الفنان الهرم/ الأمين عبداللطيف في حوار خاص مع الإعلامي الأستاذ أبوبكر عبدالله صائغ - الجزء الرابع

حاوره الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

- وضعنا مبالغ محددة تحصل عليها الفرقة تناسب كل طبقات المجتمع لمشاركتها فى المناسبات المختلفة.

- تكونت فرقة أسمرا الفية رداً على الغزو الثقافى وللحفاظ على التراث الوطنى.
- مدير المدرسة خيرني بين معلم ملتزم أو فنان ملتزم، وإخترت فنان ملتزم.
- محمد البنا كان يدخل في وسط الجماهير في سينما أسمرا لمشاهدتي وتشجيعي.

ماهي دواعي تكوين فرقة اسمرا الفنية ؟ وهل فرقة اسمرا الفنية كانت قادرة فعلاً على منافسة الفرقة الفنية الكبيرة والمجهزة من كل النواحي والتي كانت تأتي من أديس أبابا؟ وماهو الهدف من تكوين تلك الفرقة ؟

طبعاً تكوين تلك الفرقة لم يأتي من فراغ والأسباب التي جعلت القائمين على أمر الفرقة تكوينها كثيرة منها الغزو الثقافي الذي كانت تتعرض له البلاد في تلك الفترة، فمثلاً المنخفضات الإرترية كانت تتعرض لتأثير الفن السوداني والمرتفعات عامة وقعت تحت تأثير الفن الاثيوبي، ومن دواعي تكوين تلك الفرقةأيضاً هو إحياء التراث الغنائي الإرتري وللحد من التأثير الثقافي الذي كان يأتي عبر الحدود السودانية وإثيوبيا، وقبل فرقة اسمرا كانت تتصدى لهذا الامر فرقة (ماتدي) التي تعنى فرقة وطنية، ث. م. جاءت بعدها فرقة (مهمل) التي تعني فرقة لأظهار التراث الإرتري. ثم فرقة اسمرا الفنية، وكان الهدف من تكوينها هو إحياء التراث الإرتري، وساهمت الفرقة لحد كبير الى إنتشار الفن الإرتري في أوساط الشعب، وكما ذكرت لك سلفاً أن الفرقة حين تأسست ما كانت تملك الالات الموسيقية اللازمة التي تمكنها من تأدية مهامها على الوجه المطلوب، ولكن دعم الشعب الإرتري لها وتفاعله معها هو الذي مكنها من الاستمرارية والمنافسة، ومثال على ذلك في عام 1966م، قامت الفرقة بجولة شملت كل الاقاليم الاثيوبية وفي السابق جولاتها كانت تقتصر على إرتريا فقط، وتبلورت فكرت إقامة حفلات في إثيوبيا لدى القائمين على أمر الفرقة،وتم التخطيط لها جيداً، والمسؤولين عن الفرقة وقتها كانوا أقوياء جداًولذلك أرسلوا مندوب بأسم الفرقة الى إثيوبيا، وهذا المندوب بدأ جولته في إثيوبيا أولاً بدأً من مدينة مقلي وإتصل بالسلطات وحجز مسرح لأقامة حفلة الفرقة عليه، ثم مدينة دسي ثم عصب،ومن مدينة عصب تشد الرحال الى إديس أبابا ثم الى دريدوا والمدن الاخرى ثم الرجوع عن طريق قوجاب والمدن الاخرى ثم العودة الى اسمرا.

والمندوبين أكملوا مهامهم وأكملوا تعاقداتهم ورجعوا الى اسمرا. ثم إتصلنا بشركة "ستاي" لتوفير بص ينقل الفرقة الى اثيوبيا، والشيخ/ صنوبرا تقبل الفكرة وقال لنا سوف افرغ لكم بص خاص يقضي معكم مدة شهر كامل، والبص الذي أعطانا إياه الشيخ صنوبرا كان جديداً نحن ركبناه لأول مرة.

