قراءة في كتب تاريخ ارتريا تأليف عثمان صالح سبي

عرضجبهة الثوابت الوطنية الارترية

مقدمة الكتاب: يحتوي هذا الكتاب تاريخ ارتريا منذ أقدم العصور حتى عصرنا الحاضر،

وليس دافعي إلى كتابته الرغبة فقط في سد النقص الذي تعانيه المكتبة العربية من ماضي هذا القطر الذي تجمعه بالعالم العربي أواصر التاريخ والجغرافيا والحضارة والثقافة، بل رغبتي أيضا في الإسهام بخدمة متواضعة في دحض المزاعم الإثيوبية التي دأبت على اغتيال الحقائق التاريخية لمصلحة أهدافها التوسعية منكرة وجود ارتريا ككيان مستقل تاريخيا.

وقد واجهتني عند الشروع في الكتابة مصاعب عديدة منها إنني لست عالما متخصصا في علم التاريخ، وتبعا لذلك فالمامي بالحقائق التاريخية المتعلقة بالمنطقة محدود، مع الملاحظة إن تاريخ ارتريا ارتبط في معظم أطواره بتاريخ الأقطار المجاورة في شمال شرق إفريقيا وحوض البحر الأحمر، مما يستلزم دراسة كاملة لتاريخ المنطقة المذكورة، وهو أمر يحتاج إلى وقت لا تتيحه لي مسئولياتي الوطنية.

زيادة على ذلك لا تتوافر عن تاريخ ارتريا مراجع كافية باللغتين اللتين الم بهما - العربية والانكليزية. فما كٌتب عن تاريخ ارتريا إنما كتب باللغة الايطالية، وهناك أكثر من مائتي كتاب عن ارتريا تزخر بها مكتبة المتحف الإفريقي في روما، كتبت بأقلام علماء متخصصين في مختلف فروع المعرفة أبرزهم: المؤرخ الايطالي المعروف كونتي روسيني، بذلوا ولا شك جهودا كبيرة في إعداد هذه الكتب، وكل أملي إن يستفيد أي باحث أو باحثين ارتريين من هذه المكتبة الايطالية ومن مكتبة الدراسات الارترية التي تنشئها الآن البعثة الخارجية لقوات التحرير الارترية الشعبية لجبهة التحرير الارترية حتى يكتب التاريخ الارتري بأقلام ارترية متخصصة.

وقد اعتمدت على قراءتي المتنوعة لكتب التاريخ التي تتناول عموم المنطقة شمال شرق إفريقيا وحوض البحر الأحمر، وخاصة تاريخ الحبشة والسودان واليمن ومصر اقتباس معظم المعلومات التي سجلتها هنا، علاوة على ما وعته ذاكرتي منذ الصغر من معلومات تاريخية عامة مصادرها القصص التي كان يرويها لنا والدي - رحمة الله - وكانت له اهتمامات بالتاريخ العربي الإسلامي وتاريخ بلاده وقد استقى منه استأذنا السوداني طيفور بابكر الدقوني في الأربعينيات - المعلومات الأولية عن تاريخ ارتريا لتدريسها في المدرسة الوسطى، وكان يملي عليه تواريخ بعض الإحداث الارترية عن ظهر قلب وحفظت ذاكرتي بعضا منها كعام (1557م) الذي أحتل فيه الأتراك العثمانيون مصوع وعام 1869 الذي اشترى فيه المبشر الايطالي سابيتو قطعة ارض من سلطان عصب لتكون محطة تموين السفن لشركة روبانيتو الايطالية ليصبح عقد الشراء هذا بداية الاستعمار الايطالي لإرتريا ولعل العامين (1557م) و(1869) بقيا في ذاكرتي منذ الصبا لأنمهما شكلا نقطة الانعطاف في تاريخ ارتريا فالأول كان بداية لهيمنة النفوذ العثماني على سواحل البحر الأحمر كلها على امتداد القرون الثلاثة التالية والثاني شكل بداية لتاريخ ارتريا المعاصر وما تضمنته من إحداث هامة برحيل الطليان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية ووقوع ارتريا تحت الاحتلال الإثيوبي وفق مخطط أمريكي - بريطاني ونقص أخر عانيته عند إعداد هذا الكتاب وهو بعدي عن ارض الوطن لفترة امتدت ألان خمسة عشر عاما لم اعد خلالها إلى الريف الارتري سوى مرات قلائل وفي ظل ظروف أمنية لا تسمح كثيرا بالتفرغ للأبحاث التاريخية والاطلاع على المعالم الأثرية كإطلال عدوليس ومطرا وقوحيتو وكانت مدناَ عامرة قبل أكثر من إلفي عام ومع ذلك فانا لم اخرج من تلك العودات صفر اليدين ففي منطقة القدين غرب ارتريا مثلا اطلعت على بعض الآثار التاريخية للحروب القديمة وكذلك في منطقة دنكاليا جنوب شرق ارتريا اطلعت على القبور الصندوقية والهرمية التي لها دلالات تاريخية عامة بالنسبة إلى علاقة سلطنة الفونج في ارتريا وبالنسبة إلى الحروب مع إثيوبيا واني لا تطلع أن أتفرغ - إذا عشت - للمساهمة في كتابة تاريخ بلادي بعد العودة المظفرة إن شاء الله بالاستناد والمعايشة للأرض والشعب المعنيين وليس فقط بالاقتباس من بطون مراجع كتبها باحثون أجانب تظل قدرتها على فهم المجتمع الارتري مهما بذلوا من جهد دون قدرة الارتري الذي هو ابن البيئة والعليم بخباياها.

