ارتريا، اريتريا، إرترا، ارترا ثالسا، ﺳﻨﻴﻮﺱ ﺍﺭﺗﺮﻳﻮﺱ - الجزء الثالث

بقلم الأستاذ: حامد ود عد - كاتب وناشط سياسي إرتري

الإقتصاد: إرتريا تتمتع بثروة معدنية كبيرة وموارد زراعية وغابية وبحرية بالإضافة لموقع استراتيجي وجذاب وبيئة سياحية ساحرة،

خريطة إرتريا

وقوة شابة مفعمة بالنشاط والحيوية.

الثروات الطبيعية:

المعادن: إن وفرة المعادن في المنطقة التي تقع ضمن حدود إرتريا الحالية، كانت ضمن عوامل الجذب التي جذبت بعض القبائل العربية في فترات متقدمة من التأريخ، حيث أتت إليها قبائل عربية تبحث عن مناجم التعدين كما سبق ذكره في الفصل الأول من هذا الكتاب، لكن اكتشاف المعادن بالطريقة العلمية الحديثة تم في فترة الاستعمار الإيطالي لإرتريا بين 1891م-1941م، حيث تم اكتشاف كميات كبيرة من المعادن، حيث كانت حكومة الاستعمار الإيطالي منحت مائة ترخيص للشركات الإيطالية 64 منها كان لتعدين الذهب والبقية للمعادن الأخرى.

مر التعدين في إرتريا بعد خروج الإيطاليين بمنعطفات كتيره كانت نتاج لعدم الاستقرار وحالة الحرب، وقد حاول الاستعمار البريطاني استغلال المعادن في إرتريا لكنه لم يوفق في ذلك السعي بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها البلاد، وحالة الكساد التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب الدمار الذي لحق بالاقتصاد العالمي، كما أن بريطانيا عملت على تفكيك البنية الاقتصادية لإرتريا بحجة استعادة مديونيتها عليها مما ترتب على ذلك تراجع المشاريع التعدينية الطموحة التي شهدتها البلاد في النصف الأول من القرن العشرين خاصة تعدين الذهب الذي خطا خطوات متقدمة أهلته لأن يكون الرافعة الاقتصادية للاقتصاد الارتري الوليد.

خلف الاستعمار البريطاني الاستعمار الأثيوبي، الذي عمل على تخريب الاقتصاد الإرتري حتى يتثنى له تصوير إرتريا بأنها دولة فقيرة لا تستطيع الاستمرار في حال منحها الاستقلال، لكن ذلك لم يمنع أثيوبيا في وقت لاحق من إبرام بعض الاتفاقيات مع شركات أجنبية للقيام بأعمال التنقيب عند المعادن في إرتريا إلا أنها لم يكتب لها النجاح بسبب حرب التحرير الإرترية.

معدن الذهب: اثمرت الجهود المسحية التي قامت بها ايطاليا في غرب وجنوب وغرب إرتريا عن اكتشاف كميات تجارية من الذهب في عام 1935-1936م، وقدر ما انتج من الذهب في العام 1937م ب 17000 اوقية من الذهب من منجم (أَوْقارُووفَانْكُو) وانتعشت حركة التعدين في تلك الفترة في عدد من الأقاليم الإرترية وفي أكثر من معدن مما شجع السلطات الإيطالية لمد الطرق لمناجم التعدين وسن القوانين غير العادلة التي حرمت أصحاب الأرض من أرضهم ومن عوائد ما يستخرج من باطنها، وكان أكثر معدن عملت إيطاليا على استخراجه هو الذهب، الذي وجد في أماكن مختلفة من إرتريا وبكميات مختلفة أيضا، لكن أكثر منجم استخرجت منه ايطاليا الذهب كان منجم بيشا بغرب إرتريا، وهو نفس المنجم الذي تستخرج منه شركات التعدين المتعاقدة مع الحكومة الإرترية حاليا. كما أنتج الذهب بكميات قليلة في تلك الفترة بالقرب من اسمرا العاصمة، ومن مناطق أخرى في إرتريا.

