الفنان الهرم/ الأمين عبداللطيف في حوار خاص مع الإعلامي الأستاذ أبوبكر عبدالله صائغ - الجزء الخامس

حاوره الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

- مدير مدرسة الجالية المصري محمد البنا كان يشجعني لمواصلة الفن أما المدير الارتري

محمد قسم الله خيرني بين الفن والتدريس وإخترت الفن.

- إذا شجعتكم الجماهير يجب أن لا يدخل الغرور الى نفوسكم لان الغرور نهاية الفنان.
- حين نغنى أغنيات عاطفية كان يثور الفنان الكبير/ اتو برهان سقيد ويقول الى متى حتغنو للحب.

مابين الفن والتدريس أوجه شبه كثيرة، حدثنا عن مرحلة التدريس وظروف التوظيف، ثم ترك التدريس والعودة إليه ؟

الفن والتدريس حقيقة بينهما أوجه شبه كثيرة، والتدريس هو بحد ذاته جزء من الفن ولكن الفن في بلدنا في تلك الأوقات كان يعتبر خطأ يشري فظيع، وانا للآسف الشديد عانيت في التدريس بسبب الفن كما عانيت بسبب الفن بداية مشواري الفنى مع أهلي وقبيلتى، حين أكملت الثانوية العامة وقبل الإلتحاق بالتدريس عملت في داخل أديس أبابا ككاتب للعمال، لأننى كنت أجيد اللغة الإيطالية لدراستى لها سلفاً في إرتريا، وقضيت لمدة عامين في إحدي المؤسسات التي كانت تابعة لإيطالي ويملكها إيطالي، وبعد رجوعي من أديس أبابا الى أسمرا كنت أبحث عن عمل وسمعت بأن مدرسة الجالية العربية في حاجة الى مدرسين وسوف تجري إختبارات الاختيار، وتقدمت بطلب للأشتراك في الاختبار، والحمد الله نجحت في الأختبار، وتم تعيني معلماً بمدرسة الجالية العربية بأسمرا، كمعلم إبتدائى، وكان مدير المدرسة في تلك الأوقات أستاذ مصرى إسمه/ محمد محمد البنا، وهذا المدير كان متفهماً لهوايتي الفنية لأننى شرحت له في إحدى المرات هوايتى الفنية ورغبتى في الاشتراك مع فرقة أسمرا الفنية وشجعنى الرجل ووقف بجواري وقال لي إشترك في فرقة أسمرا الفنية لأن الفن هو جزء من رسالة التدريس والتعليم، وبدأت مع فرقة أسمرا الفنية وهذا الأستاذ الجليل/ محمد محمد البنا كان يدخل في وسط الجماهير في سينما أسمرا لمشاهدتي وتشجيعي، وبعد أن أوقفت الحكومة الأثيوبية جميع الأجانب من إدارة أي مؤسسة، غادرنا الأستاذ/ محمد محمد البنا متوجهاً الى بلده بعد أن ودعناه وداع الأبطال.

وجاء بعده مباشرة إستاذ إرتري كمدير لمدرسة الجالية العربية إسمه الاستاذ/ محمد عثمان قسم الله، وهذا المدير الارتري بدلاً من أن يشجعنى في الفن ويشد من أزري إستدعانى وقال لي: المدرسة لايمكن وبأي حال من الأحوال أن تدرس بالنهار وتغنى وترقص بالليل، وقال عليك الإختيار بين التدريس أو الفن، وقلت له أنا لم أقصد في عملي ووظيفتى، وقدمت شكوى لادارة التعليم الان المدرسة كانت تعتبر مدرسة أهلية وخاصة، وإدارة التعليم كتبوا خطاب قالوا إن فرقة اسمرا الفنية بها عدد كبير من المعلمين والفن جزء من التعليم، والمدير رفض الخطاب وقال لي: إما أن أكون معلم ملتزم أو أن اكون فنان ملتزم، وتم رفضي من المدرسة أثناء إدارة مدير إرتري وهو الاستاذ/ محمد عثمان قسم الله وطردت من التدريس بسبب الفن أيضاً.

وبعد ذلك بدأت العمل في شركة الاخ العزيز/ حسن كيكيا ثم عملت في شركة إيطالية كانت في أسمرا، وحين غادر الاستاذ محمد قسم ةالله وحل محل محله الاستاذ/ حسن محمد بأمشمش، سأل الاستاذ/ حسن عثمان وقال لماذا هذا الإستاذ طرد من المدرسة، وقيل له بسبب الفن، وقال لهم الاستاذ/ حسن الفن جزء من التعليم، الأمين عبد اللطيفوقال لهما الاستاذ الأمين عبد اللطيف كان من أنشط المعلمين، وخلال فترة وجوده المدرسة كانت تشارك في المناشط الثقافية والفنية والرياضية والكشفية التي كانت تجري بين المدارس.

