قراءة لكتاب الحركة الإسلامية الإرترية الإنجاز والإخفاق، حركة الجهاد الإسلامي الإرتري نموذجا - الحلقة الرابعة
بقلم الأستاذ: خالد إسماعيل - أبو وهبة تأليف الدكتور: أبو أسامه آدم صالح محمد
الحكي والملاحظات: خرج الشيخ عرفة أبو أحمد من المعتقل التحفظي الذي وضعته فيه الحكومة السودانية، إلى جانب عدد
من القيادات الحركية، وآخرين من التنظيمات الأخرى، وفور خروجه وجد حركة الجهاد تعج بالمشاكل والفتن، في كل مكاتبها، وأماناتها العسكرية والمدنية، حيث تم إستغلال تسريب البيانات بمناسبة الإستقلال، والاتفاقيات التي تمت مع الأحزاب الأخرى، واستغل التيار السلفي كما سلف ذكره في الحلقتين، تلك الأحداث للترويج لتنازل القيادة عن الجهاد، ونكوصها عن الولاء والبراء، وأنها بدأت تمارس السياسة للتنصل من العمل الجهادي المسلح، وغير ذلك من الفتن والأكاذيب والدعايات السوداء، هذا غير تداعيات الاختراقات في المكتب العسكري، وما نتج عنه من ضحايا، كحادثة اللوري، والتي استشهد وأسر فيها عدد 16 مجاهد. بالإضافة لتأزم العلاقة بين القائم بالأعمال والمكتب العسكري، وفي مقدمتهم نائب المكتب أبي سهيل.
بدأ الأمير الشيخ عرفة بعقد الإجتماعات واللقاءات بالقيادات؛ لتوضيح وشرح المواقف والخطوات السياسية التي اتخذتها قيادة الحركة، كما بدأ بتشكيل لجنة سميت باللجنة العليا؛ للنظر في مشكلات المكتب العسكري والخروج بحل للأزمة الإدارية والأمنية المستحكمة فيه.
كانت اللجنة برئاسة الشيخ أبو سياف ضياء الدين عبد الرحمن، وعضوية كلا من أبو شاكر محمد طاهر شنقب، وأبي عثمان إبراهيم عثمان وآخرين.
التقت للجنة بالعديد من الأطراف من مختلف الشعب (بضم ش) في المكتب العسكري، واستمعت إليهم، وأخذت رأي كل واحد منهم حول الإختراق وكيفية معالجته، فاتفق الجميع على وجود الإختراق، حيث قال أبو سهيل نائب المكتب العسكري "أن الإختراق موجود بنسبة 200% لكنه لا يستطيع أن يحدد إن كان في القاعدة أم القيادة" ص297.
وكان ممن إقترح حل المكتب العسكري الأخ المرحوم أبو عبد الله حسن حليبت، مسؤول شعبة العمليات العسكرية، وعلل ذلك بأن المكتب غير نزيه، وأن أعضاءه يمارسون الحزبية، وطالب بإختيار عناصر جديدة، وبلوائح ونظم وبرامج عمل مختلفة، "كما اقترح أيضا الأمر بإخراج جميع أعضاء المكتب العسكري المعزول إلى الميدان، ومن يرفض منهم الخروج يدرج ضمن دائرة المشبوهين الذين تدور حولهم الشبهات" نص.
وجه أمير حركة الجهاد الشيخ أبو أحمد رحمه الله دعوة لكل أعضاء هيئة الأركان لاجتماع هام، فتغيب عنه الأخ أبو سهيل نائب رئيس المكتب العسكري والأخ عبد الصبور نائب رئيس الاستخبارات العسكرية، وذلك لوجودهما في الميدان.
أصدر الأمير في هذا الإجتماع قراره ب "حل المكتب العسكري من مهامه بما فيه أبو سهيل، وتشكيل قيادة عسكرية جديدة بدلا منها، فمن هذا المنطلق يجب عليكم تسليم جميع الممتلكات التي بحوزتكم إلى أن يأتيكم إشعار بتوجيه جديد" ص 289.
قدمت هيئة الأركان العديد من الملاحظات على القرار، ولكنها في الأخير سلمت كل الممتلكات والوثائق للشيخ عرفة أمير الجهاد.
تمثلت تحفظات الهيئة في الآتي:-
• الشيخ عرفة اكتفى بالسماع للقائم بالأعمال، وكان الأجدر أن يستمع لكل الأطراف ثم يتخذ ما يراه مناسبا.
• القرار في هذه الفترة غير مناسب؛ خاصة وأن الشارع الحركي يشهد غليان ضد القيادة السياسية؛ نتيجة التحركات السياسية مع الأحزاب وإصدار البيانات المؤيدة للاستقلال.
• هذه وغيرها من التحفظات السياسية.
