حكومة إسياس أفورقي عشرون عاما من الحكم الدكتاتوري المتسلط - الحلقة الاولى

بقلم الأستاذ: جلال إبراهيم

المقدمة: ظهرت إرتريا ككيان سياسيموحد في عام 1890م عندما أعلنتها إيطاليامستعمرة لها وإستمر الإحتلال الإيطالي إلى منتصف

عام 1941م عندما خسرت إيطاليا الحرب ضد الكمنوليث البريطاني في شرق أفريقيا، وبعد الحرب وقعت إرتريا تحت الإدارة العسكرية البريطانية وحكمها الإنجليز حتى يبت في أمرها بعد إنتهاء الحرب.

شُكلت أحزاب سياسية متفرقة في إرتريا من أجل تقرير المصير فيمنتصف الأربعينات وكان حزب الرابطة الإسلامية الإرترية الذي أسس في عام 1946م الحزب الرائد المطالب بإستقلال إرتريا، بينما حزب الأندنت أو حزب الإنضمام الذي أسس في 1947م كان ينادي بالإنضمام إلى إثيوبيا. وغير الرابطة والأندنت كانت أحزاب صغيرة أخرى ببرامج متفرقة ولكن في النهاية معظمها كان يعارض الإنضمام إلى إثيوبيا.

بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1945م كانمصير المستعمرات الإيطالية في أفريقيا وهي إرتريا والصومال الإيطالي وليبيا من المواضيع التي كانت في جدول أعمال المنظمة الجديدة. ومباشرة بعد تأسيسها شكلت الرابطة الإسلامية الإرترية لجنة من زعماء الرابطة تتكونمن السادة عبدالقادر كبيري وإبراهيم سلطان ومحمد عثمان حيوتي وإبراهيم محمد للذهاب إلى مقر الأمم المتحدة بأمريكا وعرض مطالب الشعب الإرتري بالإستقلال ولكن قبل سفراللجنة إغتالت عصابات الإرهاب الإثيوبية التابعة لحزب الأندنت السيد عبدالقادر كبيري في 27 مارس 1949م في أسمرا، وكان الشهيد كبيري أول شهداء إرتريا وعُرف بأبو الشهداء. بعد إستشهاد الشيخ كبيري توجهت لجنة الرابطة إلى أمريكا كما كان مقرراً لها وعرضت على الهيئة الدولية الجديدة مطالب الشعب الإرتري بالإستقلال التام.

في بداية عام 1950م أرسلت هيئة الأمم المتحدة إلى إرتريا لجنة لتقصي الحقائق مكونة من بورما والباكستان والنرويج وقواتيمالا وجنوب أفريقيا، ووصلت اللجنة إلى أسمرا في 9 فبراير 1950م ومكثت في إرتريا إلى شهر أبريل 1950م ولكنها في النهاية لم تتمكنمن الوصول إلى إجماع بشأن توصياتها بما يخص مستقبل إرتريا، وفي 29 يونيو 1950م قدمت ثلاثة توصيات متفرقة يطالب احداها وتبنته الباكستان وقواتيملا بوضع إرتريا تحت وصاية الأمم المتحدة لعشرة سنوات ثم الإستقلال التام وكانت التوصيات الأخرى توصي بربط إرتريا مع إثيوبيا بشكل أو بأخر، وفي النهاية أجازت الجمعية العمومية للأمم المتحدة النظام الفيدرالي وكان ذلك بمثابة حل وسط بين الإستقلال الكامل والإنضمال التام مع إثيوبيا.

في 2 ديسمبر 1950م بقرار رقم 390 (V)من الجمعية العمومية للأمم المتحدة رُبطت إرتريا مع الإمبراطورية الإثيوبية في نظام فيدرالي غيرمضمون العواقب. وفي 10 يوليو 1952م صادق البرلمان الإرتري المنتحب على الدستور الإرتري وأصبح النظام الفيدرالي بين إرتريا وإثيوبيا ساري المفعول في 15 سبتمبر 1952م، وتكونت الحكومة الإرترية بفروعها الثلاثة التشريعية والتفيذية والقضائية، وأُنتخب السيد تدلا بايرو رئيس الحكومة الإرترية والسيد على موسى راداي رئيس البرلمان الإرتري.

ولكن إثيوبيا لم يكن في نيتها الحفاظ على النظام الفيدرالي وكان كل همها هو أن تضم إرتريا إلى الإمبراطوية الإثيوبية وتجعلها أقليمها الرابع عشر، وعمل ممثل الإمبراطور في إرتريا بـِتْوَدَدْ (لاحقا رأس) أنْدَارْقَاجَوْمَسَايْ (1952-1959) وبعده الجنرال أبي أببي (1959-1962) بدون كلل على تقويض عمل الحكومة الإرترية، وفي سنة 1955م حُظرت الأحزاب السياسية وفي سنة 1958م النقابات العمالية، وأُنزل العلم الإرتري في 1958م وغيرت إسم الحكومة الإرترية إلى الإدارة الإرترية في سنة 1959م وفرضت القوانين الإثيوبية لتحلمحل القوانين الإرترية، وفي 14 نوفمبر 1962م حذف الإمبراطور هيلي سلاسي من جانب واحد النظام الفيدرالي بين إرتريا وإثوبيا نهائيا ودون أخذ رأي الشعب الإرتري ودون الرجوع إلى هيئة الإمم المتحدة، ومن جراء ذلك العمل غير القانوني فقدت إرتريا وضعها الخاص ككيان سياسي مستقل عن دولة إثيوبيا وأصبحت مقاطعة إثيوبية.

