البعثة الإنجليزية إلى ملك الحبشة يوحنا ستة 1887م الحلقة الأولى
ترجمة الأستاذ: عبدالحميد الحسن تأليف الأستاذ: جيرالد هـ بورتال - مبعوث دبلوماسي
مقدمة الكتاب كتبها الزعيم الشهيد عثمان سبي تحت عنوان (تنبهيه): تولت البعثة الخارجية
لجبهة التحرير الارترية، قوات التحرير الشعبية ترجمة هذا الكتيب من الانجليزية الى العربية بغية ملاء الفراغ الذي تواجهه المكتبة العربية بالنسبة للمراجع التاريخية والسياسية المتعلقة بمنطقة ارتريا التي تدور في اراضيها اليوم حربا ضروس تعد أحد اسبابها أمتداد للصراع المسلح الذى دار بين أطراف دولية عديدة في تلك البقعة في نهاية القرن التاسع عشر - تركيا ممثلة بالخديوية المصرية - اثوبيا ممثلة باطماع الامبراطور يوهنس - ايطاليا الاستعمارية وحليفتها بريطانيا.
الكتاب بلغته الاصلية سرد باسلوب أدبي جذاب وساخر لرحلةالىالحبشةكانت غايتهاتأمين تقاسم تركة الدولة العثمانبة (المريضة) بين ايطاليا التي جاءت الى المنطقة بتشجيع من بريطاني لمواجهة النفوذ الفرنسي في البحر الاحمر، واثيوبيا التى رأت فيها بريطانيا حليفا مفيدا لقمع الثورة المهدية فى السودان.
ولفهم للملابسات التى يرويها بورتال- صاحب الرحلة وقنصل بريطانيا في مصر اانذاك - لابد ان نعود قليلا الى الوراء، فنشير الى رحله اخرى قام بها ميعوث يريطاني اخر هو الجنرال هيوات الى اثيوبيا في عام 1884م والتقى اثناءها بالميراطور يوهانس وتوصل معه الى اتفاق بمفتضاه تمنح بريطانيا املاك الدولة العثمانية في البحر الاحمرالتى كانت تديرها الخدوية بالنيابة بمافيها الحاميات العسكرية في المرتفعات الارترية وهضبة كرن وميناء مصوع وملحقاته الى اثيوبيا فى الحرب ضد الحكومة المهدية في السودان. وقد اعطت بريطانيا لنفسها بحكم هيمنتها على مقاليد الامور في مصر أثر فشل الثورة العرابية في عام 1882م.
وكانت القوات الخديوية المصريه وقوات المتحالفين معها من الزعماء الارترين قد اصيبت يهزيمة عسكرية شنيعة في (قرع) وقنديت في المرتفعات الارترية في عامي 1875-1876م على ايدي قوات الامبراطور الاثيوبي يوهانس، واضطر الخديوي بعد واسطة بريطانية ان تنسجب قواته من تلك المنطقة تاركة اسحلحتها للجيش الاثيوبي علاوة على دفع مبلغ 20مليون ريال ماري تريز فديه للامير حسن بن اسماعيل باشا الذى اسرته قوات يوهانس. ولم تفى بريطانيا لوعدها ليوهانس. بل أثرت تشجيع ايطاليا على احتلال السواحل الارترية لان الحبشة - على حد تعبير بورتال (لاتقدر على الحفاظ على هذه المواقع ضد سفينه واحده ترسلها أي قوة اروبية). وكان في ذهن بريطانيا الحد من توسع النفوذ الفرنسى منطلقا من جيبوتي.
وكما هو بين من خلال كتابه المؤلف فان مهمته لم تنجح ولم يقتنع يوهانس بالعدول عن خطته بمحاربة وانتزاع السواحل الارترية منها. وقد زحف يوهانس بجيوشه الجراره نحو ارتريا واحتلال طلائع قواته التي كانت تحت أمرة رأس الولا اسمرة وقندع وعاليت وكرن وبل هزمت حاميت في دوغالي على مشارف مصوع، واذاقت اهل البلاد صنوف من الاضهاد والتعذيب والنهب والتقتيل. وفي تلك الاثناء حدث مالم يكن في الحسبان، فقد دفع استفزاز حكم سمين الاثيوبي بغاراته على الحدود السودانية القوات المهدية على الانتقام فزحفت الى قندر - عاصمة الحبشة التاريخية - ونهبت كنائسها والحقت بها الاضرار بالغة قبل ان تنسحب الى مواقعها في الحدود. وما ان وصلت انباء هذه الغارة السودانية اسماع يوهانس حتى اشتط غضبا والغى خطته بالزحف نحو ارتريا واتجه حدود السودان لتأديب اعدائه (في الدين والوطن) وكان معروف بتعصبه الديني حتى انه امر يتنصير المسلمين في الحبشة. وكانت في هذه الحملة نهايته اذ قتل في القلابات في عام 1889م بنما احتل الطليان بقية المقاطعات الارترية بعد مقاومات وطنية متفرقة قمعت بشراسة استعمارية. التاريخ يعيد نفسه، فالماساة نفسها تكررت العام 1950م - مساومات بين اطراف دولية قررت مصير الشعب الارتري بعيدا عن ارادته وتطلعه الى الاستقلال طمعا في موقع بلاده الاستراتيجي على شاطئ البحر الاحمر وباب المندب، كما تكررت من هيلى سلاسي والجنرال بانتي نفس العبارات التى رددها يوهانس والولا (ارتريا اثيوبيا - حدودنا البحر الاحمر مصوع لنا ...الخ النزعه التى تخفي مطامع التوسع والاحتواء) كما تكررت نفس التحالفات مع القوى الامبريالية العالمية - بريطانيا - وامريكا اللتان فرضتا الاتحاد الفدرالي في عام 1950م عن طريق الامم المتحدة وادى الى نشوب الحرب التحريرية بين ارتريا واثيوبيا.
الاعمال العدوانية تجدث اليوم في المدن والقرى. يذكر بورتال الاحتلال الاثيوبي لغايات 1887م فيقول (يجدر بالذكر ان عاليت هي في الواقع قريه عربية رغم وجود حاميه من الجنود الاحباش فيها لابقاء العرب فيها طائعين ولمنعهم ايضا من الاذرهار). في عام 1967م تكررت نفس الماساة فاحرقت القوات الاثيوبية القرية وابادت جزءا كبيرا من سكانها أمس على يد يوهانس واليوم على يد هيلاسلاسي ومن بعدها عساكره. في عام 1885م دمرت رأس الولا عدي نفاس بالقرب من اسمرة وفي عام 1975م دمرت قوات الجنرال تفري بانتي - خليفة هيلاسلاسي - نفس القرية.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة