حكومة إسياس أفورقي عشرون عاما من الحكم الدكتاتوري المتسلط - الحلقة السادسة والأخيرة

بقلم الأستاذ: جلال إبراهيم

حرب الحدود ونهاية أسطورة الشعبية: إندلاع الحرب بين رفاق الأمس الجبهة الشعبية في إرتريا والجبهة الشعبية في تقراي كان مفاجئة

كبيرة للمراقبين واحداث غير متوقعة على الإطلاق وكانت مفاجئة أكبر للشعبين الإرتري والإثيوبي، فالعلاقات بين الشريكين كانت تبدو من الخارج وكأنها علاقات إستراتيجية ومميزة وإنهم تخطوا عقلية أن "خسارة غريمي هي مكسب لي" ولكن في الحقيقة أن الإمور بينهم في الداخل كانت ملتهبة وإن البراغماتية التي كانت تظهر في العلن لم تكن سوى تضليل لم يصمد كثيراً امام عقلية "القوة هي الحق" (right is might) المتجزرة في أذهان قيادة البلدين الذين كانوا أسرى تجاربهم العسكرية.

إن أسباب الحرب وتطوراتها وتداعياتها ونتائجها النهائية موثقة بكل تفاصيلها وفي النهاية رُسم الحدود بين البلدين بقرار دولي من مفوضية الحدود الدولية صدر في أبريل 2002م، وعليه سوف لا نتطرق إليها بالتفاصيل ولكن سوف نشير إلى بعض الأخطاء السياسية وسوء التقديرات من جانب إسياس أفورقي والتي كان يمكن تفاديها وتخفيف فاتورة الحرب:-

• في بداية الأمر كان بإمكانه تفادي الصدام العسكري الأول في بادمي والذي تسبب في إعلان الحرب من جانب إثيوبيا برفع القضية أمام المنظمات الدولية، ولكنه وقع في الشرك أو المصيدة التي أعدها له صقور التقراي مثل أباي ظهاي وسيي أبرها وقبرو أسرات والذين كانوا يتوقون إلى المجابهة والحرب مع الشعبية بنية تحجيمها وتقزيمها.

• بعد الإشتباكات الأولية كان بإمكانه أن يقبل مبادرة رواندا وأمريكا بالإنسحاب أولاً إلى المواقع الأصلية والبحث عن الحل السلمي ثانيا، ولكنه وقع في خطاء إستراتيجي عندما أعلن "إن الإنسحاب من بادمي معناه أن تشرق الشمس من الغرب".

• بعد الجولة الثانية من الحرب كان بإمكانه ان يقبل مبادرة منظمة الوحدة الأفريقية.

• في مايو 2000م عندما زاره وفد رفيع المستوى من مجلس الأمن كان من ضمن أعضائه هول بروك سفير أمريكا في الأمم المتحدة ونقلوا له تصميم القيادة الإثيوبية على مواصلة الحرب مالم ينسحب من الأراضي المحتلة وطلبوا منه قبول مبادرات السلام رفض من جديد وكانت الجولة الأخيرة من الحرب بعد أسبوع من زيارة الوفد وإحتلال الجيش الإثيوبي المنخفضات الغربية بما فيها مدن بارنتو وهيكوتا وتسني وام حجر والدمار الذي الحقوه، ولكنه بعد الهزيمة قبل بكل الشروط الإثيوبية لإنهاء الحرب التي كان يرفضها قبل شهر.

يقدر عدد القتلى من الجانبين بين 70,000 - 80,000 قتيل وعدد الجرحى ثلاثة أضعاف ذلك، أما الخسائر المادية يقدر المحللون السياسيون أن تكلفة الحرب لإرتريا وحدها كانت بين 500 مليون إلى مليار دولار غير الخسائر الكبيرة في الأرواح والذي يقدر أن تكون أكثر بكثير مما أعلنه إسياس، فقد أعلن إسياس في خطاب له في إحتفالات يوم الشهداء 20 يونيو 2001 م أن إرتريا خسرت 19 ألف شهيد في حرب الحدود مع إثيوبيا ولكن يقول المحللون إن الرقم الحقيقي قد يصل إلى 34 ألف قتيل، وصرح ناطق من الخارجية الإثيوبية بإن العدد المعلن أقل بكثير من الحقيقة. ولكن مهما كان العدد أن 19 ألف قتيل ليس عدد يستهان به ويوضح فداحة الكارثة التي سببها الحرب. وفي إعلانه عن عدد القتلى لم يفسح إسياس عن عدد الجرحى والذي يعتقد أن يكون كبيرا قياساً بحجم القتلى.

(14) ربيع اسمرا:

مجموعة الـ 13 وبيان برلين:

كانت الحرب الحدودية مع إثيوبيا والتي خدشت فيها هيبة إسياس افورقي إلى درجة كبيرة نقطة البداية لخروج الأصوات المنادية بالتغير إلى العلن. وفي 1 كتوبر 2000 م إجتمع 13 من الإرترين المقيمن بالخارج في برلين بالمانيا للمطالبة بالإصلاحات السياسية في إرتريا وعُرفت المجموعة فيما بعد بالـ "جي 13"(G13) أو مجموعة الـ 13وهم د. هيلي دباس، أسفاو تخستي، د. أرايا دبساي، د. خالد إبراهيم، كاساهون جوكل، د. موسي مسقنا، مريم محمد عمر، باولوس هبتي قيورقيس، د. محمد خير عمر، لولا قبري يسوس، داويت مسفن، د. برخت هبتي سلاسي ورؤسوم هيلي.

