حوار مع سليمان آدم حسين رئيس منظمة سدرى
أجرى الحوار الأستاذ: باسم القروي
رئيس منظمة سدري لوكالة زاجل الأرترية للأنباء: • هذا ليس سؤالاً وإنما توزيع اتهامات للأحياء والأموات،
• الأسئلة جريئة وغير مألوفة لكنها تعبر عن حالة مجتمعية تستحق الرد،
• لا نملك معلومات تفيد بانهيار النظام قريباً وضعف المعارضة يقويه، لا تواصل لنا بالنظام الحاكم ونحن ضد التغيير الذي يأتي به الدعم الخارجي.
طلبت منه مقابلة صحفية فأبدى حماسة زائدة ورد على رسالتي موافقاً بقوة. فصممت الأسئلة على عجل فدفعت بها إليه وأنا انتظر أن يعتذر عنها كما اعتذر آخرون في حوارات مشابهة.
أتت رسالته بالترحيب وتطلب مدة انتظار بناء على انشغالات ذكرها دون موعد.
فقلت: ربما حيلة مهذبة للهروب من الأسئلة.
تواصلت معه بإلحاح مذكرًا بتحديد أجل معلوم ففاجأني بإنجاز المقابلة.
الأستاذ سليمان حسين رئيس منظمة ”سدري“ يتحدث واثقاً من نفسه شخصيةً و إمكانياتٍ وتوجهاً ويسمع رأي الآخرين فيه مهما قسا، ويدافع عن ”سدري“ وأهدافها ويزيده ثقة بمسار ”سدري“ فشل التحرك السياسي الجمعي المعارض حسب رأيه.
رئيس سدري يرى بعض الأسئلة بأنها توزيع اتهامات للأحياء والأموات ومع ذلك أقر بأنها تعبر عن حالة مجتمعية معايشة تستحق الرد وأجاب بهدوء على الأسئلة غير الهادئة.
نسيت أن أسأل سليمان: متى تنشق سدري على نفسها كما انشقت المولودات المعارضات الأخريات... أكيد أنهم أرتريون يحملون الجرثومة في رأي متابع للمسيرة ! لكنه متفائل متحمس معجب بتجانس أعضاء منظمته على اختلاف خلفياتهم العقدية والتاريخية، نشط ينظر إلى العلل بإشفاق ويبحث عن العلاج ويفضله أن يكون سلمياً وعبر العمل التعبوي والثقافي والحوار والمسار الحقوقي المسالم الذي يطرق الأبواب الفاعلة في المنظمات الدولية ومضى - رغم المشككين في دوره - حتى صار صوتاً مسموعاً هناك ومحرجاً للنظام الأرتري وعلا منبرًا صعب المرتقى في جنيف ينطق باسم الحقوق المهضومة في أرتريا فتم الإصغاء الإيجابي لحديثه بالوضوح أجاب على الأسئلة وبِنَفَسٍ علماني محضٍ ولهذا لم تُطِقْ إجابته أن تصرح بضرورة إتاحة الفرصة للمسجد والكنيسة في معالجة المشكلات المعقدة للوطن والمواطن الارتري وإنما يلوذ بتعويذة الوطن المشترك، والديمقراطية حاكمة ويرى في الدين عامل تفرقة إذا تجاوز حده إلى العمل السياسي وبدون حرج يقيم تجربة إخوان مصر بقسوة ويدافع عن نفسه بأنه ليس مع دبابة السيسي.
طرحت عليه سؤالاً غير مادح بل مثبط فكانت أطول إجابته على هذا السؤال:
سبقكم كثيرون في المعارضة الأرترية وجئتم باسم جديد مثل غيركم بعنفوان ضاجٍ يعقبه خمول ذابل. هل هذه صيحات موضة ؟
اولا أشكرك على مبادرتك لإجراء هذا الحوار. كما أحييك وأحي أيضاً السادة والسيدات القرّاء.
