لمسات في تاريخنا المهمش ذكريات معركة حلحل - الجزء الرابع
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد هبتيس - كاتب ارتري، ملبورن أستراليا
قد بقى الشعب عالقاً في الغابات محتاراً مغلوبا في أمرهِ بين الخوف والجوع في حالةً يرثى لها،
وهو يكابد الألام ظل البحث مستمرا عن الشهداء والجرحى لمدة ثلاثة أيام بلياليها، بعد ذلك تأكد للناس أن جميع الجرحى قد ذهبوا ودفن الشهداء.
وعندئذ كانوا هناكَ أعيان ووجهاء المنطقة - رجال بمعنى الكلمة وجهاء الأهالي أعرفهم جيدا ولكن اعفو عني من ذكر أسماء هؤلاء الأباء رحمة الله عليهم أجمعين - وهم منذ سنين طويلة لعبوا أدوار هامة في العمل الوطني بشقّيه السياسي والاجتماعي، كانوا يتعاملون مع العدو بالذكاء مستخدمين شتى الوسائل، على سبيل المثال اتفقوا مع مسؤول معسكر حلحل لكي يمنع خروج الجيش من الثكنات لأي سبباً من الأسباب، لأنه إذا خرج الجيش من المعسكر صار منتهكا للحُرمات ويسبب أضراراً كبيرة في المجتمع، وقد حدث ذلك عدة مرات وخوفاً من تكرر مثل هذه الأمور أقنعوا مسؤول المركز وقالوا له نحن نكلف أناس ليوفروا لكم احتياجاتكم من خارج المعسكر، مثلاً حطب أو فحم وغيره من أشياء أخرى شريطة ألأ يتعدى الجيش نطاق (فيشو) بموجب هذا التفاهم كانوا يتعملون معهم إذا طلب مسؤول المركز اي شي، يوفرون لهم بأسرع مايمكن بتكليف شخص أو أكثر حسب الحاجه ويتبادلون الأدوار لتسكيتهم. هل كان ذلك خطاأً ياتري؟
وعندما وقعت المعركه طبعا كما ذكرنا هرب كل الناس إلي الغابات، إذاً كيف سبيل العودة إلى الديار؟
في اليوم الرابع من المعركة وبعد أن تأكدوا تماماً لم يبقى اي جريح في المنطقة كما اسلفنا الذكر أعمامنا الذين أشرنا إليهم اتصلوا بعضهم لبعض بطرق تقليدية ليس عبر هواتف كما نحن اليوم، وعقدوا اجتماع طارئ لبحث حلول عودة الشعب الي ديارهم، واتفقوا على ان يتم الاتصال بمسؤول المعسكر أي الذهاب إليه والجلوس معه، وبالفعل ذهب نفر من الرجال إليه فلاطفوه بكلام قائلين له "أن الشعب هرب إلي الغابات خوفاً عندما اندلعت الحرب واشتعلت النيران، والان الشعب مُعرض للموت جوعاً وعطشاً، ذهبنا هاربين بارواحنا تاركين كل خيراتنا أمامكم ونرجو أن تسمح لنا حكومتنا الرشيدة بالعودة لديارنا، ومزارعنا، وموسم الحصاد على أبواب، هكذا كان خطابهم لمسؤول المعسكر، فهل كان هذا التصرف جريمة يا ترى؟
هذه الأسئلة تطرح نفسها وقد عاتبهم مسؤول المعسكر عتاباً شديداً قائلاً لهم أنتم تعلمون كل شي وتتعاملون مع أبنائكم بل وتقدمون لهم كل التسهيلات، وتتعاملون معنا وكأنكم لا تدرون شيئا، وبعد تهديد شديد سمح لهم بالعودة.
رجع الناس إلي منازلهم ومزارعهم، بمعنويات مُحبطة ونفوس منهارة سيطر عليها الشعور بالحزن والأسى بماحدث. وان كانت الثورة متكتمةً على تفاصيل المعركه واستشهاد قائدها غير أن بعض الناس الذين وصلوا الي (دبر ساله) مع الجرحى كان عندهم بثيث من المعلومات.
