قراءة لكتاب الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا من الثورة الى الدولة
قراءة الدكتور: أحمد حسن دحلي تأليف الدكتور: ياسر السبكي - باحث مصري المصدر: المركز الإريتري للدراسات الاستراتيجية
كتاب "الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا من الثورة الى الدولة"
هو نص رسالة الدكتوراه ألتي أعدها الباحث المصري ياسر السبكي في جامعة القاهرة عام 2019، تحت اشرف الدكتور ابراهيم نصر الدين، ونشرها المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية في "دار الاتحاد للطباعة" ضمن سلسلة عبدالملك عودة الافريقية.
وبناء على ورد في الكتاب، فإن مكتبة مدبولي، الكائنة بميدان طلعت حرب بالقاهرة، ستتولى عملية بيع الكتاب.
1. أستهل دكتور ابراهيم نصر الدين الكتاب بمقدمة موجزة جدا تحت عنوان "هل جزاء الاحسان إلا الاحسان" جاء فيها اثرت ان تنسب رسائل الماجستير والدكتوراه التي اشرف عليها الى استاذي ومعلمي المرحوم الاستاذ الدكتور عبدالملك عودة... وما اقدمه للقارئ العربي في مجال الشؤون الافريقية في هذه السلسلة هو مجرد غيض من فيض عمله... وإنني أشكر الشباب من جيل الاحفاد الذين بذلوا هذا الجهد العلمي في تخصص ليس بالهين، شق له الراحل طريقا بات ممهدا لمن يأتي من بعده، فإني آمل ان تستمر هذه المسيرة.
2. يقع الكتاب في 532 صفحة من الحجم المتوسط، تتوزع في بابين أساسيين:-
الباب الاول: قسم على ثلاثة فصول وأستغرق 201 صفحة كاملة.
أستعرض الباحث في "الفصل الاول" مرحلة قبل ميلاد الجبهة الشعبية،
وخصص "الفصل الثاني" لتأسيس الجبهة الشعبية مع تركيزه على اطارها الفكري،
وفي "الفصل الثالث" تناول ما اسماه "اطارها الحركي".
الباب الثاني: احتوى اربعة فصول على مدى 268 صفحة،
تمحور "الفصل الاول" حول جهود الجبهة في سن دستور دائم للدولة،
وعالج "الفصل الثاني" الشؤون الداخلية للدولة،
وتطرق في "الفصل الثالث" لعملية إدارة الشؤون الاقليمية والدولية،
في حين بحث في "الفصل الرابع" التحديات التي تواجه الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة.
ثم في خاتمة المطاف، لخص الكاتب نتائج دراسته في 11 صفحة، مدرجا اربعة ملحقات في نهاية الكتاب.
3. بغية اعداد هذه الدراسة الاكاديمية اعتمد الباحث على 326 مرجعا بداية ب 23 وثيقة، و 48 كتاب بالعربية، و 31 مقالة، و 2 رسالة، و 3 بحث ودراسات، و 3 تقارير، و 16 مقال صحفي، و 71 مرجع مختلف في الانترنيت، و 7 مصادر متفرقة. كما اعتمد على المراجع الانجليزية التالية: 5 وثيقة، و 41 كتابا، و 41 مقالا، و 3 دوريات، و 8 تقارير، و 8 أوراق، و 4 مواضيع خبرية، و 47 مادة متفرقة من الانترنيت، ونهاية ب 9 مراجع مختلفة.
4. بذل الكاتب جهدا بحثيا مقدرا لإعداد رسالته العلمية حول الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا. صحيح توجد دراسات حول الثورة الارترية عامة والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا خاصة، ولكن هذه رسالة دكتوراه تعتبر الاولى من نوعها عن الثورة الارترية ممثلة في الجبهة الشعبية منذ تأسيسها في عام 1977 لغاية تحرير ارتريا في عام 1991، ثم الدولة الارترية من 1991 حتى 2019 تاريخ نهاية الباحث من ألاطروحة وتقديمها للمناقشة. بمعنى آخر، تغطي هذه الدراسة
14 سنة من عهد الثورة مجسدة في الجبهة الشعبية، و 18 سنة من عمر الدولة الوليدة، أي 32 سنة من الثورة الى الدولة. ولقد مهد الباحث الارضية التاريخية والسياسية للثورة الارترية عامة بتقديم نبذة سريعة عن تاريخ الاستعمار الايطالي، والانتداب البريطاني، ودور الاحزاب السياسية في اربعينيات القرن المنصرم، وحيثيات واشكاليات الفيدرالية والاتحاد الفيدرالي بين ارتريا واثيوبيا في عام 1952، وقيام حركة تحرير ارتريا بقيادة المناضل الشهيد محمد سعيد
ناود في عام 1958.