اليوم بعد استقلال إرتريا تعمل الحكومة الإرترية بنفس الخريطة القديمة التي اكتشفتها إيطاليا، حيث مضى عقدان على الدولة الإرترية المستقلة، لم تحقق إنجاز يذكر في مجال استكشاف ثرواتها، وهذا يرجع لانشغال الحكومة الإرترية بحروبها المستمرة مع دول الجوار، وكذلك سياساتها الاستثمارية غير الواضحة، وفوق كل هذا عدم مؤسسية الدولة التي تفتقد حتى اليوم للدستور والقضاء المستقل، وهذه الأشياء لها أهمية كبيرة لجذب الاستثمار، كما أنها تعتبر ضمان للمستثمرين الأجانب لأنهم لا يستثمرون إلا في دول فيها قوانين واضحة تحفظ حقوقهم وتحمي ممتلكاتهم.

في الآونة الأخيرة دخلت عدد من شركات التعدين في شراكات مع الحكومة الإرترية للتنقيب، هذه الشركات تواجه عدداً من التحديات، أهمها المواجهة المستمرة مع منظمات حقوق الإنسان التي تستند في مواجهتها مع هذه الشركات على الأوضاع المزرية لحقوق الإنسان في إرتريا والتقارير الدولية التي تؤكد ذلك، ومن ذلك أن الشركات متهمة من قبل المنظمات بأنها تمارس أعمال السخرة لأن العاملين في الغالب في هذه المشاريع هم من مجندي الخدمة الإلزامية الذين لا يتقاضون أي مرتبات.

منجم بيشا للتعدين: يعتبر مشروع بيشا الواقع في المنخفضات الغربية على بعد 150 كلم غرب العاصمة أسمرا من أكبر المناجم المكتشفة حتى الآن تعمل به شركة نيف سن (Nevsun) الكندية 60% وشركة وزارة المعادن الإرترية (ENAMCO) 40%، يحتوي المشروع على كميات كبيرة من النحاس والزنك والذهب والفضة حيث تقدر الشركة المنقبة احتياطي المشروع بـ 1.2 بليون رطل من النحاس و3.4 بليون من الزنك و750 ألف أوقية من الذهب و42 مليون أوقية من الفضة، كما تعمل الشركة على مشاريع أخرى بالقرب من مشروع بيشا كمشروع حرينا (Harena) 10كلم جنوب بيشا و وادي مُقَرايِيبْ على بعد 20 كلم إلى الغرب من منجم بيشا.

مشروع أسمرا: يقع المشروع في الهضبة الوسطى بالقرب من العاصمة أسمرا بل إن جزءاً من المشروع يهدد حاليا بعض الأحياء بالرحيل، يشمل المشروع مناطق إِمْبَادَرْهُوDerho)Emba) قبو (Gupo) دباروا (Debarwa) وعدي نفاس (AdiNifas) تعمل بالمشروع مجموعة شركات سن ريدج (Sunridge) الأسترالية 60% وشركة وزارة المعادن الإرترية (ENAMCO) 40%. يحتوي المشروع على كميات من النحاس والزنك والذهب والفضة.

مشروع زَرَا: يقع المشروع شمال إرترياكان شراكة بين شركة كاليس (Chalice) الأسترالية إلا أن أسهم الشركة الأسترالية البالغة 60% انتقلت لمجموعة اسفاكو (SFECO)الصينية بقيمية حوالي 80 مليون دولار في عام 2012م، وتمتلك شركة وزارة المعادن الإرترية (ENAMCO) 40% من المشروع.

يقدر احتياطي الذهب المكتشف في إرتريا بثلاثة ملايين أوقية من الذهب الخالص، يأتي منجم بيشا الذي يقع غرب مدينة أغردات 50كلم في إقليم القاش بركا في المقدمة من حيث كمية الاحتياطي المكتشف من معدن الذهب والمعادن المصاحبة له، إذ يحتوي على 50% من الاحتياطي من معدن الذهب في البلاد، ثم زرا ويحتوي على 30%، ثم عَدِّ نفاس.

