الفن سلاح للبناء أو الدمار الأخلاقي والقيمي
بقلم البروفيسور الدكتور: جلال الدين محمد صالح
الفن سلاح ذو حدين إما أن يوظف للبناء الأخلاقي والقيمي، وإما للإنحلال والدمار، وما لم يوجه الفن توجيها راشدا استغل
في تمجيد الفساد وتزيينه، وأصبح طريقا إلى الغواية والضلالة، نحن في حاجة إلى توجيه الفن نحو البناء الأخلاقي مؤسسا على قيمنا وتراث أجدادنا التي يراد له أن تكون على خلاف ما كانت عليه.
أسرة (رحيب) رأت أن تجري حوارا مع الفنان الثائر المناضل حسين محمد علي بوصفه واحدا من الذين ابدعوا في توظيف الفن للدفاع عن كرامة الإنسان الإرتري وحريته، فإلى مضابط الحوار.
الفنان حسين محمد علي أين ولد ؟ وأين عاش حياة الطفولة ؟
ولدت في مدينة (جندع) الجميلة المعروفة بجمالها ووديانها وسهولها الخضراء، مدينة ذات طبيعة خلابه وطقس معتدل. معظم فنانين التجري وفنانين تشكيليين نبعوا منها. غادرتها في سن مبكر مع عمتي رحمها الله الى مدينة (عدردي) الحبيبة حيث عشت فيها طفولتي وقرأت فيها القرآن في خلاوي قرأنية بالليل تحت السماء الهادئ ونور القمر الساطع.
وتعلمت اللغة العربية في أول مدرسة ابتدائية افتتحت فيها تعلمت من كتاب الاطفال (كريت مالها أبت الرجوع الى البيت) (وأنا أبيت).
ما الحالة الاجتماعية لحسين ؟
رب أسرة تتكون من أربعة أفراد، اثنان من الذكور واثنان من الإناث وراضي لما قسم الله لي من حياة بسيطة وسعيدة والحدالله.
كيف اكتشف حسين محمد علي قدراته الفنية ؟
اكتشفت قدراتي الفنية منذ الصغر حيث كنت أحب الأناشيد والمديح النبوي الشريف، ووجدت القبول ممن استمع إلى صوتي وأدائي في تلك الفترة المبكرة من حياتي وتنقلاتي من بركة إلى سمهر، واحتكاكي بمختلف الفئات الإرترية شرقا وغربا، واستماعي الى كبار السن عن بطولاتهم وأناشيدهم البطولية أثراني الكثير الكثير لمعرفة التراث وسردهم للعادات والنضالات النابعة من بيئتهم وعقيدتهم، حيث كان دقيقا ومعبرا ومؤثرا.
ما هي أول مرة ظهر فيها حسين على منصة الفن الغنائي وكيف كان شعوره ؟
عشت في العاصمة أسمرا فترة ليست ببسيطة من حياتي، اصطدمت بالحضارة والفروقات الشاسعة بين ما عشته وشاهدته في العاصمة، لم استطع مواصلة ما جئت من أجله، تأثرت بالحياة المدنية وأصبحت تائها وقررت أن لا أعود من حيث أتيت وواصلت لمواجهة حياة جديدة ومختلفة تماما لما أعرف، بل غطست في أسمرا الجميلة بفنونها وحيويتها، والتحقت بـ(فرقة أسمرا الفتية للتراث والفنون) علما بأن أهلى وكل أقاربي رفضوا فكرة الغناء ولم يوافقوا جميعهم، هنا أذكر نصيحة خالي (الامين) حيث قال: (الفنان كالشمعة) أي أن الشمعة تحترق بذاتها وتنير للآخرين، ليتني أخذت بنصيحته.
أعود الي سؤالك أول ظهوري كفنان كان من على منصة (سينما أوديون) مع فرقة أسمرا للتراث، وكان شعوري بالسعادة لا أستطيع وصفه حينها، وهذا كان قدري ونصيبي في الدنيا والحمد لله.
من هم أبرز الفنانين الإرتريين الذين تأثر بهم حسين في حياته الفنية ؟
تاثرت في بدايات حياتي بالمديح كما ذكرت سابقا، ولكن بعد ما التحقت بفرقة التراث تغيرت الأحوال، كنت أستمع أغاني للأستاذ (ود أمير) وأغاني الاستاذ (الامين) وأغاني الجبهة في بركة مثل:-
جـلا جـلالـو وداي ربي وحـمـبـري
رومـاي لـربـي نـسأيـو
وايـقـتـلـو بـيـت عـركـى
أيـا إديـتـا لاءكـا قُـتٌـل مـحـمـد سـعـيـد شـمـسـي
جـبـهـة لـسـلـبـت ايـمـانـا لـمـويـات ايـتـودي
هل أغاني حسين كلها من نظمه ؟ وما هي أول قصيدة نظمها بالتجري وغناها ؟
كل الاغاني التي غنيتها في إرتريا من كلماتي وتلحيني وكلها كانت محاولات ابتدائية ولم تكن على المستوى المطلوب وقدراتي الغنائية كانت محدودة مقارنة بمن سبقوني في المجال الغنائي، ومع هذا كان لدي عدد كبير من المشجعين وأحسست أن لغة التجري بحاجة إلى مبدعين جدد لأن عدد الفنانين حينها كان قليلاً في العاصمة مقارنة مع فنانين بلغة التجرينيا، هذا اثار لدي شعورا ً بالمسئولية من أجل إظهار تراث التجري على مستواه المطلوب وابراز أغنية التجري وتراثها بكل ما أملك علما بأن هناك كان الفنان الاستاذ (الأمين) والفنان (جابر محمود) يلعبون دورا مشرفا في فرقة التراث في اسمرا، وأول أغنية غنيتها كانت من كلماتي وتلحيني وعنوانها (نورا) (إرتريا).