5. عمد الكاتب على وضع القضية الارترية في سياقها الدولي متناولا دور الولايات المتحدة الامريكية في الصراع الاثيوبي الارتري، وابرز اسباب انحياز واشنطن لصالح أثيوبيا ضد ارتريا بقوله كانت. الاهمية الاستراتيجية لأثيوبيا نابعة من موقعها المتميز، فهي تقع بسواحلها الارترية على مدخل باب المندب، والمدخل الجنوبي للبحر الاحمر، ومن ناحية اخرى تقع منطقة القرن الافريقي على مقربة من الشرق الاوسط حيث يوجد بترول الخليج الذي يسلك نفس الطرق البحرية الى الغرب، وحيث تتمركز القضية الفلسطينية التي تتصل مباشرة بالمصالح الغربية الامريكية. وتوقف على موقف الدول المعسكر الشرقي "المؤيد لحق تقرير المصير للشعب الارتري... أملا في ان يجد موطئ قدم في المنطقة في ظل ارتريا المتحررة". ونوه الى موقف الدول الأوروبية، ولا سيما موقف بريطانيا وايطاليا المعنيتان بصورة مباشرة بالأزمة الارترية لكونهما "صانعيها "، وعوضا عن تدارك موقفهما، انجرفتا وراء نظرتهما المصلحية ودعمتا "اثيوبيا خلال مراحل الصراع الارتري الاثيوبي المختلفة". وفيما يخص موقف العالم الاسلامي من المسألة الارترية اشار الباحث الى دعم دولة باكستان لحق تقرير المصير للشعب الارترية طيلة مراحل كفاحه المسلح.
6. كتب د.ياسر السبكي في ديباجة كتابه بأنه درس الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا خلال مرحلتين وهما:-
6.1 المرحلة الاولى "تستهدف دراسة الجبهة الشعبية ودورها في مرحلة الثورة، وهنا نتعرض الى العديد من القضايا التي تتعلق بدورها كحركة تحرر، وأهمها كيفية تأسيس الحركة والصعوبات التي واجهتها ودورها في النضال المسلح، ورؤيتها لحل كافة القضايا التي كانت تهم الشعب الارتري، والنجاح الذي حققته لتصبح الفصيل الاول والوحيد في ارتريا، رغم انها آخر حركات التي تكونت خلال حرب التحرير".
6.2 المرحلة الثانية تركز على "دور الجبهة الشعبية منذ قيام الدولة وحتى الوقت الحالي، لبحث خصائصها المؤسسية وممارساتها خلال فترة الحكم، بإعتبارها الاساس في تشكيل النظام السياسي الراهن في ارتريا، وتناول تحديات بناء دولة جديدة من حيث دستورها ونظام مؤسساتها السياسية، وعملية بناء اقتصادها، وتحقيق التنمية المجتمعية، واهم القضايا والاشكاليات الامنية والعسكرية التي واجهتها، بالإضافة لدورها في ادارة الشؤون الاقليمية والدولية... والسعي نحو ارساء قواعد العدالة والديمقراطية، مع تقييم شامل لهذه التجربة".
7. خلاصة رسالة الدكتوراه وفقا لما جاء في هذا الكتاب، أوجز الباحث ياسر السبكي خلاصة دراسته في 27 نقطة، ونستعرضها بصورة مقتضبة في النقاط التالية:-
7.1 "تجربة الجبهة الشعبية في ارتريا، تجربة مميزة تستحق الاشادة بها سواء خلال نشاطها وتضحياتها في فترة الكفاح المسلح، أو في فترة توليها مقاليد الحكم بعد الاستقلال خلال بناء الدولة المدنية المستقلة".
