هل مازال في القنديل وهج البريق؟

بقلم الأستاذ: حسن عثمان حسن - بورتسودان  المصدر: سودانيل

ثرنا من أجل مصلحة الملايين ثرنا من اجل الكادحين،

ورفضنا كل ظلم واقع فينا واعلنها ثورة في الواحد والستين،

نحن المشانق صعدناها نحن السجون دخلناها نحن العذبات شربناها.

(من قصيدة ثرنا من أجل مصلحة الملايين للفنان المناضل حسين محمدعلي).

مرت قبل ايام الذكرى (27) لاستقلال الجارة الشقيقة ارتريا 1991/5/24م بعد مسيرة نضال طويلة انطلقت في العام 1961م بقيادة البطل حامد ادريس عواتي بإطلاقه شرارة الثورة.

في نفس التوقيت كان تخطيط الارتريين في بلاد المهجر والداخل لاقامة جبهة تنظم الكفاحة المدني والعسكري (عرفت لا حقا بجبهة تحرير ارتريا).

عانت البلاد من نير الاستغلال قرون عديدة متمثل في سلطة المملكة الحبشية ونظام الاقطاع عبر وكلاء الملك في مختلف الاقاليم، المملكة كانت تعيش بنظام طبقي ارستقراطي وهو حكم مجموعة الامهرا (النبيلة) وعامة السكان من طبقة التقري او الرعاية - حسب النظرة والواقع الذي استمر آماد.

في تراث الامهرا انهم نبلاء وان الاسرة الحاكمة من ذرية نبي الله سليمان وبلقيس ملكة سبأ.

في هذا المقال نحاول استعراض دور نضال الكلمة والموسيقى والكفاح المدني في الثورة.

بدءاً السودان كان حاضراً ولازال وسيكون في كل التفاصيل الارترية ماجرى نهري القاش وبركا وبحق الدماء وماتحركت القبائل بين القطرين وبحب أهل السودان للجمال وبحب أهل ارتريا للسودان والمزاج المشترك.

واني لأ اجد هنا الى الآن الطف من حديث الصحافي السوداني الارتري عمر جعفر السوري "رسم تلك العلائق في كل الحقب تدفق أنهر من ترحال دائم بين القبائل و العشائر و بين بطون و أفخاذ تلك القبائل، و تجارة رائجة لم تحدها حدود، و لم تقف في وجهها معارك جرت عبر نقاط التماس أو في قلب البلدين.

بعض تلك الانهر كان ظاهراً على وجه البسيطة، ينهل منه الناس و ترتوي بمياهه الأنعم، و يسقي زرع الوشائج فتخضر و تنمو و تزهر و تزدهر، أو يعكر صفوه ماء آسن وجد طريقه الى مجاريه؛ و بعضها الآخر يجري تحت الأرض تتشكل منه بحيرات ترفد المستقبل، إن دعت الحاجة و بلغ القحط مبلغه.

كذلك خط أشخاص كثر على صفحة العلاقات علامات بارزة، لكن علا تضاريسها غباراً تراكم على مر السنين في انتظار أيدٍ تزيله و تكشف أسراره حتى تضئ مواقع الاقدام و تنشر بيارق نصره".(1)

الثورة!
"وهني - بر"

هنا في وهني - بر كان الإقطاع الحبشي يتوارث الأقنان جيلاً بعد جيل لتشغيل أبناء الفلاحين في أراضيهم الشاسعة في علاقة أشبه بالاستعباد أكثر منها علاقة أجرة مقابل عمل. في مثل هذه الأجواء من الخضوع الإيماني لقوة الأمراء والملوك وشرعيتهم وقدسيتهم كان تتربى أجيال من الإثيوبيين التي يرى أفرادها أن التمرد على الإمبراطور وحكومته كفر وعصيان لا يستحق من يتجرأ على القيام به سوى أقسى العقوبات، يعتبر الموت أفضلها، وهذا بالفعل ما كان جيش الإمبراطور هيلي سلاسي وعملاؤه من الإرتريين يتفننون في القيام به لأكثر من عقدين من الزمان تقريبًا في أنحاء متفرقة من إرتريا.

