حوار مع المناضل الفدائي حامد إبراهيم عثمان طمبار
حاوره الأستاذ: ياسين محمد عبدالله - ناشط سياسي وحقوقي إرتري نشر هذا الحوار في: مجلة الثورة الإرترية سبتمبر ١٩٨٣
مايرويه المناضل حامد إبراهيم عثمان، إنما هو جزء من قصة بطلها شعب بأكمله ومسرحها وطن من أقصاه إلى أقصاه ونحن
ما قصدنا من خلال هذا اللقاء ان نؤرخ لمرحلة إنما أردنا ان نقول إنها كانت مجيدة عندما نهضت إرتريا تلتمس طريقها صوب السماء، فغنت للحرية في الريف والمدينة و في المدارس والشوارع والسجون.
لقد تنقل الرجل بين سجون كرن، اغردات، اسمرا وعدي خلال طيلة ثلاثة عشر عاما فرأى بعينيه إرهابهم وذاق تعذبيهم، وتحدى مع الكثيرين كل ذلك.
وهو قبل أي شيء آخر كان من أولئك الذين تسللوا في مساء صيف حار، ومن خلف الحدود، يحملون في القلب الحلم الكبير ويتناوبون حمل بنادق صدئة، جعلهم إيمانهم العميق يعتقدون إنها قادرة على هزيمة العتاد الحديث.
لقد قصدنا من هذا اللقاء.. تسليط الضوء على صفحات هذه الحقبة الحية، لا سيما ونحن نحتفل بذكرى انطلاقتها العظيمة، ذكرى سبتمبر، البداية والبطولة بقيادة الشهيد عواتي. فلندع حامد يتذكر.. فلندعه يتحدث...
متى التحقت بالثورة وكيف تم ذلك ؟
تفرغت للعمل في الجبهة في فبراير 1962م، نتيجة لنداء وجه في ذلك الوقت لعضوية التنظيم فحضرت إلى كسلا وشاركت فى اجتماع موسع عقد للمتفرغين بقصد تنظيم العمل وتوزيعه وتم تكليفي فى هذا الاجتماع بالسفر الى كل من اغرادات، كرن واسمرا لجمع التبرعات من اجل شراء الأسلحة. عدت بعد شهر الى كسلا لنعقد اجتماعا آخرا حضره هذه المرة المناضلون الذين تغيبوا عن الاجتماع الأول.
ما هي أهم قرارات الاجتماع الثاني ؟
لقد صرنا يهذا الاجتماع نمتلك خمس بنادق وثمانية مسدسات فكان القرار الاهم دخولنا الى الميدان والالتحاق بالقائد الشهيد عواتي. خرجنا من كسلا والشمس تميل الى الغروب كان ذلك فى مايو حيث تسلقنا جبل حفرة وسرنا ستة عشر ساعة على الأقدام وبعد فترة قصيرة للراحة وصلنا الى قرية حشيشاي حيث أرسلنا من هناك عنصرين لإحضار بندقيتين أرسلتا من أديس أبابا، ليصير عدد البنادق لدينا سبع. لقد اعتاد القائد الشهيد عواتي أن يسير مع عدد قليل من الرجال وهو الخبير بحرب العصابات، العارف بالمنطقة حجرا حجراً فتعذر علينا العثور عليه، نحن الذين كنا نتحرق شوقا لرؤية هذا الرجل - الأسطورة، لم نكن فخورين بالبنادق التي أحضرناها وحسب، بل أيضا لأننا سنسير تحت إمرته. لكن ذلك لم يتحقق فبعد بحث دام شهرا،علمنا أن القائد البطل استشهدا. لقد كان فى ذلك صدمة كبيرة لنا، لكننا عقدنا اجتماعا فوريا وقررنا أن نكتم الخبر.
كم كان عددكم عندما خرجتم من كسلا ؟ هل تذكر الأسماء ؟
كنا ستة عشر مناضلاً، محمد إدريس حاج، عمر إزاز، عمر دامر، عثمان صالح، عثمان ابوشنب، ابو رجيله، إبراهيم بهدوراي، الحسن ابوبكر عبد الله ديقول، ابوطيارة، محمود ميبتوت، محمد جمع، كرار محمد نور، محمود ميكال، ادم قندفل وانا.
