أقنعة الخطاب في سردية الوطن "مرسى فاطمة" نموذجا

بقلم الأستاذ: محمد جميل أحمد - كاتب وصحفي وناقد سوداني المصدر: إيلاف

في رواية (مرسى فاطمة) للكاتب الإرتري حجي جابر، الصادرة في طبعتها الأولى عن المركز الثقافي العربي بيروت 2013م،

لا تختبر الكتابة الروائية مجاز الوطن بوصفه رمزا في قناع الذات، فحسب، وإنما تنطوي تلك الكتابة على هوية ملتبسة لمقاربة الوطن ضمن مفهوم الكتابة (خارج المكان) أي عن الكتابة بوصفها معاناة "وطنية" ـ إن جاز التعبير - مع وطن لم يختبر الكاتب حقيقة امتلاكه كسائر الأوطان، ولم يختبر العيش فيه بمعناه العياني والمادي.

والكتابة ضمن هذا المجاز الروائي لا تأخذ دلالتها، فقط، من الحاجة إلى التعبير كتجريب فني، بل تظل، بصورة ما، تجديدا مستمرا لهوية ناقصة في كتابة مكتملة؛ ذلك أنَّ ما يمنح هذه الكتابة طاقة السرد وسحره، يتصل بحساسية تماهي احتمالات الكتابة والسرد، بموازاة تجريب ذاتي لحالة وطنية مركبة من داخل أزمنة الذات الساردة وأمكنتها.

وإذا جاز لنا القول إن ما يضمره الخطاب السردي في هذه الرواية؛ إنما هو اختبار دائري ممتد لهوية الوطن؛ فإن ما يجعل أقنعة السرد تجسيدا للحكاية الكبرى عن ذلك الوطن هو حيوات ومصائر يرسمها حجي جابر عن وقائع وأماكن وشخوص تأخذ صورتها البائسة منه في أزمنة الحرب والحب والخوف والتشرد والضياع، حيث يتشكل الوطن في تلك الحكاية الكبرى.

وإذا كان مصطلح السردية في تأويلٍ ما هو: "تنميط ثقافي يتعلَّق برؤيةِ جماعةٍ من الجماعات" فإنَّ تشكيلات الخطاب التي ترسم صورا للوطن بحسب تأويل كل جماعة تنتمي لذلك الوطن، تنطوي على أهمية دلالية كبرى في أقنعة الخطاب التي تعكس تأويلات مختلفة لسردية الوطن في هذه الرواية.

ترسم ثيمة النص الكلاسيكية مسارا دائريا للأحداث يبدأ من السعي وراء (سلمى) الحبيبة التي يبحث عنها بطل بغير اسم، عبر محطات قاسية في الوطن والمنفى وينتهي، بعد عذاب دائري، ليجد البطل نفسه في انتظارها على أمل اللقاء في المكان الذي جمع بينهما لأول مرة بمدينة أسمرا: (مرسى فاطمة)
غير أن علامات الطريق التي هي المضمون السردي للرواية، تتكشف عن حقائق صادمة لعلاقة الوطن مع أبنائه في محنة يبدو هذا الوطن من خلالها قاسيا ومدمرا لإنسانية المواطن، فيما هو يمارس ضده أبشع أنواع الاغتراب والعزلة والتهجير. فحين اختبأت الطالبة (سلمى) لأيام معدودات في بيت أحد أقربائها؛ خوفا من قرار مدرسي بنقلها إلى معسكر (ساوا) الصحراوي الرهيب، كانت تلك الأيام كافية لأن يذهب البطل إلى (ساوا) وراء سلمى؛ بحثا عنها وعن جنينه الذي في أحشائها، لمجرد سماعه من أحد جيرانها: "أنها رحلت إلى ساوا" ص 23

هكذا تبدأ رحلة البطل بحثا عن سلمى؛ نتيجة لهذا الجواب، دون أن يتأكد من صدقه حتى، متنقلا في رحلتة بين وجوه أخرى للوطن، لم يكن ليعرفها لولا هذه الرحلة.
خلال محطات الرحلة وقسوتها، تحديدا، يمكننا القول إن قناع الوطن القبيح عبر صوره الأخرى التي يكتشفها البطل، كان هو الوجه الآخر والمكمِّل لصورته الأولى المجسدة جماليا في مخيال البطل عن (سلمى)، ما يعني أنَّ ثمة جدلا قاسيا مزق صورة الوطن وشطرها في ذاكرة البطل وسرديته البريئة عنه.