في مثل هذه الأجواء من الخنوع والاستسلام لسلطة الأمراء والملوك في الواقع الإثيوبي، كانت هناك بوادر تمرد من أبناء هذه الطبقة المستغلَّة أبشع أنواع الاستغلال، حيث أن عشر قرى بكاملها كانت تزرع أراضي إقطاعي واحد يسير عليها الإنسان نصف يوم كامل على ظهر بغل، ولم يأت الإقطاعي "الأمير" يومًا لرؤية هذه الأرض التي ورثها عن أبيه الذي ورثها هو الآخر عن جده، بعد أن قضى على تمرد أمير آخر على الإمبراطور "منليك" قبل سنين طويلة (2) في هذا الاجواء القاتمة التي لا يلوح معها أمل في حياة كريمة، حياة كريمة لايتمتع بها الا البعض (الشماقلي) الوجهاء والسادة!

هزمت ايطالية في الحرب العالمية الثانية ودارت النقاشات بشأن املاكها من المستعمرات.

"بعد توقيع إيطاليا اتفاقية الصلح مع الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في 10 فبراير 1947م تنازلت عن حقها في مستعمراتها في افريقيا وهي: إرتريا والصومال وليبيا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بتكليف الدول الكبرى الأربع وهي: بريطانيا - فرنسا - أمريكا - الاتحاد السوفيتي - للبت في تقرير مصير مستعمرات إيطاليا خلال عام وفي حالة عجز الدول للوصول إلى قرار ترفع أمر المستعمرات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقد أحالت الدول الكبرى أمر مستعمرات إيطاليا إلى نواب وزراء خارجية الدول الأربع الذين كلفوا بدورهم لجان تحقيق رباعية لكل منطقة في 20 أكتوبر 1947م لدراسة الأوضاع في مستعمرات إيطاليا السابقة من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية.

وقبل أن تغادر لجنة التحقيق الرباعية مقر الأمم المتحدة بنيويورك لمباشرة مهامها في إرتريا وردت الادعاءات التالية إلى الأمم المتحدة:-

1. طالب مندوب مصر في الأمم المتحدة إلحاق إرتريا إلى الحكم المصري الإنجليزي في السودان باعتبار آن مصوع وإرتريا آلت إلى الخديوية المصرية من الحكم العثماني قبل احتلال إيطاليا لإرتريا عام 1885م.

2. طالب مندوب إثيوبيا بضم إرتريا إلى إثيوبيا بعد زوال احتلال إيطاليا الغادر لها ولاعتبار ان إرتريا جزء لا يتجزء من إثيوبيا منذ القدم واستدل علي ذلك بشهادة البعثة البرتغالية التي وصلت إلى إثيوبيا في القرن السادس عشر والتي صرحت أن العرب يحتلون الجزيرة المواجهة لمصوع (دهلك) ولكن الشواطئ الساحلية والداخل يسيطر عليها إمبراطور (إثيوبيا).

3. طالب مندوب إيطاليا بان يعطوا الوصاية علي مستعمراتهم في إفريقيا لأنهم أحق بها من غيرهم.

وأرجئت كل الإدعاءت ومضت اللجنة الرباعية في مهامها ومكثت في إرتريا الفترة من 12 نوفمبر 1947م إلى 3 يناير 1948م.

وتباينت مقترحات لجان التحقيق الرباعية نتيجة لاطماع كل منها، فقدمت في يونيو 1948م إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة المقترحات التالية:-

أ‌) قدم مندوب بريطانيا تقسيم إرتريا بين السودان وإثيوبيا.

ب) قدم مندوب الاتحاد السوفيتي أن تكون إرتريا تحت وصاية دولية أو جماعية

ج) قدم مندوب فرنسا أن تكون إرتريا تحت الوصاية الإيطالية.

د) أيد مندوب أمريكا الاقتراح الفرنسي ثم سحب اقتراحه في الجلسة.