لقد خلق استشهاد عواتي فراغاً كبيرا كيف واجهتموه ؟
فى الاجتماع الذي عقدناه توزعنا الى مجموعات ثلاث، الأولى يقودها الشهيد محمد ادريس حاج والثانية المناضل ابو طيارة والثالثة المناضل كبوب حجاج. وتم إرسالي إلى اغردات على رأس مجموعة فدائية لإعادة تنظيم خلايا المدينة، حيث أن العدو في ذلك الوقت كان قد ألقى القبض على اغلب المسئولين فيها. وفي اغردات وجدنا أن الوضع أفضل مما كنا نتوقع إذ إن الرفاق في السودان كانوا قد بعثوا بالشهيد عثمان همد للغرض نفسه فما كان منا إلا أن سافرنا إلى كرن حيث أن الوضع أيضا كان لا بأس به مع ان اغلب المسئولين عن العمل كانوا في السجون.
ما هي أهم العمليات العسكرية التي قمتم بها ؟
لقد كانت المشكلة الأولى بالنسبة لنا هي كيفية امتلاك السلاح، لذا كان لابد ان نضع هدفا لاي عملية نقوم بها الحصول عليه. كان في حلحل معسكر به حوالي ثلاثين جنديا فهاجمناه لكننا لم نستطع أن ننتزع أكثر من بندقيتين. أيضا كانت عملية اغرادات الشهيرة فى يوليو 1962م هي الحدث الذي لفت أنظار العالم لما يجري فى ارتريا. وكانت تجري هنا وهناك عمليات فدائية ويهاجم رجال العصابات وحدات العدو العسكرية من وقت إلى آخر.
كيف تم القبض عليك ؟
كان ذلك عندما حضرنا إلى كرن، احمد عوض، ادم ادريس عمر، وأنا بقصد تصفية ضابط برتبة عقيد، هذا الضابط أثار الرعب بين المواطنين، لذا كان من الضروري تصفيته، فى كرن تم استئجار غرفة لنا. وكان يفترض ان يتم تنفيذ العملية سريعا نظرا لصغر المدينة وانتشار قوات الأمن مما كان سيؤدي إذا اطلنا الإقامة الى اكتشافنا. ولظروف خارجة عن إرادتنا تأخر تنفيذ العملية فقررنا مغادرة المدينة وطلبنا من الشهيد عبده محموداي ان يحضر لنا أسلحتنا التي تتكون من ثلاثة مسدسات وخمس قنابل يدوية، حيث ان الشهيد كان يعرف مخبأها. وبعد استلامنا للسلاح خبأناه فى الغرفة معنا استعداداً للمغادرة فى اليوم التالي. في تلك الليلة تأخر الأخ ادم خارج البيت وبعد عودته بنصف ساعة وكان ذلك في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل سمع طرقا على الباب وعندما سأل عن الطارق جاءه صوت صاحبة البيت الذي نستأجره، وكان بادياً إنها خائفة من شيء ما فهرع ادم لمساعدتها فما كان من العشرين شرطيا الذين كانوا أمام الباب إلا ان رموه بعيدا ودخلوا علينا، كنا نغط في نوم عميق احمد وأنا. قائد هذه المجموعة التي ألقت القبض علينا نقيب يدعو تولدي برهان. بدأ التحقيق معنا فورا في الوقت الذي كان الجنود يبحثون فيه عن شيء فى الغرفة أخبرناهم أننا عمال جئنا للعمل في البساتين فتم نقلنا إلى المخفر ليجدوا في وقت لاحق المسدسات وبعدها بيومين وجدوا القنابل أيضا.
ماذا حدث لكم فى المخفر ؟
كانت العادة أن كل من يقبض عليه بتهمة سياسية ينكر ما اتهم به، نحن لم نفعل. قلنا لهم المسدسات لنا وقد أحضرناها من السودان للمشاركة فى الثورة، لقد أثار ذلك دهشتهم وارجعوا ذلك كما قالوا لنا، إلى صغر سننا لكن قائد الشرطة كرن صالح سوبا كان مرتاحا لهذه الإجابة. وهددونا إذ لم نعترف بأي شيء بما في ذلك أسلحة أخرى (القنابل لم تكن قد اكتشفت بعد) فإنهم سيحولوننا إلى دائرة الاستخبارات المركزية المعروفة ب ال C.I.D لقد نفذوا تهديدهم.
كيف جرى التحقيق فى الاستخبارات ؟
كان قائد ال C.I.D عقيد يدعى ارداتشو وكان جهازه معروف بإرهابه. وبعد أن أتضح لهم أننا لن نتحدث عن شيء جديد اخذوا كل واحد منا على انفراد. استعملوا الماء والكهرباء والجلد فكانوا يربطون رجل الواحد منا الى اعلى ليتدلى رأسه على سطل به ماء وغالبا ما يكون بالسطل آثار دماء وقيء مما يجعل أي شخص ايا كانت قوة احتماله إلا ان يسهم بدروه فى محتوياته. لقد قاموا بجلدنا للحد الذي كنا فيه عاجزين عن المشي بل حتي عن فك سراويلنا لقضاء الحاجة.