المقاومة السلمية ثم النضال المسلح:

بينما كان الإمبراطور هيلي سلاسي يعمل لضم إرتريا إلى إمبراطوريته كانوا الإرتريون يقاومون تجاوزات إثيوبيا بشدة وبما سمحت لهم به السبل السلمية مثل الإضرابات والمظاهرات العمالية والطلابية مطالبين بالحفاظ على النظام الفيدرالي وعلى الإستقلال السياسي والحقوق الديمقراطية التي كفلها لهم الدستور. وقدموا مذكرات الإحتجاج إلى الدول المختلفة وإلى الأمم المتحدة من بينها سفر الشيخ محمد عمر قاضي إلى نيويورك في عام 1957م لتقديم شكوي لهيئة الأمم المتحدة بالتجاوزات الإثيوبية التي تتعارض مع النظام الفيدرالى، وعند رجوعه طلبت منه الحكومة الإثيوبية التوجه إلى أديس أبابا لمقابلت الإمبراطور ولكنهم إعتقلوه عند وصوله إلى أديس أبابا وقدم للمحكمة وحكم عليه عشر سنوات في السجن.

في تلك الفترة إلتجاء الكثيرين من القادة الوطنين إلى السودان ومصر لمواصلة الكفاح من خارج إرتريا ونذكرمنهم الزعماء المرحوم الشيخ إبراهيم سلطان والمرحوم الشيخ إدريس محمد آدم والمرحوم أتو ولدآب ولدي ماريام والمرحوم الأستاذ عثمان سبي واعداد كبيرة من الشباب الإرتري الذين ضيق عليهم الإحتلال الإثيوبي فرص التعليم والعمل والممارسة السياسية.

وتدريجيا إتضح للوطنين الإرترين أن المقاومة السلمية لم تكن فعالة مع الإحتلال العسكري والقمع الإثيوبي وكان لابد للإنطلاق إلى مقاومة أكثر فعالية وجدية.

• وكإنطلاقة مهمة فيمسيرة المقاومة الوطنية أُسست حركة تحرير إرتريا في بورت سودان في نوفمبر 1958م تحت قيادة المناضل المرحوم محمد سعيد ناود وسبعة اخرين من رفاقه، وكان من أهداف الحركة إلغاء الحكم الفيدرالي وإقامة دولة ديمقراطية مستقلة. ونشطت الحركة في العمل الثوري السري بين أوساط الإرترين في داخل إرتريا وخارجها وكان لها دور رائد ومهم في تأطير الجماهير وتعريف القضية الإرترية في السودان والدول المجاورة الأخرى، وإنضمت الحركة في عام 1970مع قوات التحرير الشعبية.

• وظهرت جبهة التحرير الإرترية على الساحة السياسية الإرترية في القاهرة في عام 1960م برئاسة المرحوم الشيخ إدريس محمد ادم وعضوية الكثرين من الطلبة الإرترين في القاهرة. وتبنت جبهة التحرير الكفاح المسلح والذي بداء في 1 سبتمبر 1961م بقيادة الزعيم الوطني حامد إدريس عواتي ورفاقه القلائل.

رسخت جبهة التحرير مفهوم النضال المسلح بين أوساط الجماهير وحددت معالم النضال الوطني الشرعي، وخاضت الجبهة معارك باسلة في مواجهة الجيش الإثيوبي المحتل بالرغم من قلة العدد والسلاح والعتاد والخبرة واثبتت شرعية ومكانة الثورة الإرترية في الساحة العالمية. إنضمت إلى صفوف الجبهة فئات الشعب المختلفة من عمال وفلاحين وعسكرين وطلبة ومثقفين وفي فترة وجيزة أصبحت قوة نضالية فعالة أربكت المخططات الإثيوبية وإرتقت من مجموعة صغيرة من المناضلين إلى قوة عسكرية كبيرة في مواجهة أكبر جيش في أفريقيا جنوب الصحراء.

• ونسبتاً لنموها السريع والحقبة التأريخية التي تولدت فيها بتياراتها الأيدلوجية المختلفة ونتيجة تركيبة المجتمع الإرتري المعقدة عانت الجبهة من مشاكل تنظيمية داخلية، وبسبب الخلافات والصراعات والمنافسات الداخلية في قيادة تنظيم جبهة التحرير والذي إنتقل إلى صفوف المقاتلين والقواعد إنشقت من الجبهة في عام 1970ممجموعة من المقاتلين برئاسة المناضل عثمان صالح سبي عُرفت فيما بعد بقوات التحرير الشعبية.