وبعد مناقشة المقترحات الواردة قررت الجمعية العامة سماع آراء الأحزاب السياسية في إرتريا بدءا من 1949/4/20م وأعيد ملف القضية الإرترية إلى أروقة الأمم المتحدة في 15 سبتمبر 1949م.

المشاريع التي قدمت بشان إرتريا خلال الدورة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة:-

أ) في 1949/5/3م قدم مشروع بيفن - سفورزا وزيرا خارجية بريطانيا وإيطاليا يقترح:

• أن تعطي إيطاليا الوصايا علي الصومال الإيطالي ومدينة طرابلس بليبيا.

أن تعطي فرنسا الوصاية علي فزان بليبيا.

أن تعطي بريطانيا الوصايا علي برقة بليبيا.

أن تقسم إرتريا بين السودان وأثيوبيا.

ب) في 1949/10/11م قدمت إلي الجمعية المشاريع التالية:

مشروع باكستاني يقضي بمنح إرتريا استقلالها بعد ثلاثة سنوات مع إعطاء أثيوبيا منفذا علي البحر عن طريق عصب.

مشروع سوفيتي يقضي بمنح إرتريا استقلالها بعد خمس سنوات تكون خلالها تحت وصاية الأمم المتحدة.

مشروع أمريكي يقضي بضم المقاطعة الغربية إلى السودان وضم المرتفعات الوسطي وسواحل البحر بما فيها مصوع إلى إثيوبيا.

ولما لم تتفق الجمعية العامة علي أي مشروع من المشاريع المذكورة أعلاه قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1949/11/21م تشكيل لجنة خماسية من مندوبي بورما واتحاد جنوب افريقيا وباكستان وغواتيمالا والنرويج وأعطيت للجنة الموجهات التالية:-

1. أن تأخذ اللجنة في الاعتبار رغبات سكان إرتريا ومصالحهم.

2. أن تأخذ اللجنة في الاعتبار مصلحة السلم والأمن في شرق افريقيا.

3. أن تأخذ اللجنة في الاعتبار حقوق الحكومة الأثيوبية المبنية علي أسس عرقية وجغرافية وتاريخية.

4. أن تأخذ اللجنة في الاعتبار المقترحات الواردة في الدورة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 1949/9/20م.

وبعد أن قضت لجنة التحقيق الخماسية في إرتريا الفترة من 1950/2/14م إلى 1950/4/6 واختلفت أراء اللجنة كما اختلفت اللجنة الرباعية.

وتقدمت اللجنة بالتوصيات التالية:-

أوصى ممثل بورما واتحاد جنوب افريقيا بربط إرتريا باتحاد فيدرالي مع أثيوبيا تحت التاج البريطاني.

أوصى ممثل باكستان و غواتيمالا باستقلال إرتريا الكامل بعد فترة تحديد الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أوصى ممثل النرويج بضم إرتريا إلى إثيوبيا.

وبعد مناقشة توصيات اللجنة الخماسية وخمس مشاريع أخرى بشأن القضية الإرترية تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 390/أ/5 في 2 ديسمبر 1950م بربط إرتريا باتحاد فيدرالي مع إثيوبيا و تم تنفيذه في 5 سبتمبر 1952م تحت إشراف مندوب الأمم المتحدة الدكتور/ انزي ماتينزو من بوليفيا".(3)

هذه النقاشات في الامم المتحدة ابان فترة تقرير المصير وبعد قرار ضم ارتريا في اتحاد فيدرالي لاثيوبيا تطورت في الداخل الارتري خاصة في مسألة الهوية واللغة، اتحاد وصفه مندوب الاتحاد السوفيتي، اندريه قروميكو، قبيل صدوره "بانه زواج كاثوليكي بالإكراه".

وحدثت احتدام في قضية اللغة الرسمية لارتريا في البرلمان الارتري.