قبل الإجابة على سؤالك اسمح لي أولاً أن أوضح نقطة أراها مهمة للغاية وهي أننا وإن كنا ننتمي إلى معسكر المعارضة الا أننا لسنا بحزب أو تنظيم سياسي ولكننا منظمة مجتمع مدني هدفها الرئيسي العمل من خلال تنظيم الندوات وورش عمل والقيام بدراسات حول القضايا التي تهم المواطن الارتري وكل ذلك بهدف المساهمة فى العمل على تعزيز قيم وثقافة الحوار والديمقراطية في أوساط الإرتيريين الى الحد الذي تسمح به إمكانياتنا. ومن أجل ذلك اعتمدنا دوماً ولازلنا نعتمد قدر الإمكان سياسة الابتعاد عن المحاور والعمل مع جميع القوى السياسية والمدنية التي تناضل في سبيل تحقيق التحول الديمقراطي الذي يطمح اليه شعبنا الارتري. وباعتبارنا منظمة لها رؤيتها الخاصة على غرار اي منظمة أخرى من الطبيعي أن نتفق او نختلف مع الآخرين في بعض القضايا الا أننا نعتمد دائماً الحوار كوسيلة لتضييق تلك الخلافات وتوسيع دائرة العمل المشترك وهذا انطلاقاً من إيماننا بأن الهدف الرئيسي واحد وهو يتمثل في العمل على تحقيق أهداف الشعب الارتري في إقامة نظام ديمقراطي تعددي يحتكم الى الدستور ويضمن حرية وكرامة المواطن الارتري عبر المشاركة الفعالة لكل فئات الشعب الارتري في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد.. في إطار القانون.
اما قولك بأننا جئنا بعنفوان ضاج أعقبه الخمول اسمح لي القول بأن الوصف الذي تفضلت به فيه شيء من الحدية وعدم الدقة ولاسيما التشبيه بصيحات موضة. ومع ذلك دعنا نتفق بأننا لازلنا وكغيرنا في الساحة بعيدين عن تحقيق الأهداف التي أنشئنا من أجلها،. ويمكننا بل يجب علينا مناقشة ذلك بموضوعية ومحاولة فهم المشكلات التي يعاني منها العمل المعارض الا انها بالتأكيد ليست صيحات موضة او شيء من هذا القبيل ولكن وفي مجمله ان وصف المعارضة بشقيها السياسي والمدني بعدم الفاعلية يكاد ان يكون متفق عليه وليس بعيدا عن الحقيقة. هذا ما أراه انا شخصياً و في اعتقادي ما يراه ايضاٌ الأرتريون عامة. كلنا نرى بان الوضع الارتري يزداد سوءًا يوماً بعد يوم بل نرى بأم أعيننا بان التحديات التي تواجهها بلادنا اليوم قد وصلت الى مرحلة خطيرة جدًا لدرجة أنها أصبحت تهدد استمراريته ككيان موحد وذات سيادة في حين تتراجع المعارضة وتستمر في انقسامات ونزاعات داخلية في الغالب ليس ما يبررها الا غياب الرؤية الواضحة وإمكانية اعادة ترتيب الاولويات على النحو الذي يضمن تسخير امكانياتها في سبيل تحقيق الهدف المشترك حتى تتمكن من اعادة الامل لدى الشعب الارتري واستنهاض طاقاته بدلا من إقحامه في خلافاتها التي تنال من إيمانه بقدراته الذاتية وتؤثر سلباً على وحدته الداخلية. وبالرغم من ان هذا هو واقعنا ولا فائدة تأتينا من نكرانه الا انه لازالت أمامنا فرصة وإمكانية بل مسئولية العمل على تغيير احوالنا كمعارضة حتى نتمكن من تغيير أحوال البلاد والعباد. اما بخلاف ذلك فلا ارى مخرجاً مما نحن فيه لان الله لا يغير ما بقوم مالم يغيروا ما بأنفسهم.