• وكذلك إنشقت من الجبهة مجموعة أخرى مسيحية التكوين والتوجه برئاسة إسياس افورقي وأطلقت على نفسها "سلف نظانت" أو "حزب الحرية" وعبرت عن موقفها السياسي المعادي لجبهة التحرير ووصفها بجبهة ذات توجه إسلامي عربي من خلال وثيقة "نحنان علامانان"، الصادرة في نوفمبر 1971م والتي يُعتقد إنهامن إعداد إسياس أفورقي، ووثيقة "نحنان علامانان" والتي تعني "نحن وأهدافنا" والـ "نحن" ترمز إلي التقرنية المسيحين أعطت بُعد طائفي للمشاكل التنظيمية والأيدلوجية التي كان يعاني منها تنظيم جبهة التحرير في تلك الحقبة من تأريخه ووضعت الوثيقة لأولمرة قضية الثورة في إيطار الطائفية وكانت بداية التوجه المسيحي الكبساوي للجبهة الشعبية.

ومنذ تلك الفترة كانت وثيقة "نحنان علامانان" بوصلة تنظيم الجبهة الشعبية ومرجعه الأيديولجي الطائفي الحالي، وبعد أربعين عاما من نشر وثيقة "نحنان علامانان" فإن بسماتها وخطوطها العريضة واضحة في تركيبة المجتمع والحكومة الحالية وكيفية إدارتها للبلاد حيث إستولوا التقرنية المسيحين على كل مرافق الدولة بعد إقصائهم المسلمين والمسيحين الأخرين غير التقرنية. فعلى سبيل المثال أن حصة المسلمين والمسيحين غير التقرنية من المناصب الحكومة أقلمن 18%من إجمال المناصب الحكومية وكذلك في المؤسسات التعليمية والجيش والشرطة.

إنشق جناح من قوات التحريرالشعبية من تحت قيادة المناضل عثمان سبي وتوحد مع "سلف نظانت" وخرجت من رحم ذلك الإندماج الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، ومن القيادين الذين كانوا في الجناح المنشق من تحت قيادة سبي نذكر المناضلين محمد علي عمارو ورمضان محمد نور وإبراهيم عافة والأمين محمد سعيد وعلي سيد عبدالله وأحمد بادوري و أخرينمن أصبحوا فيما بعدمن الشخصيات القيادية البارزة في تنظيم الجبهة الشعبية حتى تخلصمنهم إسياس أفورقي الواحد بعض الأخر بعضهم بالإغتيالات وبعضهم بالتجميد والنفي والتقاعد المبكر.

كانت فترة السبعيناتمن الفترات الحرجة في تأريخ الثورة الإرترية حيث خاضت الجبهتان حروب أهلية قتل فيها الكثيرمن الشباب المناضلمن كلا الطرفين، ودخلت الجبهة الشعبية لتحرير تقراي طرفاً في الصراع بجانب الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وقلبت موازين القوة بين الطرفين، وإنتهت تلك الحروب بخروج جبهة التحريرمن الميدان في 1981م.

وكرد للإنتكاثة التي لحقت بجبهة التحرير الإرترية وللدفاع عن الأعراض والثوابت ومقاومة هيمنة الشعبية والإحتلال الإثيوبي في آن واحد أُسست حركة الجهاد الإسلامي الإرتري في نوفمبر 1988م تحت قيادة الشيخ عرفة أحمد محمد ورفاقه الأخرين نذكر منهم الشيخ محمد أحمد صالح والشيخ حامد تركي والشيخ خليل محمد عامر والمرحوم الشيخ محمد إسماعيل عبده والشيخ آدم مجاوراي وغيرهم من المجاهدين، ورغم الإنقسامات التي تعرضت لها الحركة في سنين لاحقة إلاَّ إنها لازالت مرابطة على الخط مع غيرها من الحركات الإسلامية.

وحقق إسياس أفورقي نصره الأول بخروج جبهة التحرير من الميدان ومهد الخطوة الأولى والمهمة في برنامجه السري غير المعلن لإنفراده بالحكم أولاً في داخل الساحة الإرترية ثم في تنظيم الجبهة الشعبية ولاحقا في إرتريا المستقلة والذي أطلق عليه الكاتب الحسين علي كرار "الإسياسية" نسبتاً لإسياس في سلسلة مقالات نُشرت مؤاخراً.

النصر العسكري والإستقلال السياسي:

تحقق التحرير الكامل للتراب الإرتري بعد حملة عسكرية كبيرة ومتواصلة شنها جيش الجبهة الشعبية بدأت بهزيمة الجيش الإثيوبي المتمركز في قاعدة "نَادَوْ إزْ" في أفعبت في 17-19مارس 1988م ثم تحرير ميناء مصوع في 8 فبراير 1990م والإستيلاء على القاعدة البحرية ومواصلة القتال من مصوع إلى إسمرا في عدة جبهات إنتهت إلى جبهة دقمحري - أسمرا حيث جرت المعركة الأخيرة، وفي يوم 24 مايو 1991م إنتصر الجيش الشعبي للجبهة الشعبية للتحرير إرتريا على جيش الدرق في إرتريا و إنسحبما تبقي من الجيش الإثيوبي إلى السودان.

الإستفتاء:

كان إجتماع لندن فيمايو 1991م بين حكومة الدرق وجبهات المقاومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير إرتريا بوساطة أمريكية تحت رعاية المسترهيرمان كوهنمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون أفريقيامقررأً لهمسبقاً. سبق الإجتماع تدوهر الأوضاع العسكرية في إثيوبيا وإرتريا لصالح قوة المعارضةمن بداية فبراير 1991م والذي وصل زروته بهروب رئيس الدرق العقيدمنقستو هيليماريام إلى زمبابوي في 21مايو، وبعد أيام قلائل دخل جيش الجبهة الشعبية إلى أسمرا واحتلت قوات جبهة الإهيودق الإثيوبية أديس أبابا وسقطت حكومة الدرق في 28مايو 1991م.

