محمود دبروم: الفن هو هبة من الله
أجرى الحوار عبر الهاتف الأستاذ: صالح قاضي ترجمة: فرجت و عدوليس
هذا لقاء أجراه الاستاذ صالح قاضي جوهر، مدير ومحرر موقع عواتى كوم في العام 2009م مع الفنان الانسان محمود جابر دبروم
عبر التلفون، ننشره بالتزامن مع موقع عدوليس بمناسبة حصول لوحة الاستاذ محمود دبروم ”حنين الى الوطن“ على الجائزة الثالثة في مسابقة العربي للفن التشكيلي التي أجريت مؤخرا في بريطانيا، وبمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لذكرى الفاتح من سبتمبر الذي تمثل معظم لوحات الفنان دبروم انسانه وأرضه ونضاله. فالى مضابط اللقاء.
السيد محمو دبروم هو فنان قام برسم أكثر اللوحات شهرة وتأثيرا عن ارتريا، وله مقدرة في استخدام جميع الخامات اللونية، مثل الزيتي، والمائي، والباستيل والفحم والرصاص ويوظفها عبر وسائل مختلفة مثل (الواقعية والسريالية والتكعبية). وسيقوم موقع عواتى بعرض بعض من لوحاته التي تمثل الحياة اليومية والثقافية للشعب الارتري، ولكل المهتمين بالاستثمار في مجال الفنون والصور نشجعهم ا لاتصال بالفنان محمود دبروم عبر بريده الالكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
الفن موهبة من الله:
”قد يولد الطفل في بعض الاحيان في ظروف استثنائية مرتبطة ببيئته وحالته الاجتماعية، كأن يولد في بيت طيني في ليلة كالحة السواد يتشف بصيص ضوء من فانوس في طرف الغرفة على سرير هو عبارة عن مصطبة طينية، أو سرير مصنوع من مجموعة من اخشاب وزعف وأغطية مصنوعة من جلد أو صعف، ويصبح هذا الطفل المولود في قرية لا تعرف الكهرباء أو فنان مبدع. بينما طفل آخر ولد وترعرع في بلد يهتم بالفنون والثقافة والابداع ولكنه يفشل في أن يصبح موهوبا“.
حدثني محمود دبروم أنه ولد في مدينة قندع عام 1938م، مدينة يحيط بها الجمال والخضرة من كل جانب وكانت حاضرة الكثيرين من الشعراء والمغنين. في هذه المدينة الذي لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة آلآف مواطن، بد دبروم الرسم وهو مازال طفلا يافعا.
”أنه كان من المستحيل الحصول على الألوان الزيتية أو المائية أو ألوان الباستيل ما عدا أقلام الرصاص والفحم“.
كانت لديه المقدرة في سم الوجوه وأشكال الحيوانات، وقد أنهش أقانه في المدرسة لمهاراته الفنية وأطلقوا عليه اسم (محمود الرسام).
عندما كان عمره سبعة أو ثمانية أعوام بدأ محمود باستخدام قلم الرصاص في رسم الخطوط والاشكال الهندسية ذات الابعاد الثنائية.
ولكنه لم يقف عند ذلك حيث استمر في التعلم والممارسة وبدء في تظليل الاشكال الهندسية التي يقوم برسمها واعطائها ابعادا ثلاثية.
”كل هذه كانت رسومات اقلام الرصاص ولم أكن أمتلك الاقلام الملونة بعد ولكني تغلبت على المعضلة باستخدام ماجادت به البيئة من حولي، فعندما أرسم الاشجار كنت أقوم بطحن أوراق الاشجار لأحصل على الوان خضراء لاشجاري وللخلفيات الطبيعية لرسوماتي“.
عند دخوله الى الصف الرابع، أكتشف محمود عالم الألوان المائية وألوان الباستيل التي كانت تحضرها منى زميلته في الفصل، كانت منى رحمها الله صديقة ابنة السيد دوف مبعوث الكنيسة الانجيلية. وكان منزل منى وسط حقل الذرة الشامية المجاور لمنزل السيد دوف.
أنتقل محمود دبروم الى أسمرا بعد وفاة والدته، وكان قد سبقها الى الدار الآخرة والده رحمة الله عليهما، فدخل المدرسة الاسلامية الخيرية في أسمرا وكان عمره آنذاك ثلاثة عشرة عاما.
شاهد محمود في أسمرا لوحات زيتية لفنانين ايطاليين معروضة في محلات بيع الهدايا، لم يكن محمود يستطيع شراء الألوان المائية والزيتية حتى يشبع رغبته وهوايته ويرسم لوحات جميلة مثل لوحات الرسامين الايطاليين.
في عام 1957م غادر محمود ارتريا الى المملكة العربية السعودية للالتحاق بأخيه وكان عمره حينذاك سبعة عشرة عاما، وعند وصوله بدأ في حضور دروس ليلية لتعلم اللغة انجليزية.