7.2 الجبهة الشعبية تميزت كحركة تحرير بعدد من الخصائص التي ميزتها عن مثيلاتها من حركات التحرير الاخرى في القارة الافريقية، وتشابهت أيضا مع بعض حركات التحرير في عدد من الخصائص على النحو التالي:-
أ) نجحت في تحرير كامل التراب الارتري، أسوة بحالات مماثلة في القارة الافريقية، مثل جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وجبهة تحرير موزمبيق... لكن الجبهة الشعبية تميزت عن تلك الحركات في انها نجحت بعد تحرير الارض، في الاستمرار في التقدم حتى وصلت في تقدمها للسيطرة على اراضي الدولة الاستعمارية، كما وصلت لحد التدخل العسكري في عاصمة الدولة المستعمرة، أديس أبابا... وهذا لنموذج لحركات التحرير لم تحققه أي حركة تحرير اخرى، بوصولها الى عاصمة المستعمر والبقاء بها لفترة".
ب) واجهت الجبهة الشعبية "بمفردها الولايات المتحدة خلال فترة حكم هيلي سلاسي، والاتحاد السوفيتي وكوبا خلال فترة حكم منجستو. ولم تستطع تلك القوى العظمى وقف تقدم الجبهة أو الحد من قدراتها في حرب التحرير".
ج) "لم تحصل الجبهة الشعبية على دعم خارجي يذكر... واعتمدت على امكاناتها وجهودها الذاتية خلال مختلف المواجهات مع قوا ت الاحتلال الاثيوبي".
د) "اشتراك الفتيات في القتال وبخاصة من خلال الجبهة الشعبية، وهي بذلك تعد نموذجا مختلفا عن باقي حركات التحرير، في انها اعتمدت على العنصر النسائي بدرجة كبيرة في المعارك".
ه) نجحت الجبهة الشعبية في التحول من حركة تحرير وطني تتبنى نهج الكفاح المسلح الى حزب سياسي يتولى مقاليد السلطة والحكم.
و يلاحظ غياب الفساد بصورة واضحة في ارتريا بسبب توافر مبادئ المساءلة والمحاسبة، مما جعل المؤسسات الحكومية أكثر انتاجا وفعالية.
ز) "نجحت الجبهة الشعبية في ترسيخ القيم الوطنية الارترية، والتي ساهمت بصورة رئيسية في تحقيق الاستقرار الداخلي للمجتمع، على الرغم من التنوع الاثني والقبلي واللغوي بين الشعب الارتري، واهم هذه القيم التسامح والتعدد والتنوع وقبول الآخر، مما جعل المجتمع أكثر انفتاحا، والاقتصاد أكثر نشاطا وأصبح يتسم بالشفافية. كما ان النظام الاجتماعي اصبح أكثر عدالة وانصافا للغالبية العظمى من الشعب الارتري".
ح) "لا تزال هناك العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي تواجه الجبهة الشعبية خلال ادارتها للدولة الارترية، بالإضافة للتحديات المتعلقة بوضعها في الاقليم، وتحديات أخرى على المستوى الدولي".
8. ملاحظات نقدية عامة:
8.1 هذه رسالة دكتوراه تعتبر الاولى من نوعها فيما يخص تجربة الثورة والدولة للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وللجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة.
8.2 يشكل هذا الكتاب اضافة نوعية للمكتبة الوطنية الارترية خاصة، واثراء للمكتبة العربية عامة.
8.3 بذل الباحث ياسر السبكي جهدا بحثيا علميا مقدراعن موضوع شائك ومعقد ومتعدد الابعاد والمصادر الوطنية والاقليمية والقارية والدولية.
8.4 الخطة المنهجية العامة للباحث محكمة ودقيقة، ولكن بعض الفصول شابها الارباك من حيث سلاسة ومنطقية تسلسل الاحداث ليس من الناحية الزمنية والتاريخية وحسب، بل من الزاوية البنيوية أيضا.
8.5 لم يتناول الكاتب نواة الدولة الارترية التي كانت تتبلور رويدا رويد مع ميلاد ونمو وتطور الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا عبر مؤسساتها السياسية والاجتماعية والتعليمية والصحية والاقتصادية والاعلامية ومنظماتها الجماهيرية والاغاثية والبحثية ...الخ بحيث يتعذر الفصل بين الثورة والدولة، لأن الدولة أتت من قلب الثورة، وان الثورة كانت حبلى بالدولة. وان بعض الكتاب ومن بينهم الكاتب التنزاني عبد الرحمن بابو قال في عام 1985 بعد زيارته لمعاقل الجبهة الشعبية في الاراضي المحررة، "رأيت مستقبل افريقيا في ارتريا". ولم يكن يقصد بذلك البعد العسكري للجبهة الشعبية، بقدر ما كان يتحدث عن مختلف ابعاد الثورة التنظيمية والفكرية والسياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والاعلامية.
