معوقات الدعوة الإسلامية في إرتريا - الجزء الاول

تأليف الأستاذ: عبده حسبو محمد آدم

التعريف بالمنطقة:

تسمية أرتريا:

أطلق اليونانيون في القرن الثالث قبل الميلاد

كلمة (تريكون سنيوس ارتريوم) على البحار الواقعة حول الجزيرة العربية، مهد الدين الإسلامي، وكانت تشكل البحر الأحمر وخليج عدن، وبحر العرب، والخليج العربي، وهي تعني البحر الأحمر، وذلك لتكاثر الطحالب أو الأعشاب البحرية، والتي كانت تعكس على الماء لونا احمر، ثم أطلق الاسم بمرور الزمن على السواحل الغربية للبحر الأحمر جنوب رأس قصار وحتى رحيتا، وذلك بعد ترسيم الحدود بين الإدارة البريطانية المحتلة في السودان وملك الحبشة منيليك الثاني، والإدارة الفرنسية المحتلة في بلاد عيسى وعفر الفرنسية (جيبوتي) من جهة، وبين الحكومة الإيطالية التي تحتل ارتريا من جهة أخرى. وفي القواميس العربية المعتمدة وجد أن تسمية ارتريا قد تكون اشتقاقاً من الكلمة العربية (أرت أو أرث) وهي تعني النار المتقدة الأوار ذات اللهيب الأحمر لا سيما وأن كثير من مدن وقرى وأنهار ومحافظات ارتريا تحمل أسماء عربية تأريخية، كنهر (مرب) مأرب، (عنسبا) عين سبأ على سبيل المثال.

الموقع الجغرافي:

تقع إرتريا على الساحل الغربي للبحر الأحمر بين خطي عرض 15–18 درجة شمالا وخطي طول 36,5 – 43 درجة شرقا.

الحدود والمساحة:

يحدها من الشمال والغرب السودان ومن الشرق البحر الأحمر ومن الجنوب إثيوبيا ومن الجنوب الشرقي جبوتي.

المساحة:

تبلغ 124,320 كيلو متر مربع

ملامح السطح:

تنقسم ارتريا إلى ثلاثة معالم الطبيعية:-

1. المرتفعات: وتتكون من الهضبة الوسطى والتلال الشمالية.

2. الأراضي الساحلية: وتمثلها الشواطئ الواقعة على البحر الأحمر على إمتداد 1000كم متر.

3. الأراضي السهلية: (أ) وتشمل السهولة الشرقية ومناطق جنوب البحر الأحمر. (ب) السهول الغربية وهي المناطق الواقعة غرب إرتريا.

السكان:

يتكون سكان إرتريا من تسع قوميات:

أولا - الناطقين بلغة التجري وتندرج تحتها القبائل الآتية:-

1. عموم قبائل (البني عامر) او ما يعرف باتحاد قبائل متعددة الاصول والانساب تجمعهم مصالحة اقتصادية ويسما الناظر ب دقلل وتسكن فى إقليم القاش بركا فى غرب إرتريا و القبيلة الان في الوقت الحالي كلها نزحت الي شرق السودان بسب الحروبات من زمان ليس ببعيد.

2. قبيلة (الحباب) تعيش فى إقليم شمال البحر الأحمر فى مناطق الساحل الشمالي.

3. قبيلة (المنسع) تسكن على الحدود الإدارية بين كل من إقليم عنسبا وإقليم شمال البحر الأحمر والإقليم الأوسط (حماسين).

4. قبيلة (الماريا) تعيش فى إقليم عنسبا شمال غرب إرتريا

5. قبيلة (البيت جوك) تقطن فى إقليم عنسبا شمال مدينة كرن.

وتدين قومية التجري بالدين الإسلامي ما عدا أقلية طالتها يد التبشير من قبيلة المنسع.

ثانيا - الناطقين باللغة التجرنية وتتكون من طائفتين:-

1. الطائفة المسيحية.

