من جرائم الكمندوس ضد الشعب الارتري
بقلم الأستاذ: ود عد - كاتب وناشط سياسي ارتري
تمهيد: قد لا يعرف الكثير من أبناء إرتريا الذين ولدوا بعد العام 1975م أو من لم يحالفهم الحظ
بالعيش على أرض إرتريا بسبب اللجوء أو من ولدوا خارج أرض الوطن ولم تتح لهم فرصة التعرف على هذا التاريخ الأسود للكمندوس ولذلك أود أن أبدأ بالتعريف بهذه الفئة.
من هم ؟
ومتى تأسست ؟
وماذا كان الهدف من تأسيسها ؟
وهل الكمندوس كان يتم اختيارهم من فئة الأغبياء فقط كما كان يشاع ؟
وهل الكمندوس كانوا يجهلون وما يعون ما يقومون به من جرائم ضد بني وطنهم ؟
فلابد من التعريف بهم ثم الحديث عما اغترفوا من جرائم لا تكفيها جلسة واحدة أو معلومات سيذكرها العبد الفقير ولكن سأتناول ما تسعفني به الذاكرة والمجال مفتوح للكل كي يدلوا كل بما يعلم عن هذه الفئة.
التسمية: كلمة الكمندوس هكذا تنطق بكل اللغات الارترية بعد تحويرها وتطويعها كي تتناسب مع اللسان الارتري، إلا التقرينية فكانوا ينطقونها كعادتهم في تحوير الأسماء وابتكار ما يخالف غيرهم (كومانديس). وأما العدو فكان يسميهم (فطنو دراش - باللغة الأمهرية Fetno Derash وتعني قوات التدخل السريع).
أصل الكلمة: انجليزية حيث تأسست أول قوات للكوماندوز في عام 1940م. في القوات البريطانيــة .وهي قوات قليلة العدد جيدة التدريب تقوم بالمهام السريعة الخاطفة وتتعامل مع أصعب الظروف وتنفذ عمليات عسكرية كبيرة بأقل عدد وأقل خسائر في صفوفها. هذا بإيجاز شديد مهام الكوماندوز.
أما الكمندوس في إرتريا تأسست في العام 1966م في عهد الإمبراطور الأثيوبي الأسبق هيلي سلاسي الذي حكم أثيوبيا بالحديد والنار ولكن تكسرت جبروته ومرغ أنفه في أرض إرتريا على يد أبطال الثورة الارترية، تأسست هذه القوة من الارتريين وكان كلهم أو جلهم من النصارى الذين لم يخرجوا من سكرة فرحتهم بانضمام إرتريا مع إثيوبيا الذي يحاول النظام الآن تحميله لقرار أممي خططت له أمريكا دون أن يتطرق لما قام به عملاء أثيوبيا من حزب الانضمام من دور كبير وفعّال ساعد في تنفيذ ذلك القرار بل مهد له بكل ما أوتى من قوة فكان سبب تجنيد أو تأسيس هذه الفئة الهدف منه القضاء على الثوار الذين عجزت عنهم قوات البوليس ثم قوات الفيلد فورس (Field Force) وكان تدريبهم على أيدي خبراء إسرائيليين وقد تلقوا تدريباً عسكرياً متقدماً، وكان النصارى في ذلك التاريخ قد ناصبوا الثورة العداء بسبب الإشاعات المغرضة التي بدأتها الكنيسة الأرثوذوكسية (تواهدو) في فترة تقرير المصير ضد حزب الرابطة الإسلامية المطالب باستقلال إرتريا، مستغلة كلمة "الرابطة الإسلامية" بل أصبحت معظم قرى النصارى في المرتفعات إن لم تكن كلها قرى مسلحة ضد الثوار حيث كان الثوار يتعرضون إما لهجمات المسلحين بأنفسهم أو عن طريق إبلاغ قوات العدو بتحركاتهم ومداهمتهم إلى أن بدأ يشتد عودها فكانت فكرة تأسيس قوات الكمندوس من هذه الفئة النصرانية الجاهزة لمحاربة الثورة والمحافظة على ما اعتبرته مكتسباتها وهو الانضمام إلى إثيوبيا وصاحب ذلك دعاية أن الثورة قد قاربت على نهايتها وأن الكمندوس سيقضون عليها وعلى كل المواطنين المتعاونين معها وأصبح رجل الكمندوس فارس أحلام لكل فتاة مسيحية. ومن هنا تنتفي صفة عدم الوعي والجهل عن الكمندوس. والسجل الحافل بجرائم الكمندوس سيبدد هذا اللغز لأن كلمة كومانديس عند أهل التقرينية وخاصة في المدن كانت تقال للإنسان البليد الأبله الأحمق بسبب ما كان يقوم به رجال الكمندوس ضد المواطنين حتى في داخل المدن.