ويجب إعادة هذا المدرس الى مكانه، ثم إستدعانى المدرسة وسألنى لماذا تم طردك من المدرسة وقلت لهم لم أرتكب أي خطاء والاستاذ/ محمد عثمان قسم الله طلب منى أكون معلم ملتزم أو فنان ملتزم وإخترت أن أكون فنان ملتزم وهوايتى تقلبت على مهنتي.
ورجعت الى المدرسة معززاً مكرماً وزادوا لي راتبي، وإستمريت فى المدرسة حتى عام 1970.

وبسبب دخولي للحقل الفنى واجهتني صعوبة كبيرة من الأهل والقبيلة وكذلك من بعض المدرسين الذين كانوا يعتقدون أن الفن مهنة معيبة. وبعد ذلك التقيت بالاستاذ/ محمد عثمان قسم الله بعد أن أصبح دكتور والتحق بالميدان وأصبح مناضلاً من أجل القضية الإرترية، وبعد التحرير التقيت مع الدكتور/ محمد عثمان قسم الله في مدينة اسمرا وسألته سؤال وقلت له لماذا طردتنى من المدرسة في عهدك ؟ بينما الأجانب كانوا يشجعونني. قال لي بكل عنجهية لو كنت الان مدير المدرسة وكنت أنت تغنى لطردتك من المدرسة. وهذا كان موقف غريب جداً منه.

نعود لفرقة أسمرا الفنية، وكما يقال الفن رسالة وإلتزام والعمل الفنى الناجح يحتاج الى إدارة ناجحة، والفنان هو ملك للجماهير وبالتالي يجب ان يكون ملتزماً في كل شيئ بدءاً من مظهره وسلوكه تصرفاته وحركته في داخل المجتمع ...الخ.

كان هناك لوائح صارمة في فرقة أسمرا الفنية الكل يتحدث عنها، حدثنا عن تلك اللوائح الداخلية لفرقة أسمرا الفنية ؟

قوانين ولوائح فرقة أسمرا الفنية كانت صارمة جداً جداً، وكنا نعتز بتلك القوانين لأننا تعلمنا منها الكثير كأحترام الناس والفن، إذا كان الفنان لايحترم نفسه لايمكن أن يحترمه غيره، فألاحترام يبدأ من النفس، وهولاء الأداريين الأجلا وعلى رأسهم الاستاذ/ المايوا كحساي والاستاذ/ أسرس تسما والاستاذ/ أببي إياسوا وغيرهم من المدرسين علمونا كيف يكون الفنان محترم أمام الجماهير لتحبه الجماهير، كيف يكون الفن في حد ذاته محترم، كانوا ويفرضوا علينا إلإلتزام بالملابس والمواعيد والاداء الجيد، وأغرب شئ أتذكره الان هو كان يقولون لنا إذا شجعتكم الجماهير وأعجبت بكم يجب أن لا يدخل الغرور، الى نفوسكم، لان الغرور بداية النهاية بالنسبة للفنان، ولذلك يجب ان تكونوا عاديين وأن تكونوا مخلصين للفن، وأهم شئ كان التزام بمواعيد التدريب (البروفات) وكان ذلك يتم يومياً، ولكثرة عدد الفنانين كنا مقسمين لثلاثة مجموعات (أ، ب، ج) ويومياً يجري حوالي خمسة فنانين تدريبات (بروفات) والعازفين كانوا متواجدين، وإذا تغيب الفنان لمدة ثلاثة أيام دون الحصول على الأذن يعتبر خارج فرقة أسمرا الفنية، أضف الى ذلك أي أغنية يقدمها فنان عضو في فرقة أسمرا الفنية تعتبر ملك للفرقة ولايمكن ان يرددها أي فنان خارج نادي فرقة أسمرا الفنية الابعد ان تصل للجماهير عبر فرقة أسمرا.