2. الطائفة المسلمة (قبيلة الجبرتا) وينتشرون فى الإقليم الأوسط والإقليم الجنوبي.

ثالثا: الناطقين بلغة الساهو وتتكون قومية الساهو من قبائل الأساورتا والمنفرى وحزو وطروعة وينتشرون فى شرق وجنوب شرق إرتريا ويدينون بالإسلام.

رابعا: الناطقين بلغة البلين ينقسمون إلى فرعين هما (بيت ترقي - بيت توقي) وينتشرون فى إقليم عنسبا. غالبيتهم مسلمون.

خامسا: الناطقين باللغة العفرية وتتشكل من قبائل العفر أو الدناكل وينتشرون فى إقليم جنوب البحر الأحمر كلهم مسلمون.

سادسا: الناطقين باللغة الكنامية ويتكونون من المجموعة التي يطلق عليها فى إرتريا (البازا) وتتفرع إلى عدة فروع ويسكنون فى إقليم القاش بركة ويتوزعون ما بين الديانة الإسلامية والمسيحية والوثنية.

سابعا: الناطقين بلغة الباريا وهم قبائل الباريا أو (النارا) الذين يعيشون فى إقليم القاش بركة وينقسمون إلى فرعين رئيسيين ويدينون بالإسلام.

ثامنا: الناطقين بلغة الحدارب وهم قبائل البجا التى تقطن فى إقليم القاش بركة ولهم امتداد عشائري فى شرق السودان وتتكون من قبائل الهدندوه وكلهم مسلمون.

تاسعا: الرشايده وهى قبيلة عربية مسلمة تتحدث باللغة العربية وتسكن فى إقليم شمال البحر الأحمر.

إرتريا والحبشة:

الكثير من المؤرخين يخلطون بين كلمة الحبشة وأثيوبيا الحالية، فإن كلمة الجبشة تطلق على أجزاء واسعة في منطقة القرن الأفريقي، أرتريا، الصومال، جيبوتي، وأثيوبيا.

ويقول محمد سعيد ناود (الشخصيات المهمة في التاريخ العربي التي حملت لقب (الحبشي) إلى الآن لم يتم تحديد المنطقة التي جاءت منها فيما كان يطلق عليه الحبشة القديمة.

ومثال لذلك بلال الحبشي مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.

هذا فيما يتعلق بعموم تسمية الحبشة اما وقد تفككت هذه المنطقة إلى دول وبقاء هذا الاسم مرتبطاً بأثيوبيا فهذا قد يصح لكون أثيوبيا الوريث الشرعي لهذا الاسم، وقد لا يصح حتى لا يفهم بأن الحبشة القديمة كان يقصد بها اثيوبيا الحالية، وعلى هذا الاساس فليس من المناسب أن يطلق الاسم على ارتريا في كلا الحالتين، ففي الأولى اختزال لمفهوم الحبشة على بعض أجزائها دون البعض الآخر وفي الأخيرة الحاق لأرتريا بأثيوبيا مع العلم أنها لم تكن في يوم من الأيام جزءاً من اثيوبيا إلا ما كان في بعض الفترات التي كانت تضم فيها بقوة السلاح ثم لا تلبس أن تعود إلى سابق عهدها.

وبعد دخول الإسلام إليها أنفصلت أرتريا عن الحبشة أنفصالاً عقدياً، وثقافياً وسياسياً واجتماعياً، والذي كان له أكبر الاثر في حرب التحرير الأخيرة.

لمحة تاريخية عن ارتريا:

كانت ارتريا إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي تتكون من عدة أقاليم رئيسية هي.. (أكلي قوازاي، حماسين، وسراي في الهضبة، إضافة إلى الأقاليم الشرقية والغربية) التي كانت تسكنها مجموعة القبائل المتنقلة، والإمارات الصغيرة، وكانت هذه الاقاليم تتمتع بالاستقلال ويحكمها ملوك من أهلها.

