العيوب الأساسية (السياسية والقانونية) في دستور النظام الارتري - الحلقة الثانية

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي

الملاحظات العامةعلى وثيقة الدستور:

أولاً: في البدء لا بد من القول أن جهداً كبيراً وعملا مهنيا ممتازا قد بذل في إعداد هذه الوثيقة.

وإن ما يرد من ملاحظات وما أعتبرته عيوباً في بعض مقاصدها لا يقلل من القيمة الاجمالية لهذا الجهد ويستحق واضعوه الاشادة والثناء. كما إن القصور مفترض في الأصل في أي جهد بشري. ولو دخل هذا الدستور حيز التنفيذ لكان من السهولة بمكان أن يتم تعديله وتحسينه وتطويره لكي يواكب المرحلة ويستجيب لمتطلباتها.

ثانياً: بالنظر الى أن الوثيقة اعتبرت الدستور تعاقداً بين الشعب الارتري وحكومته في الفقرة (6) من التوطئة التي تنص على (ورغبة منا  في ان يكون الدستور الذي ينظم ويحكم حياتنا وحياة الاجيال القادمة... هو العقد بيننا وبين حكومتنا التي نقيمها برضانا). وبالتالي اسندت حسب ما يفهم من منطوق النص مشروعية الدستور الى مفهوم العقد بين طرفين هما الشعب والحكومة وهو مفهوم القانون المدني لترتيب الالتزامات بين المتعاقدين فأخرجته من نطاق القانون الدستوري وبالتالي يمكن أن يتضمن شروط جزائية ويخضع للفسخ في حالات الاخلال بالوفاء بالالتزامات من أحد الطرفين. وبما أن أداء الالتزامات يفترض بمجرد قيام الاتفاق بين الطرفين فإنه يتوجب السؤآل في هذه الحال عن سبب احجام النظام في أسمرا عن الالتزام والوفاء بواجباته التي يرتبها عليه هذا العقد وكذلك عن الجزاء المحتمل عن هذا الاخلال.

ثالثاً: الدستور كوثيقة سياسية غيبت عنه قوى سياسية وخلا عن مضمون التراضي السياسي وتوافق الارادات والمشاركة.

رابعاً: ومن العيوب الكبيرة في هذه الوثيقة أنها  أغفلت التعليم رغم ما يمثله من أهمية في خلق مجتمع واع لدوره وقادر على القيام بمهام البناء وتأسيس مقومات الدولة المدنية الحديثة حيث لم يشر الى التعليم إلاَ بكلمة واحدة في (1) من المادة (21 الحقوق والمسئوليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) التي تنص على (لكل المواطنين حق متساو في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة، وعلى الحكومة أن تبذل كل ما وسعها من أجل تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية وغيرها من الخدمات الى الجميع).

وبالنظر الى برنامج الشعبية (التنظيم) قبل التحرير المقر من مؤتمرها الثاني في 1987/3/13م نلاحظ أن تراجعا كبيرا قد حدث في التزام الدولة تجاه خلق مجتمع متعلم حيث نجد في الصفحة (8) من برنامج الثورة الوطنية  الفقرة (ب - التعليم والتقنية) ما يلي:-

1. القضاء على الأمية لإخراج الشعب من ظلمات الجهل.
2. إلزام كل مواطن باتمام مرحلة التعليم المتوسط.
3. إنشاء جامعات معاهد عليا للتعليم.
4. تعليم اللغة العربية في كل مستويات التعليم.
5. توفير منح دراسية في كافة مجالات التعليم للطلبة
6. نشر المدارس بمختلف مراحلها التعليمية في جميع المناطق الارترية والتركيز على المناطق التي لم ينتشر فيها التعليم بالقدر الكافي.
7. جعل كل المدارس تابعة للدولة مع مجانية التعليم في كافة المستويات.

وعليه ينبغي النص في الدستور على التزام الدولة بالتعليم بوضوح وتخصيص مواد كافية فيه وسعيها ليكون متاحا وفي متناول الجميع. مع ملاحظة الاشكالية الناتجة من مبدأ الهروب من اللغة الرسمية الذي إتبعه النظام خلال سنوات حكمه قد وضعت الكثير من العقبات أمام العملية التعليمية في البلاد.

خامساً: الدستور تجاهل بشكل كامل دورالدين  كمكون أساسي للشخص والمجتمع الارتري وتجنب ذكر الدولة (المؤمنة)(لدرجة ان المسودة كانت قد اعدت القسم باسم الشهداء ثم عدل عن ذلك بعد اكتشاف البعد الواسع بين هكذا منهج والقناعات الراسخة في وجدان المجتمع من عقائده ودياناته السماوية ليقسم كل وفق ايمانه). قارن ذلك مع ما ورد في المسودة  التي تقدمت بها جبهة الاتحرير الارترية - المجلس الوطني في 1997/9/1م الى كل الارتريين فصائل وقوى سياسية ومنظمات وأفراد كمشروع  لدستور ارتري ودعت الجميع للمساهمة في إثرائها بالنقد والتصحيح تسهيلا للتصدي لمهمة إعداد الدستور الوطني كما جاء في مقدمتها ، فقد نصت المادة (4) من الباب الأول - المبادئ الأساسية - على (الاسلام والمسيحية هما ديانتا الشعب الارتري). كما أن  ميثاق التحالف الديمقراطي الارتري نص في فقرته السابعة على إعتبار الدين والثقافة - وهي ناتجة عن الدين في الأصل - مكوناً أساسيا من مكونات الهوية الشخصية، والهوية والوجدان الجمعي الارتري وأكد على ضرورة حميايتها ورعايتها.