أنتم علمانيون أليس كذلك ؟ فهمت ذلك من أدبياتكم المنشورة وأنتَ شخصياً كتبتَ معززاً لموقف دبابة (سيسي) على انتخاب (مرسي) ولهذا من حق الآخرين الخوف من سيفكم بعد التمكين مستعينين بالعسكر والغرب الداعم فهل من ضمانات تطمئنون بها الشعب الأرتري ؟
حتى اكون صريح معك ارى بان السؤال في غير محله ليس فقط لأنه يتعلق برأي مزعوم في شأن غير إرتري بل أيضا لان السؤال يتضمن اتهاماً مباشرًا وصريحاً يبدو أنه ينطلق من موقف ايديولوجي للأحداث التي جرت ولازالت تجري في مصر ولاسيما الجانب الذي يخص الصراع على السلطة فيها. فقولك انني كتبت معززًا ما سميته بدبابة السيسي على انتخاب مرسي غير صحيح ودليل على ما أقوله، واذا أردت التأكد من ذلك يمكنك العودة الى ما قمت بكتابته في ذلك الوقت. ومع ذلك ولطالما سألتني عنه فلا بأس من التعليق على الموضوع حتى لو وجب التأكيد على ما سبق. ثم من الذي قال بان كل من له رأي في جماعة الاخوان المسلمون او تيارات الاسلام السياسي عموماً وطريقة تعاطيهم مع السياسة ومع الشان الدولي هو بالضرورة يعني الوقوف مع تأبيد حكم العسكر كما يحلو للبعض تسميته. في وجهة نظري هذا تبسيط لمشكلة في غاية التعقيد لأن الأمر هنا لا يتعلق بمرسي او بالسيسي أو غيرهم جميعا بقدر ما يتعلق بمخاض التحول من الاستبداد الذي ساد لعدة عقود الى حكم ديمقراطي، وعند ما نتحدث عن الديمقراطية يجب ان لا نختزلها على بعض الجوانب الإجرائية مثل الانتخابات وغيرها ولكن يجب الحديث عنها بكل ابعادها البنيوية والفكرية والثقافية الخ. الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي انتخب من قبل الشعب المصري في اول انتخابات حرة وهذا لا غبار فيه الا انه وجماعته فشلا فشلاً ذريعاً في اول تجربة ديمقراطية شهدتها مصر بعد عقود من الاستبداد والفساد. وهذا في رأيي الشخصي ورأي كثيرين من المراقبين والمحللين شيء في الغالب له علاقة بالأيديولوجية التي يتبنونها والتي دفعتهم على اعتبار انتخابهم فرصة ذهبية للتمكين والاستحواذ بدلاً من فهمها بأنها كانت مرحلة انتقالية حساسة تتطلب العمل بمسئولية على خلق ارضية للتوافق الوطني وهذا ما أكد انهم على نقيض الديمقراطية فكراً ومنهجاً وممارسةً. وحتى لا أطيل الحديث في هذا الامر اكتفي بالقول بان الرأي في ايديولوجية جهة ما لا يعني إلغاء حقها في الوجود والعمل في إطار قواعد اللعبة الديمقراطية كما لا يصح اختزال تنحية مرسي بما قامت به المؤسسة العسكرية وكأن البلد لم تشهد طيلة العام الذي حكم فيه الاخوان احتقان داخلي كاد ان يؤدي الى حرب أهلية شبيهة بتلك التي نراها اليوم في كل من سورية او ليبيا او غيرها من البلدان التي تسود فيها اوضاع مشابهة.
اما فيما يتعلق بالشق الأخير من سؤالك حول السيف الذي سوف نأتي به الى السلطة بالدعم الغربي.. اؤكد لك مرة أخرى اولاً: لسنا دعاة سلطة لأننا منظمة مجتمع مدني وليس حزباً سياسياً وكما اعلم ويعلم الجميع ان أهم ما يميز منظمات المجتمع المدني من القوى السياسية هو عدم سعيها الى السلطة ثم ألم تقل في سؤالك السابق بأننا مجرد صيحات موضة؟ كيف يستقيم هذا وذاك ؟ المهم في الامر ان لا يفكر أحدٌ أن يأتي الى السلطة بدعم خارجي غربي او شرقي لأننا جميعاً نناضل اليوم من اجل ان يختار الشعب الارتري من يحكمونه دون ان يتنازل عن حقه في ان يستبدلهم بغيرهم عند ما يريد ذلك.
اما بخصوص الضمانات وهنا اتحدث كمواطن إرتري ليست هناك ضمانات للشعب سوى وعيه بشئونه وامساكه بزمام الأمور وأن لا يرضى بأقل من السيادة الشعبية الكاملة في مسائل الدولة والحكم وبعد كل ما مر بِنَا في العقود الاخيرة اعتقد بان الشعب الارتري قد تعلم من تجاربه كثيرًا وكما قيل لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين. وبالمناسبة هنا يأتي دور منظمات المجتمع الدولي ومنابر الاعلام المستقل التي يجب عليها ان تكون القنوات التي من خلالها يمكن للرأي العام الارتري ان يراقب ويؤثر على اداء القوى السياسية سواء تلك التي تمارس الحكم او التي تعارضه اليوم كما في المستقبل. وانطلاقا من هذا الفهم لدور منظمات المجتمع الدولي، نحن في منظمة سدري لم نتردد من التعبير عن آرائنا وتحفظاتنا بل مخاوفنا عن الطريقة التي اتبعتها قوى المعارضة الإرترية في التحضير لملتقى الحوار الوطني وجمل الظروف التي احاطت العملية برمتها. طبعا أتى بعده المؤتمر الذي انبثق عنه المجلس الوطني واليوم وبعد أربع سنوات كلنا نعرف ما آلت اليه الأمور. لا اريد ان اعلق ذلك أكثر ولكن يكفي ان نقول بان النتيجة التي هي أمامنا اليوم لم تأتِ من فراغ بل من المؤكد انها نتيجة طبيعية لخيارات وممارسات لا بد من الوقوف أمامها اليوم بموضوعية ليس لتوزيع اللوم ولكن من اجل تقييم التجربة واستخلاص الدروس والعبر لأن ذلك هو السبيل الأفضل بل ربما الوحيد لتفادي تكرار الأخطاء ووضع المعارضة في المسار الصحيح الذي يؤهلها من كسب الجماهير واستنهاض طاقاتها وبذلك من تحمل مسئولياتها التاريخية على النحو الذي نريده ونتمناه جميعا. اما غير ذلك فسوف يكون كالذي يستمر في تكرار الشيء نفسه ويتوقع نتيجة مختلفة وكما قاله العالم ألبرت أينشتاين هذا هو المستحيل بعينه.
