوطنيين المتعاونين مع الثورة في قوة البوليس المحلية التابعة لسلطات الاحتلال الإثيوبي.
وهم:-
1. كداني هداد في مركز قلوج.
2. موسي محمد هاشم وعمر خليفة وخليفة حاج إمام ومحمود كنتيباي في مركز تسني.
3. عبد القادر كرار حاج صالح ومحمد عثمان محمد إبر اهيم وإدريس محمد نور في مركز هيكوته.
4. آدم حاج عوض ومحمد حاج عوض في مدينة اغردات.
5. إدريس محمد صالح ومحمد سعيد شمسي وعثمان آدم وعمر ناصر شوم وأحمد وللو في مركز شعب.
6. أخطر الجواسيس في المنطقة.
7. آبار المياه الآمنة والخطرة.
8. الأماكن الآمنة لجلاء الجرحى وتخزين السلاح.
9. المزارعين الايطاليين المتعاونين مع الثورة.
10. الأعيان والمشايخ الموثوق بهم في الريف.
قبل التحرك من منطقة ابيلباي وصلت معلومات سريعة من الشيخ تيته إدريس تفيد أن قوات العدو استطاعت من خلال جواسيسها في المنطقة من معرفة مكان الثوار وإنها في طريقها إليهم، ففي يوم 1962/3/10م نصب القائد عواتي كمينا محكما لقوات العدو المتجهة إليهم في منطقة بلاقندا - في القاش ووقعت قوات العدو في هذا الكمين وقتل معظم أفرادها وجرح بعضهم الآخر وفر آخرون تاركين أسلحتهم وراءهم غنيمة للثوار الأبطال وهي عبارة عن عشرين بندقية ومدفع رشاش خفيف وكمية من الذخائر وقدمت الثورة شهيدين وهما إبراهيم محمد همد قبه ومحمد أحمد فكاك وكانت هذه المعركة هي آخر معركة قادها عواتي قبل استشهاده وشارك فيها بعض المناضلين القادمين من الجيش السوداني.
كانت الأيام الأخيرة للقائد عواتي مليئة بالنشاط والحيوية والعمل اليومي والاشتباكات المستمرة مع العدو لم تشغله عن القيام بواجبه تجاه توعية الجماهير حتى تتمكن من المشاركة الفاعلة والايجابية في الثورة وفي تلك الفترة اهتم بشكل خاص بالمناطق الريفية لتجنيد أبنائها فقام بحملات توعية مكثفة في المناطق الغربية من ارتريا وكان في لقاءاته مع الجماهير يركز علي النقاط التالية:-
1. المحافظة علي أسرار الثورة وتحركات مقاتليها.
2. من يقدم الغذاء والدواء للمقاتل فهو مقاتل.
3. من يؤدي مهمة لمقاتل فهو مقاتل.
كانت هذه الكلمات تؤثر كثيرا في أوساط الجماهير فكانت القرى تتنافس في استقبال واستضافة المقاتلين متحدية تهديدات سلطات الاحتلال وعملائه كما أن توديع المقاتلين عند مغادرتهم كان يتم بنفس ما قوبلوا به من حفاوة.
استشهاد البطل:
لقد كانت حياة هذا القائد جملة من التضحيات التي انتهت باستشهاده المفاجئ صباح الاثنين (الثامن والعشرون) 28 من مايو 1962م.
بعد يوم ملئ بالعمل والنشاط تحرك عشية ذلك اليوم مع بعض رفاقه المقاتلين الي قرية قريبة من جبال أكتين غرب ارتريا في منطقة القاش وبعد أن تناولوا طعام العشاء في تلك القرية وابتعدوا كعادتهم من القرية وعسكروا في مكان آمن لقضاء ليلتهم وعند منتصف الليل أيقظ عواتي المناضل كبوب حجاج ليخبره بأنه يشعر بهبوط شديد في قلبه وبرودة وآلام في جميع جسمه، وتناول عواتي بندقيته أبو عشرة التي أطلق بها شرارة الثورة وسلمها للمناضل كبوب حجاج وقال له:
”أرفعوا هذه البندقية عالية، حتى تحقيق نصر آت بإذن الله“.
ثم تناول سيفه وسلمه لكبوب حجاج وطلب منه أن يسلمه لابنه كرار حامد عواتي، كما طلب منه أن يسلم خنجره لابن أخته عواتي محمد فايد، وطلب منه أن يسلم حقيبة وثائقه لنائبه محمد إدريس حاج ثم أغمض عواتي عينيه مستسلما لنعاس طويل لا يفيق منه إلا في رحاب الخلود.
أستشهد عواتي في الساعة الخامسة صباحا من ذلك اليوم ووجه مرفوع الي السماء وجسده يعانق تراب الوطن الغالي، رحل بجسده عن الدنيا لعيش بروحه وعطائه الخالد في نبضات قلوب أبناء شعبه تاركا جيلا من المناضلين يواصلون المسيرة وسط العواصف ويتناقلون الراية شهيدا وراء شهيد حتى تحقيق النصر.
تم دفن عواتي في مكان غير معروف إلا لأفراد قليلين في منطقة لنكوي فر شرق هدمدمي جنوب القاش ووضعت علامات مميزة في قبره وحول المكان ومن خلال هؤلاء الأفراد ومنهم آدم كشه شاقي الذين يعرفون مكان القبر نقل الرفات في عام 1994م ودفن في مدينة هيكوته غرب ارتريا.
أخيرا، وأنا أختم قراءاتي لهذا الكتاب القيم والذي لا أشك مطلقا بأن صدوره وفي هذا الوقت بالذات سوف يملأ فراغا هائلا لطالما شعرنا به ومنذ سنوات خاصة وأن سيرة ومسيرة الشهيد عواتي وبرغم وضوحها إلا أن تفاصيل حياته وخلفيته النضالية والأرضية التي أنطلق منها كانت بمثابة لغز للكثيرين، وبهذا المؤلف القيم يمكن أن نقول جزءا هاما من شخصية عواتي أصبح واضحا، دون أن نغفل ضرورة البحث والتقصي.