”خلال الفترة ما بين 1957-1976م لم امارس هوايتي في الرسم، بل انصب اهتمامي في قراءة الكتب والدراسة والتحصيل العلمي حتى أتمكن من الحصول على وظيفة أدارية أو اشرافية، بدلا من الوظائف االكتابية التي كنت أقوم بها“. وهكذا تراجعت الموهبة في دواخله قابعة في اعماقها وهو يمارس وظيفته الكتابية لمدة عشرين عاما!
عاد الى الرسم في عام 1977م عندما كان يعممل في شركة (لوكهيد) للطائرات ”أحدى الزميلات العاملات في الشركة وهي أمريكية الجنسية، قالت لي عندما ىرأت رسوم لي على قطعة في ورق في المكتب - يمكنك رسم ذلك بصورة جيدة وانت جالس على كرسي مكتبك لمدة ثمانية ساعات كل يوم“.
لتيقظ في محمود موهبته النائمة بداخله وتشعره بأنه فنان موهوب ”في الحال ذهبت الى محل بيع مستلزمات الرسم، وأشتريت جميع احتياجاتي وكل المواد الفنية اللازمة وولدت اللوحة الأولى!“.
بعدها التحق محمود ”التحقت بجمعية الفنون الجميلة في جدة وكان معظم عضويتها من المغتربين من الامريكان، والفرنسين والايطاليين والبريطانين والعرب، واشتركت في جميع المعارض التي اقامتها الجمعية . وبدأت في قراءة المجلات الفصلية المتخصصة في الفنون مثل (ذي امريكان آرتيست)، ومجلة (ذي آرتيست) البريطانية، وبدأت في تعلم الاساليب والتقنيات المختلفة“.
سألت محمود اذا كان لديه اي تدريب تقني ؟
”أنا لم أتلقى أى تدريب فني من قبل معلم رسم بل علمت نفسي“.
وسألته عما اذا كان زار اى متحف ؟
”خلال رحلاتي المختلفة زرت المتاحف والمعارض الفنية في كل من ايطاليا، ألمانيا، مصر والولايات المتحدة الامريكية، وقد تعرفت خلالها على كثير من أعمال الرسامين المعاصرين وعمالقة هذا الفن في التأريخ“.
شارك محمود فيما لا يقل محمود فيما لا يقل عن 21 معرضا بشكل جماعي أو فردي في جدة، وحاز على الجائزة الاولى لمسابقة الخطوط الجوية السعودية الفنية عامى 1993م و1994م و ”تم نشر بعض لوحاتي في التقويم السنوي ضمن 12 عملا من أفضل الاعمال المختارة من مجموع 350 لوحة اشتركت في المسابقة تقدم بها 240 فنانا من مختلف الجنسيات“.
أكثر من مائة لوحة من لوحات محمود دبروم تم اقتناؤها من قبل أشهر المعارض الفنية في جدة معرض عبد الرؤوف خليل ”العديد من لوحاتي تعبر عن الثقافة الارترية. وقد انتشرت في ارتريا والشرق الاوسط وأروبا والولايات المتحدة مند 1980م“.
سألته عن اسلوبه المفضل ؟
”ألكل! فأنا أرسم في أنماط مختلفة مثل السريالية والتكعيبية، يشد انتباهي المباني القديمة والكثير من الصور الثقافية“.
وأستمر في سؤالي - هل الفنانين أكثر أنسانية من الآخرين ؟
”لآ أدري يمكنني الحديث عن نفسي فقط . الانسان يعني الكثير بالنسة لي بغض النظر عن العرق واللون أو المعتقد وهذا الخليط هو أجمل ما في كوكبنا، بالضبط مثل اية لوحة فنية، ان لم تتقاطع فيها لمسات الفرش والألوان فانها لاتعطي اية احساس بالجمال. فأنا وانت وكل هؤلاء الناس نمثل العنصر الاكثر جمالا في عالمنا“.
الاحظ انه يستحدم لغة شاعرية وأسأله عما اذا كان شاعرا ؟
”الفن ليس مجرد قطعة قماش ملونة، أو قصيدة على الورق، أو شخوص تتحرك على المسرح، أو كتب على الرفوف، بل هي خليط من المشاعر والعواطف داخل الفنان وداخل كل فرد فينا كبشر“.
كأحد الذين غادروا ارتريا منذ عقود بعيدة، عن شخص غادروا إريتريا منذ عقود، تصويره من الإريتريين غير اعتيادي: مثير للإعجاب في تفاصيله.
كيف يمكن أن يفعل ذلك ؟
”نعم، سنوات طويلة وأميال طويلة جدا، بعيدا عن وطني الحبيب... وبعيدا عن الوجوه الطيبة البريئة من ابناء شعبي. أجد متعة كبيرة عند تصوير حياتهم اليومية في لوحاتي. الشعب والثقافة الارترية هما نقش لذكرى مقدسة بداخل قلبي، هم ايقوناتي واللالئ التي تزين لوحاتي“.