لا يؤسس حجي جابر لحكاية منفصلة عن ما يوهم باختلاف صوت الراوي فيها عن الكاتب؛ فحتى بطل الرواية الذي لا يحمل اسما داخلها، يبدو في الظاهر، كما لو أنه صدى لصوت الكاتب؛ لكن ما يعزز فرضيتنا فيما أسلفنا عن مفهوم الكتابة ( خارج المكان) يحيل، في تقديرنا، إلى أن قناع الكاتب الأقرب لوجهه في شخصيات الرواية؛ هو شخصية (مازن) الشاب الإرتري الذي " ولد في جدة ولا يعرف مكانا سواها... واضطرت عائلته للعودة إلى أسمرا، ولم يمضِ أسبوع حتى قدم إلى ساوا قبل أن يتعلم التغرينية " ص 60، 61.

و من خلال لهجة (مازن) الحجازية وكلماتها الغريبة مثل (سربوت، سرسري، تلّيك) أراد حجي جابر أن يوحي بقناع رمزي عن هويته (الجداوية) الأخرى، في الواقع (وهي تقنية سردية استخدمها أيضا في روايته الأولى: سمراويت).

ولعل السخرية الباطنة والظاهرة في بعض مشاهد الرواية لمواقف (مازن) ومفارقاته وتعليقاته المضحكة ما يؤكد تلك الفرضية.

يتردد خطاب السرد في الرواية خلال مسارين متوازيين؛ مسار تخييلي حالم، وآخر واقعي قاس. وفيما يتوسل الكاتب مساره التخييلي عبر منولوجات داخلية عذبة وشفافة عن (سلمى) يضع القارئ أمام وقائع قاسية وشرسة للحياة والعيش داخل الوطن وخارجه.

إنَّ حكاية الوطن المتصلة (بسلمى) تعكس منطقا دائريا لمسار السرد؛ وتضمر بنية رمزية لجدلية الخفاء والتجلي؛ ففيما تظل سلمى رمزا مخفيا وغائبا للحكاية، تتجلى المصائر القاسية أصلا للحكاية ذاتها من وراء ذلك الرمز.

لا تلغي الوقائع الكالحة في معسكر (ساوا) أقنعة أخرى للوطن يؤمن بها شباب معزول عن الفضاء العام، برسم السلطة، من أمثال (كداني)، الذي يتعرف البطل عبره، على رواية (جورج أورويل) الشهيرة: (مزرعة الحيوان) داخل المعسكر. فصوت (كداني) اليساري المعتقل مع زوجته (إلسا) في معسكر (ساوا) لسنوات طويلة أرشد البطل لمعنى آخر للوطن عزّز فيه احتمالا مختلفا وموازيا لصورة سلمى في خياله.

تتناسخ الرواية في حكايتها إلى أطوار متسلسلة تتجلى عبرها أمكنة بائسة لشخصيات بائسة يرسمها حجي جابر بحب وتعاطف، ويفيض عليها ما يعكس هموم السرد المضمرة في حكاية الوطن؛ كاللجوء، والتشرد، والهجرة، والسجن، والعذاب المر حيال مطلق العيش وحدوده الدنيا؛ كأنَّ الوطن الذي حلم به اللاجئون القدامى والجدد في معسكر (الشجراب) بالسودان، لعنة أبدية تترصد مصائرهم.