الأمين عبد اللطيف وبدأت رحلتنا من أسمرا وتوجهنا الى مقلي وعصب ومدن أخرى حتى أديس أبابا،والمندوبين الذين أرسلناهم الى أديس أبابا بلغوا الطلاب الإرترييين بموعد قدوم الفرقة الى أديس أبابا، والإرتريين المقيمين في أديس أبابا إستقبلونا قبل دخولنا أديس أبابا بحوالي خمسين كيلوم متر، والذين إستقبلونا لا يقل عددهم عن1000شخص وكلهم كانو يحملون الورود بأيديهم ويصفقون لنا وزغاريد،وعم الفرح بمقدومنا كل الارتريين بأديس أبابا، ومعظمهم كان لديهم سيارات خاصة، وبموكب مهيت دخلنا أديس أبابا ونزلنا في فندق إسمه (دهب هوتيل) تملكه إمراءة إرترية.

وخلال وجودنا في أديس أبابا كنا نقيم ثلاثة حفلات في اليوم الواحد. الحفلة الاولى كانت تبدأ الساعة العاشرة صباحاً وتستمر حتى الواحدة ظهراً، والثانية كانت تبدأ من الساعة الواحدة ظهراً حتى الساعة الخامسة عصراً، والثالثة كانت تبدأ من الساعة السادسة حتى منتصف الليل، ورغم ذلك تزاحم الناس في بوابات المسرح كان شيئاً ملفت للأنظار، وإن الذين كانوا داخل المسرح لايستطيعون الخروج منه من شدة الزحام وهكذا.

وما قدمته الفرقة على المسارح الاثيوبية كان شيئاً رهيباً، وفي تلك الأثناء إلتحق بالميدان المئات من الطلاب الإرترين من داخل أديس أبابا وأذكر حتى اليوم حين أقابل والسيد وزير الخارجية/ عثمان صالح يقول لي لولا مجئ فرقة اسمرا الفنية الى أديس أبابا لما خرجنا الى الثورة. ومجئ الفرقة الى اديس ابابا عجل بخروجنا الى الميدان.

والذي أحب ان اقوله في هذه السانحة هو أن الاثيوبين تنبهو للدور الذي تلعبه هذه الفرقة ولذلك قرروا إيقاف عروضها، بل وقالوا أيضاً يجب أن تمر الأغنيات عبر جهاز الرقابة بأديس أبابا، والمسؤولين عن الفرقة قالوا لهم كل الاعمال التي تقدمها الفرقة أجازها جهاز الرقابة في اسمرا، ورغم ذلك أصر الاثيوبين على أن تتعرض كل اعمال الفرقة بجهاز الرقابة في اديس ابابا، ونتيجة للضغوطات التي مورست على القائمين على أمر الفرقة قبلوا بأجراء الرقابة على أعمال الفرقة، وجهاز الرقابة الإثيوبي شطب حوالي 20 عملاً من أعمال الفرقة، ورغم ذلك حققت الفرقة نجاحات مذهلة، لأننا كنا نملك عدد كبيرة من الأغاني، والقوات الأثيوبية كانت تقوم بحراسة الشوارع التي تؤدى الى المكان الذي تقيم فيه فرقة أسمرا الفنية عروضها، وبعد ما حققنا نجاحات كبيرة رجعنا الى اسمرا.. والذي أحب اقوله هو أن الفرقة لم تكن ناجحة بجهودها الفنية فقط، بل أن الشعب الإرتري كله في إثيوبيا إلتف حولها ودعمها، لأنه كان ينتظر قدوم الفرقة بفارغ الصبر، والناس هناك كانت تنتظر كل يوم الشئ الجديد الذي تقدمه الفرقة، وفعلاً كنا نقدم اعمال تخاطب الناس وتعكس طموحاتهم وأحلامهم، أعمال فنية راقية تحمل همومهم وتطلعاتهم في تلك البلاد، وحتى لو قلت حبيبتي الناس كانو يفسروها كل على حسب هواه، وإننى قلت في أكثر من مناسبة إنني غنيت أغنية فاطمة زهرة، وأنا غنيتها لفتاة إرترية معينة، ولكن الناس فسروها وإعتبروه كأني غنيتها للعلم الارتري وهذه هي الحقيقة، ومعظم الذين كانوا يستمعون لأغنياتنا كانوا يفسرونها بناءاً على رغباتهم وعما يجوش في نفوسهم وصدروهم، وبعد أن تم تفسير أغنية فاطمة زهرة إضطريت لأغني فاطمة زهرة 3،2 حتى وصل العدد الى 5، وكان ذلك بناءاً وإستجابة لرغبات الشعب الإرتري في الداخل وبلاد المهجر، والنقطة الثانية التي أحب أن أتحدث فيها في هذه السانحة هي في ستينيات القرن الماضي وصلت الى اسمرا فرقة إثيوبية كبيرة بها عدد كبير من الفنانين الكبار للمشاركة في حفل أقيم في بلدية أسمرا بمناسبة تتويج ملكة جمال إرتريا والحفل أقامه فريق كرة القدم التابع لشركة الاتصالات، ولإحياة ذلك الحفل طلبوا من إثيوبيا فرقة فنية كبيرة وطلبوا أيضاً فرقة اسمرا الفنيةللمشاركة فى تلك الحفلة، والفرقة الأثيوبية التي جاءت الى أسمرا كانت تملك أجهزة موسيقية حديثة ويقودها كبار فنانين اثيوبيا مثل طلاوون قسسى ومحمود أحمد وآخرون. وقبل وصول تلك الفرقة عقد الأداريين المشرفين على فرقة أسمرا الفنية إجتماعاً وقالوا نحن لانستطيع أن ننافس هذه الفرقة ولانستطيع رفض العرض المقدم الينا لإحياء الحفلة والإنسحاب.