سادساً: تجاهلت الوثيقة تحديد شكل الدولة (جمهوري / ملكي) وكذلك تجنبت النص على نظام الحكم في البلاد (رئاسي / برلماني). وتحديد هذه المسائل في دساتير الدول هو المعمول به على نطاق واسع لأنه من أهم ملامح الدولة.

سابعاً: على الرغم من ورود كلمة الديمقراطية عدة مرات فيه إلاَ أن دستور النظام لا يقر بالتعددية السياسية حيث لم ترد فيه مطلقا من خلال سبعة فصول و(59)مادة كلمة (التعددية) ومرادفاتها في المعنى (منافسة / تداول) واكتفى في الفقرة (1) من المادة السابعة (المحددة للمبادئ الديمقراطية التي تلتزم بها الدولة) بتعبير (تهيئ الدولة لمواطنيها كأحد مبادئها الأساسية حق الساهمة  في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ومن البداهة القول أن هذا النص لا يعني التعددية باي حال من الاحوال، بل تجدر الإشارة هنا الى أن هذه الفقرة جاءت كتعديل للفقرة الأصلية في المسودة التي كانت تنص على (تأكيد المشاركة الواسعة والنشطة  للمواطنين في المجالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية يعتبر مبداً أساسيا لدولة ارتريا) وواضح أن الفقرة البديلة أضعف من المستبدلة.

ثامناً: الدستور تجاهل تحديد هوية وانتماء الشعب الارتري وبالتالي الدولة كمعبر معنوي عنهم. و لا نعتقد أن الشعب الارتري نبت لا أصل له ، ولا بد له من أن يعود إلى أصول تاريخية وشراكة ثقافية ومصالح استراتيجية إقتصادية وأمنية وطوحات مستقبلية وهي العوامل الحاسمة في تحديد الهويات والخيارات السياسية للشعوب والأمم. قارن ذلك مع المسودة التي تقدمت بها جبهة التحرير الارترية - المجلس الوطني - التي سبقت الاشارة اليها حيث تثبت بوضوح هذا المعنى في الفقرة (أ) من المادة (3) من المبادئ الأساسية، وتنص على (ترتبط ارتريا بعلاقات عضوية بالامة العربية وعليها ان تكون عضواً فاعلاً في محيطها تمثلاً للحقائق الجغرافية والتاريخية والثقافية للشعب الارتري وانسجاماً مع التطور السياسي وتلبية لمتطلبات المصالح الاقتصادية والأمنية للوطن).

تاسعاً: في وقت تتجه فيه كل المجتمعات والامم الى النظام اللامركزي كاقرب انظمة الادارة الى تحقيق العدالة وتوفير الفرص وافساح المجال امام اوسع قطاعات الشعب للمشاركة في صناعة المستقبل. نجد دستور النظام قد تهرب من إقرار مبدأ (اللامركزية) في حكم البلاد كما يتضح من (الفقرة الخامسة من المادة الأولى - أحكام عامة - دولة ارتريا ونطاق سيادتها - التي تنص على إن: ارتريا دولة موحدة تتكون من مجموعة وحدات إدارية اقليمية تتحدد سلطاتها وتركيبتها بقانون).

عاشراً: هذه الوثيقة أغفلت أية حلول لما قد ينشأ من خلاف بين الرئيس والمجلس الوطني في المسائل المتعلقة بإدارة الدولة وحسن أداء المهام وهذا الخلاف هو حالة متصورة. وبما أن الدستور أعطى المجلس صلاحية عزل الرئيس في حالات معينة وفق الفقرة (9) من المادة (32) بالاستناد الى الفقرة (6) من المادة (41)، فإن الخلاف الناشب حول أسلوب الإدارة والرقابة والمحاسبة وغيرها مما ينشئ أزمة بين الرئيس والمجلس ويؤثر على العمل والأداء يجب وضع حد له حفاظاً على المصلحة العليا وفق أسس دستورية بإعطاء صلاحية للرئيس لحل المجلس والدعوة لانتخابات جديدة على ألاً يقدم نفسه للرئاسة أمام المجلس القادم. ولو تم انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة يكون هذا الحق أكثر وضوحا. أو إعطاء صلاحية للمجلس بسحب الثقة بناء على الخلاف الناشئ حول طلب حسن الادارة والشفافية وليس المعنى المبهم في الفقرة (أ/6) من المادة (41).

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click