كان إجتماع لندن تحت الإنعقاد بينما الأوضاع العسكرية كانت تتواصل في إثيوبيا وإرتريا لكن بعد هروبمنقستو هيليماريام أجبرت التطورات وفد حكومة الدرق في الإجتماع برئاسة وزير الخارجية تسفاي دينقا أن ينسحبمن الإجتماع، وفي يوم 27مايو عقد الإجتماع بين الحليفين المنتصرين الإثيوبي والإرتري وحضرهمن الجانب الإثيوبيملس زيناوي عن جبهة التقراي وحلفائها ولينْجُو لِيتَا عن جبهة الأورومو وإسياس أفورقيمن الجانب الإرتري وهيرمان كوهن ومساعدوهمن الجانب الأمريكي لترتيب الإمور في أديس أبابا وأسمرا بعد سقوط حكومة الدرق وللتفاوض على المرحلة الإنتقالية. إتفقت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وجبهة تحرير تقراي والإهيودق وجبهة تحرير الإرومو على تأجيل إستفتاء إرتريا عامين إلىمنتصف عام 1993م وإقامة حكومة إتنقالية في أديس أبابا وإدارةمؤقتة في إرتريا حتي إجراء الإستفتاء. وفي إرتريا قامت الإدارة المؤقتة بموجب المرسوم الحكومي رقم 23\1992.

وبموجب الإتفاق بين الجانبين حرر رئيس الحكومة الإثيوبية المؤقتةملس زيناوي رسالة رسمية إلى الأمين العام للإمم المتحدة بطرس غالي يطلب فيهامن الأمم المتحدة إرسال بعثة لمراقبة الإسفتاء علىمستقبل إرتريا. وفي يوم 16 ديسمبر 1992م أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة القرار رقم 47\114 الذي اجازا إقامةمفوضية الأمم المتحدة لمراقبة الإستفتاء في إرتريا والتي عرفت بالـ (UNOVER) و شكلت المفوضية تحت رئاسة السيد سمير سمبر اللبناني الجنسية بمنصبمساعد السكرتير العام وبدأت المفوضية أعمالها في إرتريا في فوراً.

تم الإستفتاء الذي شارك فيه 1,102,410 ناخب وناخبة في داخل إرتريا وخارجها في الدول التي يتواجد فيها الإرترين بكثرةمثل السودان وإثيوبيا والسعودية والدول الأوروبية الغربية والولايات المتحدة وكندا في يوم 23-25 أبريل 1993م وكانت نتيجة التصويت لصالح الإستقلال بنسبة 99.82 %، وأعلنت إرتريا إستقلالها التام عن إثيوبيا في 24 مايو 1993م بعد 103 عاماً (1890-1993) من الحكم الأجنبي.

الإستقلال:

إحتفلت إرتريا بالإستقلال في يوم 24 مايو 1993م بعد عامينمن التحرير وحضر إحتفالات الإستقلال رؤساء إثيوبيا والسودان وجيبوتي. وكمؤشر واضح لما ستكون عليه الإمور في إرتريا المستقلة تغيب عن إحتفالات الإستقلال الكثيرينمن الزعماء الوطنين والمقاتلين الإرترين الذين رفضت حكومة إسياس أفورقي السماح لهم بالدخول إلى إرتريا.

بعد الإستفتاء صدر المرسوم رقم 37\1993 والذي بموجبه شُكلت حكومة إرتريا المستقلة وتأسست الحكومة الإرترية من الجبهة الشعبية فقط، ونصب إسياس أفورقي نفسه رئيسا للبلد ووظف رفاقه في المكتب السياسي واللجنة المركزية للجبهة الشعبية في المناصب الوزارية والمناصب العليا الأخرى وسميت اللجنة المركزية للشعبية المجلس الوطني، وحتى شعار الجبهة الشعبية أصبح العلم الوطني الجديد لإرتريا المستقلة بعد إجراء تعديل طفيف عليه.

وفي بادرة غير حميدة أعطى المرسوم الجهاز التنفيدي والذي يترأسه الرئيس أفورقي صلاحيات سن القوانين وأصبح إسياس المُشَرع والمنفذ في آن واحد. وخرجت إرتريا من الحكم الإثيوبي الأجنبي لتدخل إلى حكم الحزب الواحد المتسلط.

إحتكار السطة السياسية:

يحتكر إسياس أفورقي السطة السياسية والعسكرية في إرتريا وفي غياب السطة التشريعية والقضائية هو المشرع والقاضي والمنفذ في آن واحد، ويخدع حزب الهقدف ومؤسسة الجيش لسلطته المطلقة ويمارس إحتكار السطلة من خلال عد محاور نذكر منها الأتي:-

إغلاق باب المشاركة السياسية:

بعد التحرير فيمايو 1991م كانت الجماهير الإرترية في الداخل والخارج تأمل أن يُعقدمؤتمر وطني جامع تنتقل فيه البلاد من مرحلة الكفاح المسلح إلى مرحلة بناء الدولة ومن الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، مؤتمر تقرر فيه ملامح المرحلة الإنتقالية حتى إجراء الإستفتاء فيمايو 1993م ثم الإستقلال المترقب وإقامت دوله ديمقراطية ينعم فيها الجميع بالمساوات والسلام والعدل والرفاهية، ولكن تنظيم الجبهة الشعبية كانت له توجها تمغايرة لأمال وتطلعات الشعب.

