رواية 9 مارس للكاتب المبدع المهندس محمود شامي

قراءة تحليلية الأستاذ: إدريس حسن يعيدي

يوم الخميس الموافق 28 مارس 2019م أقيم حفل الإفتتاح الرسمي بمناسبة تدشين الطبعة الأولى

رواية 9 مارس

من «رواية 9 مارس» للكاتب المبدع المهندس محمود شامي في العاصمة اليمنية صنعاء.

وصفها أساتذة الأدب المتخصصون بأنها أول رواية باللغة العربية تدور أحداثها في دول القرن الإفريقي الكبير، وأنها جمعت في قصتها على شكل حكاية مكتملة بين إرتريا وجيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان. وأنها مهمة ستكون إضافة نوعية جديدة للأدب العربي في القرن الإفريقي على حد وصف عميد كلية الآداب في جامعة الحديدة أثناء تقديمه أمام الأساتذة والجمهور الحاضر يوم الإفتتاح الرسمي للطبعة الأولى من الرواية.

رغم أن الفكرة الرئيسية للرواية تتمحور حول أحداث القرن الإفريقي. لكن حينما نغوص أكثر في تفاصيل احداثها وعلاقات أبطالها وشخوصها وأماكنها ومعالمها البارزة نجد أن الكاتب جمع في روايته بين الطرح العام في إطار الكلي من جهة. والطرح الخاص في إطار العفري. وفي المستوى العام تناول الراوي قضايا القرن الإفريقي من أبعاد وزوايا مختلفة حتى إنطوت روايته على قدر كبير من الغنى والتنوع والعمق وتعدد الدلالات الإجتماعية والثقافية والتاريخية والفكرية. لكن في المستوى الخاص إهتم كاتب الرواية بشكل أعمق في القضايا العفرية في المتطقة حتى قام ببراعة فائقة بتصوير إخفاقاتنا ونجاحاتنا على مدى 60 عاما.

وإستطاع بأسلوب أدبي بديع ناقش تراثنا الفكري والثقافي والأدبي، وأدمج في فصول الرواية جانب كبير من النصوص الشعرية الخالدة لأبرز المبدعين العفريين. وإستخذم في روايته أسلوبين أو طريقتين مع بعض في توليفة واحدة متكاملة.

وفي الغالب الأعم يستخذم تقنيات السرد الأدبي الأنيق، لكن تارة نراه يكثر إستخذام الأسلوب الشعري العغوى التلقائي. مما يدل على ملكاته الشعرية الفائقة بجانب ملكاته النثرية الادبية. وبهذا الأسلوب السردي الجميل العفوي المشوق الذي تتخللها أشعار جميلة مبدعة من إنشاء الراوي نفسه، وأبيات أدبية رشيقة مقتبسة من التراث العفري. وهاكذا كتب المتألق محمود شامي فصول الرواية السبعة فصل بفصل حتى وصل حجم الرواية الكلي الى 220 صفحة.

وهنا تحضرني تساؤلات مهمة حول ما إن كان نجح الكاتب برهانه وتجاوز التحديات التى واجهته في كتابة الرواية ؟

وهل إستطاع إيصال الوصفة التى أراد إيصاله الى قرأئه ؟

الإجابة نعم بالفعل أنه نجح الى حد ما في رهانه بشهادة أساتذه الأدب المتخصصين وعلى رأسهم عميد كلية الآداب في جامعة الحديدة، وبدليل تفاعلات القراء المطلعين على الرواية عن قرب، وأيضا أقول أثبت الراوي أنه كاتب بارع وروائ متألق من خلال المعلومات القيمة التى صاغه في فصول روايته السبعة ومن خلال أسلوبه الأدبي البديع الذي كتب فيه الرواية.

إذن هذه الإمكانيات الثقافية الواسعة، وتلك القدرة الأدبية الاحترافية لا تأتي من فراغ فجأة هاكذا دون مقدمات، وإنما بالتأكيد هناك تجارب سابقة مر عليها الكاتب وهي التى أصقلت مهاراته وأنضجت أفكاره حتى وصل الى هذا القدر من المعرفة والتجربة، ومن أجل قراءة هذه التجربة قراءة كلية أقوم بتقسيمها الى ثلاثة مراحل مهمة من حياة الكاتب المتألق محمود شامي وهي كالتالي:-

الأولى: هي مرحلة إكتساب المعرفة !.

