سيدي هل لي أن أختلف قليلا؟ اللغة أداة لممارسة السلطة وليست مجرد وسيلة للتفاهم - الجزء الثالث
بقلم المناضل الأستاذ: إدريس سعيد أباعري - كاتب وقاص إرتري | سماديت كوم Samadit.com
أما ملاحظاتي حول المفاهيم الرائجة فهي:-
أولا: بين ألية السوق وآلية الدولة.
تكررت في تصريحات بعض المسؤولين فلسفة غامضة، أن اللغة تحددها آلية السوق وليست قوانين أو مراسيم إدارية.
هنا لا يمكن للمرء أن ينكر صلاح نظرية البقاء للأصلح، سواء رضي الإنسان ذلك أم لم يرضى، إلا أنه من الصعب إن لم يكن من السذاجة التحدث عن علم الاجتماع عن الأمور الاجتماعية والسياسية والثقافية بمثل الحديث عن علم الأحياء.
فالأول عرضى للتدخل البشري مهما تسامي صاحب الشأن، لأن السوق لا يمكن أن تكون معزولة عن المؤثرات الاجتماعية والثقافية، خاصة في العصر الذي نعيشه، عصر الحساسيات السياسية والثقافية المفرطة، رغم سرعة وتيرة التطور العلمي وسيادة العولمة زمن اشتداد الصراع بين نزعتي المشاركة والاستبعاد (Conflict between the tendency of inclusion and temptation of exclusion) أما الأخير فتقرره حكمة نواميس الطبيعة فهل نحن ننتمي إلى الأخير؟ وهنا يكمن الخطأ المبدئي، حيث الإحتكام إلى قوانين علم الأحياء.
فنظرية ترك الأمور لآلية السوق متهمة حتى على المستوى المستوى الاقتصادي بتوسيع هوة عدم التكافؤ بين الفقراء والأغ والأغنياء ومن ثم خلق عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في العالم. فكيف بها أن تكون ناجحة ومنصفة في تقرير مصير اللغات بما تحوى من مشاعر إثنية وهويات ثقافية، وبما تحمل من مضامي مضامين سياسية وتقرير نصيب الحصص الاقتصادية بين أبناء البقعة الواحد؟
وهنا أيضا تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة حول الفلسفة السياسية التى تقرها مواثيقنا وبرامجنا عند وضعها على الأرض مثل ما هو موقع العدالة الاجتماعية التي تتصدر اسم تنظيمنا من أمر اللغة التي قد تكون سلاح ذو حدين؟
وهل هذه العدالة الاجت الاجتماعية التي نتبعها كفلسفة سياسية هي سليلة جان بول روسو التي تطالع به هاوي النظريات الاجتماعية شوارع زيورخ وأحياء جنيف؟ أم هي عدالة ”المالمو“ نيريري التي ينبعث أنينها من أزقة أزقة زنجبار، حيث بدأت تتحشرج تحت معاول عمال التعاونيات في البر التنجانيقي قبل أن يوارى المعلم الفاضل الثرى هذا الحالم الذي أمضى عقوده وهو يكرر (هرامبي) أم أن عقودا أخرى ستبتلع في بحر الزمن العاتي ونحن نبحث عن التفسيرات المعجمية ودلالات فرادة التجربة للعدالة الاجتماعية من وسط ضجيج المهرجانات واللغويات وشعارات الوحدة.؟
وفي كل الأحوال فإن على هذا الزمن العجروف المتهور أن يبطيء خطواته حتى يكتمل الخصام أو الإلتحام مفهوميا ولغويا مع مصطلح ”الوقت لم يحن بعد“ أنه مصطلح فتاك وذو حدين هو الآخر. أسئلة صعبة تتطلب استنطاق الماضي، ماضي هذا الشعب وماضي الآخرين قبل الإقدام أو أو المضي.
إلا أن ما لايجب أن يغيب عن البال هو أن صاحب العقد الإجتماعي الذي هو سليل حضارة الغرب المادية لم يستهين بالثقافات واللسانيات في حياة الشعوب وعلائقها السياسية، وتقف سويسرا شاهدا حيا لهذه الفلسفة، فالشعوب عبر وللتجارب معاني.
والملاحظ هنا حتى البنك الدولي الذي يقود العولمة واقتصاد السوق، أقر رسميا عند تأسيسه عام 1945م أن تكون اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للمنظمة، حيث لا يمكن أن يعمل مواطني الأكثر من أربعون دولة التي أسست هذه المنظمة مالم يجيدوا الإنجليزية، الأمر الذي يؤكد بأن ”التعويم“ الذي هو أهم بعد مصطلحات المنظمة والذي استخدمه بعض الأخوة، لا يستخدم إلا في في الأمور المالية وقضايا العملات وليس اللغة، علما بأن إزالة كل الحواجز الاقتصادية والثقافية بين الأوطان هو أهم مبادئ المنظمة.
نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم
* تم رفض نشره في وسائل الاعلام داخل ارتريا فأرسله الكاتب الي مواقع خارج البلاد وأنه أحد أسباب سجنه - بجانب تأييده لمجموعة الخمسة عشر (G15) - منذ عام 2001 كونه يعكس عن رأي مغاير لما دأبت عليه السلطة القهرية بخداعها للشعب ببرنامج تطوير "لغات الأم".