بعد التحرير مباشرة أعلن إسياس أفورقي رفضه أي مشاركة سياسية من التنظيمات الإرترية الأخر ىمثل جبهة التحرير الإرترية بشقيها المجلس الوطني والمجلس الثوري والتنظيم الموحد وتنظيم حركة الجهاد الإسلامي وهذه كانت التنظيمات المتواجدة على الساحة في حينه، وانفرد تنظيم الجبهة الشعبية بالحكم واوصد الباب أمام أي صلح وطني بين الجبهة الشعبية والجبهات الأخرى والذي كان الشعب يتوق إليه بعد سنين المعاناة الطويلة.

في إجتماع عام مباشرة بعد التحرير في يونيو 1991م قال إسياس أفورقي بغرور السياسي المنتصر "كاب لومي ننيو ناي ودبات حشويي يلن" ومعناها من اليوم وساعداً سوف لا يكون هناك لعبة التنظيمات و"الحشويي" بلغة التقرنية تعني أكثر من اللعبة وهي العمل غير المثمر وكان ذلك التصريح مخيبا للأمال بكل المقايس وظهر فيه عناد أفورقي للعلن لأولمرة. وبداء متجاوزاً تطلعات الشعب في بناء الدولة التي يريدها هو وليس الدولة التي يريدها الشعب. وقال في حينه "من يريدوا أن يشاركوا في الحكم فعليهم أن يحلوا تنظيماتهم ويأتوا علىمستوى الأفرد"، وبالفعل كانوا هناك بعضمن قيادة وكوادر التنظيمات من دخلوا إلى إرتريا بنية المشاركة في عملية البناء الوطني، ووجد القليلين منهم الترحيب من إسياس ورفاقه وإختارا معظمهم العودة بعدما إتضح لهم أن الجبهة الشعبية لم تكن على إستعداد لإقامة حكم ديمقراطي يشارك فيه الجميع في إرتريا.

مؤتمر نقفة والإستيلاء على تنظيم الشعبية:

عقدت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا مؤتمرها التأسيسي الأول في 23-31 يناير عام 1977م وبعد عشرة سنوات عقدت مؤتمرها الثاني في 12-19مارس 1987م ومؤتمرها الثالث بعد التحرير في مدينة نفقة من 10-16 فبراير 1994م. وفي المؤتمر الثالث إستبدل التنظيم إسمه من "الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا" الى "الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة" أو "الهقدف" والذي هو إختصار الإسم بلغة التقرنية (هِزْبَاوِي قِنْبَارْ نِيدِيمُوكْرَاسِنْ فِتْحِنْ).

في مؤتمر نقفة أُدخل التظيم بعض التعديلات في برنامجه السياسي ووضع ميثاق وطني جديد يحدد ستة أهداف وهي الوحدة الوطنية، والديمقراطية السياسية، والتنمية الإقتصادية والإجتماعية، والعدالة الإجتماعية، والإحياء الثقافي، والتعاون الأقليمي والدولي. ولكن الميثاق كان يتمركز بصفة أساسية على الفكر الشيوعي وهيمنة الحزب الواحد على كل مرافق الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإنفراد بالسطة السياسية وتغريب الأخرين ولذا ولدا الميثاق وهو يحمل بزور الفشل في داخله وكما هو واضح لم يحقق أيمن أهدفه المعلنة وفي الوقت الراهن لا وجود له على الإطلاق في أدبيات الحزب أو الحكومة.

شهد المؤتمر تغيرات جزرية في عضوية اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية وأُدخل بعض التغيرات في هيكله التنظيمي حيث إستحدث المؤتمرمنصب رئيس الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة الذي إنتخب إليه إسياس أفورقي وترك منصب السكرتير العام كما كان وإنتخب إليه الأمين محمد سعيد الذي تفرغ لعمل الجبهة، وبينما بقي عدد أعضاء اللجنة المركزية الأربعة والسبعون بدون أي تغير فقد غير المكتب السياسي إسمه إلي اللجنة التنفيذية التي ذاد عددها إلى 24 عضواً.

من الملفت للأنظار في المؤتمر كان إجبار بعض الشخصيات النافذة وكثيرين من الكوادر الأسياسين في التنظيم على التقاعد المبكر وعلى رأسهم المناضل رمضان محمدنور الذي إحتل منصب السكرتير الأول للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا لعشرة سنوات من 1977-1987م ثم منصب نائب السكرتير منذ المؤتمر الثاني في 1987 وحتى 1994م. وفي هذا المؤتمر شن إسياس أفورقي حملة محمومة ضد رفاقه القداما في قيادة الشعبية قائلا ً إن القيادة القديمة قد "تعفنت" أو كما قالها بلغة التقرنية "طزطيزو" ومنادياً في نفس الوقت بضخ دماء جديدة فيمواقع المسؤولية والقيادة. وهذه كانت إستراتيجية فعالة تمكنمن خلالها إقصاء الشخصيات التي كان يعتقد إنها قد تقف في طريقه لتوسيع نفوذه والإستيلاء الكامل علىمقاليد الإمور في التنظيم وادخل عناصرموالية له.