وقد أوجدت هذه الأقاليم في القرن الثامن الميلادي نوعاً من التحالف الكونفدرالي الذي فرضته ظروف الغزو والنهب، الذي كانت تتعرض له من الشمال (البجة) ومن الجنوب (الحبشة) حيث كانت الأقاليم الواقعة جنوب ارتريا توسع ممتلكاتها بالحروب والغزو على الأقاليم الأرترية المتاخمة وبالعكس.

وقد خضعت معظم أجزاء إرتريا لقبائل البجة التي مدت نفوذها إلى الساحل الإرتري ثم الهضبة الإرترية إثر الفتح الإسلامي لمصر وتحت تأثير ضغوطه مما اضطرها إلى الهجرة نحو الجنوب، وكونت هذه القبائل خمس ممالك شمال السودان وإرتريا ثلاث منها في ارتريا هي (بقلين، وجارين وقطاع) وكانت تحتل السهول الغربية والشرقية حتى سفوح الهضبة الشمالية.

ثانيا - الإسلام في إرتريا:

ارتريا بوابة الإسلام إلى افريقا.

إذا كانت بعض أقطار إفريقيا اتخذت اسواقاً وطريقا لتجارة الرقيق والمتاجرة بالبشر فإن ارتريا كانت طريقاً لانتقال الديانات والهجرات والثقافات والحضارات، كما أنها كانت طريق هجرة اصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وكان حدثاً تاريخياً مهما، حيث أن الدين الإسلامي الذي ظهر قبل اربعة عشر قرناً وانتشر في الكرة الارضية كانت ارتريا المواطن الاول له وقبل أن يحظى بالتأييد والقبول ف مكة المكرمة مكان مولد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد ارتبطت هجرة الصحابة باسم (نجاشي الحبشة) وكان العرب يطلقون في كثير من الأحيان تسمية الحبشة على منطقة القرن الأفريقي بحكم أن الحدود الجغرافية والسياسية لم يكن لها وجود في ذلك الوقت.إلا أنه وحتى في ذلك الماضي البعيد وحتى بالنسبة لهجرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ارتريا بشواطئها ومرافئها وبشعبها الذي كان يسكن تلك المنطقة، وبحكم علاقتها الراسخة في القدم بالجزيرة العربية، كان لها القدح المعلى في استقبال المهاجرين وإكرامهم، وإيوائهم وتقديم المساعدة لهم، وإنجاح مهمتهم الدينية وهم يمرون بظروف عصيبة عندما كانت قريش تطضهدهم وتطردهم من أراضيهم وتبعث من ورائهم من يتولى مطاردتهم، وإفساد مهمتهم المقدسة.

وهناك نقطة لابد من تسجيلها وهي أن هجرة اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبقتها علاقات وهجرات ومصالح متبادلة بين سكان الشاطئن الشرقي والغربي للبحر الأحمر كما أن تلك العلاقات لم تتوقف بعد هجرة أصحاب الرسول صلى الله وسلم لكنها استمرت وتطورت ونمت حتى اليوم.

ولذا فإن إرتريا كانت البوابة الأولى على الإطلاق التي دخل منها الإسلام إلى افريقيا وأنتشر فيها، وذلك قبل أي ينتصر في مكة وقبل أن يصل إلى المدينة المنورة ودخل أيضاً الإسلام إلى ارتريا قبل الفتوحات الإسلامية للعراق وسوريا ومصر بأكثر من 18 – 24 سنة. وهذا يؤكد أن إفريقيا بصفة عامة، وإرتريا بصفة خاصة قد نصرت الدين الحنيف في وقت كان أحوج فيه إلى النصر والتأييد. ووجد أرضية خصبة فانتشر عن طريق الدعوة، وبهذا فقد حق لإرتريا أن تفتخر بأنها أول الإسلام وبوابة الإسلام إلى إفريقيا.