احتياطي الفضة في إرتريا يقدر ب 25 مليون أوقية، والنحاس يقدر بمليار ونصف المليار طن، وثلاث مليار من الأرطال للزنكي، وأكبر هذه الاحتياطات موجودة في منجم بيشا.

البترول والغاز: سعى الاستعمار الأثيوبي للحصول على البترول في إرتريا فتعاقد في 1962م مع شركة موبيل بتروليوم الأمريكية للتنقيب عن النفط في ساحل البحر الأحمر، كما دخلت شركة الخليج (Gulf Oil Co) عام 1963م في تعاقد مع الحكومة الأثيوبية للتنقيب عن النفط، وقدأشارت الدراسات في تلك الفترة عن وجود كميات تجارية من البترول في الساحل الإرتري، وقد أكدت الدراسات الحديثة ذلك حيث وصفت جريدة الغارديان البريطانية كميات البترول والغاز في الساحل الإرتري بالهائلة على حسب الدراسات التي أجريت في الساحل الإرتري للبحر الأحمر، كما أن البنك الإفريقي للتنمية كان قد أكد وجود كميات تجارية في إرتريا من البترول والغاز الطبيعي.

البوتاسيوم: يقع مشروع تعدين البوتاسيوم في جنوب البحر الأحمر على بعد75كلم من ساحل البحر الأحمر 180كلم من ميناء مصوع في إقليم جنوب البحر الأحمر بمنطقة دنكاليا التي تعتبر واحدة من أكبر أحواض البوتاسيوم غير المستغلة في العالم وتعمل به الشركة الأسترالية دَنْكَلِي (Danakali) بالشراكة مع شركة وزارة المعادن الإرترية (ENAMCO) بنسب متساوية، وتقدر قيمة احتياطي البوتاسيوم في المشروع ب 150 بليون دولار.

منذ خروج الإيطاليين من إرتريا في بداية أربعينات القرن الماضي لم يحدث أي مسح استكشافي للمعادن نسبة لحالة عدم الاستقرار التي شهدتها إرتريا خلال نصف قرن من القرن الماضي، مما يعني أن كل شيء كان مجمدا بما فيه المناجم التي كانت مكتشفة وتم التعدين فيها لفترة زمنية.

تعمل حاليا في مجال التعدين حوالي 15 شركة تعدين منها شركة كندية، وشركة أسترالية، وشركة بريطانية، وعدد من الشركات الصينية، ولا توجد من بين هذه الشركات إلا شركة عربية إرترية واحدة هي الشركة الإماراتية الإرترية المحدودة، ومناطق امتيازها تقع في منطقة قُرْقُجِّيْ إلى الجنوب الشرقي من مدينة تسني في إقليم القاش بركا، كما منحت امتيازات في إقليم عنسبا.

المعادن المكتشفة في إرتريا تدل على أن غير المكتشف أكثر، مما يعني قدرة إرتريا في الدخول في شراكة استثمارية مع بعض الدول العربية التي لها القدرة على الاستثمار في مجال التعدين.

مستقبل إرتريا في مجال التعدين واعد لوجود كميات تجارية كبيرة تأهلها للدخول في شراكات لاستخراج العديد من المعادن التي تختزنها في باطن الأرض، ويعتبر رأس المال الخليجي بصفة خاصة والعربي بصفة عامة الأقدر في إقامة مشاريع تكاملية من أجل تنمية موارد إرتريا المعدنية التي تستغلها حاليا شركات غربيه وصينية وإيرانية.

الثروة الزراعية: تذكر الكثير من التقارير أن غالبية الشعب الإرتري يسكن في الريف ويعتمد على الزراعة بنسبة 80%، مع أن الأساليب الزراعية المعمول بها تقليدية جدا لم تشهد أي تطور يذكر، حيث تشكل الزراعة حوالي 21% من الناتج الإجمالي المحلي.

