حوار مع الكاتب والمناضل محمد سعيد ناود
حاوره الأستاذ: محمد طه منصور المصدر: ارتريا الحبيبة
جمعتني الظروف في مدينة بورتسودان بالكاتب والمناضل الارتري السوداني محمد سعيد ناود كان ذلك في بدايات العام 2010م حينما
كنت راجعا من السودان بسيارتي عن طريق ميناء الوطن بورتسودان. كنت اجلس في احدي شرفات فندق بورتسودان بلس ذلك الفندق العتيق الذي يتوسط سوق مدينة بورتسودان، لم اكن اعرفه من قبل اقترب مني الرجل كثيرا وحدثني بلغه لم افهمها ولم اكن افهمها في ذلك الوقت فرددت عليه باللغة العامية السودانية ففاجاني هو بسؤاله لي انت من وين يازول؟ انت مش ارتري؟ قلت له لا.... ياليتني كنت ارتري تفحصني الرجل جيدا ونظر الي اكثرمن مره ثم قال لي، انت اشبه بالارتريين والاكثر من ذلك عجبا اني سمعت هاتفك الجوال تصدرمنه نغمة اتصال بلغة ارترية وبالفعل كنت قد انزلت احدى اغنيات الفنان ود تكابه (قيرمنالو) تعجب الرجل كثيرا عندما ذكرت له انني سوداني المولد ارتري الحب والهوى.
جلسنا انا والاستاذ/ محمد وعرفني الرجل تعريفا ضافيا عن نفسه وقال لي ان كنت انت تحب وتعشق اترا فان احب واموت هوى وعشقا في السودان، وتبادلنا الحديث وجلس الرجل يحكي لي عن قصة كفاح الشعب الارتري ونضاله ضد الهيمنة والاستعمار وحكي لي عن الحريه وكيف كانت صعيبة المنال وان الشعب الارتري بذل الغالي والنفيس وبذل الروح والدم حتى تحققت احلامه ونال الحرية...وحكى الرجل لى عن عظمةالشعب السوداني ووقفته القوية مع الشعب الارتري حتي تحقق الحلم الجميل... واستمرالحديث بيننا حتي سالني الرجل سؤال مفاجئ:
ماذا تعرف عن مصوع؟
قلت له اعرف الكثير ايها الرجل، وفاجاته انت تقصد مصوع ام باضع ام مسو؟ وهنا اندهش الرجل لمعرفتي ثلاثة اسماء لمدينة مصوع واشار لي بان واصل حديثك فبدات حكايتي وسردت له تاريخ مصوع فقلت:-
مصوع او باضع او مسوا مدينة ساحلية تقع علي سواحل البحر الاحمر بساحل يمتد لاكثر من الف كيلو متر تقريبا خضعت هذه المدينة لاستعمار العديد من الدول منها تركيا وبريطانيا وايطاليا واخيرا اثيوبيا التي نالت استغلالها عنها في العام ا1991م. وعلى حد علمي يبلغ عدد سكانها 50.000 نسمة وانا لست دقيقا في هذه المعلومة لانني اعتمد علي آ خراحصائية للسكان كانت في العام 2004م ومعظم سكانها يتحدثون العديد من اللغات منهاالتجري والتغرينا واالعفر والسهو والعربية ويعود معظم السكان الي اصول عربية فقد كانت باضع هي عاصمة الدولة ابان الاستعمار الايطالي الى ان تم تحويلها فيما بعدالي اسمرا، وعلي حد علمي فان كلمة باضع في كتب التاريخ تعني (الميناء الاول) وهي البلد التي شهدت اول هجرة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج الديارالمقدسة بل ان باضع كانت قديما مهبط اول بعثة اسلامية خارج البلاد والتي دخل الدينالاسلامي من خلالها، ويقال ان مصوع سميت كذلك باسم قاضيها الاول السيد/ محمد مسو او المساوي صاحب المسجد الشهير الموجود حتي تاريخنا هذا ويقال ان كلمة مصوع بالصاد والعين تحريف لذلك الاسم (مسو) بتشديد الواو.
ظلت شواطي ارتريا وبالاخص مدينة مصوع مطمعا الغزاة والمحتلين في اقدم الحقب وخصوصا ملوك اثيوبيا القدامى الذين سعو الى الاحتلال والهيمنة وخصوصا الملك السابق داويت الذي اغار علي الساحل الارتري واغار على العديد من المدن والقرى مدينة ا زولا ومصوع وحرقيقو ونهبوا العديد من الاغنام والابل وفتحت المتاجر ونهبت بالكامل وفي ذلك الحين تم تحويل مسجد مصوعا لى كنيسة لمصلحة الجنود البرتغاليين الي ان جاء الاحتلال العثماني لتخليص مصوع من الاحتلال البرتقالي واحتلت السلطات العثمانية شواطيء البحر الاحمر كله بما فيها مصوع ومدينة سواكن التاريخية في شرق السودان وقد نصب الاحتلال العثماني امير مصوع اميرا علي المنطقة التي تمتد من البحر الاحمر الي تجراي من ناحية العرض ومن ومن باب المندب الى مدينة سواكن في شرق السودان طولا ولقد ظلت مصوع عرضة للعديد من المحتلين مرورا بالاتراك حتي عهد الخديوي المستشرق السويسري الاصل موسنجر وحتي جاء الاستعمار الاثيوبي الذي دام حتى الاشهر الاولي من العام 1991م وبرزت للتاريخ معركة فنقل التي استمرت من 8 حتي 12 فبراير من العام ل1990م حيث تمكن الجيش الشعبي الارتري من تحرير درة البحر الاحمر او هكذا دائما وابدا يحلو لي تسميتها... واخيرا تمكن ابطالنا الاشاوس من تحرير مصوع التي كانت بداية النهاية لخروج الاستعمار الاثيوبي الذي احرق الاخضر واليابس فيها قبل خروجه ولازالت العديد من آثار الدمار تقف شاهدة عيان لما فعله الاستعمار البغيض حيث رايت ذلك بام عيني علي جدران المدينة القديمة وعندالمسجد العتيق وناحية الميناء والاماكن القريبة من فندق البحر الاحمر حيث كنت اقيم هناك اثناء زيارتي الاولي لمدينة باضع او مصوع او ميسو في العام 1995م.