أنتم مولود غربي لا صلة له بالانتماء لأرتريا لكنكم تلتصقون بالقضية التماساً لغنائم محتملة مثل كرزاي الأفغان أو قاتل صدام العراق ؟
اتهامنا بأننا مولود غربي لا صلة له بالانتماء لارتريا اتهام غريب لا أساس له من الصحة وليس له هدف سوى محاولة تحويل اي خلاف في الرأي الى حالة من العداء وبالتالي اؤكد للك بأننا مصممون ان لا ننجر اليه وفي الواقع تعودنا عليه من جهات يبدو أن لديها مشكلة الانتماء لارتريا ارضاً وتاريخاً وشعباً بكل مكوناته. وعلى العموم لن نسمح ان يقف هذا بيننا وبين التصدي لكل ما يحاك ضد الهوية الوطنية الإرترية ووحدة شعبها وإرثها النضالي وسيادتها الكاملة على أراضيها. وإذا كان المقصود من الإشارة الى كرزاي او غيره احتمالية اللجوء الى أطراف خارجية، إقليمية او دولية لأحداث التغيير في ارتريا، اؤكد لك بأننا ليس فقط ضده تماماً بل إنما سوف نقوم مع الآخرين ومع شعبنا بكل ما في وسعنا للتصدي لمنعه من الحدوث. نؤمن ايمانا قاطعا بان الشعب الارتري قادر على احداث التغيير الذي ينشده وان مسئولية ذلك تعود له وليس لغيره.
في جدلية الفكر والدين أرتريا يملكها المسلمون والمسيحيون ولهم من العقائد والأعراف والسلوك ما يقربهم إلى بعضهم فلم تفرض العلمانية نفسها و” تتحشر“ في حلقوم المواطنين متعالية ؟
لا ادري اذا كنت تقصد بهذا الكلام خلق كيانات دينية في داخل البلد الواحد.. نعم تعود ملكية ارتريا لشعبها بمسلميها ومسيحييها وانه عندما تتاح له الفرصة سوف يختار نظام حكم يحترم أديانه وغير محسوب على جهة دون الاخرى ولن يتدخل في ادارتها التي تعود الى القيادات الدينية وحدها. الدولة كيان سياسي يخضع للإرادة الشعبية ومهمتها السهر على مصالحه وصيانة حرياته التي تشمل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية كما تشمل حرية اختيار من يحكمه في إطار الدستور الذي يتوافق عليه والقوانين التي يشرعها ممثلوه في برلمان منتخب انتخاباً حرا ونزيهاً. هذه هي الدولة اتمنى أن أراها في ارتريا الغد وإذا أردت ان تطلق عليها اي اسم فلك ذلك المهم هو المضمون وليس الاسم.
ظهرتم جهراً مزهواً بين قوى المعارضة الأرترية فتوجس الآخرون منكم خيفة ربما لَمَا حسبوكم حلاً عاجلا ًللقضية على حساب طموح شركاء النضال لكن مضت السنون وخفت البريق يا أستاذ سليمان، هل لا زلتم ترون في أنفسكم الحل السحري ؟
لا ادري اذا كان ذلك صحيحاً ولكن وعلى ان كلامك صحيح يبقى السؤال: لماذا التوجس من منظمة مجتمع مدني أعلنت صراحة بأنها لا تطمح الى السلطة او منافسة من يطمحون اليها. في رأيي الشخصي لا يستقيم العمل في سبيل تحقيق الديمقراطية وسيادة القانون الذي يحترم ويصون حرية التعبير والتوجس من منظمات المجتمع المدني التي هي جزء لا يتجزأ من نظام ديمقراطي تعددي. واذا افترضنا وجودها ما سوف يحدث اذا كتب لتلك القوى السياسية ان تأخذ زمام السلطة في البلاد؟ اخشى ان يتحول هذا التوجس اليوم الى منعها من ممارسة أنشطتها عندئذ.