إرتريا بها مساحة كبيرة صالحة للزراعة لم تستغل بعد لضعف الإمكانيات المتوفرة حاليا، كما أن الحكومة الإرترية لم تستطع نقلة نوعية في المجال الزرعيمن زراعة تقليدية إلى زراعة حديثة تعتمد على الآلة بتطوير الأدوات الزراعية، وإجراء البحوث الزراعية التي من شأنها تطوير الزراعة، والارتقاء بها بحيث تساهم في رفع المستوى المعيشي للشعب الإرتري الذي يعتبر من الشعوب الفقيرة مع توفر كم هائل من الموارد الطبيعية.

تعتمد الزراعة في إرتريا اليوم على هطول الأمطار مما يجعل الموسم الزراعي في إرتريا دائما متقلباً لا يستقر له قرار وذلك لتباين مستوى هطول الأمطار من موسم لآخر لوقوع إرتريا ضمن الإقليم الشبه الصحراوي، وقد وصف تقرير البنك الدولي للتنمية الزراعية أن 65% من سكان الريف الإرتري من الفقراء وأن 37% يعتبرون أشد فقراً حتى في السنوات الممطرة، وأن إرتريا تستطيع تأمين 60% من الغذاء في أفضل الحالات، وتتراجع النسبة لـ 25% في السنوات التي تقل فيها الأمطار، وأن المساحة المستغلة حالياً والمستفاد منها في النشاط الزراعي تقدر بنسبة 26%(556.000 هكتار) من مجموع المساحة الصالحة للزراعة في كافة أنحاء البلاد التي تصل إلى (2.1 مليون هكتار).

المشاريع الزراعية في إرتريا ليست بالجديدة ولا يحتاج إلى اكتشاف بقدر ما يحتاج إلى تطوير، فهذه الأرض خصوبتها مرتفعة، حيث شهدت فترة الاستعمار الإيطالي انتعاش عدد من المشاريع الزراعية في إرتريا وكانت تصدر منتجاتها للأسواق العالمية، من الخضر والفواكه و اللحوم ومشتقات الألبان والأسماك والأعشاب الطبية والقطن، وأن بعض المشاريع الاستثمارية بعد الاستقلال سجلت نجاحاً كبيراً، ونالت منتجاتها رضا المستهلكين لجودتها، وهذا يؤكد قدرة إرتريا توفير منتجات زراعية مختلفة لبعض الأسواق العربية المجاورة إذا ما نجحت في اقناع رأس المال العربي بالدخول النشاطات الزراعية الكبيرة في إقليم القاش بركة حيث المساحات الممتدة التي تنام على كميات كبيرة من المياه.

لعل هناك بعض التجارب العربية في الاستثمار الزراعي في دول القرن الإفريقي كالاستثمار السعودي في أثيوبيا حيث يقدر بحوالي ثلاثة عشر مليار دولار، وفق ما أوردته صحيفة عكاظ السعودية، ومثله الاستثمارات الإماراتية التي تزيد على الأربعة مليارات من الدولارات، والاستثماراتالقطرية التي تصل إلى ثلاثة مليارات من الدولارات، وهذه الأخيرة رحلت إلى أثيوبية بسبب القيود والعراقيل التي وضعها أمامها الجانب الارتري.

ليبيا القذافي حاولت هي الأخرى أيضا بناء شراكات اقتصادية مع النظام الإرتري وكانتتمهد للدخول في مجال التعدين وقد تأسست لهذ الغرض شركة قابضة ليبية إرترية تعمل في عدة مجالات استثمارية منها مجال السياحة والفندقة، والطاقة، و التعدين، ومجال الإنشاءات والتعمير، أيضا ترتبط الجزائر وإرتريا باتفاقيات في مجال الاستثمار المشترك، كما توجد لكل من مصر واليمن اتفاقيات مع إرتريا في مجال صيد الأسماك لما تتمتع به السواحل الارترية من مخزون هائل من الثروة السمكية.

