عدوليس تقلب في دفاتر ذكريات المحارب القديم صالح جمجام - الحلقة الأولى
حاوره الإعلامي الأستاذ: جمال همد - صحفي وناشط إرتري معارض المصدر: عدوليس
الحوار مع المناضل الكبير صالح جمجام هو تحاور مع تجربة جبهة التحرير الإريترية، وكل محاولة لرسم صورة إطارية لشخصية
خارج إطار هذه التجربة محاولة لا تؤدي إلا لطريق مسدود، لكون الرجل لا يمتلك حياة شخصية منفصلة عن تجربته النضالية.
وهذا الأمر لاينطبق عليه وحده بل على جل جيله من رفاقه ورفيقاته الذي أرتبطوا بالنضال التحرري لحركة التحرر الإريترية المسلحة.
كان من الطبيعي ان يجري هذا الحوار في مدينته التي ولد ونشأة فيها وفي زمان إستراحته كمحارب قديم، ولكن الأقدار دفعت بهؤلاء الأبطال إلى المنافي ومدن الشتات، حيث فرضت عليهم حياة جديدة ومهام حياتية جديدة لم يكونوا مهيئين لها أصلا.
صالح إبراهيم جمجام ينتمى لجيل نحت إسمه على جدار التاريخ.. وجدوا أنفسهم محاربين و قادة عليهم بتنفيذ مهام كبرى وتاريخية من أجل شعب مغلوب على أمره، تدور حوله مؤمرات وأحداث لكي تقرر مصيرة دون علمه.
رجال بسطاء تلقوا القليل من التعليم الأكاديمي بمقاييس زماننا، ولكنهم أمتلكوا الإرادة والتصميم وطوروا مقدراتهم بالإعتماد على بعضهم وبالدورات العسكرية بالعراق وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينة وكوبا والصين.
نفذوا العديد من العمليات العسكرية المعقدة دون معينات آلية، واجهزة إتصالات ولا أجهزة رقمية، وواجهوا العديد من العواصف والأنواء دون ان يمكنوها من إنهاء النضال التحرري، وكسر شوكة الثورة. هذه الحلقة هي تمهيد لتسجيل تجربة المناضل جمجمام العسكرية والأمنية والسياسية و سوف نتحدث عن التكوين والنشأة ودور رياضة كرة القدم في تشكيل شخصية ودورها الكبير في العلاقة مع الشأن العام.
جلست إليه في يوم مشمس في مقهى (سنتر الخرطوم) بشارع نيكلسون بمنطقة فوتسكري الإفريقية ـ الأسيوية الملامح بمدينة ملبورن في 25 أغسطس 2018م. وكنت قد أنهيت كتاب ذكريات المناضل عثمان إزاز الذي وزع في العام الماضي وفيه ذكر ان المناضل صالح جمجمام هو من قادة ما عُرف في تاريخ الصراع الإريتري ـ الإريتري بـ (مجموعة عوبل).
سألته ما رأيك بالمعلومة الواردة في كتاب المناضل عثمان إزاز ؟
قال ضاحكا... "لا لم إنتمى لـ (مجموعة عوبل) مع أنني كنت متعاطفا مع مطالبهم وتربطني مع عدد من قياداتهم علاقة وطيدة وشخصية، وكنت أرى ان فقدهم سيكون خسارة كبيرة للجبهة لمعرفتي بمقدراتهم وتفانيهم وإخلاصهم كمناضلين أشداء، لذا بادرت وصديقي المناضل ياسين الحاج بمساعي لكي يشاركوا في المؤتمر الاول، ومن أجل ذلك إلتقينا بالأخوان آدم صالح وأحمد آدم عمر ومحمد أحمد إدريس ربنا يرحمهم جميعا. وقد تمخض اللقاء عن موافقة ضمنية لحضور للمؤتمر بعد يوم كامل من الحوار، ولكن لم يشاركوا للأسف وبعد ذلك إنتهت علاقتي بهم لكونهم أختاروا طريقا آخر، وهنا أحب ان أذكر واقعة مهمة حدثت في إجتماع من إجتماعات القيادة العامة والتي كانوا أعضاء فيها.
فقد حدث ان وقعت خلافات شديدة وملاسنات بينهم الثلاثة (آدم صالح وأحمد آدم عمر ومحمد أحمد إدريس) من جهة وعدد من أعضاء القيادة العامة على رأسهم المناضل صالح حيوتي متعه الله بالصحة والعافية، ونتيجة لذلك إنسحب الأخوة الثلاثة من الإجتماع وإبتعدوا من المنطقة كلها، وحدث إستنفار عام في أوساط القيادة والوحدات العسكرية. وفي إجتماع لاحق تم تكليفي من قبل إجتماع للقيادة العامة وبإقتراح من المناضل الراحل عبد الله إدريس بإن أكلف لإعادة المناضل آدم صالح، وذلك لمعرفة عبدالله بعلاقتي الشخصية بالمناضل آدم صالح، كما تم تكليف المناضل سعيد صالح بإحضار أحمد آدم عمر والمناضل عثمان إزاز بالمناضل محمد أحمد إدريس وكان ان تم ذلك بنجاح وإنتظمت إجتماعات القيادة العامة ومارست مهامها وصولا للمؤتمر الوطني الأول 1971م.
وسوف نتحدث عن تلك المرحلة ومفاصل أخري من تاريخ جبهة التحرير الإريترية وتاريخ صالح جمجام في الحلقا القادمة وبالتفصيل ودعونا الآن نعود خطفا أو ما يعرف اصطلاحا بالإنجليزية بـ (الفلاش باك) نعود للوراء السنوات الأولى حيث مرابع الصبا والنشأة والتكوين.
