قصة سجن العم أحمد شيخ فرس بين عهد الاحتلال البائد والاستقلال الزائف
بقلم الأستاذ: عثمان كراني ـ ستوكهولم، السويد
ولد العم أحمد شيخ فرس عام 1927م في حرقيقو وهو رجل مناضل قدم الكثير من التضحيات
من أجل استقلال إرتريا كغيره من أبناء وطنه حيث كان يقوم بتهريب السلاح للثورة في بداية عهدها بالتعاون مع الشهيد عثمان صالح سبى ورفاقه الذين كانوا يشترون السلاح والعم أحمد (الذي كان نائب قبطان إحدى البواخر الإيطالية) ورفاقه كان يقومون بتهريبه إلى داخل إرتريا عبر ميناء مصوع وعندما كشفت سلطات الاحتلال الأثيوبي الأمر قبضت علي الخلية التي كانت تنفذ العملية وهم العم عبد الله صائغ والعم محمود صالح سبى والعم صالح وراك رحمهم الله جميعا والعم صالح عبد القادر بشير والأخ عثمان بدوى أطال الله في عمرهما في عام 1966، ولقد رفض العم أحمد الاعتراف بالعملية حتى لا يعرف الاحتلال الكثير من أسرار العملية بالرغم من التعذيب والسجن ألإنفرادي.
ولقد نجحت جبهة التحرير الإرترية في عملية نوعية بتحرير كل المناضلين الذين كانوا مسجونين كان من ضمنهم العم أحمد شيخ فرس في عام 1975. وبعد الاستقلال 1991 كان العم أحمد من الأوائل العائدين إلى إرتريا ليعيش الفترة المتبقية من حياته فيها. في عام 2007 قامت العصابة الحاكمة بسجن العم أحمد شيخ فرس لسبب غير معروف حتى الآن ولكن يقال السبب هو سؤال العم أحد عن سجن رئيس أوقاف مصوع وآخرين معه حيث ذهب العم أحمد وتحدث مع المدعو رأس ملاخ مسئول جهاز أمن العصابة الحاكمة في مصوع ومن تلك الفترة رغم محاولات متكررة لم يعرف حتى الآن سبب سجنه ومكانه، لهذا وددت أن أعمل مقارنة بسيطة عن أوضاع السجون بين مرحلتى الاحتلال والاستقلال المزيف حتى نتعرف الحالة المأسوية التي وصلت إليها أوضاع حقوق الإنسان في إرتريا. هذا لا يعنى إن التقليل من جرائم الاستعمار الأثيوبي حيث أحرق البلاد وشرد العباد وقتل الآلاف من أبناء إرتريا المدنين ونحن لازلنا نعانى من تلك الجرائم ولكن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الحيرة هل يصدق إرتري بعد كل التضحيات أن يجد نفسه في واقع مرير حالك كالذي نعيشه اليوم حيث تحولت إرتريا إلى سجن كبير يعاقب فيها الصغير والكبير المرأة والرجل هل تريد العصابة الحاكمة معاقبة الشعب الإرتري بسبب رفضه للظلم وتفجيره للثورة عام 1961 وهل جزاء هذا الشعب المناضل الصبور هو تكميم الأفواه ومصادرة الحقوق لذالك أحببت أقدم هذه المقارنة حتى نعرف الوضع المذري الذي وصلته إرتريا.
هل من العدل أن يكون مسير هذا الشيخ الجليل السجن بعد كل التحديات التى قدمها لوطنه ؟
فترة سجن العم أحمد شيخ فرس من قبل قوة الاحتلال الأثيوبي 1966م ـ 1975م:
لاشك السجن ليس نزهة وخاصة من قبل قوة معتدية لذالك كان هناك تعذيب ومعاناة كبيرة تعرض لها العم أحمد والمناضلين الأبطال الذين كانوا مسجونين معه ولكن الناس كانت تعرف على الأقل سبب سجنهم والحكم الجائر الصادر بحقهم حيث كان العم أحمد محكوم عليه عشرين عام ولكن بالرغم من ذالك كان أهله يزورنه بين حين وأخر ويسمح لهم بتقديم طلباته من طعام وملابس وغيره. وهنا نتحدث عندما كان العم احمد شيخ فرس في عز شبابه. هنا السبب معروف شعب يريد الحرية واحتلال يريد أن يخمد الثورة لذالك كان الشعب الإرتري يعرف الثمن المطلوب ودفع من أجل ذالك أكثر من 100 شهيد وأكثر من مليون لاجئ وآلاف من المعاقين والمساجين من أجل الحرية... لذالك لم يندم العم أحمد وغيره من السجناء عن تلك التضحيات حيث قضوا زهره شبابهم في السجن من أجل شعبهم ووطنهم.