ولكن يجب علينا أن ننافسهم بتراثنا القومي وبأغنياتنا التي نالت إستحسان الناس، والفرقة كانت تعكس تراث قوميني التقرينية والتقري ولذلك حددوا الفنانون الذين سوف يشاركون في الحفل واجرينا الاستعدادات اللازمة لذلك، وفي الموعد المحدد للحفل إرتدينا ملابسنا التراثية ومعنا آلالاتنا الموسيقية المتواضعة، ودخلنا الى قاعة الحفل، والجهات المشرفة على الحفل حددوا لهم ساعة ولنا ساعة لكي نقدم فيها عروضنا وبعد كل ساعة يحصل تبادل للفرقتين على المسرح وهكذا.

وهم في البداية قدموا عروضهم لمدة ساعة ونزلوا من المسرح، ثم جاء دورنا على المسرح قدمنا فقرات غنائية راقصة نالت إستحسان الجماهير، وحين تأهبنا لمغادرة المسرح لأنتهاء الزمن الذي منح لنا، بدأت الجماهير تصيح وتصرخ مطالبين لنا بالإستمرار وعدم إخلاء المسرح لشئ ما في نفسي يعقوب كما يقول المثل، وإندهشوا الاثيوبين من تفاعل الجماهير معنا، وإستمرينا في عروضنا لمدة ثلاثة ساعات متتالية دون توقف، وبعد ذلك نزلنا من المسرح، ونحن كنا خجلانين جداً لأننا قدمنا عروضنا لمدة ثلاثة ساعات متواصلة وكنا نرغب في إفساح المجال للضيوف ليقدموا عروضهم ولكن الجماهير هي التي رفضت مغادرتنا للمسرح، وأخيراً غادرنا المسرح، وحين تأهبت الفرقة الأثيوبية لتقديم عروضها وبعد مضي ساعة بدأت الجماهير تصرخ وتصيح مطالباً بفرقة اسمرا الفنية، بل قوة الشعب الإرتري وتمسكه بتراثه وحبه لوطنه، والشعب الإرتري يستحق الحرية لأنه كان يعمل من أجلها في كافة المجالات، والشعب الإرتري كان يشجع أي فنان إرتري يظهر على الساحة الفنية، والفنان/ برخت الجماهير شجعته عندما التحق بفرقة هيلي سلاسي في أديس أبابا وكل الفنانين الذين كانوا معه كانوا كبار وأقوياء مع ذلك كل الارتريين كانوا يقفون مع برخت ويشجعونه وجعلوه ينجح رغم آنف الاثيوبين وهذه النطقة الثانية التي أردت أن أحدثك عنها، والاثيوبين كما هو معروف لهم مدارس موسيقية عريقة وتراث غنائي متجذر، وكلية (ياريد) الموجودة في أديس أبابا ليست وليده اليوم، وكانوا يرسلون الطلاب للخارج لدراسة الموسيقي، ومع هذا كله الشعب الإرتري كان يرغب في سماع أغنيات تنبع من تراثه وتخاطب وجدانه وكان متمسكاً بتراثه، ونجحت الفرقة بفعل تفاعل ودعم الشعب الإرتري لها.

Top
X

Right Click

No Right Click