إضاءة على رواية عطر البارود للأديب الإريتري هاشم محمود
بقلم الأستاذ: عفيف قاووق - لبنان
في أمسية ثقافية برعاية منتدى الرِّواية المِنصة الرقمية لمناقشة روايات الكُتَّاب السودانيين،
تمت مناقشة رواية عطر البارود للكاتب الروائي الإريتري هاشم محمود.
إن كان الموت أمر ا حتميا، فلا مفر سوى أن تموت بشرف وأن تُقاتل لتحمي هذا الوطن الذي لن يُحرر فقط بالدُعاء أو البُكاء فلسّنا في زمن المعجزات، فقط من يعمل ويسعى ويُجاهد لأجل الوطن، هو وحده من عليه انتظار النصر والفرج. مضمون هذه الفقرة يُمثل القضية الأساس التي عالجتها رواية ”عطر البارود“ لمؤلفها الإريتري الأستاذ هاشم محمود.
رواية تُلخِّص بشكل ما فترة مقاومة الاحتلال الإثيوبي لإريتريا،ويبدو أن المؤلِّف عاين عن قرب تلك الفترة، فجاءت روايته تنقل الواقع آنذاك كما هو وبأسلوب سردي سهل ممتنع، بعيد عن التعقيدات والطلاسم اللغوية.
شرح لنا وبإسهاب تلك المعاناة التي تعرَّض لها الشعب من تهجير وتشرُّد في مخيمات اللجوء لكن هذه المعاناة لم تستطع إخماد شعلة المقاومة التي تختلج في الصدور، والتفكير والعمل الجاد من قبل شباب إريتريا لتحرير واستعادة الوطن.
اللافت في رواية عطر البارود هذه البطولة الجماعية لشخوص الرواية، بمعنى لا توجد شخصية محورية أو بطل رواية كما نعهده في روايات أخرى، إذا ما استثنينا أن الوطن هو البطل الحقيقي الذي دفع بخمسة من الشبان ليتعاهدوا على الانضواء في فصائل المقاومة وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدُل على ديمقراطية المؤلِّف ليتعاهدوا على الانضواء في فصائل المقاومة وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدُل على ديمقراطية المؤلِّف بحيث لم ينحاز إلى شخصية بعينها ويُظهّرها على حساب الشخصيات الأخرى، ويدُل أيضا على أن فعل المقاومة والتحرير هو عمل جماعي يذوب فيه الفرد في الجماعة.
إلى حد بعيد - في توثيق حالة - نجحت «عطر البارود» رواية المقاومة والروح الوطنية التي اجتاحت الشباب الإريتري الذين آمنوا أنهم - وبسواعدهم فقط - يمكنهم التخلُّص من براثن المُحتّل، يحدوهم الأمل بغدٍ أفضل، هذا الأمل الذي عبّّ عنه المؤلِّف من خلال حُسن اختياره لعنوان روايته ”عطر البارود“ ليقول لنا أنه بالإمكان أن يكون للبارود عطرا إذا أحسنَّا استعماله فلا بد أن ينتج هذا البارود تحررا واستقلالا وهل هناك عطر أكثر فخرا و زهوا من عبق الانتصار والاستقلال.
في رواية عطر البارود لم تغب المرأة الإريترية عن ساحة النضال، فكان لها الدور المساند والداعم لرجال الثورة، نجد مثلا أم إبراهيم تبارك التحاق ابنها ورفاقه بالثورة قائلة خيرا تفعلون، أما زوجة إبراهام فلم تتأخر لحظة في تقديم دمائها للمصابين، وفقدت الكثير من الدماء من أجل إنقاذ الجرحى والمصابين، ولن ننسى عافيت أخت إبراهيم تلك الفتاة التى أصرت على إتمام دراستها في بريطانيا لتعود متسلحة بالعلم والمعرفة لخدمة بلدها وشعبها.
وفي هذا يقدم الكاتب نموذجا من تغني الشعراء بالفتاة الإريترية يا فتاتي في غد سوف نجتاح السدود فالشباب إذا أصر فليس توقفه القيود يا فتاتي عن قريب قد تعشقت الجموع سوف نمضي واثقين نحو مجتمع سعيد فانشري الوعي قويا بين هاتيك الربوع وابعثي الفرحة فيها وادفعي عنها الخنوع.
وبأسلوب رشيق وإنسيابية ملحوظة لم يفت الكاتب الإشارة ولو بشكل موجز إلى جغرافية ارتيريا، مقدما للقارىء - الذي بلا شك يجهل الكثير عن هذا البلد - معلومات وتفاصيل تجعله حاضرا ومتنقلا بين مدن وقرى إرتريا، من أسمرا إلى «كسلا وبورتسودان» مصوع ومدن السودان المتاخمة لإرتريا وغيرهما من المواقع.
وفي إشارة منه الى الترابط بين البلدان العربية وتشاركها في الثروات الطبيعية يذكر لنا الكاتب نهر القاش العظيم الذي ينبع من منطقة أمباطقرا فى ضواحي عرزا ليستكين في مدينة تسني حيث يستفاد من مياهه في ريّ المشاريع الزراعية الموجودة في هذه المناطق، خصوصا مشروع (على قدر) المشهور بإنتاج القطن، ليواصل الجريان داخل الأراضي السودانية وهناك يسقى مشروع دلتا القاش الزراعي، وهو أحد المشاريع الزراعية الكبيرة في شرق السودان ويهتم أيضا بزراعة القطن، وكأن الكاتب يريد القول إذا كانت السياسة تُفرِّق فإن الجغرافيا لا بد وأن تجمع.
أخيرا نلاحظ إن المؤلف ابتعد عن السوداوية في روايته بالرغم من المآسي والمعاناة التي تطرقت إليها الرواية، لذا نراه أوجد حالات حب وتعاضد اجتماعي نشأت في مخيمات اللجوء، ولكون الغاية هي التحرر والاستقلال؛ فقد أصرَّ المؤلف أن تحمل روايته الكثير من الإيجابية والدعوة إلى التمسك بثقافة الحياة الكريمة، لذا لم يشأ أن ينهي روايته نهاية مؤلمة بل جاءت نهايتها سعيدة أعادت لم شمل الشبان المقاوم ليبدأ كل منهم حياته المستقبلية الهانئة في ظل وطن حر ومستقل.
رواية عطر البارود حتما ستجد مكانها ومكانتها في مكتبتنا العربية، فشكرا للأستاذ هاشم على ما أجاد به فكره وقلمه.