"احتدم النقاش تحت قبة البرلمان، و كان من فرسانه صالح باشا كيكيا مدافعاً عن اللغة العربية و متمسكاً بها، توجه اليه تلاّ بايرو، أول رئيس وزراء لإرتريا، و زعيم حزب الوحدة الذي نادى بالانضمام الى اثيوبيا، بسؤال خيم بعده السكون الذي يسبق العاصفة، و ران الصمت على جميع من في القاعة كأن على رؤوسهم الطير. سأل بايرو الباشا إن كان يتحدث بالعربية مع أهل بيته؟ عما يدور في الدور، و عن همس المخادع يسأل الوزير الاول؟! على نفسها جنت براقش إذن! حينها انفجر صالح باشا في وجه تلا بايرو و خاطبه من غير القاب مشيراً اليه بأصبعه، و تلك غاية الاهانة عند أهل تلك البلاد: "تلاّ! أتريد أن تعرف باي لغة اتحدث مع أهلي و كيف؟" هنا أدرك رئيس الوزراء عظم الخطيئة التي ارتكبها و الكفر البواح الذي تلفظ به، فسارع الى الاعتذار و إظهار الندم على ما قال، ليطُوي الحديث عن موضوع اللغة و ليثبت البرلمان العربية لغة رسمية لإرتريا الى جانب التقرينية"(4)

هذه الاشكاليات مجتمعة الطبقية (التقري) وافرازاتها من ناحية (العربية والتقرينية) من ناحية أخرى كآلية تمكن ثقافية سياسية اضافة الى الوضع الاقتصادي المرير لعامة الشعب وماخلقته من حواجز الانظمة الاستعمارية التركية، المصرية، الايطالية والبريطانية اضافة الى الصراع الحزبي السياسي في فترة الاربعينيات والانقسام بشأن تقرير المصير بين الاتحاد مع اثيوبيا والاستقلال عنها أو طلب الوصاية واخيراً قرار الفيدرالية التي وصفت بأنها قسرية، كانت تعمل عملها في نفوس الارتريين وتغذي يوما بعد يوم مشاعر النفور والثورة والتحرر من ربقة هذه الاوضاع.

ومن جملة الانشطة التي استخدمها الارتريون في كفاحهم للتحرر الفن بكل اشكاله غناء ومسرح وقصة ورواية وحراك سياسي وعمل عسكري مخابراتي وقتالي.

وبرز في مجال الغناء مساهمة في الثورة فنانيين عباقرة استخدموا فن الترميز امام الرقابة الفنية التي فرضتها سلطات اثيوبيا.

مثال على ذلك الترميز الاغنية التي قيل انها تنبأت بزول عرش الامبراطور هيلاسلاسي (تحلف اي مسلني ال سنتلا اعتقد ان هذه السنة ستمر بسلام! على هذه البلاد.

وهي اغنية في قالب حوار داخلي بين مواطن ونفسه هل يثور في وجه الاوضاع السيئة والاقطاع والسخر؟ اما انه لايستطيع تحمل تبعات ذلك؟

إلاما تحلفنيتو قبي وقبت سنتجي اتقسي
من ابقع اتهاقي ومن إأمر اتنسي.

(ستمر هذه المرارات واجلس مع اقراني اتحدث بمعرفة والذي لا اعرفه من شؤون احياة استمع له واتعلمه لا داعي ان اثور)

تحلفنتيو ديب إبل وديب اتمني
حليف ابيت أدنيا وابيت سني.

(اتمنى منى ان تنتهي الضوائق لكي اعيش عيشة كريمة، لكن لن تذهب بالتمني أبت هذه الكآبة ان تغادرنا لينصح حالنا ماذا نفعل)؟

من إلا اتأكي إتهمطي مولاي آون اسني.

(امولاي نرجو ان لا يمر بنا اصعب من هذا السوء يالله اصلح زماننا الذي نحن فيه)

من ابقع اتهاقي ومن إأمر اتنسي.

(ستمر هذه المرارات واجلس مع اقراني اتحدث بمعرفة والذي لا اعرفه من شؤون احياة استمع له واتعلمه لا داعي لأن اثور).

