نال عدة جوائز وترجمت رواياته إلى الإنجليزية حجي جابر: أكتب عن إرتيريا لأبقى مرتبطاً بوطني

حاوره الأستاذ: أحمد اللاوندي  المصدر: مجلة الشارقة الثقافية

ولد الروائي الإرتيري حجي جابر، بمدينة مصوع الساحلية عام (1976م)، وانتقل مع أسرته إلى جدة بالسعودية،

سمراويت ومرسى فاطمة ولعبة المغزل ورغوة سوداء ورامبو الحبشي

حيث حصل على بكالوريوس علوم الاتصال، وعمل مراسلاً لبعض الفضائيات الأوروبية، ويعمل حالياً بالصحافة. صدرت له من قبل روايات (سمراويت 2012م)، (مرسى فاطمة 2013م)، (لعبة المغزل 2015م)، (رغوة سوداء 2018م)، (رامبو الحبشي 2021م). ترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والإيطالية، وحصل على عدة جوائز عربية وأجنبية.

إلى أي مدى أفادك عملك كصحافي في كتابة الرواية؟

الصحافة خدمتني، خاصة في ما يتعلق بطرق البحث والتحضير للأعمال، التي تحوي أماكن لم أستطع زيارتها. وكثيراً ما قلت إني غالباً ما أكتب عن المكان من خارجه، وهذا مرهق ومتعذر، لولا المهارات التي قدمتها لي. وفي المقابل؛ أحاول ألا تتسلل لغتها إلى كتابتي الروائية، وتطغى على لغة الأدب.

اتجاهك إلى الرواية؛ هل كان مصادفة، ولماذا الرواية بعينها؟

حدث الأمر بالمصادفة، حين زرت إرتيريا للمرة الأولى، فاحتشدت بمشاعر متضاربة، لم أجد بدّاً من التعبير عنها عبر الكتابة الروائية، أما لِمَ الرواية؟ فقد اعتدتُ، أن تكون لديّ إجابة مختلفة في كل مرة يقابلني هذا السؤال، لأنّ هناك بالفعل أسباباً جمة تدفعني لكتابة الرواية، وهي في حالة تناسل دائم إلى ما لا نهاية. الكتابة تحدث لسبب أو لآخر، لكن المهم أنها تحدث في نهاية المطاف. وهذا الفعل بالمناسبة سابق على تبريره، فنحن نكتب ثم نجتهد؛ لنعرف لماذا يحدث ذلك. اكتشفتُ أنني أكتب أحياناً كي أرمّم داخلي، وأسند هشاشة تدهمني بين الحين والآخر، وكي أنتقم من الخيبات؛ تلك التي تلتصق بجدران الروح كوشم عتيق.. ولأترك أيضاً أثراً وأجد إجابات عن أسئلة عالقة.

أكتب لأني مهجوس بفكرة الإضاءة على بلدي إرتيريا، الناس والأشياء والشجر وحجارة الطريق. هذا هو مشروعي الذي اخترته من البداية، ولاأزال أسير على دربه. صحيح أن الأفكار تتنوّع وطريقة الاشتغال مختلفة في كل مرة، غير أنّ الوجهة واحدة. إذاً؛ أنا أكتب إرتيريا، التي أعرف وتلك التي أجهلها. أكتب حبي لها، وما جرى ويجري، وما أظنه سيجري، أكتب؛ ما أعرف تماماً أنه لن يحدث على الإطلاق. وأكتب لأني تعرّفت من خلال الكتابة إلى قيمة أن تكون كاتباً؛ أن تخلق عالماً موازياً تكون فيه أنت مالك القرار، البدء والرحلة والمآلات. المتحكّم في المصائر والمشاعر، والعارف بها والمسيّر لارتداداتها. هذه الإمكانية بالغة الاستحالة في الحياة، تمنح الكاتب اطمئناناً ما، وكأنه يُجرّب الحياة للمرة الثانية. تجعله أكثر استبصاراً بما سيحدث بشكل أو بآخر.

لهذا؛ وبقدر معين، يفرح الكاتب بإنجاز نصه، يتسلّل إليه حزن ما، لأنه سيفارق عالمه الموازي ويعود ليواجه الحياة بالعزلة التي كان عليها.