وبتوجيهمن إسياس وأعوانه في المؤتمر مهد المؤتمر لبروز شخصيات جديدة كانت من الصف الثالث أو الرابع في تنظيم الشعبية مثل وزير الإعلام الحالي علي عبده والمسؤول السياسي الحالي في الهقدف يماني قبرأب الملقب بـ "يمانيمَنْكِي" والمسؤول المالي للهقدف حقوس قبري هيوت المعروف بـ "حقوس كِشَّا" والمسؤول التنظيمي في الهقدف عبدالله جابر وزمهرت يوهنس وفيليبوس ولدي يوهنس (جنرال) وهيلي محظون (طبيب) وتخلاي هبتي سلاسي (جنرال) وفانا تسفاماريام (مديرة) وكثيرون غيرهمم من أتى بهم إسياس من المقاعد الخلفية للتنظيم ليحتلوا مناصب رفيعة في قيادة التنظيم، وبقى إسياس أفورقي على قمة الهرم وإستولى بالكامل على التنظيم بعد إزاحة الحرس القديم وإجبارهم على التقاعد أو تقليص نفوذهم داخل التنظيم مثلما حصل مع بيطروس سلمون ومحمد سعيد باره وهيلي دروع ومسفن حقوس وإدخال عناصر جديدة موالية له.

في المؤتمر الثالث كشف إسياس لأولمرة عن وجود حزب سري في داخل تنظيم الجبهة الشعبية يعرف بالحزب الثوري الشعبي ولكنه قال لقد حل الحزب ولكن ليس هناكما يؤكد ذلك، ومن الأرجح أن يكون قد حل بعد إنجاز عمله ولم يكن ضرورة لمثل ذلك الحزب بعد الإستيلاء الكامل على السطلة العسكرية والمدنية. كتب دان كونيل يقول من بين مؤسسين الحزب كانوا إسياس أفورقي وأبوبكر محمد حسن وعمارو وإبراهيم عافة ومسفن حقوس وعلي سيد عبدالله ومحمود شريفو وحسن محمد أمير (أو عامر؟) وأحمد طاهر بادوري وأحمد الغيسي وقليلين أخرين غيرهم. وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي ذكر فيها الحزب السرى في العلن وأدبيات التنظيم خالية تماما من أي إشارة إلى الحزب قبل وبعد تلك الحادثة.

كان من المقرر ان يُعقد المؤتمر التنظيمي الرابع للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة في بداية عام 1996م بعد سنتينمن إنعقاد المؤتمر الثالث ولكن مضى حتى الأن 17 عاما منذ المؤتمر التنظيمي الثالث ولا زال المؤتمر الرابع في ذمة المجهول بعد هذه المدة الطويلة، وكذلك اللجنة المركزية لم تعقد أي إجتماع لأكثرمن عشر سنوات ويمكن أن يقال أن تنظيم الجبهة الشعبية لم يبقى منه غير إسمه وهيكله الرئاسي.

حل جهاز 72 للأمن العسكري:

كان جهاز 72 للأمن العسكري المعروف بـ "سبعان كلتي" ومعناها الرقم 72 بالتقرنية إحد الأجهزة الأمنية للشعبية بجانب "حَلـَوَا ثورا" وكان يترأس هذا الجهاز بيطروس سلمون الملقب بـ "ودي سلمون" الذي كان مقرب من أفراد الجهاز وكانت له علاقات مميزة مع الكثيرين منهم. ويعتقد أن هذا الجهاز هو من قام بإغتيالات بعض من قيادات جبهة التحرير في السودان. بعد التحرير عُين بيطروس سلمون وزيراً للدفاع (أكتوبر 1992) ثم نقل للخارجية (مارس 1994) ثم إلى الثروة السمكية (1997) التي كانت وزارة جديدة مما يشير إلى التباعد والبرود الذي طراء في علاقته مع إسياس وربما كان إسياس يتخوف من شعبية بيطروس بين المقاتلين وأعضاء جهاز الأمن.

في تلك الظروف بعد تحيد بيطروس سلمون أمر إسياس بحل جهاز 72 للأمن العسكري ونقل أعضائه إلى مناصب مدنية عادية في الوزارات المختلفة وإدارة الأقاليم، وأمر في ذات الوقت تشكيل جهاز جديد للأمن العسكري تحت إدارة أبرها كاسا المعروف بـ "ودي كاسا" وتحت إشرافه الشخصي المباشر وبذلك تخلص من منافس له في شخص بيطروس ومن جهاز للأمن لم يكن يسيطر عليه سيطرة تامة كما هي عادته في كل أجهزة الدولة. وفي النهاية أصبح بيطروس واحد من المعارضين لإسياس وإنتهى به الأمر في سجن عيراعيرو مع بقية مجموعة الـ 15.

رفض توطين اللاجئين:

بعد إندلاع الثورة الإرترية المسلحة إتبعت إثيوبيا سياسية الأرض المحروقة فيمنتصف الستينات واحرق جيشها المحتل المئاتمن القري في المنخفضات الشرقية والغربية والساحل ودنكاليا وشرد المئات الألآفمن المواطنين الذين هرب معظمهم لاجئين إلى السودان وجيبوتي واليمن.