الرعي: تهيمن حرفة الرعي إلى جانب الزراعة، على قطاعات واسعة من السكان، وتمتلك إرترية نحو 10 ملايين رأس من الأبقار والجمال والأغنام. وقد تأثر تكاثرها بحالة الحرب التي عاشتها البلاد منذ عام 1960 م، وتحاول الشركات الأجنبية استثمار الإنتاج الحيواني في صناعة اللحوم لتصديرها إلى الخارج، ولاسيما إلى الكيان الصهيوني (وفقاً للاتفاقية التي عقدتها السلطات الإثيوبية مع شركة «أنكودي» الصهيونية). كذلك تصدر إرترية منتوجات الألبان إلى إيطالية وبعض الدول المجاورة. وتمتلك إرترية ثروة بحرية كبيرة من الأسماك والأصداف وتزيد قيمة صادراتها السنوية فيها عن 50 مليون دولار. 

الثروة السمكية: تطل إرتريا على البحر الأحمر بشاطئ طويل يمتد لأكثر من ألف كلم، كما أن سواحل الجزر الإرترية تقدر بـ 565 كلم، وتعتبر من أكثر الدول المطلة على البحر الأحمر تمتعا بالثروة البحرية حيث تمتلك أكثر من ألف نوع من الأسماك فضلا عن أكثر من 220 نوع من المرجان. وتشير الدراسات أن بإمكان إرتريا صيد نحو 80.000 طن متري سنويا، لكن في الواقع إرتريا غير قادرة إلا على صيد حوالي 13%. على حسب مصادر الحكومة الإرترية بينما مصادر مستقلة تشير إلى قدرة إرتريا على صيد ما بين 4-6 ألف طن سنويا.

في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان إنتاج إرتريا حوالي 68.000 طن من الثروة السمكية، ومع فرق الزمن بين خمسينات القرن الماضي واليوم، من تقدم تكنولوجي، وتوفر رأس المال، وكثرة الجهات المستثمرة،إلا أن إرتريا بعد عشرين عاما من استقلالها تنتج عشر ما كانت تنتجه في فترة الاحتلال من خمسينات وستينات القرن الماضي حيث أخفقت الحكومة الإرترية في تحقيق تقدم في كل المجالات فقد سجلت رقما قياسيا في إهدار ثروتها وعدم الاستفادة منها بما يحقق رفاهية المواطن.

ظلت إرتريا خلال العقدين الماضيين في حالة توتر غير معلنة مع مصر واليمن بسبب تعرض إرتريا للصيادين اليمنيين والمصريين ومصادرة قواربهم، بدعوى تجاوزهم للحدود المسموح لهم بالاصطياد فيها ودخولهم المياه الإقليمية لإرتريا، وهذا قد يكون صحيحا لوفرة السمك وتنوعه في المياه الإرترية التي لم تستغل بسب حقبة حرب التحرير، وهذا حق مكفول لإرتريا لحماية ثرواتها في البحر الأحمر في حال ثبت ذلك، كما أن هناك نزاع بين إرتريا واليمن بشأن حقوق الصيد في المياه المحيطة بجزر حنيش. مع أن هناك ثروة سمكية كبيرة في البحر الأحمر كان بإمكانها أن تغني البلدين في حال الوصول إلى اتفاقيات مشتركة وبمساعدة أطراف عربية أخرى من الجوار كالسعودية للاستثمار المشترك بين الدول الثلاث لمصلحة الجميع وبما يحقق الاستقرار للمنطقة.

بغض النظر عن هذا الإخفاق الذي أصبح رديف لسياسة الحكومة الإرترية، فالذي يهمنا هنا هو أن إرتريا تتمتع بثروة سمكية تؤهلها للعب دور حيوي في جلب الاستثمار العربي من أجل التكامل وتحقيق الرفاهية للشعب الإرتري والعربي، فدول مثل المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة تستورد كميات كبيرة من الأسماك بمختلف أنواعها، لكن ما يميز الثروة السمكية الإرترية هو تنوع الأسماك مما سيسهل على المستثمر إنتاج أنواع مختلفة من الأسماك في مكان واحد، كما أن قرب إرتريا من السوق الاستهلاكية الكبيرة يضيف إليها ميزة أخرى وهي قلة تكاليف الإنتاج مع قلة تكاليف النقل تضاف إلى غيرها من ميزات الاستثمار في الثروة السمكية الإرترية.