تحلفنتيو ديب إبل وديب اصبر
قشت ناشفت مثل ديب اكاسر
لباشي رقعتو درعتو عورت ستر
إقر يي حافيتو أدماي جرر
حليف ابيت الدنيا يهو مي اباصر

(اقول وامني نفسي ان حالنا سيتحسن واتصبر بهذا)

آكل خبز من غير إدام ملبسي مرقع بالكاد يستر عورتي

(وأرجلي حافية تسيل منها الدماء لماذا وعلى ماذا اتصبر)؟

هذه الدنيا وبهذه الحال البائيسة أبت ان تهذب كيف اباصرها؟ هل اباصرها ام اثور عليها؟

إلاما تحلفنيتو قبي وقبت سنتجي اتقسي
من ابقع اتهاقي ومن إأمر اتنسي.(5)

(ستمر هذه المرارات واجلس مع اقراني اتحدث بمعرفة والذي لا اعرفه من شؤون احياة استمع له واتعلمه لا داعي للثورة)

تحلفنيتو ديب إبل حليف ابيت الدنيا وابيتني

(ابت حياتنا ان تتحسن وابتني الدنيا يبدوا اننا سنعيش في ضنك مستمر، لماذا؟!)

اقل اشقي قمبريي طارريني ود من انت؟ ومي بكا مطيتني؟

(عندما اردت الاجتهاد والعمل والكسب الحر قال لي السيد ابن من انت لتخرج عن طاعتنا وماذا تملك يدفعك لذلك.. هل اصبر ايضا؟!)

ازم مني واتجمل ازيم يحشني

(اتركني بالله عليك وتجمل علي اتركني اغلي واحترق افضل لي من ان اثور واتورط)

إلاما تحلفنيتو قبي وقبت سنتجي اتقسي
من ابقع اتهاقي ومن إأمر اتنسي.

(ستمر هذه المرارات واجلس مع اقراني اتحدث بمعرفة والذي لا اعرفه من شؤون احياة استمع له واتعلمه لا داعي للثورة)

تلأما اتزم مني كم بدير سرنا طعوم بلع وسرنا مرير
سرنا لبس درعتو وسرنا حرير
سرنا لتعب ولتجرس حاظي نبير
سرنا إبقسايو بلع من أي طبير
ازم مني ازيم حيس وستر!!

(اتركني كما كنت تفعل من زمان، هذا جزء منا يأكل مالذ وطاب وجزء يأكل المر
جزء منا يتدرع بأي شيئ امامه ليغطي عورته والجزء الآخر يلبس الحرير)

(بعضنا يتعب ويتجرس مع هذا يطلب الحياة)

(البعض الاخر يأتيه الطعام وهو جالس في مكانه)

(بالله اتركني على حالتي السيئة تركك لي افضل واستر)!!

إلاما تحلفنيتو قبي وقبت سنتجي اتقسي
من ابقع اتهاقي ومن إأمر اتنسي.

(ستمر هذه المرارات واجلس مع اقراني اتحدث بمعرفة والذي لا اعرفه من شؤون احياة استمع له واتعلمه لا داعي للثورة).(5)

كلمات لا شك تستفز الانسان وتحركه ليبحث من هو؟ وماذا يريد من الحياة؟ وكيف يعيش بكرامة يتمتع بطيباتها في المأكل والمشرب والملبس!

الاغنية كان لها دور كبير في التحاق الشباب الارتري بميدان القتال كما قال يوما الفنان الراحل الامين عبداللطيف في تلك الأثناء إلتحق بالميدان المئات من الطلاب الإرترين من داخل أديس أبابا وأذكر حتى اليوم حين أقابل السيد وزير الخارجية/ عثمان صالح يقول لي لولا مجئ فرقة اسمرا الفنية الى أديس أبابا لما خرجنا الى الثورة في ذلك التوقيت.. ومجئ الفرقة الى اديس ابابا عجل بالتحاقنا بالميدان.(6)

وهو الذي غنى بالتقرينية اغنية يقول فيها "تولد كلخا بخندي طبابا، تموت كلخا بمترو علبا، علم أي تجبري طراي نبينخا".