بعد قرار الإعفاء يقول المؤلف: أن الشيخ عرفة طلبه في مكتبه، وسأله عن سبب خروج أبو سهيل إلى الميدان، قال: فأجبته، ليجاهد في سبيل الله، فتبسم وقال لا أعني ذلك، أريد الدافع الحقيقي، قال قلت ذهب تنفيذا لأمر الإلتحاق بالميدان للقيادة العسكرية، وطلب منا أن نلحق به.
قال فطلب منه تسليم ما في عهدته من وثائق شعبته، يقول المؤلف دكتور آدم صالح همد "فلما كان يوم غد جئته بشنطة مليئة من أوراق لا فائدة فيها، حيث أبقيت الوثائق المهمة عندي" ص 298.
أيضا يذكر الكاتب، أن الشيخ عرفة طلب منه والأخ المرحوم حسن حليبت أن يذهبا ويأتيا بأبي سهيل من الميدان، والإخوة الأسرى الذين معه، وعددهم ثلاثة، فقال حليبت رحمه الله " يا شيخ هل تتصور أبا سهيل شاة نأخذه بأذنه ونأتي به، رجل مع جيشه في الميدان فكيف يأتي بهذه الطريقة".
يقول المؤلف: في هذا الوقت كان متبقي من إعلان الخطوة التصحيحية فقط ثماني أيام.
ويذكر الكاتب انه في هذه الأثناء، أرسل الشيخ عرفة رسالة إلى الشيخ أبو الصفاء مسؤول الاستخبارات العسكرية؛ يخبره فيها أن أبو سهيل، وعبد الصبور، وأبو جندل قد خرجوا عن طاعة الأمير، وتوجهو بمجموعة مسلحة إلى الوسط، ونواياهم سيئة لمن يخالفهم فنرجوا الحذر منهم. (مرفق نص الرسالة). وقد سقطت الرسالة في يد أبو سهيل ومجموعته قبل أن تصل إلى صاحبها.
يضيف الكاتب أن الشيخ عرفة أيضا طلب عقد إجتماع عاجل بكل منسوبي المكتب العسكري، أسماه إجتماع المكاشفة، حضره رؤساء الشعب العسكرية ونوابهم، ومسؤولوا الأقسام ونوابهم، بينما حضر من طرف القيادة بجانب الأمير، كلا من الشيخ أبو ماجد حامد صالح تركي مسؤول المكتب السياسي، والشيخ أبو عبد الرحمن علي سليمان مسؤل المكتب الإجتماعي، والأستاذ أبو الفاروق حامد إدريس دلشاي مسؤول المكتب التنظيمي.
ناقش الإجتماع العديد من القضايا الأمنية، والسياسية، ومشاكل المكتب العسكري والقائم بالأعمال، يقول الكاتب أن هذا الإجتماع كان شفافا إلى حد ما، حيث أن القيادة التنفيذية كانت متمسكة بسياساتها وقناعاتها إتجاه ما رأته من حلول، "ومن هنا قرر الجناح المعارض إتخاذ خطوة تصحيحية في الحركة، ولهذا قال الأخ أبو طارق عمر تيدروس رحمه الله في نفس الجلسة (إذا كانت قيادة الحركة بهذا الفهم المعوج تجاه الأحداث الداخلية، فإنني أعتبر هذا اللقاء عبارة عن مأتم للحركة ومقبرة لها). يقول الكاتب فحاولت التخفيف من عبارات الأخ أبو طارق حتى لا تنكشف الخطة، إلا أنني علمت أن الشيخ أبو ماجد حامد تركي قال للأخ أبو عبد الرحمن "أن الكلام الذي عليه الإخوة المعارضون هو الذي قاله الأخ أبو طارق وليس الذي قاله الأخ أبو أسامة آدم صالح محمد" ص304. إنتهى
الملاحظات:
• يلاحظ أن القيادة العسكرية كانت تتربص بالقيادة السياسية، حيث أنها لم تكن تتعامل مع الأمير بالتعامل الإسلامي الذي يحكم العلاقة بين القيادة وجنودها، وما يستلزم ذلك من طاعة ولي الأمر، وإبداء الإحترام في التقييم والتقويم، بل يستشف من أسلوب المجموعة العسكرية السلفية، أنها كانت تتعامل مع القيادة من منطلق حزبي وندية فكرية، وكانت تنظر في القيادة على أنها مجرد مجموعة إخوانية، لا فرق بينها وبين العلمانيين، وكانت تتحين فيها الفرص لإحراجها أمام المجاهدين بكل السبل، بما في ذلك الكذب والتدليس.
• وفيما يختص بالإختراقات، فإن القيادة العسكرية السلفية فرغت كل جهدها للصراع مع الإخوان داخل الحركة، لذلك كانت تهمة العمالة واحدة من التهم التي تصرف مجانا.