ما هي طبيعة الأسئلة التي وجهت لكم ؟
السؤال الرئيس كان عن عملية اغردات كما انهم كانوا يشكون فى حقيقة الأسماء التي نحملها وكان قصدهم من خلال الوصول إلى أسمائنا الحقيقية مطابقتها مع أسماء وردت في عمليات فدائية لم يتم القبض على القائمين بها. وبشكل عام حاولوا معرفة كل شيء عن الثورة وعندما لم تنجح وسائلهم أعادونا إلى مخفر الشرطة.
كم مكثتم عند الشرطة وكيف كانت المعاملة هناك ؟
لم يكن هناك تعذيب بل وجدنا تعاطفاً واضحاً من بعض العاملين خصوصا من قائد شرطة المحافظة صالح سوبا وضابط يدعى قدي. واذكر ان موظفاً في الشرطة اسمه عبد الغني محجب كان يقوم بجمع التبرعات من المواطنين ويوصلها إلينا وبعد أن مكثنا شهرا حولنا إلى سجن كرن المركزي.
كيف كان الوضع في السجن وظروف الاعتقال ؟
العنبر الذي أدخلنا إليه كان مخصصا للسياسيين كان به حوالي أربعين معتقلا استقبلنا بالباب المناضل محمود محمد صالح الذي سألنا عن أسمائنا الحركية وبعد أن تم التأكد منا قدمنا إلى بقية زملائه واذكر منهم على سبيل : المثال صالح اياي، احمد شهابي، احمد عثمان و محمد ياسين. العنبر لم يكن سوى غرفة مساحتها 4×5 أمتار وكان قضاء الحاجة يتم في داخله يقوم شخص بإمساك بطانية من طرفيها ليصنع منها حجاباً للذي يريد قضاء حاجته وكذلك كان الحمام الذي لم يكن مسموح به إلا مرة واحدة كل خمسة عشر يوما. بعد أربعة شهور في هذا السجن تم تحويلنا إلى سجن اسمرا.
لماذا تم تحويلكم ؟
تم تجميعنا هناك مع أشخاص آخرين وجهت لهم تهما مشابهة. كان عددنا الكلي خمسة وعشرون قدمنا جميعاً لمحكمة واحدة. ومن خلال حراس السجن وأهل السجناء الذين كان مسموح لهم بخمس دقائق في الأسبوع لرؤية أبنائهم علمنا أن الأحكام التي ستصدر بحقنا ستكون مخففة. ولكن بعد شهر من المحاكمة تم فصلنا نحن الثلاثة عن باقي المجموعة واعتبرت المحكمة ان الفترة التي قضاها زملاؤنا هي فترة عقوبتهم.
لماذا تم فصلكم وكيف تمت معاملتكم ؟
لقد اكتشفوا اسمي الحقيقي فانا كنت متهماً في عمليات عديدة لذا أرجعنا مرة أخرى إلى الاستخبارات ولكن هذه المرة في اسمرا. وهنالك تم عرضنا بأزياء مختلفة على مجموعة من الناس وكرروا ذلك مرات عديدة. استطاع شخصان التعرف على لتبدأ الاستخبارات وجبات من التعذيب معي بغية انتزاع اعتراف مني بالاشتراك في هذه العمليات. كان كل ذلك دون جدوى وبعد أن يأسوا أرجعونا مرة أخرى إلى سجن اسمرا ومن هناك تم نقل ادم واحمد إلى كرن وأنا إلى اغردات فقد كان العدو يقصد إخافة الناس من خلال محاكمة أي متهم فى المدينة التي شهدت عمله. وبما أنني متهم بشكل أساس بحادثة اغردات فقد فصلت عن زميلي وأرسلت إلى سجن اغردات. ولكن وبعد أن مكثت قرابة الشهرين، تسرب إلى إدارة السجن أن هناك محاولة لتهريبي أثناء محاكمتي في المدينة وبالفعل فإنني كنت قد سمعت عن هذه المحاولة. وفيما بعد وفي سجن اسمرا حدثني الشهيد صالح محمد سعيد (تمت تصفيته في السجن) والذي كان مسئول لجنة اغردات عن تفاصيل الخطة التي وضعوها إذ إنهم اعتمدوا على أن عدد الحراس في المحكمة سيكون قليلاً مما سيسهل عليهم مهاجمتهم على أن تنتظرني سيارة أمام المحكمة لتنقلني خارج المدينة. وقد تعهد المرحوم صالح حسب والذي كان كاتبا بالمحكمة أن يقوم في حال فشل المحاولة بإتلاف أوراق القضية مستغلا