لاتجعل الدنيا لك وحدك، تذكر يوم ولدت، كم كانت ولادتك عسيرة، وتذكر يوم تموت، لن يصحبك منها الاقطعة قماش. قيل انه يقصد في الاغنية الامبراطور هيلاسلاسي.(7)

تأثيرات السودان:

يقول الفنان الراحل الامين عبداللطيف في مقابلة اعلامية معه "فيما يتعلق بهوايتي الفنية لا أدري كيف تكونت ولكن كنت أستمع باستمرار الى الإذاعة السودانية، طبعاً في تلك الايام معظم الناس كانوا يستمعون الى اذاعة "هنا أمدرمان"، وكنت استمع لروائع كبار المطربين بالسودان أمثال الفنانين الكبار أحمد المصطفى وسيد خليفة وحسن عطية وغيرهم من الفنانين في السودان، وكنت أحفظ أي أغنية إستمع اليها ثم أقوم بترديدها بأستمرار".(8)

وهناك مطربين منهم الحاج محمد أحمد سرور، الذي توفي هناك و دفن في العاصمة الإرترية، أسمرا، و الموسيقار اسماعيل عبد المعين، و المطرب و الملحن التيجاني السيوفي الذي لم يعد يذكره أحد في بلاده و هو الذي لحن و غنى خريدة حسن دراوي "الندامى" التي شدا بها من بعده كثر أبرزهم الخير عثمان:

أدر الكأس على العشاق صفواً ومدامه يا حبيب القلب والروح و يا روح الندامى
أيها الرافل في مجد من الحسن دواما ماست الأغصان لما عشقت منك القواما.

لقد بلغ من طرب الناس هناك بالتيجاني و احتفائهم به أن وصّى له البلاتا سليمان تامر، من أعيان مصوع، بعود من مصر موشى بالعاج و الذهب و مطّعم بالفسيفساء، كلفه خمسين جنيهاً ذهبياً من جنيهات جورج الخامس في أربعينيات القرن العشرين.(9)

ومن الفنايين الارتريين الكبار الذين أخذوا من المناخ الفني السوداني الثائر ادريس محمدعلي.

عاش ادريس حياته للفن والنضال فهاجر للسودان ليكون قريبا من الحراك الثوري الإرتري الذي كان السودان قاعدة انطلاقه الكبرى. وفي السودان مارس تجريبا فنيا تأثر فيه بالغناء السوداني واتصل ببعض كبار فناني السودان من أمثال الفنان السوداني الكبير(حسن خليفه العطبراوي) الذي تعلم (ادريسُ) على يديه بعض فنون العزف في ستينات القرن الماضي، لينطلق، بعد ذلك، بإرادة فنية خلاقة محلقا في سماء الثورة بكلماته الملهمة والشجية، وألحانه العبقرية الخالدة؛ ومعبرا عن أعمق وأصفى المشاعر الوطنية للإرتريين تجاه وطنهم الأسير.(10)

وقد ساهم السودانيون كثيرا في الحياة الارترية الثقافية والسياسية والتعليمية.

"مرحلة تقرير المصير في اربعينيات القرن الماضي لم يتوان بعض السودانيين من الانغماس في تلك المعركة بكل جوانبها السياسية و الثقافية و الاجتماعية، فها هو جعفر السَّوْري و محمود الربعة يؤسسان جريدة "اسمرا الاسبوعية" التي سرعان ما أغضبت الادارة العسكرية البريطانية فأغلقت الصحيفة و أبعدت جعفر السَّوْري الى السودان ليلتحق الى حين بحوار أبيه، الشيخ على بيتاي، في مشروعه التنويري و الاصلاحي المشع من همشكوريب. و كان جعفر السَّوْري قد أسهم، قبل ذلك، مع عديله المحسن الإرتري الكبير و السياسي الوطني الثري صالح باشا كيكيا في تأسيس مدرسة حرقيقو، بالقرب من ميناء مصوع، التي لعبت دوراً رائدا في الحفاظ على اللغة العربية و نشر التعليم و الوعي الوطني، إذ كان من بين تلاميذها ثم معلماً بها ثم مديراً لها القائد الإرتري الراحل، عثمان صالح سبي. و كان سبي قد حدثني كثيراً عن دور مدرسة حرقيقو في الحركة الوطنية الإرترية مما يجدر تسجيله في غير هذا الموضع."(11)