ثالثا - عوامل انتشار الإسلام في إرتريا:

هناك عوامل كثيرة عملت وساعدت على انتشار الإسلام في هذه العدوة الأفريقية ومن أهم هذه العوامل:

أ) الهجرات العربية القديمة قبل الإسلام:

قامت موجات متعاقبة من القبائل السبئية اليمينة في الفترة من 700–1000 قبل الميلاد بهجرات مستمرة عبر الاحمر عن طريق باب المندب وجزر دهلك إلى مرتفعات أرتريا. ومن أقدم القبائل التي هاجرت إلى المنطقة قبيلة (الاجاعز) وقبيلة (حبشات) وكان من أهم أسباب الهجرة كما تخبرنا الروايات انهيار سد مأرب وانتشار الحروب بين القبائل، والاستئثار بالخيرات الموجودة فيما وراء البحر الأحمر، وقد حمل السبئيون حضارتهم من أدوات زراعية من (محراث وغيره) ومن معمار وثقافة (اللغة الجعزية) ومنها اشتقت اللغات السائدة في إرتريا (التجري والتجرنية) وباختلاط السبئيون مع السكان الحاميين ظهرت حضارة جديدة تمثلت في نشوء مجتمع زراعي مستقر ومتطور في الهضبة الإرترية، وتلك الحضارة هي التي مهدت فيما بعد لظهور مملكة (اكسوم) في الهضبة الإرترية، أما بقية المرتفعات والسهول الإرترية فكانت تتعرض لغزوات متقطعة حتى عادت في نهاية الأمر إلى عزلتها المعهودة.

هذا فيما يتعلق بالداخل أما السواحل الإرترية فقد مرت عبر التاريخ بمراحل وتطورات تختلف عن باقي مناطق أرتريا، حيث كانت ممراًَ حيوياً ومركزاً للتبادل التجاري، ومواقع استقرت فيها جاليات أجنبية كثيرة أختلطت مع السكان المحليين وفي مقدمة تلك الجاليات الجالية اليونانية التي أنشأت ميناء (عدوليس) حيث أصبح ذلك الميناء مركزاً لبناء السفن وكان معروفاً لدى عرب الجاهلية فأقاموا علاقات متميزة مع سكان السواحل الإرترية.

وبحكم العلاقات القديمة التي كانت سائدة بين الجزيرة العربية وسواحل ارتريا، كان من الطبيعي أن يجد الإسلام عند ظهوره أرضاً اجتماعية وثقافية ملائمة. وهكذا انتشر الإسلام على شطري البحر الأحمر وانبثقت إمارات وسلطنات إسلامية.

ب) هجرة الصحابة:

إن هجرة الصحابة إلى الشاطئ الأرترية لم تكن معزولة عما كان قبلها من علائق وما جاء بعدها من استمرارية التواصل وهي ليست حدثاً مبتوراً عن باقي العلائق التي كانت قبلها وتلك التي حدثت بعدها.

عند ظهور الدعوة الإسلامية في مكة وانضمام بعض الأفراد والجماعات لها تعرض هؤلاء للأذى بشتى أنواعه وأبرزه التعذيب الجسدي على ايدي كفار قريش، فقد جاء في السيرة النبوية أن النبي صلى النبي وسلم قال لأصحابه حينما اشتد عليهم أذى قريش، ورأي ما هم فيه من البلاد، وما هو فيه من العافية بمكانه من الله عز وجل، ومن عمه، وأنه لا يقدر أن يمنعهم من البلاء قال لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه)

فخرجوا اليها متسللين خوفاً من ملاحقة قريش، وكان ذلك في رجب سنة خمس من البعثة، وقد أتو إلى (الشعيبة) وهي اسم مكان على ساحل البحر الأحمر يقع جنوب مدينة جدة ومن هناك استأجروا سفينة اقلتهم إلى الشواطئ الأرترية.