من المعروف عنك أنك تقرأ أكثر مما تكتب.. فلمن قرأ حَجي جابر؟

قراءاتي مبعثرة؛ لكن بوعي! أنا مسكون بشعور التأخر، فلا أستطيع أن أكون مثل من تأسسوا على القراءة، كوني تعلمت القراءة والكتابة متأخراً. تأتي قراءاتي بشكل أفقي، وأحاول الإحاطة بأكثر الأشكال الروائية، بالأدوات أكثر من اللغة. أشعر بأنّ السرد هو ابن المعنى وليس اللغة، فهاجسي الدائم كيف تكتب الرواية بأكثر من طريقة، وكيف تكتب بطريقة أفضل أو أحدث، وهكذا.. كلما تعثرت بكاتب جيد حاولت الاستمرار في قراءته، فإما يحدث الاستمرار، أو أكتفي بعمله الجيد الأول، وأغادر إلى غيره. بهذه الطريقة؛ لديّ أعمال جيدة أكثر من كتّاب جيدين، دون إغفال مجموعة مبهرة لا أستطيع تجاوزها، كجوزيه ساراماغو، وإميلي نوثومب، وأغوتا كريستوف، وإدواردو غاليانو.

لو رجع بك الزمن إلى الوراء؛ ستكتب روايتك الأولى بهذه الطريقة أم بشكل آخر؟

كتبت روايتي الأولى (سمراويت) دون وعي بالأدوات التي أملكها. يمكن القول؛ عرفت أدواتي، بل اكتشفتها عبر خوض التجربة. الآن؛ أدرك أن (سمراويت) أفصحت عن عميق علاقتي بالسرد، وهي علاقة لم يتم الانتباه لها من قبلي أو من قبل الآخرين. ومع هذا، ومثل كثيرين في علاقتهم بالعمل الأول؛ أتمنى لو أني أستطيع إعادة كتابتها، وتجويد بعض الأمور فيها.. فبقدر ما يكون العمل الأول صادقاً؛ تكون ثغراته أكثر وضوحاً.

حصلت على العديد من الجوائز المهمة، وترجمت رواياتك إلى عدة لغات.. تُرى؛ أيهما يحدد جودة العمل؛ القارئ أم الجوائز؟

الجوائز تجلب الضوء، وتلفت انتباه القراء، وتُعلي من شأن الكتابة. الوفرة في الإنتاج ستخلق مساحة اصطفاء وانتقاء وفلترة أكبر. صحيح أن رؤية كثير من الأعمال الرديئة أمر مزعج، لكن؛ لن يصمد إلا الكتاب الجيد والكاتب الحقيقي، والقارئ وحده هو الحكم بهذه المسألة. وفي رأيي؛ الإشكال حقيقةً ليس في الجوائز، بقدر كونها وسيلة الاعتراف والتقدير الوحيدة عربياً، في ظلّ غياب أو ضعف تأثير المكتبات الكبرى، وأقسام الأدب بالجامعات، والملاحق الثقافية، والنقاد أصحاب الصوت المسموع. جميع ما سبق كان يمكن أن يزاحم الجوائز في منح التقدير والاعتراف.

وطنك هو إرتيريا، ولم تعش فيه طويلاً، لكنه حاضر بقوة في جميع رواياتك. قرِّبنا من هذه الأجواء؟

كتبتُ الرواية كي أتعرّف إلى إرتيريا، وأتعمّق فيها، وأتشرّبها، وليس العكس. امتداد مسيرتي الروائية يعني الغوص أكثر في إرتيريا.. بالكتابة عن إرتيريا أنا أتورّط فيها أكثر. هل يحدث هذا لأني أكتب عن المكان من خارجه؟ أم هو الاحتياج لإبقاء خيط يربطني بالوطن الغائب؟ أو هو أمر ثالث لا أعرفه؟ أيّاً يكن الأمر، ما أنا على يقين منه، أن الكتابة عن إرتيريا مشروع أكثر منه حالة تتلبسني لبعض الوقت، قبل أن تزول إلى الأبد.

ماذا عن الأدب في إريتريا، ومن هم أهم الأدباء هناك؟

الأدب الإرتيري تأخر انتشاره لظروف كثيرة. ما أقوم به رفقة بقية الكتاب هو محاولة إعادته إلى مساره من جديد، أسوة بما فعل الأدباء الأوائل. الجيد بالأمر؛ أننا نشهد هذه الأيام توالي الإصدارات الأدبية، وهو أمر يُبشر بمستقبل منتظر. هناك أسماء معروفة، منهم: أحمد عمر شيخ وأبوبكر كهال وحنان محمد صالح ومحمد حسان وهاشم محمود.

لو قلت لك إنك محظوظ فبأي شيء من وجهة نظرك؟

أجد نفسي محظوظاً، وهذا أمر أردده بشكل دائم. والأمر لا يتعلق ابتداء بفكرة الجوائز أو الانتشار، بل بالاهتداء لعالم الكتابة من الأساس، هذا العالم الذي غيّر حياتي ولايزال. بالكتابة؛ أدركت الكثير وقطعت أشواطاً صوب نفسي، وتصالحت مع المنغصات وابتهجت بالعادي والفاتر من التفاصيل. لولا الكتابة لكنت خالياً من ذلك.. لذا؛ هذا الجانب من حياتي هو حظي العميم.

Top
X

Right Click

No Right Click