إنه الوطن معزولا، ومعذبا، الوطن منفيا ومتروكا للمصائر المجهولة؛ عبر شخصيات لا يأخذ معناه في الواقع إلا منها، ولا تأخذ صورتها في الحياة إلا به، فيما يظل، في عالم الرمز وطنا تتعالى فيه سلمى، شفافا وجميلا: "منكِ تعلمت كيف أطارد هذا الوطن بحب، كيف أحتفظ بإيماني به، رغم كل شيء. تعلمت أنَّ الوطن الحبيبة والحبيبة الوطن، وجهان لكل أحلامنا الجميلة" ص 106

يستعين حجي جابر بمجازات شعرية في وصف سلمى؛ ليحلق من خلالها في لغة صافية ومفعمة بالحب والترميز، فيما تنحو لغة الوصف القاسية والحزينة لأحوال ومصائر أبطاله في أمكنة العذاب (ساو، دولة الشفتا، الشجراب) إلى خلاصات متأملة لا تخلو من العبر التي تجسد مفارقات الحياة داخل الوطن وخارجه: "كانت لحظة مربكة أن يكون خلاصنا، حين نعطي ظهورنا للوطن، حين نهرب منه بكل ما نملك من خوف وأمل وشك ويقين" ص 136

لم يكن قناعا (سلمى) و(كداني) لوجه الوطن إلا تمثلا جميلا أسقطه حجي جابر بموازاة تمثلات أخرى قبيحة وقاسية لأقنعة الوطن، بدت جلية وظاهرة في ثنايا الرواية؛ فـمعسكر ( (ساوا) الرهيب، وقائده (منجوس) كان تمثيلا قاسيا لوطن سفلي - إن جاز التعبير - ولا يوازيه في ذلك إلا وطن (الشفتاي) الذي يضخ معنى الوطن في وعيه تشويشا حرجا بين الذاكرة والهوية فهو مكان لم يعرفه إلا مسرحا لتهريب البشر، ولا يفهم دلالته بوصفه وطنا إلا بموازاة (الديرة) - وطن أجداده البعيد - فحين أجاب على سؤال البطل كان لا مباليا تقريبا حول انتمائه لإرتريا: (أجل ويش هو.. وكاد أني إرتري؟) فيما أجاب بلهفة عن زيارته لوطنه الحقيقي الذي يقع خارج إرتريا: "الديرة؟.. ودي بس ويش أسوي.. من يوم لفاها أجدادي ما حد منهم قدر يعوّد" ص 134

وبحسب التأويلات التي يعكسها خطاب الرواية حيال صورة الوطن في خيال الشخصيات؛ فإن ثمة قناعا آخر يرسمه حجي جابر ليرصد تحولات المكان على هوية اللاجئين في معسكر (الشجراب) بالسودان. وبرغم الصورة التلقائية لذلك القناع الذي يأتي كخطاب مشوش لأثر المكان إلا أنها صورة تختزن نمطا فريدا لتأثير التخوم المتجانسة، بعيدا عن إكراهات خطاب السلطة، كما في معسكر (ساوا) وأوامر العقيد (منجوس).

فشخصية (أم أواب) التي مكثت في معسكر (الشجراب) بالسودان سنوات طويلة مثلت نموذجا لذلك التأثر المنجذب لهويات التخوم المتجانسة؛ هكذا شرح أمير لبطل الرواية عن تغيّر عادات الإرتريين في معسكر الشجراب "مع الوقت " تسودن " المخيم بناسه وطباعهم وأفراحهم وحتى أحزانهم... قليلون احتفظوا بما قدموا به، لكنهم يبدون أقل تحضرا" ص 219. وهكذا حين تقول (أم أواب) للبطل "العادات دي جاتنا من العاصمة" يسألها باستغراب: "من أسمرا؟" فتجيبه: "لا. من الخرطوم" ! ص 223 فلم يكن الوطن بالنسبة لأم أواب إلا قناعا لبيتها الحميم؛ الجزء الذي ولدت فيه وعاشت فيه ولجأت منه إلى السودان، وحين عادت إلى إرتريا بعد الاستقلال وجدت آخرين احتلوا بيتها، وطلبت منها السلطات أن تختار بيتا آخر في مكان بعيد، فرفضت ذلك وعادت مرة أخرى إلى (الشجراب)