ومع إمتداد الحرب عبر ثلاثين عاما إذداد عدد اللاجئين الإرترين في كل دول العالم وفي السودان وحده بلغ عددهم أكثرمنمليون لاجئ. وبعدما إنتهت الحرب فيمايو 1991م كان أمل كل اللاجئين الإرترين العودة إلى وطنهم والرجوع إلى حياة الإستقرار والأمان في بلدهم.

في البداية أقامت حكومة الشعبية المؤقتةمفوضية للاجئين لأعادة وتأهيل اللاجئين المتواجدون في السودان والذين كان يقدر عددهم بمليون لاجئ وإفتتحت المفوضية فروع لها في السودان ولكن في ذات الوقت بداء إعلام الحكومة بحملةمحمومة ضدمنظمات هيئة الأمم المتحدة والحكومات الغربية بأنها رفضت توفير الأموال اللازمة لإعادة اللاجئين وإفتعلت المشاكل ووضعت العقبات والعراقيل الكثيرة أمام حركة الرجوع الطوعية للاجئين ونتيجة ذلك تعطلت عملية رجوع اللاجئين وفشل المشروع أو بالأحرى أفشلته حكومة الشعبية عمداً وعن قصد حتى يتسن لهامصادرت أراضي اللاجئين وتحقيقمشروع إستيطان أهل الكبسا والذي لم تكنمعالمه قد ظهرت للعلن بعد في ذلك الوقت.

وبسبب سياسات الشعبية التعجيزية تعطلمشروع توطين اللاجئينمن السودان وبعد سنة أوسنتين أصبحموضوع توطين اللاجئينمن المواضيع المحرمة ذكرها ومناقشتها في داخل إرتريا حتى تغيبمن الذاكرة الجماعية للشعب ،ولم يمضي طويلا وبدأت الشعبية تصريحمقاتليها وإستيطانهم في اقليم البركا والقاش فيمناطق هيكوتا وتسني وعلي قدر وإم حجر وشامبقو وبمبينا وغيرها. وأصبح حق الرجوع للاجئينمن أول الحقوق المهدورة في إرتريا.

الدستور المعلق:

في 15مارس 1994م صدرمرسوم حكومي رقم \55\ لعام 1994م الخاص بتأسيسمفوضية الدستور وشكلت المفوضيةمن المجلس العام واللجنة التنفيذية، وإختار إسياس أعضاء المفوضية بنفسه وبلغ عدد إعضائها 50 عضواًمقسمين بالتساوي بين النساء والرجال وشبهمتساوين بين المسيحين والمسلمين وإن كانت أكثرية بسيطة للمسيحين ،وتكونت اللجنة التنفيذيةمن 10 أعضاء وعين الدكتور برجت هبتي سلاسي فيمنصب رئيس المفوضية ،وهو رجل قانونمتمرس خدم في عهد الإمبراطور هيلي سلاسي فيمنصب المدعي العام الإثيوبي، وعين المرحوم المناضل الزين ياسين فيمنصبمساعد الرئيس (وليس نائب الرئيس)، وزمحرت يوهنس فيمنصب السكرتير وبقية أعضاء اللجنة التنفيذية كانوا الدكتور أماري تخلي والمرحوم السيد إدريس قلايدوس والدكتور سيوم حرقوت والسيدة أمنة حسن نائب وباولوس تسفا قرقيس والسيدة زهرة جابر وموسى حسين نائب. ومما يمكن ذكره هو أنمنصب السكرتير أُوكل لزمحرت يوهنس وهو خريج الثانوية بينما الأكاديمي نمثل د. أماري تخلي ود. سيوم حرقوت والقانونيموسى نائب كانوامجرد أعضاء في اللجنة، أما بقية أعضاء المفوضية نذكرمنهم المرحوم السيد طهمحمدنور ولفيفمن المقاتلات وممثلات إتحادات النساء في الخارج وبعض الأكاديمينمنهم المرحوم الدكتور جعفر أبوبكر والمرحوم الدكتور تكئ فسهاظين والدكتور يمانيمسقنا.

عقدتمفوضية الدستور سمنارات وندوات كثيرة في داخل الوطن وخارجه وطرحت المواضيع المهمة للنقاش وتفاعلتمعها الجماهير التي كانت تأمل بميلاد دولة دستوريةمبنية على العدل والمساوات. بعد ثلاثة سنوات فرغتمفوضية الدستورمن إعداد المسودة وقدمتها للرئيس الذي وضعها أمام مجلس دستوري للمصادقة عليها، وبالتحديد في يوم 23 مايو 1997م صادقمجلسمكونمن 550 عضواً أطلق عليه المجلس الدستوري على مسودة الدستور.

كان المجلس يتكونمن أعضاء اللجنة المركزية للجبهة الشعبية البالغ عددهم 75 عضواً وأعضاءمجالس الأقاليم المنتخبين تحتمراقبة الجبهة الشعبية و75 شخصيةمن الخارج يمثلون الجاليات الإرترية في الخارج كلهممنمنتصبي المنظمات الجماهيرية التابعة للجبهة الشعبية وقد تم إخيارهم بعنايةمن قبل إسياس أفورقي، ومن خلال النظر إلى عضوية المجلس الدستوري لا يمكن القول إن المجلس كان يمثل بصدق جميع فئات المجتمع الإرتري، ولكن في الحقيقة كانمجلس يمثل توجه الجبهة الشعبية وعضويتها ومنظماتها الجماهيرية.