أنت مسلم ومعك قليلون ممن على دينك من أمثال عبد الرحمن سيد وصلاح أبي راي في محيط مسيحي مؤسس لسدري ولهذا يخشى كثيرون أن تكون رمضان محمد نور أو شريفو، أنتم رجال مرحلة، أي جسور نافعة لعابرين آخرين ؟
اسمح لي أقول لك بان سؤالك هذا ينمو في رأيي عن فهم خاطئ لممارسة العمل الوطني الهادف والفعال. الم تقل في سؤالك السابق بان الشعب الارتري يتكون من مسلمين ومسيحيين ام نسيت ذلك؟ واذا لم تكن قد نسيت، فما الغريب في ان المسلمين والمسيحيين يعملون فى الشأن الوطني جنبا الى جنب كمواطنين ارتريين مع العلم بان للمسلمين خصوصيتهم وكذلك المسيحين ولكنهم كلهم مواطنون ارتريون معنيون بأمور بلادهم ودولتهم على نفس المستوى. اذا كنا نؤمن بأن ارتريا كيان واحد وليس كيانين والدولة التي نريدها تعتمد المواطنة كأساس للحقوق والواجبات فلا يعقل ان نستغرب بان الارتريين مسلمين ومسيحيين يعملون مع بعضهم البعض. اما خلاف ذلك سوف يعني اننا بصدد التشجيع على خلق كيانات دينية متناحرة في داخل البلد الواحد. بالعودة الى منظمة سدري وبعيدا عن التعليق على ما أسميته بالجسور النافعة لأنه ومع احترامي لك انه حديث لا يستحق الرد اؤكد لك بأننا نتشرف بعضويتنا من المسلمين والمسيحين جمعهم انتمائهم بارتريا الرؤية المشاركة التي يعملون على تحقيقها. وهذا لم يبدأ أو ينتهِ بسدري وهي في الحقيقة ليست المنظمة الإرترية الوحيدة التي ينحدر أعضاؤها من المسلمين والمسيحيين ولا اعتقد انك تريد أمثلة لذلك لأنه وعلى حسب علمي ان اغلب التنظيمات السياسية والمنظمات المدنية لها عضوية ممن ينتمون الى الديانتين حتى لو اختلفت النسب هنا وهناك.
العلمانية لم تستطع جمع الصف الوطني الأرتري لا في التاريخ ولا في الحاضر والإسلامية كذلك لم تتحمل شجرتها بعض غصونها فهل ترى في الأفق خيارًا آخر ؟
الحل في رأيي يكمن في الرؤية الوطنية الشاملة التي تحقق تطلعات الشعب الإرتري في الحرية والكرامة في دولة تحتكم الى سيادة القانون ويسودها العدل والتي لا تفرق بين إرتري وآخر على خلفية انتمائه الديني او العرقي او الجغرافي الخ وأي حديث آخر هو في اعتقادي مجرد هروب الى الامام والشعب الذي يتطلع الى الحرية والكرامة المفقودين ليس معنياً اليوم بالأيديولوجيات التي من حقها ان تتنافس في المستقبل بعد ان نخلق المناخ الملائم لذلك.