حالة الإرباك التي ستحدثها المحاولة. وخوفا من تهريبي تم إرجاعي إلى سجن اسمرا حيث وضعت في زنزانة بمفردي وفي الوقت نفسه ارجع أيضا زميلي ولكنهما وضعا في عنبر مع سجناء آخرين. كان بالزنزانة التي حبست فيها سجادة من السعف وسطل لقضاء الحاجة وبطانية، أتناول وجبتين فى اليوم الساعة 12 ظهرا والساعة 4 بعد الظهر اقضي الفترة الممتدة من الثامنة إلى الحادية عشر صباحا خارجها دون أن التقي طيلة العام الذي قضيته فيها بأي من السجناء السياسيين إذ أن هذه الزنزانات كانت مخصصة للمحكوم عليهم بالإعدام وللذين يقضون عقوبات استثنائية لمخالفتهم أنظمة السجن. بعد عام في السجن الانفرادي زارني ضيف هو المناضل علي محمد صالح لقد استطاع إقناع إدارة السجن بنقله من عنبره الي زنزانتي. ثم ونتيجة لمخالفة أنظمة السجن إذ انه كان يقوم بالتحريض السياسي بين السجناء انضم إلينا زميلي ادم إدريس ومع أن الزنزانة تكفي بالكاد لشخص واحد فقد كنت سعيدا جدا بضيفي. وبعد أن تم إطلاق سراح علي وارجع ادم إلى عنبره تقدمت بشكوى لمسئول السجن اطلب فيها نقلي إلى العنابر لأنه لا يوجد مبرراً لسجني منفردا قبل طلبي ونقلت إلي عنبر السجناء السياسيين.
متى قدمتم للمحاكمة وكيف جرت ؟
قدمنا للمحاكمة في فبراير 1967م بعد تأجيل استمر لأكثر من أربع سنوات. المواد التي طبقت بحقنا هي نفس المواد الخاصة بجرائم قطاع الطرق. حوكمت أنا بعشرين عاما وادم واحمد عوض، كل منهما بخمسة عشر عاما لكن ممثل الاتهام استأنف الحكم وعندما عرضت القضية مرة أخرى زيدت مدة سجني إلى خمسة عشرين عاما بينما بقيت المدة المحاكم بها ادم واحمد كما كانت. لقد كانت الأحكام التي صدرت في تلك الفترة بحق المعتقلين السياسيين بنفس هذا المستوى فالعدو وكما شدد من بطشه خارج السجون فحرق وقتل وشرد فانه اتبع مع المعتقلين أسلوبا إرهابيا مقننا بغية تكملة عمله الرامي إلى تصفية الثورة. بعد المحاكمة نقلنا إلى سجن عدي خالا.
كيف كانت الحياة في سجن عدي خالا، الطعام ؟ العناية الصحية ؟ المعاملة بصورة عامة ؟
سنوات شاقة تلك التي قضيناها فى عدي خالا، كنا نقوم بتكسير الحجارة لنجعلها حصى مما كان يدمي أصابعنا التي تبقى جروحها دون أي عناية. وكنا نقوم بصناعة السجاد وتغليف القناني بالخيش ليحتفظوا فيها بالخمر كل ذلك دون أن نخرج من الصالة الصغيرة الملصقة مع بناء العنبر. إن فترة العمل تلك هي نفسها الفترة التي يفترض أنها مخصصة للراحة. عددنا كان خمسة وسبعون شخصا نقضي عقوبات لأسباب سياسية، الاستيقاظ في السابعة ثم نخضع للعد ثلاث مرات يوميا خوفا من الهروب. أما بالنسبة للطعام فلكل شخص الحق برغيفين ومن اجل الحصول على الشاي كنا نقايض المتعهد ببعض الأرغفة. الوضع في السجون حتى 1965م كان لا بأس به لكل سجين أربعين سنتيما في اليوم بعدها خفض المخصص اليومي ليصير عشرين سنتيما وحتى هذا المبلغ لم يكن يصل منه إلى السجين إلا القليل نتيجة لتفشي الفساد والرشوة. لقد استشهد في السجن أربعة مناضلين لسوء التغذية وأصيب أغلبية السجناء بداء المفاصل لنقص فيتامين (c) في الطعام. أيضا ساءت العناية الصحية لقد ساوونا مع سجناء إثيوبيا في كل شيء حتى تكتمل صورة الوحدة فمع أن في السجن ألف سجين فلم يكن هنالك إلا طبيب واحد مقيم بل كان الطبيب يحضر مرة واحدة كل خمسة عشر يوما.