إن الاستثمار المشترك بين إرتريا واليمن بمشاركة دول عربية أخرى من الخليج العربي ستحل النزاع والاختلاف في المصائد بين البلدين لأن التكامل هو الطريق لحل مشاكل المنطقة، وهو الذي سيحسن من المستوى المعيشي للشعوب التي لا تحصد من الخلافات والاقتتال الا الفقر والموت.

إن دخول إرتريا في تكامل عربي بشأن الاستثمار في ثروتها السمكية يوفر عليها الكثير من الجهد في عملية الإنتاج والتسويق، كما سيوفر للشعب الإرتري الاستفادة من الثروة البحرية، فالأسماك مثلا من المنتجات النادرة في السوق الإرتري مع أن البلد تطل على شاطئ بحري طويل يعج بأنواع مختلفة من الأسماك، فالسوق المحلي الإرتري بحاجة إلى منتج يوفر له المنتج المتاح والمتنوع من الأسماك، حيث غالبية المواطنين الإرتريين لم يتذوقوا بعد طعم المنتجات البحرية مع أن وسائل الإعلام تطالعهم صباح مساء بكثرتها وتنوعها.

السياحة: تتميز إرتريا بالتنوع المناخي والطبيعة الخلابة واعتدال درجة الحرارة والتاريخ الحضاري المطمور تحت الأرض في كثير من مواقعها الأثرية التي مرت عليها حضارات لم يكتب لها البقاء، يضاف إلى ما تقدم غنا البحر الأحمر بتنوعه البيئي وكثرة اسماكه وجزره وشعبه المرجانية المتنوعة واعتدال مناخه في فصل الشتاء مما يضيف ميزة أخرى لإرتريا في إنعاش سوق السياحة، فلعل أهم مايؤهل إرتريا لتكون القبلة السياحية في المنطقة ما يلي:-

• المناخ: تعتبر إرتريا بوتقة تجتمع فيها عدد من المناخات المختلفة الحارة والباردة والمعتدلة، فبينما يطغى المناخ الصحراوي على بعض السهول الغربية والشمالية والشرقية، تتمتع المناطق الفاصلة بين هذه السهول من المرتفعات الجبلية بمناخ شبه معتدل على مدار السنة يميل إلى المناطق الحارة صيفا، وإلى المناطق الباردة شتاء. أما المرتفعات الإرترية في وسط وجنوب إرتريا وكذلك في بعض المرتفعات في الساحل الشمالي فالجو فيها ربيعي معظم أيام السنة لا تتجاوز درجة الحرارة فيه الخمسة وعشرين درجة مأوية في فصل الصيف فهي معتدلة صيفا باردة شتاءً. أما التلال البركانية المحاذية للساحل في جنوب البحر الأحمر فهيه حارة جداً في معظم شهور السنة.

هذه المناخات المختلفة جعلت من إرتريا متعددة الأوجه، فبينما يكسو معظم وجه الهضبة الإرترية ومرتفعاتها خضرة مستديمة، تكسو أشجار السافانا معظم السهول والمناطق المجاورة خاصة السهول الغربية والجنوبية الغربية، توجد إرتريا عدد من الغابات بالذات في المناطق الغربية بجانب بعض المساحات الغابية في مناطق أخرى، مما جعلها تذخر بحياة برية متنوعة يجعلها قبلة لهوات الصيد.

• الجزر والخلجان: تمتلك إرتريا عدداً من الجزر في البحر الأحمر تبلغ حوالي 360 جزيرة، بعض هذه الجزر صغيرة خالية من السكان وبعضها كبيرة ومأهولة بالسكان إلا أن أهميتها السياحية كبيرة جداً، شواطئ شاطئ البحر الأحمر وشواطئ الجزر الإرترية تحتل أهمية سياحية أخرى خاصة لهواة الغطس، لذلك تسعى الحكومة الإرترية لتسويق بعض الجزر كمشاريع استثمارية، لكن قضية عزوف المستثمرين يكمن في عدم الاستقرار السياسي وعدم وجود قوانين تستند إلى دستور ينظم الاستثمار في البلد بحيث يضمن للمستثمرين حقوقهم.