• استغرب جدا من اعتبار الكاتب أن التواصل السياسي مع الأحزاب العلمانية (تنظيمات الجبهات المختلفة)، فتح باب الإختراق في المكتب العسكري للحركة، في الوقت الذي كان فيه المكتب العسكري يرفض هذه اللقاءات بتعصب أعمى، دعك من أن يكون جزءا منها، فكيف يكون الإختراق والحال كذلك ؟!
• فيما يخص العلاقة بين الشيخ دلشاي القائم بالأعمال، والأخوين أبو سهيل وعبد الصبور رحمه الله، ابتدأت منذ الوهلة الأولى بطريقة غير طبيعية، وذلك لأن الأخوين لم يقدما تنويرا كاملا عن الأوضاع الأمنية وعن المشتبه فيهم؛ حتى يتم حماية الشيخ دلشاي من التعامل مع الأفراد المتهمين، خاصة وأنهم كانوا في مناصب قيادية مؤثرة.
• تقديم الأخ عبد الصبور تنويرا أمنيا في منتهى الأهمية بطريقة شفهية فيه عدم إحترام وتقدير للقائم بالأعمال، وللدور الذي يمثله كشخص أول في ظرف دقيق وحساس من عمر الحركة، وهذا كان له انعكاسه السالب.
• حيثيات الشيخ دلشاي في رفض التهمة الموجهة للعميل حاج محمد علي كانت قوية، وتقرأ في سياقها التسلسلي للعلاقة بين الطرفين.
• حادثة اللوري كانت خطأ عسكريا وأمنيا جسيما، بل كارثيا، ويستحق كل من شارك في ارتكابها المحاكمة، وأقصى أنواع العقاب ولو بأثر رجعي، فالجرائم لا تسقط بالتقادم.
• سرد الراوي قصة طرف واحد - فيما يتعلق بتحميل قضية اللوري للشيخ دلشاي، وهو الطرف السلفي الذي قام بالخطوة التصحيحية، وأعتبر حادثة اللوري واحدة من أسباب الخطوة، ولم يسعى المؤلف للحصول على رؤية الشيخ دلشاي للحادثة، بالرغم من أن الشيخ دلشاي يبعد فقط 410كم عن مقر إقامة المؤلف! وفي هذا ظلم كبير، ومأخذ يطعن في نوايا الكاتب، ويمكن أن تفسر بأنه يريد تثبيت هذه الرواية باعتبارها الرواية الصحيحة والوحيدة للحادثة.
• يبدأ الكاتب بتقديم سرد للقرارات التي اتخذها الشيخ عرفة بعد خروجه من المعتقل، خاصة فيما يتعلق بحل المكتب العسكري، واعتراض هيئة الأركان عليه، ويؤخر الحيثيات التي اعتمد عليها الشيخ عرفة في إتخاذ القرار، والذي اعتمد فيه على نتيجة مخرجات لجنة فنية، شكلت لدراسة الإشكالات واقتراح الحلول، وأن الحل كان أحد الحلول التي اقترحها قادة عسكريون، هل قام الكاتب بقلب الصورة؛ وإظهار الشيخ عرفة وكأنه أخذ تلك القرارات بمجرد خروجه من المعتقل دون أن يقوم بأي خطوة لتقصي الحقائق. هل قام الكاتب الدكتور بذلك لإعطاء القارئ صورة سلبية عن قرارات الشيخ عرفة ؟! سؤال يدعمه استبعاد جهل الكاتب الدكتور بأهمية سرد الأحداث بالتسلسل الزمني لوقوعها !!
• أيضا من الملاحظات، أن الكذب على القيادة، وعلى الشيخ عرفة من قبل القيادة العسكرية السلفية كان ظاهرة موجودة، يؤكد ذلك ما ورد في الكتاب من أن أبو سهيل خبأ نسخة من بيان التهنئة بالاستقلال قبل التعديل، ثم وزعها زاعما أنها البيان الرسمي للحركة، وذلك بنية تشويهها، واتهامها بالتراجع عن الجهاد، وكذلك ما اعترف به الكاتب نفسه عن نفسه، (بكسر س نفسه 2) من أنه غش الشيخ عرفة حين سلمه شنطة من الأوراق غير المهمة باعتبارها وثائق شعبة التوجيه المعنوي. فهل كان السلفيون يعتبرون أنفسهم في حالة حرب مع القيادة الإخوانية؛ لذلك كانوا ينطلقون من فتوى جواز الخدعة في حالة الحرب ؟!!!
أم أن القوم يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة، أو كما يقول الكفار (Aims Justify (means
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة
• إعلان الخطوة التصحيحية (الإنشقاق).
• ودوافعه، وتقييم الكاتب لتلك الأسباب والدوافع بعد ربع قرن من الواقعة المشؤومة.