كيف كانت علاقتكم مع ما يحدث خارجا ؟ هل كانت تصلكم أخباره أم أن السجن كان المحطة التي غادرتم عندها قطار الثورة ؟
كانت أخبار الثورة تصلنا دائما من الزوار والحراس بل أيضا من خلال المنشورات. ونحن لم نكن نضيع أي فرصة إلا ونستغلها فى النضال من أجل القضية التي نحن مسجونون بسببها فكان العنبر يشهد اجتماعات دائمة وحوارات لاتهدأ حول الثورة ومستقبلها. لقد استقبلت السجون فى الستينات مئات الآلاف من أبناء إرتريا الوطنيين، البعض بتهمة تقديم وجبة عشاء للثوار والبعض الآخر لأن قريبه التحق بالثورة الخ تهم تافهة لكن عقوبتها كانت تتراوح بين الستة اشهر والسنة. لقد السجن في تلك الفترة الفلاح و العامل والطالب والمثقف والراعي وكان دورنا نحن الذين نبقى بعد ان يذهبوا ان نرفع من حماسهم وان نشرح لمن يحتاج إلى ذلك أهمية مواصلة مساهمته وتطويرها دون الاكتراث بإرهاب العدو. أستطيع القول بأننا جعلنا السجون أماكن لشن حملات ضد العدو وفضحه مستعلمين فى ذلك أدوات عديدة كالأغنية والمسرحية وغيرهما. لقد تم تأليف وتلحين الكثير من الأغاني في السجون وقدمت مسرحيات تناولت مواضيع عديدة كخروج القائد الشهيد عواتي في فجر سبتمبر وبطولات جيش التحرير وحرب الإبادة التي كان العدو يشنها ضد العزل في الريف الخ وفوق كل ذلك كان وجودنا نحن أناء إرتريا من طوائف ومناطق وقبائل مختلفة في ذلك السجن دليل عميق على ارتباط مصيرنا جميعا بالأرض التي نعيش عليها.
بما أنكم كنتم تتابعون ما يحدث وراء أسوار السجن ما هو الحدث الذي أثر فيكم أكثر من غيره ؟
عام 1967هو العام الأقسى في السجن فقد امتلأت السجون بالناس. وفي الريف حرقت القرى وقتل الأبرياء. نحن سمعنا قصصا مأساوية بل أن الجلبة التي كانت تثيرها المواشي والجمال والأغنام كانت تصل إلى سمعنا داخل الأسوار العالية.
عملية إطلاق سراحكم فريدة من نوعها كيف خطط لها وكيف نفذت ؟
الفكرة جاءت من سكان عدي خالا فقائد شرطة المدينة أوصل الاقتراح إلينا عبر بعض الناس لنعمل فى حالة الموافقة على تبليغ الجبهة بها مع تعهده بعساكره البالغ عددهم خمسة وسبعون شرطيا بعدم التعرض للعملية بل تقديم الممكن من العون. قمنا نحن بنقل الفكرة إلى مسئول الجبهة في المنطقة الشهيد سعيد صالح. وبعد فترة جاءت الموافقة لنقضي فترة ترقب عصيبة. تم اختيار يوم الزيارة باعتباره انسب يوم. وفي الساعة العاشرة وعشرين دقيقة من صباح 1975/2/13م قدم شخصان إلى المكان المحدد للزائرين مد الأول للحرس أغراضا وقبل أن يتناولها اخرج الآخر رشاشا وصوبه ناحيته. حرس واحد هو الذي أطلق النار، الآخرون كانوا أما متفق معنا وعارف بالخطة او أخذ على غفلة من امره. جرح الذي أطلق النار فاستسلم ليخرج الألف سجين من البوابة الكبيرة والمصور التلفزيوني الذي احضره قائد شرطة عدي خالا من اسمرا، يسجل الحدث بكاميرته. بدا سجن عدي خالا، سجن الغزاة الأتراك والإيطاليين والإثيوبيين، خاوياً إلا من لعنة أرواح أبطال إرتريا الذين استشهدوا بين جدرانه، تطارد بناء هذا السجن - المقبرة.