• المناطق الأثرية: توجد في إرتريا عدد من المناطق التاريخية حيث شهدت بعض المناطق في إرتريا حضارات قديمة، فتوجد في جنوب إرتريا حضارة بلو كلو القديمة ومسلات مطرا التي يعتقد أنها سبقت مملكة أكسوم التاريخية، ووجود مباني أثرية قديمة من العهد التركي ثم الإيطالي بمدينة مصوع تمثل مباني تاريخية، بجانب مسجد الصحابة برأس مدر الذي يعتقد أنه أقدم مسجد في أفريقيا، كذلك يشكل دير دبر بزين المسيحي المبني فوق جبل (دبر بزين) الوعر معلما تاريخيا بالذات للسياحة الاستكشافيةوالتاريخية.

هذا السرد الموجز عن مقومات الصناعة السياحية في إرتريا هو بمثابة تمهيد لاستشراف التكامل العربي الإرتري في مجال السياحة لأن السائح العربي سيجد في إرتريا الكثير من الأشياء الجذابة الممتعة التي يبحث عنها في بلدان تكلفه الجهد والوقت والمال بينما في إرتريا ستوفر عليه الكثير من الجهد لقرب المسافة، والمال لقلة التكلفة. حيث تشكل السياحة العربية حوالي 58% من السياحة العربية إلى بقية الدول بينما تشكل السياحة القريبة أي السياحة البينية بين الدول العربية 42%، لكن الدراسات تشير إلى ارتفاع السياحة البعيدة إلى 63% وانخفاض السياحة البينية إلى 37% في العام 2020م، وهذا يؤكد أن قطاع السياحة في إرتريا سيشهد نموا كبيراً في حال الاستثمار فيه.

القطاع السياحي في إرتريا لا يتوقع أن يحقق نمواً مضطردا إلا بدخول المستثمرين، وإن أفضل الأموال التي يمكن أن تسهم في سرعة تطور هذا القطاع هي رؤوس الأموال العربية، لأن التجربة أثبتت أن المساعي الأخرى لم تأت بثمار مأمولة، وأن تكرار نفس التجارب لا يتوقع أن يأتي بجديد، فالمسار الصحيح لتطوير السياحة في إرتريا هو التكامل الإرتري العربي. وهناك بعض الشواهد تعضد ما نقول حيث تم الاتفاق مع شركات قطرية لتطوير القطاع السياحي في جزيرة دهلك التاريخية إلا أن سياسات الحكومة الإرترية لم تساعد في تنفيذ المشاريع (فقد نشرفي موقع جريدة الخليج الامارتية بتاريخ 28يناير2007م بأن وزير المالية الارتري السيد/برهاني أبرها والرئيس التنفيذي لشركة ديار العقارية للاستثمار والتنمية القطرية وقعا على عدد من الاتفاقيات بموجبها ستقوم الشركة القطرية ببناء مشاريع سياحية في إرتريا لا سيما في جزيرة دهلك الارترية التي تعتبر من أكبر الجزر الإرترية، ويحتوي المشروع على أكثر من 850 شقة سكنية معدة بكل أشكال ومقومات الترفيه، وقد انتهت كافة التصورات والخطط للمشروع و أوكلت مهمة تنفيذه للمكتب الفرعي لشركة ديار العقارية في القاهرة إلا أن خلافات برزت على السطح بين الحكومة الارترية والشركة القطرية، وذلك بسبب رفض الجانب الارتري استجلاب عمالة أجنبية للعمل في المشروع مبرراً ذلك بوجود اكتفاء محلي من اليد العاملة، والمطلوب حسب وجهة النظر الإرترية توفير التمويل المالي فقط للمشروع، وقد أثار ذلك غضب المسؤولين القطريين وتسبب أيضا في تعطيل انطلاق المشروع).

نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click