يردد كثيرون أن المسافة بينكم وبين النظام قريبة جدا حسب ما رسمتم أنتم من طريق ناعم للعمل المعارض لكن شوكة النظام المتعالي قتلت طموحكم! إلى أي حد تصدق هذه المقولة في سدري ؟
بالعكس يمكن القول بان المسافة قد تكون اقرب بين النظام الاستبدادي الذي يحكم البلاد وبين من يساعدونه على البقاء والاستمرار وهذا بممارسة نفس الأساليب ولكن على طريقة المعارضة وإلا كيف نفسر كل هذه الهجمات التي يقوم بها البعض على من يختلف معهم في الرأي وفي المنهج او حتى في انتماءات عضويتهم. اليس الاستبداد فكراً قبل ان يكون ممارسة ؟
بكل وضوح لِمَ لا تذهب بكم التجربة الفاشلة لتكونوا جزئاً من المعارضة متواضعاً يسد ثغرة في بنائها لا نافراً منها ولا متعالياً؟ لِمَ أنتم في نَأيٍ عن السرب ؟
الحكم على تجربتنا بأنها فاشلة واتهامنا بالتعالي على الآخرين وما الى ذلك كلها أشياء لا تسند الى أي أساس. فنحن لا ولن نتعالى على احد وحتى التزمنا سياسة عدم الرد عندما تعرضنا على حملات وهذا لأننا اخترنا عدم الدخول في المهاترات. كل ما في الامر اننا نطرح وجهة نظرنا بوضوح وجرأة في القضايا التي نرى فيها الضرورة وكوننا لسنا تنظيم سياسي تحكم مواقفه الحسابات السياسية يكون قد سهل لنا ذلك. على سبيل المثال فسر البعض موقفنا من مؤتمر أواسا وعدم مشاركتنا فيه بانه تعالي مع ان الصحيح هو العكس اي معاداة كل من له رأي مخالف هو الذي يمكن وصفه بالتعالي لأنه ينمو عن افتراض السمع والطاعة ناسين كونه مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ وبالتالي نقده أمره مشروع وهذا ما تقوم به الان معظم القوى التي شاركت بحماس فيه آنذاك لكن بعدما ما وصل الى طريق مسدود. فهل اخطأنا لأننا توقعنا ذلك في حينه؟
جهود المعارضة الأرترية في التغيير لم تستطع أن تقنع دول الجوار لمؤازرتها ودعمها.. ما الأسباب ؟
يجب ان تكون جهود اي معارضة تحمل هموم شعبها وتعبر عن تطلعاته ان تقنع شعبها وتكسب دعمه اولا لأنه المعني الاول والاخير بالتغيير في ارتريا وعندها يهون التعامل مع الآخرين سواء كانوا دول الجوار او المجتمع الدولي عموما. وكما نعلم لازالت المعارضة الإرترية بعيدة من هذا وذلك والوضع الارتري يزداد سوءا كل يوم. وهذا يعود بِنَا الى تأكيد بانه لا سبيل امام المعارضة الإرترية سوى نبذ الخلافات الثانوية التى تستهلك طاقاتها ومن ثم العمل سويا حتى تتمكن من اعادة ترتيب أولوياتها وتوحيد طاقاتها وهو امر لا يتم بمجرد ترديد الشعارات بل بالعمل الجاد والدؤوب للوصول الى رؤية مشتركة تمهد للاتفاق على آليات واستراتيجية للتغيير المنشود. بعد ذلك فقط يمكن الحديث عن الدعم الخارجي الجاد وليس قبله.
بين فترة وأخرى نسمع بمحاولة انقلابية فاشلة ونتابع النقمة المتنامية بين الراعي والرعية في أرتريا والوضع المتأزم في الوطن.. ما الأمر الذي يجعل المسمار ينغرس دائماً في خصوم النظام ويخرج هو من النار والأزمة بردًا وسلاماً.
ان هؤلاء الذين أسميتهم خصوم النظام هم في الواقع رجال ونساء وطنيين من أمثال الشهيد سعيد علي حجاي وغيره من الأبطال الذين حاولوا ولازالوا يحاولون اخراج البلد من الأزمة التي تعيشها وبالفعل هناك تحرك يحدث من حين الى آخر وان دل كل ذلك على شيء انما يدل على ان هناك معارضة داخلية وهذه سوف تستمر في محاولاتها طالما بقي الوضع السياسي في البلاد على ما هو عليه دون يكون شيء في الأفق بان يقوم النظام بالإصلاحات التي تحتاجها البلاد للخروج من ازمتها. للأسف الذي لم يتم الى الان هو بناء جسر بين المعارضة التي تعمل سراً في الداخل وتلك التي تعمل من الخارج لأنهم يعملون للوصول الى نفس الهدف.
تصف المعارضة الأرترية النظام بأنه في حافة الانهيار وظلت الأنشودة تكرر سنوات لكنها بقيت أحلام ظمآن.ما الأسباب ؟
لا املك معلومات تشير بان النظام على وشك الانهيار لأنه لو كان كذلك لما ايام في الحكم طيلة كل هذه السنوات التي تتردد فيه الأنشودة على حد تعبيرك ولكن حتى لو افترضنا بانه ضعيف ما فائدته اذا لن يتحول الى قوة المعارضة. اذا كان النظام ضعيفا يجب الاعتراف ايضا بان المعارضة في وضعها الحالي اضعف منه وفي واقع الحل ان القوة والضعف امر نسبي.