ومواعيد التدريب فى فرقة أسمرا الفنية كانت محددة من الساعة الخامسة مساءاً وحتى التاسع مساءاً، أما الفرقة المسرحية كانت تتدرب هي أيضاً يومياً، وكذلك الراقصين والراقصات كانوا يتدربون يومياً، وكل شئ كان له مدرس ومشرف خاص وفرقة أسمرا الفنية إنتهت عام 1970م ورغم ذلك نحن حتى الأن محتفظين بنفس القوانين ملتزمين بها في كل شئ وحتى اليوم إنني لو دعيت لاي حفل أحضر الى مكان الحفل قبل المواعيد المحدد بنصف ساعة، وفي الحفلات العامة أحضر قبل الجمهور بنصف ساعة، وقال لي الفنان الأمين عبد الطيف منفعلاً ما معقول الفنان يحضر بعد الجماهير أو الجماهير تنظر قدوم الفنان، والفنان يجب أن يكون حريصاً في لبسه وكلامه ومعاملته وحركته وهذه الاشياء تعلمناها في فرقة أسمرا الفنية. وتلك اللوائح تكبتها لجنة خاصة ويناقشها كل أعضاء الفرقة.

بعد أغنية (خاتم حظى زابيكو) توالت الأغنيات حتى منتصف الستينات في القرن الماضى، ماهي أهم الاغنيات التي غنيتها خلال تلك الفترة ؟ وهل تعاملت مع شعراء وملحنين في تلك الفترة ؟

للآسف الشديد لم يكن لدينا اي شعراء لأغنية التقري خلال تلك الفترة، الفنان بأجتهاد الشخصى هو الذي يكتب الكلمات ويضع لها اللحن المناسب ثم يغنيها للجمهور، وفترة الستينيات كانت خصبة بالاغاني، ومن الاغاني التي قدمتها. والتي كانت ناجحة، فمثلاً لحن أغنية (أقبلينى سراى أقبلينى) أعجبوا به الفنانين الاثيوبين، بل ادخلوا كلمات إثيوبية في اللحن وغنوه بنفس طريقتي وفي فترة الستينيات قدمت أغنيات كثيرة منها مثلاً أغنية (أقبلينى سراي - انا لبي بقوها - يحميكيني - إتنسينى) أغنيات كثيرة قدمتها وكانت ناجحة ونالت رضا واستحسان الجمهور.

وفي بداية 1963م كل أعضاء فرقة أسمرا كانوا ملتزمين بحركة تحرير إرتريا، والأدارة كانت تدعوا كل الفنانين لأدخال كلمات في داخل الأغنية لتعريف الجماهير بالقضية تمجيد إرتريا بشكل رمزي، وحين نغنى أغنيات عاطفية كان يثور الفنان الكبير/ اتو برهان سقيد ويقول الى متى حتقولوا حبيبتى حبيبتى، لديكم حبيبة كبيرة وهي إرتريا أرجوك لاتنسوها حين تكتبون كلمات أغنياتكم ونفس الكلام كان يردده علي أسماعنا الفنان الكبير/ أسرس تسما وكان يكتب كلمات رمزية تمجد إرتريا في الأغنيات التي كان يهديها للفنانة الراحلة / تبره لكي تغنيها.

بدأنا نكتب أغنيات تضمن كلمات رمزية، والرقابة كانت شديدة جداً علينا، وفي تلك الأثناء كتبت كلمات أغنية (إلا ما تحلفنيتو قبئ) وكذلك جزء كبير من كلمات اغنية (أنا لبي بقوها) كان بها عبارات سياسية، وكان هنالك تخوف من الرقابة والأجهزة الامنية الأثيوبية، وكنا لانعرف ولانسال عن قري بعضنا البعض أو الاماكن التي ننحدر منها.مثلاً أن الاستاذ/ المايو كحساي أو الفنان/ الامين عبد اللطيف كنا لا نعرف أين تقع قراهم. وإكتشفنا متأخراً ان بعض الفنانين الذين كانوا معنا هم من إقليم تقراي، أو قوجاب، فمثلاً الفنان/ أرايا بلاي ماكنا نعرف إنه قوجاب إلا بعد فوات الآوان.

ومنذ عام 1963م بدأت أغني بلغتين وهي التقري والتقرنية، وسبقنى بالغناء في فرقة اسمرا الفنية الفنان الكبير/ جابر محمود، الذي كان يقف معي دائماً ويقدم لي النصائح ويصحح لي كلمات اغنياتي لأنه كان يعرف ويجيد لغة التقري أكثر مني، أما كلمات اغنياتى بلغة التقرنية كل الفنانين الناطقين بلغة التقرنية كانوا يتعاونون معي في التصحيح.

Top
X

Right Click

No Right Click