وقد كان عدد الصحابة في هذه الهجرة الهجرة الاولى قليلاً، فقد كانوا أحد عشر رجلاً وخمس نسوة.

أما في الهجرة الثانية فقد كان يربو عدد أفرادها على المائة، وكان علي رأسها جعفر ابن ابي طالب.

أما الهجرة الثالثة فقد كانت من اليمن فقد هاجر بعض الصحابة بحراً وكانوا يقصدون الحجاز، فأنحرفت بهم السفينة إلى الشاطئ الإرتري، وكان في هذه الجماعة الصحابي الجليل (أبو موسى الاشعري) وأخواه (أبو بردة) (وأبو رهم) وكان عددهم ثلاثة وخمسون رجلاً.وبهذا صار عدد الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة من القرشيين وغيرهم مائة وعشرون، الذكور منهم 94 اربعة وتسعون والإناث ست وعشرون.هذا عدا أولادهم الصغار.

وعند نزولهم إلى الشواطئ الإرترية لم يتعرضوا لأي أذى من قبل السكان بل استقبلوهم أحسن استقبال وأكرموهم باعتبار أن العلاقة بين سكان الشاطئين الشرقي والغربي كانت قائمة ومعروفة لقرون عديدة وقبل ظهور الإسلام بكثير، فلم يكونوا غرباء على بعضهم بعضا فقد كان هناك التواصل والمصالح المتبادلة، وقد أخذ الصحابة عند نزولهم إلى الشواطئ واختلاطهم بالسكان أخذوا يبشرون بدعوتهم لدينهم الجديد في أوساط السكان المحليين، ومن هنا كان اعتناق سكان الساحل الأرتري الدين الإسلامي قبل غيرهم من باقي أجزاء ارتريا.

ج) هجرة الدعاة والتجار المسلمين:

استمر انتشار الإسلام في المناطق الساحلية من هجرة الصحابة ثم إزداد الإسلام انتشارا ونشاطاً عندما انتقل إلى الأجزاء الساحلية أعداداً من الدعاة في صدر الإسلام، وفي عام 83هـ عندما اعتدى القراصنة وقطاع الطرق على العلماء فقتلوهم ومثلوا بهم أرسلت الدولة الأموية حملة إلى البحر الأحمر فاستقرت الأوضاع وعاد العلماء والدعاة المسلمون إلى النشاط مرة أخرى، لأن رد الفعل كان قوياً إذ استولى المسلمون على جزر دهلك فكنت قاعدة لهم للانطلاق إلى السواحل فانتشر الإسلام وعم، ولم تستطع الكنيسة ورجالها من القيام بأي رد فعل بسبب الهلع الذي وقع في قلوب اتباعها من المسلمين. ثم انتقلت أعداد من المسلمين من ارض العرب إلى العدوة الإفريقية، وكان لهم دورهم في الدعوة، وعم الإسلام المنطقة الساحلية المعروفة. حاليا باسم إرتريا، وأنفصل سكانها عن الحبشة عقدياً واجتماعيا وثقافياً، كما امتد الإسلام جنوباً، وقامت إمارات إسلامية على طول السواحل الغربية للبحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.

رابعاً - قيام دول الطراز الإسلامي ودورها في نشر الإسلام:

ازدهرت في الساحل الإرتري المدن وتطورت فقامت إمارات إسلامية عرفت بدول الطراز الإسلامي، وكان أهم هذه الإمارات الإسلامية الساحلية مملكة الحبشة من الشمال الشرقي، وقد كان لها دور كبير في نشر الإسلام عن طريق تجارها ودعاتها العلماء الذين نذور أنفسهم في سبيل الدعوة إلى الله.