وعلى كل حال كان الشعب يعلم الكثير لأنه جزء من الثورة. وليس لنا تفاصيل عن الجرحى، وقد حاولنا لنعود و نمارس حياتنا الطبيعية ونحن في هذا الحال لسوء حظنا جاءت كارثة طبيعية متضامنةً: أتي جراد الصحراوي واجتاح كل المنطقة وأكل الأخضر واليابس فذهب.
هنا يجب علينآ ان نشير إلي نقطه مهمه جداً قبل ان ننتقل إلي مفاجأة أخرى هنآك سؤال يطرح نفسه (كيف كان رد الفعل العدو الأثيوبي بعد المعركه؟) بالتأكيد كنا نتوقع كما عودتنا إثيوبيا دائما تلجأ إلي حرق المنازل وقتل واعتقالات أفراد الشعب ولكن بفضل الله لم يحصل في هذه المرة الا حادثة واحدة في صبيحة ليلة المعركة قُتل رجل و زوجته أمام بيتهم وهو عمنا أدم عثمان اندول (بسر) كان ساكن مقابل المركز ولكن لا أدري تفاصيل طريقة إغتياله.
لم تجر أي محاولة خروج جيش العدو خطوة واحدة من المعسكر وهذه تعتبر الشعور بالهزيمة في حد ذاتها، ولقد توقفت ممارسات اللعب والزغاريط والعياط التي كانوا يزعجوننا بها سابقاً من داخل المركز، واتضح بعد المعركة من خلال تصرفاتهم أنهم مرعوبين أشد الرعب الذي وصل بهم إلي قناعة تامة أن هذا الشعب الأبيّ الذي يقدم الشهداء بهذا القدر وبهذه الطريقة ليس بشعب عادي، وأنهم سلموا منها بقدرة قادر ولن يسلموا منها مرة أخرى.
ولم يمكثوا طويلاً بعد المعركة إنما شدوا رحالهم بعد فترة وجيزة، وللتذكير حتى فيما بعد إثيوبيا لم تعد إلى ذلك المركز أبداً حتى بعد رجوعها إلي حلحل عام 1970م فقد أسست معسكرا جديدا جانب الكنيسة ولم تعد في المركز القديم..
ونحن في هذا الحال جاءَ رد فعل عكسي من جهة غير متوقعة مع الأسف الشديد في حين كان الشعب من المفترض أن تقدم له ما تطيب به القلوب وتداوى به الجروح وأن تقدم لهم المواساة والمثابرة لشعب حلحل عامة وبعض الأسر خاصة، ولكن كما قال الشاعر:
ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدْرِكُـهُ
تَجرِي الرّياحُ بِما لا تَشْتَهِي السُّـفُنُ
جاءت عواصف حيث ماكنا نتوقع منها هذا الفعل وكانت صدمةً أخرى بالعمل مُفاجىء اغتيالات واعتقالات إساءة والإهانه تتعلق بالسمعة والمكانة الإجتماعية ولا سيما أعمامنا الذين كان المجتمع بكامله يلتف حولهم وهم كرّسوا حياتهم وبذلوا قصار جهدهم من اجل سلامة هذا المجتمع وسعادته يسهرون الليل لحل قضايا الجميع و يسافرون من بلدةً إلي أخرى مشياً على الأقدام وتارةً على الأحصنة بدون أي مقابل كل حلول قضايا المجتمع برمتها كانت على عاتقهم وكل ما تذكرت تلك المواقف لأعمامنا وما حدث لهم طرق في أعماقي الأسف.. يستحضرني هنا مثل الذي يقول (جزاء معروف عشره كفوف) أي اتقِ شر من أحسنت اليه.
شِرذمة مستغلين سلطة البندقيه التي يحملونها على أكتافهم ولايعرفون قيمة هذه البندقيه و مكانتها. وقد فاجأتنا مجموعة يأتون ليلاً ويقرعون الأبواب ويسوقون الناس كالقطيع من غير مراعاة مكانة الشعب والمصاب الجلل والفقد العظيم وبدون وجهِ حق، تصرفات أفراد قامت ببوادر خطيره، لتفكك المجتمع وتعريض المنطقة لأزمة ثقة منتهزين فرصة انشغال القيادة في أمور ترتيبات المنطقة العسكرية، وهذا ان دل على شيء إنما يدل علي حدوث فراغ إداري كبير، وغرض هؤلاء ضعاف النفوس تحطيم معنويات الناس والتماسك الوطني.