وتشجيعا للاتحاق بالميدين الثورة تغنى الفنان المناضل ادريس محمد بالاغنية ذايعت الصيت
امشي علي قدمي حافياً دون حذاء
واطوي علي بطني جائعاً دون غذاء
وأتحمل المشاق من اجل ارتريا
هذا أبي جريح وتلك أمي في العراء
وأختي لاجئة تواجه كل العناء
باسمكم جميعا التحف الثرى
تذوقت العذاب وتسلقت الجبال رشاشي في كتفي اتحدى به المحال
ليعود لي شرفي ودار العم والخال
بأسم هذا الفلاح وكل تلك الجرح
ليت الكلام مباح الوحدة هي النجاح
وحدة الثوار هي الفلاح.

أي فعل بشري بعد ان يستوي في بداية أمره ويؤتي نتيجة من نتائجه تبدأ الخلافات بين اطرافه في المال او الانصبة او المناصب او في الافكار والتوجهات في هذا ماكنت الثورة بمعزل دبت الخلافات فيها وانشقت اطرافها الى اجنحة وتأثر المجتمع الارتري سياسياً واقتصادياً وثقافياً صورالفنان ادريس محمد علي كل هذا في اغنيته التي يقول فيها:

إقل رحيي إحمي انا بزوح إتهاكيقو
وإقل إلوم إي حمي معين إرئي هليكو
إسمعوا هيقياي إقل طموم حاكيكو

(لكي لا الوم نفسي فقد تكلمت كثيرا ونصحت ولكي لا الوهم ارى في الامر جنون.
لم يسمعوا كلامي فقد كنت احدث من به صمم)

كفو حلي شاعر ودلام كفو تتكاري؟
ألباب ايكوي ان إنتو وايدي ديب حيد تتعاري
كلوت حو فناتو ولا كلوت قواري
إلي بأس ايكوني لما إتبأسا لتعاري.

(كيف يغني الشاعر ويعبر عن مكنون نفسه وكيف تنزل الامطار والرحمة اذا كانت القلوب سيئة وتتلاحق ايدي الناس لتصيب بعضها البعض.
كل اثنين من الاخوة وكل اثنين من الجيران على خلاف هذه ليست حرب فالذي يحارب يختار نده ويعرف خصمه بدقة)

ان نقبلتو ات نبل عشرين سنت ودينا
أبيات بذوح حدقنا أبيات طرنا اتكارينا
رحكم إكوي من تأبي حنا إكوي هلينا
إمسكبنا سكبنا وإي سميتنا سامينا

(كل يوم نقول سنرجع من بلاد اللجوء الى وطننا ونحن في هذا من عشرين سنة
تركنا الكثير من البيوت في الوطن ونزلنا في بيوت غيرنا في وطن ليس وطننا
اذا كانت نفسكم تأبى المهانة فنحن في مهانة
نمنا في غير منامتنا وتسمينا بأسماء غير اسماءنا)

حميتكم شعبنا قبي سنيت إيت أمرو
قبأو ديبا وسنو فتحو ديبا وإسرو
إي تقنحوها من رييم ديب كبدا إتفررو
لومنا لكم يا ابناء شعبنا انكم لا تعرفون مصلحتكم.

مصلحتكم في الوطن وليس في غيره لابدا ان تكونوا داخل الوطن تعقدوا امركم فيه وتفتحوا مااستغلق عليكم مع بعض.

لا تنظروا لا رتريا من بعيد من الملاجئ لابدا ان تأتوا للعمل من داخل وتنهضوا بها.(12)

وفي مايشبه الرد المباشر تغنى الفنان المناضل حسين محمدعلي بنشيد (صامدون)

صامدون ماركعنا يوماً ولن نركع
سائرون على الدرب أقسمنا بأن نرجع بالمال والعلم والابداع
الى الام الى التراب المخضب بالدم أقسمنا بأن نرجع.
بآهات اليتامى وأنين الجياع أقسمنا بأن نرجع
بدمع الحبايب المكبل في الاحداق
أقسمنا بأن نرجع اليك ياارتريا يا احلى لقاء.