فترة سجن العم أحمد شيخ فرس في عهد الاستقلال الزائف:
لقد قام النظام بسجن بعد المسئولين في الأوقاف من مدينة قندع ومصوع ولقد ذهب العم أحمد شيخ باعتباره رجل من أعيان مصوع وكبير في السن حيث كان عمره عندما أعتقل 80 عام تقريبا ليسأل عن المسجونين من الأوقاف وكانت النتيجة أن ألحق بهم علما الرجل عمره اليوم أكثر من 85 عاما ويعانى من عدة أمراض نسأل الله له الصحة والعافية لا يعرف هو أو أهله سبب سجنه ومكانه حتى الآن ولا يسمح لهم بزيارته بالرغم الكثير من المحاولات التي قاموا بها. ولا يعرف المدة المحكوم بها لأن في إرتريا لا يوجد محكمة أو قانون ولكنه توجد عصابة تحكم البلد بالحديد والنار وبقانون الغاب.
أكتب عن قصة العم أحمد شيخ فرس لأنها واقعية وتجسد واقع إرتريا حيث الظلم والاستبداد الذي لا مثيل له في عالم اليوم وتبين لنا بأن الثورة سرقت وحرفت عن مسارها وحلم الحرية والعدالة والأمن والاستقرار تبخر والأبطال الذين ناضلوا من أجل تحرير سقط منهم من سقط شهيدا وآخرون يواصلون مسيرة النضال من أجل إزالة النظام الديكتاتوري أما الباقون وخاصة من يدورن في فلك النظام لا يحركون ساكنا بالرغم ما يشاهدونه من الجرائم في حق شعبهم ورفاقهم. والشاعر العربى يقول:-
وظلم ذا قربى أشد مرارة من الحسام المهند
ربما يسأل البعد لماذا سجن العم أحمد وهو شيخ طاعن في السن ليس له أي طموح وانتماء سياسي وبالتالي لا يسبب العم أحمد أي تهديد أمنى أو سياسي للعصابة الحاكمة. السبب في تقدري المتواضع إن سجن العم أحمد هي رسالة لمن يعرف قراءتها بأنه لا يوجد عنده كبير وبالتالي عليكم السكوت والسكون لأن لا قيمة لكم ولا حقوق عندكم ولا يحق لكم الاعتراض لأنكم مواطنين من درجة ثانية وربما هناك من يقول للمسلمين بأنهم ليس إرتريين وإنما عابرون من الطرف الأخر للبحر الأحمر، لأن العصابة الحاكمة لا تحمل إلا قيم فاسدة وهي قيم طائفية بغيضة وفكر الإقصاء بدل التسامح و التعايش والظلم بدل العدل والنظرة الأحادية بدل التعدد لهذا لا يقبل النظام بالتعدد الثقافي والديني ويسعى الديكتاتور من أجل بناء مجتمع يتقبل قيمه الفاسدة من أجل ذالك سن قانون الخدمة الوطنية لغسل دماغ الشباب وغرس تلك المفاهيم والقيم الفاسدة.
ولكن الله أكبر والشعب الإرتري بكل مكوناته أقوى من العصابة الحاكمة وتجربتي البسيطة واحتكاك المحدود مع كل مكونات الشعب الإرتري مسلمين ومسيحيين ومن كل الفئات المختلفة تبين لي بأن الشعب الإرتري يحمل قيم حضارية راقية تمكنه التغلب على كل الفتن والمؤامرات التي تحاك ضده خارجية كانت أو داخلية وسوف يأتي يوما يستعيد فيه الشعب الإرتري حريته ويطلق سراح السجناء ويعود اللاجئين لوطنهم معززين داعيا ليفرج الله عن عم أحمد سائلا المولى أن يرزقه الصحة والعافية و إن يفرج عن جميع السجناء الشيخ موسى فرج الله الشيخ مرانت وجميع مدرسي المعاهد الإسلامية الذي مدى على سجنهم عقدين من الزمان تقريبا إضافة إلى محمود خالد الدكتور عبدا لله جمع المناضل الفنان إدريس محمد على إدريس أبعرى محمود شريفو هيلى درع (كان مسجون مع العم أحمد في فترة الاحتلال) بطرس سلمون صالح كيكيا الأمين جيلانى والآلاف الذين تعج بهم سجون إرتريا ونقوم بتكريم الكبار والأعيان يوما وكل الذين ضحوا من أجل إرتريا وسجن بسبب رفضهم الظلم والطغيان وأقول للصامتين على الظلم وخاصة المصفقين بأن الدول لا تبنى بالأسمنت والطبول ولكن بمنظومة قيم حضارية متكاملة ويعلمنا التأريخ مها طال الليل فلابد من النهار وربنا يمهل ولايهمل وسوف نرى هذه العصابة يوما في السجون تحاسب على كل الجرائم التي ترتكبها وما مبارك وبن على والعقيد عنا ببعيد.