8.6 الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ولدت من رحم قوات التحرير الشعبية في عام 1977، وان قوات التحرير الشعبية ولدت من رحم جبهة تحرير ارتريا في عام 1970، وان جبهة تحرير ارتريا ولدت من رحم حركة تحرير ارتريا في عام 1961، وان حركة تحرير ارتريا ولدت من رحم الكتلة الاستقلالية في عام 1958، والكتلة الاستقلالية ولدت من رحم جمعية حب الوطن في 1949، وان جمعية حب الوطن ولدت من رحم الشعب الارتري في عام 1941 بعد هزيمة ايطاليا في الحرب الكونية الثانية، وذلك كنتيجة لتراكم نضالات الشعب الارتري ضد الغزاة الغربيين والشرقيين على مدى قرون عديدة. وان قادة الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا مثل المناضل رمضان محمد نور، والرئيس اسياس افورقي، وسكرتير الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة الامين محمد سعيد، كانوا قيادات بارزة في جبهة تحرير ارتريا، ثم في قوات التحرير الشعبية.
8.7 الجبهة الشعبية كما يدل اسمها ليست حزبا كما كتب الباحث، بقدر ما هي جبهة بمعنى الكلمة للمصطلح، فهي تتسع لمختلف الآراء والافكار ضمن الثوابت الوطنية التي تبلورت وترسخت على مدار نصف قرن 1941-1991 من نضال سياسي وكفاح متعدد الابعاد الفكرية والاجتماعية والثقافية والعسكرية ...الخ.
8.8 لست ادري ما هي الاسباب التي حالت دون اعتماد الباحث على مصادر الجبهة الشعبية بصورة اساسية، لكون البحث هو عنها من ناحية ولكون المصادر متوفرة من ناحية ثانية، ولأن بعض المصادر التي اعتمد عليها الكاتب مثل ويكيبيديا الموسوعة الحرة، وموسوعة "مقاتل من الصحراء" وكتابات اسعد غوثاني واحمد ابو سعده، وكتابات بعض المجاميع الارترية التي لفظتها حركة تاريخ الثورة الارترية تفتقر للدقة، هذا علاوة على انها محكومة بحسابات ومكايدات سياسية بعيدة كل البعد عن الموضوعية والروح العلمية.
8.9 بعض الفقرات كررت اكثر من مرة في هذا الكتاب، وكان يمكن حذفها من دون ان تحدث أي خلل في المبنى والمعنى.
8.10 توجد بعض الاخطاء في الاسماء والتواريخ التي كان بالإمكان تفاديها بسهولة. فعلى سبل المثال لا الحصر، نقرأ في الكتاب اسم ميناء مصوع وميناء عصب وقد تحولا الي اسيب ومساوا. وان جبل ادال الذي شهد انطلاق اول رصاصة ارترية في عام 1961 ضد قوات الاستعمار الاثيوبي، تحول الى جبل "عضل"، ويعزى ذلك الى الترجمة بعض المعلومات من مراجع انجليزية الى العربية، مع ان الباحث استخدم الاسماء الصحيحة في بعض فصول كتابه.
8.11 لا توجد فهرسة للكتاب، وهذا امر منهك للقارئ، وغير جدير بكتاب بهذه القيمة، مع أني اعتقد بوجود فهرسة لرسالة الدكتوراه التي أعدها الباحث.
8.12 وأخيرا وليس آخر، هذا الكتاب قيم، وجدير بالقراءة، ويستحق التقدير، وآمل أن يتم تصحيح بعض الاخطاء التي وقعت هنا وهناك في الطبعة الثانية.
التعليقات
الشكر كل الشكر للدكتور أحمد حسن دحلي على جهده الصبور في قراءة الكتاب ووضع تلك الملاحظات القيمة عليه.. وكذا بالنسبة للملاحظات القيمة التي قدمتها.
يا عزيزي الدكتور واعدك في الطبعة الثانية أن أخذ تلك الملاحظات القيمة والحثيثة في عين الاعتبار.
وتحياتي لشخصكم الكريم ولهذا الموقع المميز ولكل أبناء الشعب الإريتري الكرماء.
تحياتي
د. ياسر السبكي
المؤلف