جرائم الكمندوس ضد الثورة الارترية:
تمثلت جرائم الكمندوس ضد الثوار بالقسوة في المواجهة عكس رجال البوليس الارتري الذي كان أفراده يتفادون ملاقاة مقاتلي الثورة من الرعيل الأول لعلمهم التام بأن من سيواجهونهم هم من بني جلدتهم وهم يطالبون بحقوقهم المشروعة، فكان رجال الكمندوس من أصعب من واجهه الثوار في بداية الأمر، ولكن بسبب شجاعة وبسالة الثوار وعدالة قضيتهم وصمودهم الذي أذهل الكمندوس أنفسهم جعل رجال الكمندوس أنفسهم يترددون في ملاقاة الثوار وقد استعان العدو رغم كثرة العدد والعدة بالطيران لمواجهة الثوار الذين كانت شوكتهم تتقوى يوماً بعد يوم رغم ما كانوا يواجهون من أهوال وصعاب البدايات بل أخذ الثوار بزمام المبادرة وبدءوا يتعرضون للكمندوس في مراكزهم وحامياتهم التي كانوا ينطلقون منها وأصبحت كل تحركاتهم مرصودة ومستهدفة من الثوار فجن جنونهم وحاروا فيما يصنعون بالثوار إلى أن وصلوا إلى حل اعتبروه سيكون له تأثيره الفعال على الثوار ويخفف عليهم وطأتهم وإبعادهم عن المراكز والحاميات.
سياسة الأرض المحروقة لتجفيف منابع الثورة: هذه السياسة وضعها الإمبراطور هيلي سلاسي ثم صهره الأمير أسراتي كاسا ممثل الإمبراطور في إرتريا حيث قال الأول: (أنا لا أريد شعب ارتريا ولكن أريد أرضها) وقال الأخير: (سأجعل ارتريا جرداء مثل صلعت رأسي - لأنه كان أصلعاً) كل هذه التهديدات راحت أدراج الرياح وأصبح الريف الارتري مرتعاً للثوار فبدأ العدو بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة بهدف تجفيف منابع الثورة وهو الشعب الارتري وخاصة إنسان الريف الذي تحمل إطعام الثوار وإرشادهم ونقل الأخبار وتحركات قوات العدو لهم، فكما تقول الحكمة الشهيرة (إذا أردت قتل السمك، جفف البحر) فبدأ العدو بحرق القرى وقتل المواطنين ونهب مواشيهم وكان لهذه الفئة المجرمة الآثمة الدور الكبير في ارتكاب أكبر الجرائم وأبشعها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. إزالة قرى بأكملها من على وجه الأرض في عد أبرهيم، وعد أكد وفي ضواحي مدينة أغوردات وجميع أنحاء بركا لعال.
2. اعتقال وقتل كل من يقع في أيديهم من المواطنين بحجة التعاون مع الثوار.
3. إزالة قرى كاملة وترحيل قسري للمواطنين في محافظة أكلي قوزاي (كما يحدث الآن ولكن هذه المرة ترحيل قسري ممنهج للاستيلاء على أراضي الغير وتوطين آخرين بدلاً عنهم).
4. القتل والتدمير بالدين كما حدث لسكان منطقة مسيام (Mesyam) وما حولها بمحافظة سراييه حيث كان كل القتلى من المسلمين ثم أتي بمواشيهم وبيعت في المزاد العلني في اسمرا بأبخس الأثمان حتى الأرامل لم يستطعن قضاء عدتهن في القرية بسبب خلوها من أبسط وسائل الحياة بعد حرقها على أيدي الكمندوس.