نـورا بـديـت مـنـي يـهـو أتـحـا ذونـي
ردؤونـي ردؤونـي نـورا بـديـت اتـحـا ذونـي
وكانت لها دلالاتها السياسية حينها، وآخر أغنية غنيتها قبل التحاقي بالثورة الإرترية كانت من كلماتي وتلحيني وعنوانها (عجى).
سـفـالـلـكـو عـجـى افـقـدكـونـي
مـوداي كـفـو هـلا ولاد اتـهـاجـكـونى
وقلت فيها الآتى:-
حـنـا أدحـد إنـجـلـف وعـدنـا تـنـطـواطـل
إسـكـه حـسبـوا ديـبـو وهـبـوا ديـبـو مكر... (من كلماتي وتلحينى).
هل أغاني حسين كلها من نظمه ؟ وما هي أول قصيدة نظمها بالتجري وغناها ؟
بعد التحاقي بالثورة قابلت الاخ المناضل (إبراهيم توتيل) والأخت المناضلة (آمنة ملكين) في كسلا وأصروا علينا الالتحاق بجبهة التحرير الإرترية والذهاب الى الميدان حيث المكان الطبيعى مع فرقة الجبهة وأن ألعب دوري الوطني في الميدان.
فقابلت هناك المناضل (رمضان قبري) رحمه الله وأعطانى قصيدتين في آن واحد، وهذه أول مرة استعملت فيها قصائد من الآخرين - وعنوانها كالاتي:-
إرتـريـا سـمـعـكـومـوا فـالا مـدر ثـورة قـنـدل هـلا أبـطـالا
جـلاب عـبـاي إرتريـا عاصمـتـا أسـمـرا
إمـي تـعـلـل وتـدحـر فـارحـت هـلـت مـن لـبـا
كلمات (رمضان قبرى) تلحين وأداء (حسين محمد على)
من هم شعراء التجري الذين غنى لهم حسين ؟
غنيت للشاعر والمناضل رمضان قبرى بالتجرى لا غير.
هل حدث أن تغنى حسين بشعر ود أمير ؟ وإذا لم يتغن فلماذا ؟
غنيت أغنية واحدة للفنان (ود أمير) ولم أوفق فيها؛ لأننى لا أتقن التقليد.
غنيت للاستاذ (الامين عبد اللطيف) سابقا.
ما علاقة حسين محمد علي بالفنان الأمين عبد اللطيف ؟
كل شيء، حيث العلاقة الوطيدة، والقرابة، الفن، والصداقة، وأيضا هو فنانى المفضل في الساحة الفنية، إضافة إلى الفنان (ود أمير)، و(إدريس)، و(عثمان) و(أبرار)، و(أتوبرهان)، و(يمانى).
الفن في نظر حسين محمد علي موهبة أم اكتساب ؟
الفن بالنسبه لى موهبه ورسالة وإبداع وعطاء، وتراث قوميتى.
حسين محمد علي باعتباره فنانا ما هي الرسالة التي يحملها ؟
رسالتى منذ بداية مشواري الفنى كانت من إجل إحياء تراث التجري وإرسائه مع بقية الفنانين إضافة إلى مواكبة العصر.
إما رسالتي اليوم رفع الظلم عن شعبنا، وإرساء الحرية، والعدالة، في أرض إرتريا، والدفاع عن حقوق الإنسان الإرتري المضطهد، وإسماع معاناته للعالم كله إن استطعت حتى يتحقق حلمه في العيش الكريم والأمن والرفاه.
ما مقاييس الفن الراقي من الفن الهابط في نظر حسين محمد علي ؟
الفن الراقي هو الفن المحافظ على التراث الشعبي والأغاني الجيدة التي لها أثر كبير في سرد البطولات والفروسيات الجهادية؛ لغرسها في أذهان الأجيال الناشئة وأغاني الجمال الطبيعية، والذات البشرية، وحب الإنسانية والمحافظةعلى العادات والتقاليد الأصيلة ونبذ السيء والضار منها للحفاظ دائما على الوجه الجميل والتراث الجميل؛ لأن الله جميل ويحب الجمال، والفن الهابط هو مايتنافى مع العادات والتقاليد والعقائد والاخلاق الحميدة.