في معسكر (الشجراب)، حين يبتعد البطل عن وطنه فيزيائيا، وراء سلمى تأخذ علاقته بـ(كارلا) الطبيبة الإيطالية الزائرة في مفوضية اللاجئين، ميلا خفيا ومنافسا لسلمى، من خلال اهتمامها به، فيعيش تنازعا بين غياب سلمى وحضور (كارلا)، بين الذات والآخر، أو بين إرتريا وإيطاليا التي تقنعه (كارلا) بالسفر إليها والاستقرار معها لكن قرار البطل أخيرا النزول فجأة من الحافلة والعودة إلى إرتريا - بعد أن ركب فيها؛ استعدادا للمغادرة ـ جسَّد تمثلا رمزيا مطابقا لجدلية الذات والآخر، وكشف عن صورة العلاقة المعبرة عنه ضمن خطاب الدلالة؛ فإيطاليا بالنسبة للإرتريين، ليست مجرد ملاذ أوربي للهجرة فحسب، بل تجسيد لذاكرة تاريخية للقهر والاستعمار. وهنا تتجلى أشدُّ صور التعبير الرمزي لحيثية سلمى بوصفها دلالة على الوطن.

لم تكن سلمى، إذن، إلا قناعا للحكايات الحزينة عن الوطن في تمثُّلات الشقاء المنعكسة على أبنائه في: (ساوا) و(الشجراب) و(دولة الشفتا) و(سيناء) حيث كشف حجي جابر عن أعمق وأصدق الوقائع الصادمة لجرائم لم تخطر على الخيال؛ لشدة بشاعتها، فتلك الحكايات صورت أثرا واقعيا ومتوحشا لحالات شاذة من الرقيق الأبيض، بما يجعل منها وثيقة جمالية نادرة عن عالم مظلم وقبيح.

يحكي أمير للبطل ما تعرض له في فخاخ الجحيم المنصوبة على طول الحدود الإرترية السودانية بين مدينتي: (تسني) و(كسلا) واختطافه من قبل عصابات (الشفتا) - قطّاع الطريق - إلى جنون التعذيب في طريق الآلام الطويلة؛ بحثا عن الحرية، وصولا إلى معسكر (الشجراب) للاجئين بالسودان وأخيرا خضوعه لأغرب جريمة - اقتلاع كليته، وهو حي، في غار جبلي موحش بسيناء - مقابل دفع ما عجز عن تسديده للبدو من أجر الرحلة إلى إسرائيل.

ففي ذلك الغار الذي يتحول فيه البشر إلى وحوش يقول أمير: " نهضت مفزوعا فهالني ما رأيت: طابور من الرجال والنساء بعضهم ممن كان معنا على اللوري، كانت أقدامهم مقيدة أمام طاولة عليها طبيب يأخذ عينات من دمائهم قبل أن يرسلهم إلى خيمة كبيرة. كانت المرأة تحتضن ابنتها بقوة، وهي واجمة إلى أن افتكَّها منها مسلّح، بعد أن فرغ منها الطبيب، فبدأت في البكاء " ص 177: " مضى بعض الوقت قبل أن يخرج طبيب من الخيمة الكبيرة مسرعا إلى غرفة مجاورة، ويعود وبرفقته عدد من البدو. بدا الارتباك واضحا على المجموعة التي تنتظر دورها، وهم يحاولون الاقتراب لاستجلاء الأمر، غير أن أحد المسلحين أبعدهم... لم يمر وقت طويل، حتى خرج البدو، وهم يحملون جسدا مغطّى لم يلبث الهواء أن كشفه فظهر وجه المرأة التي رافقتني طوال الطريق، وقد أصبحت جثة هامدة" ص 179

في عناوين فصول الرواية ذات الدلالة المكانية (مرسى فاطمة ـ ساوا ـ دولة الشفتا ـ الشجراب ـ مرسى فاطمة) ما يشير إلى قصدية الإيحاء والتدوير للمكان / الوطن، فالأمكنة هنا تعكس وجوها معذبة للوطن؛ وجوه لا يستطيع المواطن إلا الهرب منها. في النهاية يختار البطل العودة إلى الوطن مرة أخرى، بعد أن أبصر في (الشجراب) مصيرين محتملين للجحيم والنعيم: (سيناء - إيطاليا).