5. تدمير كل شيء في منطقة كرن حيث لم تسلم قرية من بطش الكمندوس وقسوتهم في التقتيل وقد صاحب هذه الأجواء نكسة العام 1967م للعرب في مصر والجولان فاستغل الكمندوس هذه الظروف وأمعنوا في التقتيل والحرق والتشريد بل كانوا يجاهرون بأن العرب انهزموا على يد إسرائيل وعملاءهم سينتهون على أيدي هيلي سلاسي وقد بالغ القساوسة وأسرفوا في المدح إلى درجة الإسفاف حين أضافوا فقرة في الإنجيل المترجم من اللغة الغئزية إلى التقرينية حيث كانوا يتهكمون في الثوار وهم يرددون هذه الفقرة التي أدخلوها فقالوا وبئس ما قالوا: "إتبويا تابظه أدويها هبي إقزيئابهير" وتعني كما ترجمها القساوسة (أن إثيوبيا مستجابة الدعاء عند الله)هكذا يجزمون بهذه الخرافات التي لم ينزلها الله في الإنجيل وقولهم: (أن الإنجيل يؤكد أن أثيوبيا دولة لا تُهزم حتى لو أحيط بها من أربع جهات) أنظر إلى هذا التهريج ولكن خاب ظنهم وتبخرت تنبؤاتهم.
6. أبادو قرى إبادات جماعية نوجز منها إضافة لما تقدم قرية بسقديرا: تم جمع سكانها داخل مسجد بحجة أن الطيران سيقصف المنطقة ولابد لكم الاحتماء في داخل المسجد فتم إدخال جميع سكان بسقديرا من مسلمين ونصارى ثم فتحوا فوهات البنادق عليهم من خلال النوافذ حيث لم يسلم منهم إلا راعي الكنيسة في القرية الذي مكث يومين بين جثث القتلى ولم يؤخره عن الخروج من فوره إلا خوفاً من وجود الجناة والقضاء عليه فلما علم بأن لا حياة في القرية ولا حركة إلا للمواشي والدواب خرج وهو ملطخ بدماء أولئك الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا أنهم ينتمون لهذا البلد ويدعمون ثورته التي تطالب بحقوقهم المشروع فذهب إلى قرية حليب منتل والقرى الأخرى ليأتي بمن يقومون بدفن سكان القرية الذين قضوا على ايدي الكمندوس. قرية بيت قبرو تم قتل كل من وجدوه في القرية، قرية مقرططت التي ورد ذكرها في سيرة الشهيد يوسف الشيخ إبراهيم - الخضر - قتلوا فيها 69 شخصاً في ليلة واحدة وما تبعها من تقتيل فردي لا يعد ولا يحصى، قرية عونا تم قتل أكثر من 700 شخص من الرجال والنساء والأطفال وكان ذلك في وضح النهار، قرية أم بيرمي وشعب وعاسوس ورورا منسع وحرقيقو، حتى المدن لم تسلم ففي مدينة أغوردات قتلوا 380 شخصاً بسبب مقتل عميل واحد على ايدي فدائيي الثورة.
7. القتل بالدين والهوية؟!: نعم كان القتل بالدين والهوية وخاصة من الكمندوس لأن الطور سراويت وتعني القوات الحربية باللغة الأمهرية وهم أثيوبيين خلّص لم يألف شعبنا القتل بالهوية بل كانوا لا يميزون بين أفراد الشعب الارتري في التقتيل، ولكن ماذا عن الكمندوس ؟ أولاً لم تفارق كلمة (دقي حليمة) ألسنتهم وتعني ابن حليمة وابن حليمة هو المسلم فكانوا يتعرضون للمسلم بدون أي سبب لمجرد أنه يلبس الجلابية أو يضع على راسه الطاقية أو يعتمر العمامة خاصة تلك التي بها مربعات والتي كان يستعملها أهلنا في أكلي قوزاي وإليكم هذه القصة المقتبسة من مقالة تحت عنوان مذبحة دسيت.. تعددت الأسماء والفاعل واحد شبّه فيها الكاتب قاتلي اليوم بقاتلي الأمس وذلك بعد تسرب أنباء عن مقتل 150 من الدعاة في منطقة دسيت بمديرية سمهر على يد الأمن الارتري التابع لهقدف فإلى القصة يقول الكاتب نقلاً عن ابن خاله الذي وقعت له الواقعة كنا في طريق عودتنا من مدينة كرن متوجهين إلى