الكوماندو الارتريون ومعجزة الـ 18 دقيقة
بقلم المناضل: أسياس أفورقي - رئيس دولة ارتريا تأليف الأستاذ: سلمون درار المصدر: المركز الارتري للدراسات الاستراتيجية
ان كتاب ”الكوماندو الارتريون ومعجزة الـ 18 دقيقة“ ما هو إلا قطرة من بحر البطولات الإعجازية الكثيرة، وهذا الكتاب هو أول
محاولة توثيقية لواقعة حقيقة بأسلوب أدبي جذاب، ولعل في ذلك يكون العزاء للنفوس القلقة من إندثار هذا التاريخ البطولي، لهذا قرأته أكثر من مرة، وقد أمتعني كثيرا، وأتمنى أن يقوم كل ارتري يحب وطنه بقراءته ويجد له مكانا في رفوف مكتبته.
هناك أمر يشغل ويقلق بإستمرار بال الكثير من الوطنيين والمناضلين المهتمين بتوثيق التاريخ، حيث تظل الكثير من التساؤلات المطروحة من قبل الجميع تقرع بإستمرار جرس الضمير، وتزداد شدة قرع هذه التساؤلات القلقة كلما مضى الزمن وبدأ النسيان يطوي صفحات الذاكرة التي تبهت يوما بعد الأخر كلما بدأت فسحة الزمن تضيق.
والتاريخ أمره عجيب، فمن بين الأشياء التي تجعل قراءة كتب التاريخ مسألة غير محبوبة هو ان قراءتها تولد فيك مشاعر متناقضة، ولكن المرء يعتبر ان محاولة القراءة في حد ذاتها عملية مفيدة لأنها تكسبه المعرفة ولكن أثناء القراءة (لكتب التاريخ) تدور في ذهنك الكثير من التساؤلات التي لا حصر لها بسبب تباين م تقرأه وما تعرفه، فيساورك الشك فيما تقرأ ويداخلك أحيانا إحساس انه لا فائدة من الاستمرار في القراءة.
يكسب المرء من تجربة الحياة ومعرفة تراكمية غنية أولى دروسها هو ان التاريخ الزائف والمزور يمكن أن يبدو بمرور الزمن كحقيقة واقعية، وهذه حقيقة تبعث على القلق. فمن يملكون المال والقوة والسلطة يستطيعون أن يجملوا من ناحية تاريخهم الشائن ويعملوا على تشويه تاريخ الآخرين من ناحية أخرى، ولعل أسوأ ما في ذلك هو إن هذا التاريخ المزور يبدو كحقيقة. كما إن هناك أيضا قلة ممن تملك موهبة الكتابة ولكنها تفتقر الى نزاهة الضمير، فتلجأ الى تزوير التاريخ بقلب الحقائق وفبركة الأحداث والوقائع، وبالتقادم يخفي الزمن طبيعة الأكاذيب في كتاباتهم.
إن هناك كثيرين من يسلمون بهذا الواقع بحجة ان هذه هي طبيعة التاريخ، وانه لا يوجد تاريخ خال من الأكاذيب والاختلاقات، فكل التاريخ البشري ليس موثقا بالشهود والوثائق… وليس هناك تاريخ يخلو من المبالغة والإضافات فضلا عن عن حقيقة ان هناك تاريخ يمكن التعرف عليه من خلال التحليل والتكهن… وان هناك بعض فصول التاريخ المطوية والمدفونة عمدا أو عن غير قصد… وان التاريخ ما هو إلا أساطير. ومع إن طرح هؤلاء يبدو مقبولا ظاهريا إلا انه لا يمكن القبول به إلا على مضض مع أمل أن لا يكون حجم المبالغة أكبر من الحقيقة.
ولكن وبالمقابل هناك تاريخ يكون كل ابطاله ومعاصريه وصناعه احياء، ولكنه يضيع هباء حتى قبل أن يذهب جيل واحد لعدم وجود من يبادر بالعمل لتوثيقه فيندثر هذا التاريخ ولا يجد من يرويه. ومما يبعث على القلق هو ان التقاليد التي رسختها الجبهة الشعبية تحض على التواضع وعدم التبجح حتى بإنجازاتك الفعلية مهما كبرت، ناهيك عن الادعاء بما لم تقم به. بل إن الناس كانت تقوم في بعض الأحيان مدفوعة بهذه التقاليد بالتقليل من قدر انجازاتها الباهرة الى الحد الذي كانت تعتقد فيه إنه لا ضرورة للحديث عنها.
وقد أصبحت هذه التقاليد بمرور الوقت تأخذ طابعا شخصيا وجماعيا على حد السواء، وللحقيقة فإن مسالة المحافظة على هذه التقاليد أمر لا يقبل المساومة، ولكن وفي بعض الحالات تستفزك بعض السلوكيات حين ترى بعض المستهترين أو الذين لا يعرفون قدر أنفسهم يقومون بالمزايدة أو التشكيك أو الاستخفاف بما تحقق من انجاز، فيحفزك ذلك للرد عليهم، ولكن وفي نهاية المطاف تفضل التعقل وتجنب فعل ذلك. وبغض النظر عن هذا السبب أو ذاك، فغنه من الضروري جدا رواية وتوثيق التاريخ حتى تترسخ قيم البطولة والتواضع في نفوس الأجيال القادمة.
إن كتاب ”الكوماندو الارتريون ومعجزة الـ 18 دقيقة“ ما هو إلا قطرة من بحر البطولات الإعجازية الكثيرة، وهذا الكتاب هو أول محاولة توثيقية لواقعة حقيقية بأسلوب أدبي جذاب، ولعل في ذلك يكون بعض العزاء للنفوس القلقة من اندثار هذا التاريخ البطولي. ولهذا قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة وقد أمتعني كثيرا، وأتمنى أن يقوم كل ارتري يحب وطنه بقراءة هذا الكتاب ويجد له مكانا في رفوف مكتبته.
وأتقدم في الأخير للكاتب سلمون درار بأصدق آيات الشكر لما بذله من جهد كبير، وأتمنى أن يواصل إسهامه المفيد في هذا المجال.