ماذا يمكن أن يقول حسين محمد علي إذا ما سئل هل أنت فنان التجري ؟
نعم اعتبر نفسي أحدا منهم وإن كنت لست أفضلهم وأيضا غنيت باللغة العربية والتجرينية فليلا مقارنة باغنياتي بلغة التجرى.
ما الذي تمثله لغة التجري بالنسبة للفنان حسين محمد علي ؟
لغة التجري هويتي تميزني بين الشعوب، واللغات الاخرى، وهي القومية التي انتمى اليها، بل هي التي ولدت وعشت فيها، هي تراثي وغنائي وفني وهي أمي ووطني.
ماذا يمكن أن يقول حسين إذا ما سئل إلى أي حد يجد فنان التجري بشكل عام وحسين بشكل خاص جهده الفني مقدرا لدى جماهير التجري ؟
كلما ارتقى الفنان والفن الى مستوى الشعب وطموحاتهم وأحلامهم، كلما وجد الفنان الحب والتقدير، أرجو أن اكون واحداً منهم.
أما بالنسبة في هذه المرحلة وتحديدا شعراء وفنانين التجرى تحديدا ابداعاتهم ليست على الوجه المطلوب حيث تخلوا عن الشعب الذي تغنوا له في عهد الثورة وأصبحوا أداة لفئة فاسدة في إرتريا من أجل إسعادهم بالرقص والغناء على حساب معاناة شعبهم، الله غالب على امره.. فنان اليوم في واد والشعب في واد آخر، مثل الطير الذي يطير خارج سربه.
أغنية (من تتهاجي أفوك إنلجم) ما الجديد الذي أتت به ؟ وهل هي من نظم حسين ؟
(الصمت) من كلمات وتلحين حسين محمد علي
هي كلمة حق عند سلطان جائر، والصمت على الظلم جريمة، والحق يعلو ولا يعلى عليه.
لقد دعا حسين في أغنيته هذه إلى سيادة القانون (فتح) وإلى الشورى (متمقارح) ما الذي تمثله هذه المعاني في رسالة الفنان حسين ؟
دولة القانون هي التي تحقق العدالة ومن ثم ينتعش الابداع في ظل الحريات والانفتاح واتمنى بالشورى مشاركة الجميع في نظام الحكم.
في تقدير الفنان حسين هل أغنية التجري في هبوط وتدني أم في رقي وتطور إيجابي ؟
أغنية التجرى كتراث وكثرة الفنانين أحسن حالا من السابق، ولكن رسالة أشك في ذلك.
إذا كان الفن تعبيرا عن أحاسيس الفنان ومشاعره الداخلية كيف يجد حسين أحاسيسه الفنية وهو في ديار الغربة بعيدا عن موطنه ؟
الغربة مُرة، واللجوء أمر.. (والغريب عن وطنو مهما طال غيابو مصيرو تاني يرجع لأهلو واحبابو) (أغنية سودانية)
خرجت من وطني وإحساسي كان أن أرجع فيه ثانية منتصرا، ولكن شاءت الأقدار حيث تاتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.
كُثيرون مثلي خرجوا لكي يعودوا، وناضلوا، وزرعوا، ولكن لم يعودوا واليوم كلنا أصبحنا لاجئين خارج الوطن، وأصبح المواطنون غرباء عن وطنهم. لذا لا زال إحساسى بالعودة قائما، ويعود الحق لأهله، وما يأتي ذلك إلا بالعمل والجهد والوحدة، ولكل مجتهد نصيب.
ما الذي يراه حسين ضروريا للإرتقاء بأغنية التجري إلى أفضل وأجود مما حققته ؟
هذا ليس دور الفنان لوحده، مطلوب مشاركة الجميع، وبالذات المثقفين منهم ومشاركة الجماهير في تشجيع الفن والفنانين، وأن لا نترك تراثنا لغيرنا، هذا ما أراه ضروريا حالياً.
(الواقع السياسي دكتاتوريا كان أم شوريا له أثره المباشر على أداء الفنان).
هل يتفق حسين محمد علي مع هذه المقولة ؟ وكيف يبرهن على رأيه في حالة الموافقة أو عدم الموافقة ؟
نعم الواقع السياسي له تأثيره في كلتا الحالتين على الفنان، ولكن الفنان المؤهل والمبدع يستطيع مواكبة الوضع والتعامل معه بلغته المناسبة.
ماذا في جعبة حسين من جديد في إبداعاته الغنائية يمكن أن يبشر به جمهوره والمعجبين بأدائه الغنائي ؟
في جعبتي الكثير الكثير اسعفني الاستاذ المناضل (عمر جابر) باناشيد عربية وأنا الآن في مرحلة بروفات وتجهيزات، وكذلك عندى أغاني تجرى جديدة قادمة ان شا الله عما قريب.
في الختام شكرا لك حسين ولك كل التقدير والإكبار.