هذه المرحلة من أصعب المراحل لأنها الأساس الذي تتأسس عليها المراحل الأخرى. بالإضافة الى ذلك الأخ المهندس محمود شامي من جيلنا الذي رافقته التعاسة الدائمة ولازمه البؤس والشقاء منذ نعومة أظفارنا، ولم يحتفي بنا الوطن أي ارتريا الذي ولدنا فيها، ولم ترحمنا المنفى الذي عشنا فيها كل حياتنا حتى الآن. والقلة القليلة التى إستطاعت أن تتعلم من جيلنا كابدت كل الويلات وذاقت كل ألوان العذابات من أجل العلم وإكتساب المعرفة، مما يعنى أن إرادة المعرفة لديهم أقوى من كل التحديات والمعوقات المحيطة بهم، بالتأكيد المهندس محمود شامي من الهاؤلاء القلة القليلة التى ذاقت مرارات العذاب وتحدت الواقع المتآمر ضدهم وصبرت حتى عجز الصبر عن صبرهم. وتعلم متنقلا بين المخيمات في المنفى وترك مدينة طيعو الساحلية مسقط رأسه الواقعة في إقليم دنكاليا في إرتريا، وهو في عمر 8 هاجر مع أسرته الى الجمهورية اليمنية. وبدأ تعليمه الإبتدائي في مدرسة الشهيد قمحد ادريس التابعة لمخيم اللاجئين الإرتريين في مدينة الخوخة في الساحل الغربي الواقعة إداريا في محافظة الحدىدة. ودرس الإعدادية في مكان آخر مع الطلاب اليمنين في مدرسة الشروق. وتخرج من الثانوية في محافظة أخرى من مدرسة شرعب الموجودة على بعد 40 كيلو متر من مركز محافظة تعز. ثم عمل مدرسا لبعض الوقت في المعهد الاسلامي في مدينة عصب. ثم انتقل لدراسة المرحلة الجامعية الى الجزائر حتى تخرج عام 2004م من جامعة العلوم والتكنولوجية في مدينة وهران من كلية الهندسة قسم الهندسة المدنية من تخصص الطرق والمنشآت ثم إنتقل للعمل في جيبوتي !.

الثانية: هي مرحلة الكتاية الحرة !.

في هذه المرحلة وعلى مدى 15 عاما عاصرت كتابات الحرة والمتنوعة للزميل محمود شامي في مختلف الوسائل الإعلامية والإجتماعية والمنتديات العامة والخاصة. حيث كان يكتب بإستمرار عدد كبير من المقالات النوعية وعشرات القصائد الشعرية ذات الجودة العالية. حيث كانت تتسم كتاباته وأرآؤه بالمرونة العالية في النقد والإنفتاح على آراء الأخرين، والإختيار الصائب للعناوين المثيرة، والرشاقة الفائقة في السرد القصصي، ومن أهم الصفات الأساسية التي كانت لاتفارق نصوصه وتميزه عن غيره هي صفة التمرد على الأوضاع القائمة في منطقتنا لكن رغم ذلك الثبات على الصدق والموضوعية سمة بارز في كافة مقالاته المتنوعة، حيث كان يتمتع بذكاء حادة، وثقافة واسعة، وأسلوب رائع في الحوار، ولم يكن نسخة مكررة وسمة التطور بارزة في كتاباته المتنوعة وقصائده المختلفة، ممايعني أنه كان دائم التطور، ودائم القراءة، ودائم التأمل، ودائم المراجعة لأفكاره وآرائه، مما يؤكد أنه أصبح نهر متدفق وشلال هادر من الإبداع والإبتكار !.

الثالثة: هي مرحلة تجربة الرواية !.

الرواية نوع من أنواع الأدب بل أحد أشهر المجالات الأدبية في العالم. ولاينجح في هذا المجال الإ من يمتلك مهاراتها ومتطلباتها، ويجيد التعامل مع أدواتها وطرقها وأساليبها وشروطها الخاصة بها. بالإضافة هناك تحديات حقيقية تواجه الراوي.

التحدي الأول هو أن «رواية 9 مارس» بالنسبة للكاتب تعتبر أول مشروع روائي يخوض فيه، وهذا لاشك فيه أنها عملية صعبة وشاقة لأن أي تجربة جديدة تحتاج الى فكرة جديدة وتقنيات مختلفة وفي نفس الوقت من الضروري أن تكون ممتعة لكي تعبر تعبير حقيقي عن المشاعر الذي ستخاطبها.

والتحدي الثاني هي تحديات فنية تتعلق بصعوبة الإختيار الذي وقع فيه كاتب الرواية. لأن روايته من الروايات التاريخية الذي يؤكده أصحاب الفن المتمرسين أنه من أصعب نوع في الرواية هي الروايات التاريخية. وكذلك المنطقة التى تدور حوله أحداث الرواية منطقة خطيرة صعبة معروفة تعقيداتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية. لكن موهبته الفنية وقدرته الأدبية وذكاؤه الحادة جعلته يتغلب على التحديات لان الإبداع الأدبي عبارة عن نهر متدفق وشلال هادر لا يتوقف أمامه شئي بإمكانه الخوض في أي تجربة أدبية جديدة والإتيان بجديد مهما كان نوعها !.

Top
X

Right Click

No Right Click