أصحاب النوايا السيئة أرادوا الانتقام من بعض الأسر بالتحديد بدون ادلة تدينهم، قائمة طويلة بالأسماء اكُتشت فيما بعد.. ولقد أدركوا مجموعة من الأخوة أبناء المنطقة لهذا التصرف الاجرامي، و خاطبوا القيادة بهذا الشأن، وطلبوا أولئك الاخوة اجتماع عام للجماهير قائلين لهم لماذا سكتم إلي أن وصلت بكم الأمور إلى هذا الحد من الاعتقالات والقتل، تصرف لايمكن السكوت عنه، والحمد لله سرعان ما تداركت القيادة بالموضوع وعالجت المشكلت بالهدوء حتي لا يقع اي تمرد عسكري أو مدني.
كما حدثت في مناطق كثيرة. وقد كان الشعب أكثر وعياً و صموداً تحدي كل الصعاب، بل اصبح أكثر قوة ً وصلابة للوقوف إلي جانب الثورة كما عهدناه في كل المِحن ولم تن هذه الأزمة الأولى ولا الأخيره بل هذا الشعب كان عرضة للهجمات والحرائق والقتل والاعتقالات من العدو الأثيوبي ولم يسلم حتى من بعض حاقدين الذين أرادوا تشويه الثورة.
بخصوص وضع المنطقة العسكرية الثانية قد استعادت قوتها بعد إعادة التنظيم وتجديد قيادتها، تم تصعيد نائب قائد المنطقة (المناضل محمد عمر آدم) اصبح قائد المنطقة، وتصعيد قائد السرية الأولى نائباً له عمنا (ياسين محمد علي)، وتصعيد قائد للسريه الأولى (صالح فرج علي)، في مكان (ياسين محمد علي) وتصعيد بعض قادة الفصائل، وتجاوزت المنطقة المرحلة الصعبه ورتبت امورها جيداً.
و احتضنت بعض المناضلين الذين تم إبعادهم من المنطقة العسكرية الأولى، واحتفظوا بهم إلي انعقاد مؤتمر التوحيدي، وهم مجموعة الإصلاح، (عبدالقادر رمضان) و(عثمان حسن عجيب) و (عثمان إزاز) وايضاً فتحوا باب الحوار مع قيادة المنطقة الأولى، من اجل الوصول إلى الوحدة بين المنطقتين ومجموعة الوحدة الثلاثية، إلي أن توصلت اللقاءات في إتفاق لعقد مؤتمر عسكري وتم تكوين لجنة إتصال برئاسة عمنا (عبدالله إدريس ديغول) والمناضل (عبدالرحمن عثمان(شباك)) ثم تحديد الزمان والمكان أيضاً في اراضي التابعه للمنطقة العسكرية الثانية وهذه المرة تحضير للمؤتمر كان سهلاً بسبب رحيل مركز حلحل الذي كان عائقاً لوجوده في وسط المناطق الإداريه وهكذا، تم التوافق لعقد (مؤتمر ادوبحا العسكري) في شهر سبتمبر 1969 بعد عام تماماً من معركة حلحل
من أفضل نتائج (مؤتمر ادوبحا) توحيد جيش التحرير تحت قيادة واحدة وخرجوا بقرار عقد مؤتمر وطني.
كان مؤتمراً تاريخياً لأول مره يحدث مؤتمر شامل لجيش التحرير. وخرج بقيادة شبابية عددها 38 عضواً، عشرة منهم نصيب المنطقة العسكرية الثانية وهم:-
1. حامد احمد محمد عثمان ،
2. صالح سيد حيوتي ،
3. محمود ابراهيم (شكيني) ،
4. تسفاي تخلي عبدالرحمن ،
5. صالح فرج علي ،
6. صالح محمد فكاك ،
7. عبدالرقيب محمد موسى ،
8. جعفر جابر عمر ،
9. صالح ابراهيم (جمجام) ،
10. ياسين حاج .
نواصل بإذن الله... في الجزء القادم