النظام الأرتري كسب الوضع الداخلي وتحكم، والآن يسجل نقاط انتصار في الخارج في ميدان المعارضة الأرترية فقد وقفت في صفه أحزاب غربية مؤثرة تسوق دولها لدعم النظام الأرتري لحماية حدوده حتى لا يمكن شعبه من الهجرة.. أين أنتم ؟
قلت ان النظام كسب الوضع الداخلي ولكن منذ متى كان للمعارضة الإرترية وجود فعال شكل تهديدا له في الداخل؟ الم يكن غياب التواصل مع الداخل احدى اهم نقاط ضعف المعارضة الإرترية التي تنطلق من دول الجوار؟ ورغم ذلك تشير المعلومات الآتية من الداخل ان قدرة تحكم النظام في الوضع الداخلي ليست كما كانت عليه وهذا نتيجة ازدياد استياء المواطنين وتزايد وتيرة المعارضة الداخلية التي في الحقيقة لم تتوقف منذ ان بدأت في السنوات الاولى بعد الاستقلال وهي مرشحة للزيادة ولا سيما الآن لأنها لم تعد محصورة في تيارات داخل الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية كما كان الحال في السابق بل هناك حراك شبابي متنامي ولذلك يصعب القول بان للنظام سيطرة على الأوضاع الداخلية.
اما قولك ان النظام حقق بعض الانتصارات الديبلوماسية، فلعلك تشير الى بعض الانفتاح من دول غربية تجاهه والذي اصبح يتردد في الآونة الاخيرة ولكنه لا يعدو كونه محاولة من تلك الدول للحد من ظاهرة الهجرة ولا سيما وخاصة الاعداد الكبيرة من شباب ارتريا الذين يهربون من الخدمة العسكرية الالزامية وغير المحدودة الامد الا ان لا احد يعتقد بان ذلك سوف يكون له تأثير كبير لان الامر لا يتعلق بحراسة الحدود والاجراءات الأمنية بقدر ما يتعلق بالسياسات القمعية للنظام والخدمة العسكرية الالزامية غير محدودة الامد التي لم تترك لهؤلاء الشباب سوى خيار النزوح الى الخارج. كان الأجدر بتلك الحكومات ممارسة الضغط على النظام حتى يغير سياساته لو كانوا جادين ولكنهم يبدو بأنهم وكعادتهم ليسوا جادين.
أين تكمن قوة النظام في بنائه الداخلي وتماسكه التنظيمي ؟ هل من ذكر أشخاص وهياكل وكفاءات ومنظمات ومؤسسات تمثل السند القوي للنظام ؟
باعتباري ناشط حقوقي ومدني لا اعتقد انني الشخص المناسب للإجابة على هذا السؤال على النحو الذي يفيد القارئ الا انني وكأي إرتري مهتم اعرف بان قوة النظام تكمن في ضعف المعارضة واجهزته الأمنية التي لا زالت تخترقها وتحدد اجندتها كما تقر هي بذلك.
الهاربون من النظام يلوذون بالصمت الذليل.. لم ينشروا وثائق مدينة ولا أثبتوا جرائم محددة ينكرونها على خصمهم.. هل هم شركاء في الجرائم ؟
لم أكن يوما جزءا من النظام ولم اهرب منه وبالتالي لا يمكنن الإجابة على ذلك ولكن رأي الشخصي بان امر الحديث عن تجارب الماض متروك للمعني في ان يقول ما يريد او ان لا يقول ولا يحب ان يستخدم كالسيف المسلط على كل من يترك النظام ويختار الانضمام الى معسكر المعارضة لأنه وببساطة ليس من صالحها. ثم الحديث عن التجربة في شكلها العام والسياسي شيء والحديث عن جرائم بعينها والمسؤولين عنها شيء آخر. وبعيدا عن المزايدات السياسية يجب الإقرار بان المحاسبة القضائية لا يمكن ان تكون الا من اختصاص الجهات المخولة لها صلاحية التحقيق ثم العمل على مثول من هم مسئولون امام المحاكم عند ما يسود القانون. اما الان فمن يحاكم من؟
عشرة أهداف لسدري تم التنصيص عليها في وثائقكم ليست متناقضة مع ما لدى الآخرين..فضفاضة وطموحة.. لكنكم عاجزون عن التطبيق بالنظر إلى متابعة مسيرتكم. حتى وسائطكم الإعلامية ساكنة خاملة لا تشهد حيوية جاذبة حتى الآن.. هل من تعليق يركز على انجازات سدري ؟
بالطبع تتشابه اهدافنا مع أهداف منظمات اخرى ولاسيما المدنية منها لأنه وببساطة قضيتنا واحدة. وصحيح ايضا بانه اصابنا ما اصاب غيرنا في معسكر المعارضة ولا ندعي بأننا في وضع كنا قد ارتأيناه لنفسنا ولكننا نعمل جاهدين لان نطور اداءنا وأساليب عملنا. في السنوات الاخيرة وبعض الضجة التي حدثت في معسكر المعارضة عقب تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الجامع وكلنا يعلم ما آلت عليه الأمور بعد ذلك، واصلنا لقاءاتنا وحواراتنا مع الآخرين ولا سيما المنظمات الشبابية ودون ضجيج إعلامي. على سبيل المثال لا الحصر ساهمنا في نجاح ملتقيات بولونيا وغيرها ولكننا أصبحنا نركز اكثر على النشاط المدني والحقوقي الموجه الى المجتمع الدولي ونرى بانه أتى بثماره حتى الان حيث تعتبر منظمتنا اليوم عضوًا فاعلاً في ائتلاف دولي لمنظمات المجتمع المدني وهذا الائتلاف ينشط في اكثر من ١٠٠ دولة ولنا إسهاماتنا في حشد التأييد الدولي لقضية الشعب الارتري في المحافل الدولية. ولعلك تعلم بأننا احدى المنظمات الإرترية الحقوقية التي ساهمت وتساهم في نشاطات مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة الذي يتخذ من مدينة جنيف مقرا له. وإذ تتبعت ما يدور في جنيف، سوف ترى ان مشاركتنا في الدورتين الاخيرتين للمجلس كانت بارزة ولكننا نطمح الى المزيد.