لكن هل يكون العود أحمد بعد تصريح برهاني كسحاي المتحدث الرسمي باسم حكومة ارتريا لصحيفة الشرق الاوسط في سنوات الاستقلال الباكرة 1993/5/28م الذي قال فيه:

"ان الارتريين ليسوا عرباً وان الاوساط الاروبية في بروكسل تقلل من أهمية التعداد السكاني للعرب المسلمين ويضيف الحكومة الارترية تعمل الآن على وضع ركائز لقيام دولة يتعايش فيها المسيحيين والمسلمين ويتطلب الامر استيراد الحروف الهجائية اللاتينية لكتابة اللهجات المتداولة في ارتريا".(13)

كيف يقرأ الارتريون هذا الكلام؟ هل سيرجعون؟

ليعود الثوري ادريس محمد علي من جديد ويغني للشاعروالقاص الارتري الكبير أحمد محمد سعد

أحبابنا مازال في قنديلنا وهج البريق
لم تخمد الأشوق في أعماقنا لم ينذوي لحن الطرق
الزاحفون مع المدى لن ينحنوا رغم المجازر والحريق
أحبابنا لاتنزوا خلف القيود الأرض تعبق بالشذى وعلى المدى صبح وليد
الافق قد سكب السنا والعزم يبعث في الربى المعنى الجديد
فلما الأسى والدرب يهدر بالنشيد.
احبابنا دكوا الجدار بالحق نصنع مجدنا.
أحبابنا لا تسكتوا فالصمت يطمس صوتنا
احبابنا لا تصمتوا فالسكتو يصنع موتنا
احبابنا لن يختفي وضح النهار في أرضنا

المراجع:
1. مقال بعنوان (عن قليل مما انساب بين السودان و إرتريا).. بقلم: عمر جعفر السّوْري - نشر في سودانيل يوم 2013/1/2م.

2. مقطف من الفصل الثاني من رواية "في الملوك وقطاع الطرق، صناعة الطفل المحارب" للروائي الارتري صالح جوهر - منشورة قراءة لها في الشبكة العنكبوتية موقع awate.com.

3. (دراسة - الاحزاب السياسية فى فترة تقرير المصير، إعداد محمد إسماعيل عبده ديسمبر 2002م منشورة على الانترنت).

4. عمر جعفر السوري - مقال مرجع سابق.

5. قمت بتفريغ كلمات الاغنية وترجمتها قد اخطأت في كتابة بعض الكلمات بصورة خاطئة او ترجمتها خطأ لكني اجتهدت، كاتب المقال.

6. (مقابلة اجراها أبوبكر الصائغ مع الفنان الكبير الامين عبداللطيف منشورة في موقع رابطة المنخفضات الارترية في الشبكة العنكبوتية).

7. (مقال بعنوان الامين عبداللطيف الفنان الراحل للبروفيسور جلال الدين محمد صالح / اكاديمي ارتري، موقع سماديت كوم الارتري).

8. (أبوبكر الصائغ مقابلة اعلامية مع الفنان الكبير الامين عبداللطيف مرجع سابق).

9. عمر جعفر السوري - مقال مرجع سابق.

10. (إدريس محمد علي: وطن من الأغنيات / محمد جميل أحمد صحيفة ايلاف اللندنية، نشر) الأربعاء 18 ديسمبر 2013م.

11. عمر جعفر السوري - مقال مرجع سابق.

12. قمت بتفريغ كلمات الاغنية وترجمتها قد اخطأت في كتابة بعض الكلمات بصورة خاطئة او ترجمتها خطأ لكني اجتهدت، كاتب المقال.

13. (كتاب ارتريا الصراع بين مشروع التجرينية ومشروع انتمائها العربي، محمد عثمان علي خير الطبعة الاولى 1994م).

Top
X

Right Click

No Right Click