قراءة متأخرة لرواية سمراويت
بقلم الأستاذ: حامد الحاج - المدير التنفيذى لمنظمة كافل للإغاثة، برمنجهام بريطانيا
عدت للمنزل و أردت أن أنام، و لكن رواية (سمراويت) وصلت من الغالي عبد الرزاق جيتو، و لها عدة أيام دون أن أقرأها،
فبدأت قراءتها قرابة منتصف الليل....ثم أنهيت الرواية قرابة الثالثة فجراً!
ماذا فعلت أيها (الأهلاوي) حجي جابر ؟ أدخلتني في (مواصلة) غير محسوبة، و قلبت ما يثير الشجون !
حجي جابر لم يكتب (سمراويت) و لكنه كان (قلماً) لجيل كامل من عشرات الألوف من الاريترين ممن عاشوا في المملكة و نسوا أنهم (إريتريون) و تنبهوا متأخرين أنهم ليسوا سعوديين ! فركضوا باتجاه (اللاشيء) لعلهم يصيرون (شيء) له (هوية) !... و ما زالوا (يركضون) لدرجة أن (ركض) بعضهم أوصلهم أوربا... مثلي !
بين البيت و الحارة و هموم التسجيل في المدرسة، و العمل كـ (أجنبي)، و أجواء القنصلية، و الـ (عودة) للوطن على حين (كبر) و اضطراب هوية دارت الرواية !
و من الرواية عرفت أن بطلها (عمر) مطوع سابق، و بما أنني (مطوع) حالي مع بعض المشاكسات فإنه من الطبيعي أن أختلف مع بطل الرواية فيما أراه (هروباً) مبالغاً فيه من (سلبيات) بعض القوم !
لغة الرواية جميلة، و السلاسة طابعها، و الوصف الغير متكلف يميزها، و تداخل الخلفية (الجغرافية) للرواية بشكل متوازي يجعلك تعيش حالة (عمر) في الـ (نصف هوية).
كل عدة صفحات تجد هموم ما بعد الاستقلال، و فشل التحول من (الثورة) بضجيج سلاحها، إلى الدولة بـ (هدير) محركات بناءها، و صخب برلمانها و صحافتها، و (حيرة) الموالي للشعبية بين مصلحة الوطن و بين (الولاء) لتضحيات التنظيم و (صعوبة) الاعتراف بأخطاءه التي أهلكت الحرث و النسل !
هل يجوز لي أن أنتقد (منتجاً وطنياً) ؟ سأفترض أنه يجوز و أسجل انتقادي لتعرض الرواية لبعض (حقائق) الحياة الغير محببة لنا كمسلمين بعبارات (مباشرة) كان يغني عنها الإشارة !
(عمر) بطل الرواية الذي علينا أن نصدق أنه لا يمثل أي شخصية (حقيقية) جعلنا نعيش همومه كـ (أجنبي) بموازاة رحلته الشيقة بشخصية (المواطن السائح) !
قرابة الـ 200 صفحة لم تذكر فيها (غليل) الأكثر (تحبشاً) من النزلة و الأكثر ذكرياتاً ! لقد تعصبت لحيك أيها الكاتب البارع، و لكن (معليش) فـ (النزلة) أحباب و (ونستهم) ترد الروح.
أسمرا، مصوع و دهلك تداخلت معالمها و عبق أحياءها و ذاكرة (المكان) فيها وسط قصة الحب (المصيافية) العاصفة بهدوووء !
فتش عن المرأة! هكذا يقولون، و لكنك في هذه الرواية ستجدها (مقتحمة) بدون دعوة و بكثرة ملفتة! و السبب طبعاً أن (عمر) خرج من الحارة إلى السفارة ! و من (البرحة) للكبائن فرأى بنات و بنات...و بنات! و في أسمرا وجد (سمراويت) و في الشاطىء وجد الحسناوات، و بالطبع كانت هذه الصدمة الحضارية تشغل عمر، لا سيما و أنه من جيل تشكل (لينا) له أنثى يبذل جد عدنان جهداً لتبديل ملابسها بعيداً عن (تطفل) ولد الحارة (عدنان) !
و في النهاية لم يتزوج (عمر) سمراويت !
و لم يصبح (سعودياً)
و لم يسعد بوطنه كما ينبغي !
إنها (خيبة) كل اريتري حتى إشعار أخر !
قراءة متأخرة لرواية كاتب إريتري رفع رأس بلاده عالياً، و لكن أن تصل متأخرا خير من ألا تصل !