فقامت بينها وبين مملكة الحبشة حروب طاحنة انتهت في القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي، بتغلب ملك الحبشة على هذه الإمارات وتخريبها وقتل الآلاف وإرغام الكثيرين على اعتناق المسيحية فانتقلت دعامة الجهاد إلى إمارة عدل في السواحل الجنوبية، فقد خرج سكانها على ملك الحبشة بقيادة أميرها سعد الدين غير أنه قتل كما قتل عدد من خلفائه.وكان أهم هذه الإمارات:-

1. إمارة دهلك:

إن أرخبيل دهلك والتي يزيد عددها على مائة جزيرة سميت بهذا الاسم منذ العصور الوسطى، وبحكم قربها من الشواطئ العربية لعبت دوراً مهما كنقطة تجمع وانطلاق للهجرات العربية القديمة المتجهة صوب اليابسة باتجاه الشواطئ الإرترية. وعن طريقها كان يتم نقل التجارة واستقبالها وبعد الفتح الإسلامي ازدهرت جزر دهلك، وقامت بها إمارة إسلامية كان لها شأن كبير وشجع العرب على استيطانها وتعميرها وأصبحت هذه المنطقة بحكم موقعها على الساحل المقابل للجزيرة العربية المجال الحيوي للجماعات التي خرجت من الجزيرة العربية للتجارة وطلب الرزق ولاتخاذ موطن جديد هربا من حالات الزعر التي عمت العالم الإسلامي من الحروب والمجاعات. وقد نقل هؤلاء المهاجرون لتلك الجزر التي هاجروا إليها الحضارة والعلم فأصبحت دهلك مركز إشعاع لتعليم فقه الدين واللغة ووفد إليها طلاب العلم من مختلف أنحاء شمال إفريقيا.

وبحكم بعد دهلك عن الجزيرة العربية، ولشدة حرها أتخذها بعض الخلفاء المسلمين منفي للمغضوب عليهم كنوع من العقاب وبالذات الشعراء الذين عرفوا في شعرهم بالمجون والتشبيب بالنساء. كما أن هذا الأرخبيل أصبح في إحدى المراحل مركزاً للقراصنة، بل إن هؤلاء القراصنة قد عظم شانهم واشتد خطرهم بن عامي 630–640 ميلادية حيث قاموا بغارات على ميناء جدة وقد عظم خطرهم أكثر عندما انطلقوا من دهلك وقطعوا الطريق البحري على الحجاج وشنوا غارة بحرية على جدة وهددوا بتدمير مكة المكرمة وذلك في عام 83 هـو 84 هجرية 702 ميلادية وقد تحرك الأمراء الامويين لوضع حد لظاهرة القرصنة، وجردوا حملة بحرية لإيجاد مركز بحري حيث سيطروا على ارخبيل دهلك لحماية الطرق البحرية التي هي مجال للتجارة الإسلامية، وأيضاً كان هناك سبب أخر لهذه الحملة فبعد النزاع الذي حدث بين الأمويين والعلويين في مسألة الخلافة ومعركة كربلا التي استشهد فيها الإمام الحسين بن علي قصدت جماعات ومجموعات وأفراد إلى حيث لا تمتد اليهم أيدي الخلفاء الأمويين فقصد شواطئ أفريقيا الشرقية فتحرك جنود الدولة الأموية لمتابعتهم ومراقبتهم بشكل دقيق وكانت دهلك أهم نقطة للقيام بتلك المهمة.

وعندما زالت دولة الأمويين تحمل الخلفاء العباسيين مسؤولية حماية الطرق التجارية في البحر الأحمر، ولهذه الغاية أقاموا الحصون والقلاع في الجزر وزودوها بالسفن الحربية كما اقاموا فيها الصهاريج الكبيرة لحفظ مياه الأمطار والتي لا تزال أثارها باقية حتى اليوم.