والصعوبة الكبرى التي واجهتني هي تعدد التاريخ الارتري، فلم تعش ارتريا بحدودها الراهنة رغم وحدة الأصول والتكوين لشعبها - تحت أمرة دولة واحدة إلا بعد الاحتلال الايطالي في الربع الاخيرمن القرن التاسع عشر.

وقد خضعت ارتريا بحكم موقعها الجغرافي وتعدد الهجرات البشرية التي استقرت في مختلف مناطقها، لدول مختلفة في وقت واحد وارتبطت بعض أجزاءها بأجزاء أخرى من البلدان المجاورة.

كما هو الحال بالنسبة إلى الهضبة الارترية التي ارتبطت في فترة من الفترات بمملكة اكسوم أو منطقة بركة في غرب ارتريا بممالك البجة ومملكة سنار بالسودان أو شاطئ البحر الأحمر الذي كان يخضع أحيانا لسلطان اليمن أو الحجاز.

وقد رويت بأكبر قدر ممكن من الدقة والواقعية إحداث هذه الارتباطات مستخلصا من التعدد التاريخي كلا واحداً أقرته التزاوجات التاريخية بين مختلف العناصر التي تشكل منها شعبنا: الكوشية، الحامية، السامية، الزنجية. كما فرضت الوحدة مع التعدد البيئة الجغرافية المتعددة واحتياج السكان في رحلاتهم الصيفية - الشتائية إلى هذا التعدد البناء.

حقيقة هامة أردت الوصول إليها من خلال بحثي المتواضع وهي إن الشعب الارتري كان موجودا في هذه الرقعة من أرضه الممتدة على طول الشاطئ البحر الأحمر الغربي من الحدود السودانية إلى باب المندب قبل إن يطلق الطليان على هذه الرقعة اسم ارتريا في مستهل عام 1890م كان موجودا كغيره من شعوب المنطقة بصراعاته وحروبه ومنجزاته ولهجاته المتعددة يؤثر ويتأثر بمجريات الإحداث في المنطقة.

ومع إن تسمية ارتريا هي تسمية غير محلية - بل هي يونانية الأصل وعنت (البحر الأحمر) إلا أنها تسمية قديمة يعود تاريخها إلى أكثر من إلفي عام.

وكون التسمية استحدثت في القرن التاسع عشر لا يعني مطلقا إن وجود الشعب استحدث أو اصطنع أيضا كما تدعي إثيوبيا فتسميتها إثيوبيا ذاتها يونانية وتعني (الوجه المحروق) وقد أطلقها الإمبراطور منيليك على مملكة الحبشة القديمة بعد إن وسعها على حساب جيرانه بالتعاون مع الدول الغربية الاستعمارية في نهابة القرن التاسع عشر.

وما أكثر الأسماء التي استحدثت للأقطار الجديدة في العالم !!! ماذا كان اسم كينيا مثلا قبل مائة عام أو الباكستان أو الأرجنتين أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية ؟ فليست العبرة بالاسم وإنما بالمسمى وحقيقة وجوده الفعلي.

Top
X

Right Click

No Right Click