يتكون الدستور الجديد من المقدمة وسبعة أجزاء تحتوي فيمجموعها على 59 مادة.

يقول في الفقرة الأولىمن المادة رقم 1 إن إرتريا دولة ذات سيادةمستقلة قائمة علىمبادئ الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وسيادة القانون، وفي الفقرة الثالثة يقول إن السلطة السيادية مبعثها الشعب وفي الفقرة الرابعةمن نفس المادة يقول إن الحكومة الإرترية سوف تقاممن خلال الإجرأت الديمقراطية لتمثل سيادة الشعب وسوف تتكونمنمؤسسات فعالة تمكنمن المشاركة الجماهيرية لتكون الأساس لنظام ديمقراطي قابل للنمو والتطور.

ولكن كانت هناك مفاجأة بما يخصموضوع اللغات الرسمية. كان إجماع شامل فيموضوع اللغات الرسمية حيث طالبت الجماهير المسلمة بالإجماع بجعل اللغات التقرنية والعربية اللغات الرسمية في إرتريا ولكنها فؤجئت عند طلوع الدستور في العلن بأن ذلك لم يتم ومادة اللغات في الدستور الجديد (المادة 4 الفقرة 3) تقول "أنمساوات كل اللغات الإرترية مؤكدة" ولم يحدد الدستور اللغة الرسمية للبلادمما أعطي اللغة التقرنية تلقائيا أن تكون اللغة الرسمية المعمول بها في البلاد، وإن فقرة أومادة "مساوات اللغات" في الدستور لم تمنع اللغة التقرنيةمن أخذمكان اللغة الرسمية، وهي اللغة التي تستعمل في أجهزت الدولة وفي الإعلام وفي المعاملات التجارية.

اللغة العربية هي اللغة التي يتعامل بها المسلمين في كل أمورهم الدينية والدنيوية وهي لغتهممنذ الآف السنين وبالتغيب المتعمد للغة العربيةمن دواوين الحكومة والإعلام والتعليم والحياة العامة أصبحوا المسلمينمجبورين علي التعامل باللغة التقرنية ومحرومينمن جزءمهممن هويتهم وثقافتهم وتراثهم، ولكن تمسكهم بها لم يجعلها تغيبمنمحيطهم وحياتهم اليومية، وإن غابتمن الدستور فهي لا زالت تعيش في وجدانهم ولا يمكن حذفها بسهولةمن الحياة العامة للمسلمين وهي باقيةما بقوا المسلمين في إرتريا.

والغريب في الأمر أن إسياس يتكلم اللغة العربية بطلاقة وكذلك الكثيرونمن الوزراء والمسؤولين ولكنه يرفض إستعملها في داخل إرتريا ولم يحصل أبداً إنه تحدث باللغة العربية في إجتماع عام في داخل إرتريا أو فيمقابلاته المتعددة في الإعلام الإرتري لأن ذلك لا يتماشىمع سياسة تهميش اللغة العربية التي تتبعها حكومته. ولكنه في ذات الوقت يتعمد التحدث باللغة العربية في زياراته للدول العربية أو فيمقابلاتهمع الفضائيات العربية. ومنمشاهدت ذلك يتوهممعظم العرب شعوباً وحكاماً أنمكانة اللغة العربية في إرتريامحفوظة ويعتبرون أن إسياس عربي التوجه والهوية والإنتماء وهو في الحقيقة أبعدما يكونمن ذلك.

يبدو أن الدستور الإرتري إستحدث نظام جديد في الحكم حيث خلط بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني ولا يمكن التكهن كيف يمكن توفيق ذلك. كما هومعروف أن الرئيس في النظام الرئأسي ينتخبمباشرتاًمن قبل الشعب بغض النظر عن عدد المقاعد التي يحتلها حزبه في البرلمان وفي النظام البرلماني يتولى الحزب الذي تحصل على الأغلبية في البرلمان تكوين الحكومة، ولكن في النظام الإرتري كما نجده في الدستور أن الرئيس ينتخب بواسط أعضاء البرلمان ومن بينهم (المادة 41 الفقرة 1) بالأغلبية المطلقة، وغير ذلك لا يقول الدستور عن علاقة الرئيس بالبرلمانمتى أنتخب فيمنصب الرئيس سوى إنه يُعطى صلاحيات تنفيذية واسعة للرئيس.

الدستور الإرتري لا يشيرمباشرة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أوميثاق الأمم المتحدة وكما ذكرنا لم يقر اللغات الرسمية كما طالب الشعب وهناك خلطمتعمد في صلاحيات الجهاز التشريعي والتنفيذي وفي النهاية طلع دستورممسوخ، ولكنمهما كان أوجه النقصان في الدستورالإرتري فذلك أمرمفتوح للنقاش والمهم هو إنه دستورمعطل وبالتالي عديم الفائدة في هذه المرحلة.

Top
X

Right Click

No Right Click