"من شارع الصاغة المركزي بمدينة كرن.. الشارع النابض بالثورة وطموح التغيير والداعم والممول لكل نشاط سياسي ورياضي وفني.. أتيت"!
يمهد المحارب القديم للتعريف بنفسه ويقول: "من نشاط رياضي لكرة القدم أتيت للثورة والنضال مع عدد من رفاقي في جبهة التحرير الإريترية. وكما قلت فإن هذا النشط غالبا ما يكون ممولا من شارع الصاغة وبهذا أنا أنتمى لهذا الشارع المناضل.
وبداية نشاطي السياسي وفي شقه المدني كان في أول عام 1963م، وإلتحاقي بالنضال المباشر 1965م، أي الإلتحاق المباشر بالميدان.
كنت رياضيا معروفا في مدينة كرن لأنني كنت أجيد اللعب في كل الخانات في الفريق الرياضي وهذا ما مهد لي باللعب في فريق الدرجو الأولى بكرن و أسمرا.. وفي كل من بلدة أروما وبورتسودان وكسلا بالسودان الشقيق.
بدأت نشاطي المقاوم بمدينة كرن مع عدد من رفاقي، فقد حدث وان طلبت قيادة المدينة تنظيم مسيرات سلمية مقاومة لقرار الضم القسري لإريتريا وإنهاء الحكم الفيدرالي. وكان مدير مديرة كرن السيد أمباي هبتي وهومن كبار زعماء ضم إريتريا لإثيوبيا وصدف ان قال ان شعب مدينة كرن يؤيدون قرار الضم وهذا ما أثار إستياء السكان ونقمتهم لذا قرروا القيام بمسيرة كبرى يعلنون فيها رفضهم للقرار.
كنا خمسة أصدقاء.. شباب اخضر ومتحمس ومقدام، كانت تتراوح اعمارنا تتراوح بين (17إلى 19). (إدريس سعيد علي وعبده محموداي و آدم هاكليب وكان حلاقا ومحمد جمع عوض ووشخصي) كنا لا ننتمي لأحد آنذاك، اقصد حركة تحرير إريتريا وجبهة التحرير إريتريا ولكن الوحيد الذي كان منظما هو الشهيد عبده محمود الذي كان يعمل صناعيا متدربا في شارع الصاغة حسب ما عرفت فيما بعد.
إستطعنا تنظيم الحشد وكتابة الشعارات ونفذنا المظاهرة في نهاية 1962م على ما أذكر. وقد واجهت الشرطة التظاهرة السلمية بالعنف وفرقتها و تم إعتقال أكثر من (100) وكنا ضمن الذين تم إحتجازهم في مركز شرطة المدينة. إستطعنا ونحن داخل مركز الشرطة ان نقنع المعتقلين بإن ينفوا معرفتهم بالأمر فقط ان يقولوا (نحن جينا لمعرفة اللمة) ولا صلة لنا بالموضوع وقررنا نحن الـخمسة ان نتحمل المسؤولية، وإعترفنا امام المحقق بإننا من نظم التظاهرة وبررنا ذلك بإننا ضد كلام مدير المديرية أمباي هبتي لا يمثلنا ونظمنا التظاهرة ضده ولا ننتمى لأحد ولم ينظمنا أحد ولا نعرف أحد... الخ من الحجج.
هذا الإعتراف أراح الشرطة حيث أطلق سراح بقية المعتقلين وتم أخذ إعترافتنا كأدلة تمهيدا لتقديمنا للمحكمة.
أتذكر انه في مساء ذلك اليوم زار المركز مدير المديرية، وعندما شاهدنا قال أن هؤلاء أطفال لا جدوى من إعتقالهم هؤلاء أطفال.!!
وهذا ما أفادنا فيما بعد في المحاكمة حيث طلب منا وكيل النيابة وهو من الوطنين الإريترين وكان لا يخفي تعاطفه بالتمسك بكلام المدير أثناء المحاكمة، وبعد إسبوع تقريبا قدمنا لمحكمة والتي بدروها برأت ساحتنا لكوننا أطفال.
بعد خروجنا من المعتقل نصحنا من قبل قيادات المدينة ولكن بشكل غير مباشر لكون لاعلاقة تنظيمية تربطنا بهم بالخروج من المدينة والذهاب للسودان أو الإلتحاق بالميدان، لأن الإعتقالات قد أزدادات في أوساط النشطاء، ومع ان المحكمة كانت قد برأت ساحتنا ولكن أدخلنا ضمن دوائر الذين يجب إخضاعهم للمراقبة اللصيقة لمعرفة من يحركهم.
وكانت المدينة تمور بحراكا كبيرا وإستقطابات حادة بين حركة تحرير إريتريا بقيادة الشهيد محمد سعيد ناود وجبهة التحرير الإريترية التي أعلنت الكفاح المسلح وقد ظهرت إرهاصات ذلك الخلاف في المدينة ولكن بعيدا عن أعين السلطات الحكومية.
قررت وزميل آخر المغامره والذهاب للسودان.
تـابـعـونـا فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة.. نوادي كرة القدم في كرن وأسمرا واثره السياسي.. الإنتماء في الفرق السودانية في بلدة أروما السودانية ومدينتي كسلا.. وبورتسودان.. ثم الرحلة عبر البر صوب مصر.. وغيرها من الصفحات المطوية.