كانت مصوع القصبة التي قصمت ظهر البعير لنظام العقيد البائس منقستوهيلامريام الذي اضطر للاعتراف باستقلال ارتريا مكرها ومن بعده عملائه السوفيتالذين ولو مدبرين وانتهت بهم الدنيا الي زوال.
كنت احدث صديقي الكاتب والمناضل محمد سعيد ناود عن مصوع وكان ينظر لي بدهشة متناهية وهو يسمتع الى. ذكرت له المعلومة التي تقول ان مينة مصوع كانت من القدم المدن التجارية عبر التاريخ القديم ولقد عرف اهل مصوع البحر وخبروه واختلطوابالعديد من الاجناس من جميع اصقاع الدنيا..فلقد كانت مدينة مصوع عاصمة التجارةالاولي في شرق افريقيا والبحر الاحمر والقرن الافريقي بصفة عامة وفي كتب التاريخ كانت تسمى بلاد بونت وهي الجهة التي كانت تقع في القرن الافريقي وتشمل مصوع وسواكن وعدن وبلاد الصومال القديمة وجيبوتي التي كانت تسمى الصومال الفرنسي كانت مصوع عاصمة المنطقة كلها وعاصمة التجاره ياتي لها التجار من بلادالهند وتركمانستان والخليج العربي يجلبون لها البضائع وياخذون منها البخور والحريرالطبيعي والصناعي فقد كانت ارض الحضارات ولقد تمكن العلامة السوداني البروفسيورعبد الله الطيب عليه رحمة الله ان يثبت ان هجرة النبي الاولى عليه افضل الصلاة والسلام كانت قد تمت لبلاد الحبشة وقديما كانت المنطقة التي تقع بين مقرن النيلين في الخرطوم وسواكن وامتدادها حتي باضع كانت تسمى بلاد الحبشة وان الرسول عليه الصلاة و السلام عندما قابل النجاشي ملك الحبشة قابله في مدينة باضع التي كانت تحت الاحتلال الاثيوبي آنذاك.. انا لست دقيقا في هذه المعلومة تحديدا لانني لا املك اي مستند او مرجع لها ولكننى سمعتها علي لسان العلامة البروفسيور عبد الله الطيب في احدى ندواته في التلفزيون السوداني واعتقدت بصحتها لما للبروفسيور المرحوم من مصداقية فهو رجل باحث وعالم جليل.
كنت احدث صديقي الكاتب والمناضل الارتري الشهير محمد سعيد ناود عليه رحمة الله وقد اغرورقت عيناه بالدموع وقام واحتضنني وهو يبكي ويقول لي نعم يااخي الحبيب انت فعلا ارتري الحب والعشق والهوى وماتملكه من معلومات وسرد تاريخي عن مصوع، اظن ان معظم الارترييين لا يملكوه، عانقني الرجل وبكى كثيرا وودعته وانا انظر الى ساعتي فقد جاءت لحظة الرحيل فركبت سيارتي واتجهت صوب ميناء سواكن وفي قلبي دمعة لم اتمكن من مسحها بيدي فقد كنت احدث الرجل وقلبي يهتف حبا لارتريا الحبيبة ولم تنزل دمعة من اعيني مره اخري الى ان جاءني الخبر المهول وعلمت ان صديقي الشهيد البطل المناضل محمد سعيد ناود قد توفي في اكتوبر من نفس العام 2010 فنزلت دمعة ساخنة على خدي وكان ذلك آخر عهدي بالدموع.
اخوتى الاحباء:
عفوا لاننى سردت لكم حكايتي مع اخي وصديقي المناضل محمد سعيد ناود ومع معشوقتي ارتريا وحبيبتي ميسو او مصوع او باضع او كما يحلو لكم تسميتها... اقول لكم عفوا لعدم الترتيب في افكاري وفي التقديم والتاخير وربما اخطاء اللغة، فانا اكتب بعفوية كاملة ومن سويداء فؤادي دون النظر الى الترتيب. فك ما يهمني ان تصلكم المعلومة عني كاملة واعلمموا يااخوتي الاحباء ان كان هنالك عشق ودم يجري في عروقي فهو ارتريا الحبيبة بلا منازع.