عبر التاريخ خذل المسلمين الأرتريين بعضُ إخوانهم المناضلين بدعمهم الطرف المسيحي تحت غطاء النضال المشترك أو العلمانية الجامعة وكانت النهائية صعود أسياس أفورقي واختفاء سبي وشريفو وعمرو وبقية الأجنحة المقصوصة المظلومة..أنتم الآن مثل كثيرين تحملون الأفكار نفسها وتسلكون الدرب الوعر ولهذا تلتقون مع حزب الشعب فى خيوط وتتوددون إلى النظام حتى توقع كثيرون ظهوركم - في وقت ما - فجأة في مركب واحد مدعوماً من الغرب.. ماذا تقول ؟
ماذا أقول غير أنك لم تسال سؤال ولكنك توزع اتهامات غير صحيحة لكل ابطال ارتريا المسلمين والمسيحين رحم الله من استشهد منهم وفك أسر من هو في السجون ظلما والذين ناضلوا بالأمس لان تكون ارتريا دولة مستقلة ذات سيادة ويناضلون اليوم لان تكون تلك الدولة التي وجدت بتضحيات اجيال من الارتريين ان تكون دولة يسود فيها العدل والقانون ينعم فيها المواطن الارتر بالحرية والكرامة ولا تعامله كمسلم او كمسيحي بل كمواطن إرتري له نفس الحقوق والواجبات. هل تعتقد ان الارتريين كان بإمكانهم تحقيق الاستقلال الوطني الذي نحتفل به كل عام لو كانوا اختاروا ان يعملوا كمجموعات دينية منفصلة من بعضها البعض بل ربما متناحرة؟ قطعا لا كما لا يمكننا اليوم إنهاء الاستبداد وإقامة دولة القانون الا بالعمل كارتريين بصرف النظر عن انتماءاتنا الدينية وغيرها من الانتماءات التي نفتخر بها ولا نراها تتناقض مع مفهوم المواطنة في بلادنا كما في كل البلاد التي تنعم بالحرية والكرامة والسلم الاجتماعي.
بِمَ تودع هذا اللقاء مع وكالة زاجل الأرترية للأنباء ...؟
في الوداع اشكر وكالة زاجل للأنباء على اتاحة هذه الفرصة وعلى أسئلتها الجريئة التي وان كانت خارج المألوف الا انها أسئلة أغلبها تعبر عن واقع معاش وهي بذلك جديرة بالإجابة عليها وأرجو ان يكون قد وفقني الله في الإجابة عليها.
على هامش المقابلة نبذة عن السيرة الذاتية:
لا اختلف كثيرا من ابناء جيلي من الارتريين الذين ولدو وتربو في عهد الكفاح المسلح، فانا من مواليد اسمرة وعشت طفولتي في كل من اسمرة وكرن وفي نهاية السبعينات لجأ اهلي الى السودان حيث اكملت المرحلة الثانوية. تخرجت من كلية الهندسة في الجزائر التي ذهبت اليها بمنحة لجبهة التحرير الأرترية ـ المجلس الثوري. بعد التحرير كانت امنيتي مثل غيري من الإرتيريين أن أعيش في أرض الوطن الا رياحنا لم تأتِ كما اشتهينا ولذلك أعيش اليوم في بريطانيا حيث أعمل كما انشط في المجال المدني والحقوقي. عندما تأسست منظمة سدري كنت أحد مؤسسيها وانتخبت رئيساً لتنفيذيتها.