أظرح (Axrah) - قرية على مشارف رورا منسع - ما بين المعقوفين هي زيادة من ودعد - فحينما وصلنا إلى قرية فرحين (Ferhein) - قريبة من قرية بسقديرا المشار إليها أعلاه) شعرنا بوجود قوات الكمندوس ولا يمكن الافلات منهم لأننا اصبحنا تحت مرمى نيرانهم فقال لي صاحبي وهو مسيحي من البلين يا عمر هؤلاء الكمندوس سوف لن تسلم منهم فعليك ربط هذا الخيط في عنقك لكي تتشبه بنا النصارى وتسلم فقطع له من الخيط الذي يرمز إلى أن صاحبه نصراني وأبقى لنفسه الخيط الرئيسي الذي به صورة مجسم المسيح المزعومة مصلوبا على الصليب {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ} النساء الآية: 157. فوصلنا إلى حيث الكمندوس وهم يفتشون الطالع والنازل فاستقفونا وقالوا ما أسمك؟ فلان اسم مسيحي ثم سألوا صاحبي وأنت؟ فقال فلان اسمه الحقيقي وهو مسيحي بالفعل ثم قاموا بتفتش محتويات ما نحمل من الزنابيل فوجودا في زنبيل صاحبي طرحة مما يدل على أن صاحبها مسلم فجن جنونهم وأتهموه بالتحايل ثم ساقوه وقتلوه أمام مرأى ومسمع من صاحبه المسلم الذي سلم بسبب حيلة صاحبه الذي قتل بسبب وجود طرحة ضمن أغراضه..) انتهت القصة تصورا كيف كانت الطرحة والعمامة والطاقية سبباً لاتهام وسجن وقتل صاحبها.
هذا غيض من فيض من جرائم تلك الفئة المارقة، بقي أن نعلم أين بقايا الكمندوس الذين سلموا من الموت في حروبهم مع الثوار؟
في العام 1975م بدأت الثورة تقرع أبواب العاصمة اسمرا بعد أن أكملت سيطرتها على كل الريف بحيث اصبح الريف الارتري ومعظم حاميات العدو ضمن المناطق والأراضي المحررة وأنحصر العدو في المدن والمراكز الكبيرة واصبحت بشائر الاستقلال تبدو في الأفق ولم يكن أمام الكمندوس ومن وقف خلفهم وتناغم معهم إلا الالتحاق بالثوار قبل دخولهم العاصمة وملاحقة المجرمين والعملاء كما حدث في (سايقون - فيتنام) يوم دخلتها طلائع الثوار هرب العملاء ومازالوا يسمون لاجئي القوارب مشتتين ما بين بحر الصين والهند دون أن يجدوا من يتعاطف معهم. التحق عدد لا بأس به من الكمندوس بالثورة في نهاية الأعوام التي سبقت العام 1975م حيث تم استقبالهم واستيعابهم في الثورة وقد أبلى البعض منهم بلاءاً حسناً بينما لم يترك جلهم طباعه العدوانية وقد مارسها بعضهم باسم الثورة ضد مواطنين ومقاتلين أما الذين التحقوا بالجبهة الشعبية فقد تم تكليفهم بمهام أمنية ليمارسوا هوايتهم في التعذيب والمعاقبات التي تدربوا عليها وهذا ما دعى كاتب القصة أعلاه والذي عنون لمقالته "مذبحة دسيت.. تغيرت الأسماء والفاعل واحد" لأن معظم المسئولين عن التعذيب والسجن والتقتيل والخطف في نظام هقدف هم ممن كانوا ضمن صفوف الكمندوس .. وهذا ما يجعلهم يتعاملون مع المجتمع الذي يعرف عيوبهم وجرائمهم بهذه القسوة التي نراى، والغريبة على المجتمع الارتري المعروف بطيبته وتسامحه حتى مع الكمندوس الذين لم يطالب بملاحقتهم ومساءلتهم ونبش ماضيهم وفتح ملفاتهم ومحاكمتهم ومساءلتهم عما اغترفت أيديهم الآثمة تجاه شعبهم.
الحديث عن الكمندوس لا تكفيه مقالة واحدة ولكن يحتاج إلى تضافر الجهود من اجل توثيقه لأنه قد اخذ حيزاً في تاريخ الشعب الارتري وثورته التي تكلل نضالها في تقرير مصير الشعب في الاستقلال.
أُمُّةٌ لَا تَعْرِفُ تَاَرِيِخَهَا، لَا تُحْسِنُ صِياغَةُ مُسْتَقْبَلُهَا!