هكذا إذ تبدو هذه الرواية فضاء للكتابة عن سردية الوطن عبر أقنعة الخطاب السردي؛ فهي أيضا تنطوي على دلالة واضحة لحيثية تتصل بعلاقة خاصة للكاتب بوطنه، من حيث كونها كتابة عن الوطن من خارجه، عن المكان من خارج المكان.

إنَّ خيار العودة إلى الوطن، هنا والآن، في المصير الذي رسمه حجي جابر للبطل هو فقط تعبير عن حاجة إلى الامتلاء والتمثل؛ عن ضرورة إلى تعويض الفقدان كحاجة أولية وأساسية ما كان لها أن تعكس هذا المصير - في ظل حقائق الوطن الصادمة - لولا أنَّ الكاتب لم يعش مطلق الحياة فيه، ولم يمتلئ بها من قبل.

إنها كتابة "مريضة" عن الوطن، من أجل تأسيس ذاكرة مستعادة من تمثلات الاغتراب والبعد عن ذلك الوطن الذي ما إن ينتهي فيه المجند من تدرُّبه في معسكر (ساوا) الرهيب حتى: "يتحول إلى عامل سخرة يشيد المباني، ويرصف الطرقات في طول البلاد وعرضها؛ مقابل وجبة العدس".. ولن تنجو الفتاة من ذلك المعسكر إلا حين يختارها" ضابط للياليه الحمراء، أو أخرى اختارت أن تحمل بأي طريقة لتحصل على الإعفاء " ص 83

بين سرد وقائع الجحيم في ذلك الوطن، وضرورة الامتلاء به على نحو خاص، يكتب حجي جابر تغريبتة الإرترية؛ فلم يكن ترتيب مشهد قرار عودة البطل قبيل مغادرته إلى ايطاليا، مع رؤية العقيد منجوس (قائد معسكر ساوا) من وراء زجاج الحافلة، لاجئا إلى الشجراب، دلالة على صورة من صور الانقلاب في مصائر الضحايا والجلادين، بل كان تقاطعا حرجا بين الواقع والمخيلة، التقط به حجي جابر مفارقة الوطن بين حالتين لخصتا معنى: امتلاك الوطن إلى حد الامتلاء، ومعنى التعويض المستمر لفقدان ذلك الامتلاء؛ لهذا يقول حجي جابر على لسان " كداني ": "لا تنس يا صديقي أنَّ أعظم العشق لا يأتي مكتملا، فيظل الاكتمال حلما معلقا بسقف أمانينا. الامتلاء فعل لا يليق بالعاشقين" ص 68.

يظل حجي جابر في تجربته الروائية العربية أحد أصوات الكتابة السردية المهمة بين الشباب في المملكة العربية السعودية؛ فهو الذي عاش منذ طفولته في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، لاجئا إليها مع عائلته من جحيم الحرب في إرتريا بداية ثمانينات القرن الماضي، لم يكن في اختلاف موضوعاته السردية المتصلة بإرتريا، ما يجعله خارج سياق الكتابة عن مناخ التجربة السعودية في السرد.

ومن هذا الأفق يمكننا القول إن تجربة حجي جابر تمثل نضجا فنيا متفردا في سياق تجارب السرد في المملكة العربية السعودية، وتطرح بذلك نموذجا واضحا لحيثيات نجاح نادرة في حركة السرد داخل الخطاب الروائي السعودي، والإشكاليات المنهجية والفنية التي تطرح تحدياتها على ذلك الخطاب.

ومن هنا يمكننا القول أيضا، إن حجي جابر ظل وفيا لبيئته الحجازية (الجداوية) حين اشتغل بنجاح حتى الآن، على دمج شخصيات روائية عكست حضورا لتلك البيئة الجداوية في المتن السردي، في كل من روايتيه: (سمراويت) و(مرسى فاطمة). وكانت من أغنى الشخصيات التي صورها بمزاج روائي بديع وساخر.

Top
X

Right Click

No Right Click