وخلاصة القول أن هذا غيض من فيض ما ورد عن أرخبيل جزر دهلك لأن الأدوار التاريخية المهمة التي لعبها هذا الأرخبيل كثيرة وذات تفاصيل عديدة ومنها باختصار أن الصراع العثماني والبرتغالي الذي انتهى بغلبة الأسطول العثماني بقيادة سنان باشا في موقع بالبحر الأحمر بين سواكن ومصوع مما مكن الأتراك من السيطرة على جزر دهلك، وقد قلصت الاعتداءات البرتغالية أهميتها التجارية وهاجر السكان عنها.

2. مصوع:

لا شك أن مصوع تعتبر من أقدم الموانئ على البحر الأحمر. وكانت معروفة منذ عهد البطالمة الذين ينسب إليهم ميناء عدوليس إلأ أن التاريخ ما زال صامتاً عن الفترة التي سبقت ذلك العهد، فلم يعرف متى بنيت مصوع على وجه الدقة.. ومن الذي بناها. ولكن من الثابت أنها اكتسبت أهميتها بعد اندثار عدوليس و أفول نجمها كميناء ومركز تجاري مهم. ومصوع التي كانت تطلق عليها تسمية (باضع) لدى المتحدثين بلغة التجري، ومثلها مثل ارخبيل دهلك وميناء عدوليس، لعبت دوراً كبيراً في استقبال الهجرات العربية من قديم الزمان.

ومن المعروف أنه كانت للعرب صلات متينة ونفوذ قوي في مصوع مثلها باقي المراكز التجارية، الأخرى على امتداد الساحل قبل ظهور الإسلام. ثم قوي هذا النفوذ في صدر الإسلام على إثر قيام إمارات وسلطنات الطراز الإسلامي التي انتشرت على ساحل البحر الأحمر الغربي حتى خليج عدن والمحيط الهندي.

لقد أمتد نفوذ الأمويين إلى مصوع ثم جاء من بعدهم العباسيون وأعلنوا سيادتهم عليها، فازدهرت فيها وفي المناطق المجاورة لها حضارة إسلامية، وقامت فيها وفي المناطق المجاورة لها حضارة إسلامية، وقامت فيها سلطنة عرفت بولائها للعباسين، وفي فترة أخرى أصبحت ولاية تابعة لمكة المكرمة، ثم في مرحلة لاحقة أصبحت ولاية تابعة لجدة.

وذكر أن نفراً من الشعراء والفلاسفة في تلك الحقبة أي في صدر الإسلام وجدوا في هذه البقعة النائية ملجأ وملاذ لهم من العباسيين، كما احتمى بها بعض الأمويين من بأس ومطاردة العباسيين لهم، وتأكيداً لعلاقة مصوع بالجزيرة العربية نكرر ما قاله (الطبري) : (أن الصحابي الجليل أبا محجن الثقفي قد غرب إلى ميناء باضع (مصوع) الواقع بالقرب من عقيق سنة 16 هجرية).

وقد اشتركت مصوع في كل الأحداث التي مرت بها المنطقة فبالإضافة لدورها التأريخي في الهجرات العربية عبر البحر الأحمر التي اشرنا اليها فإنها أيضاً كانت امتدادا لممالك البجة ثم جزءا من سلطنات الطراز الإسلامي، وأخيراً السلطنة الزرقاء في سنار بالسودان (1504–1820م).

وتتسم مساجدها القديمة بقدم تاريخها فيذكر الباحث (دانتي أودريتس) في كتابه (مفوضية مصوع) أن مسجد أبي حنيفة يقدر عمره بنحو ثمانمائة سنة، كما أنشأ مسجد الشيخ جمال قبل نحو 450 سنة.

وظهرت مصوع في الخرائط الأوربية في سنة 1624م والتي وضعها القس اليسوعي (جيرلا مولوبو) وكانت تابعة عندئذ للخلافة العثمانية التي ضمتها عام 1557م.

وقد ساهم علماء ودعاة مصوع على نشر الإسلام باتجاه المناطق الداخلية وكان لدعوتهم أثر كبير جداً شملت أجزاء واسعة من السواحل والهضبة.

Top
X

Right Click

No Right Click