وقد أرسلوا الجي 13 في يوم 3 أكتوبر 2000م رسالة خاصة عُرفت بـ "برلين مانفيستو" أو بيان برلين لإسياس أفورقي يتسالون فيها عن أسباب إندلاع الحرب مع إثيوبيا وكيفية إدراتها وطرحوا مواضيع حساسة أخرى تخص الدور المهيمن للشعبية على الحياة السياسية والإقتصادية للبلاد بالإضافة إلى موضوع الدستورالمعطل وطالبو بالإصلاحات السياسية في البلاد. ولكن الرسالة سُربت من قبل السفارة الإرترية في واشنطن إلى شبكة دهاي الإلكترونية بنية إحراج المجتمعين مما نتج عنه ردرد فعل متباينة بين أوساط الإرترين في الخارج والداخل، مع العلم أن ذلك الوقت كانت أوقات صعبة لإرتريا بعد خسارت الجولة الرابعة من الحرب الحدودية مع إثيوبيا وإنسحاب الجيش الإرتري من بادمي المتنازع عليها.

بعد تسرب محتويات الرسالة سافرت مجموعة من الـ جي 13 إلى أسمرا لمقابلة إسياس شخصياً لمناقشة محتويات الرسالة معه، وإجتمع بهم لفترة وجيزة في مكتبه في نادي دندن ولكن الإجتماع على حسب تصريحات لاحقة لداويت مسفن احد المجتمعين مع أسياس لم يحرز أي نتيجة تذكر. ولكن المهم هو أن ذلك الإجتماع كان الأول من نوعية من حيث مواجهة إسياس بمطالب سياسية محددة وبداية التصدع في الجبهة الشعبية، وتلت مجموعة برلين مجموعة أخرى من داخل الجبهة الشعبية تطالب بإصلاحات سياسية عرفت بالجي 15 (G15) أو مجموعة الـ 15 ولكن نهاية مجموعة الـ 15 كانت مأساوية.

(14.2) مجموعة الخمسة عشر:

مجموعة الخمسة عشر أو "الجي 15" تشير إلى خمسة عشر من الوزراء والسفرء ورجال الجيش الذين طالبوا بعقد إجتماع المجلس التشريعي الذي كان قد توقف منذ مدة طويلة لمناقشة نتائج الحرب الحدودية مع إثيوبيا وكيفية إدارتها وفحص جوانب القصور في إدارتها. وقدموا لإسياس طلبهم في عدة رسائل متتالية ولكن رده كان بالرفض وفي النهاية قدموا له رسالة خطية ولكنه رفض الجلوس معهم لمناقشة الموضوع وكان رده مقتضبا ومن كلمتين " تقاقيو الخوم" ومعناها "إنكم تخطؤن".

كانت هذه المجموعة تتكون من نائب الرئيس ووزير الحكومة المحلية محمود أحمد شريفو، ووزير الخارجية هيلي ولدي تنسئي الملقب "هيلي درع"، ووزير المواصلات والإتصالات صالح كيكيا، ووزير الثروة السمكية بيطروس سلمون، والسفير في المانيا براخي قبري سلاسي، والجنرال برهاني قبري إقزابهير، والجنرال عقبي أبرها، والجنرال إستفانوس سيوم، والسيدة أستير فسهاظيون، والدبلوماسي حامد حمد، والإداري جرمانو ناتي، وحاكم أقليم الجنوب مسفن حقوس، والسفير أدحنوم قبري ماريام، وسفير الأمم المتحدة هيلي منقريوس، ومحمد برهان بلاتا.

في خلال الفترة من يونيو 2000 إلى سبتمبر 2001 م كانوا مجموعة الـ 15 يحاولون كسب أعضاء الشعبية والشعب إلى جانبهم وإبراز مطالبهم الأساسية المتمثلة في عقد إجتماع المجلس الوطني من خلال إجراء المقابلات الصحفية في الصحف الخاصة ولكن إسياس رفض عقد الإجتماع لأنه كان يعلم أن ذلك سوف لن يكون في صالحه. وأخطاؤ مجموعة الـ 15 من إنهم لم يتحركوا بقوة وربما بقيام إنقلاب على إسياس، وأعطوه مساحة من الوقت وسبقهم بإتخاذ قراره بإعتقالهم في سبتمبر 2001 م.

(14.3) الصحافة الخاصة والصحفين المعتقلين:

في الفترة بين 1997 - 2001 كانت تصدر في العاصمة أسمرا عدة صحف خاصة باللغة التقرنية مثل ظقيناي ومقالح وقستي دمنا و سيتيت وادماس وزمن، ولكن في ذات الوقت رفضت وزارة الإعلام في عام 1995 م طلب من المناضل طه محمدنور لإصدار جريدة يومية باللغة العربية.

كانوا الصحفين العاملين في تلك الصحف مناضلين سابقين في الجبهة الشعبية أو شباب حديث التخرج من جامعة أسمرا. وكانت الحكومة قد تركت لهم مساحة من الحرية مادامو لم يتطرقوا إلى المواضيع المحرمة التي ذات علاقة بإمورالحكم مثل الإنتخابات والمشاركة السياسية والأحزاب السياسية. ولقد لعبت هذه الصحف دور مهم في فترة الحرب الحدودية مع إثيوبيا بتوفير المعلومة وتأطير الجماهير في الدفاع عن الوطن.

ثم تطور الوضع بعد الحرب مباشرة وخرجت أصوات من داخل الشعبية أو خارجها مثل الجي 13 والجي 15 وغيرهم تطالب في العلن بالمحاسبة والشفافية وسيادة القانون، وكان للصحافة الخاصة دور كبير في المرحلة الجديدة، وبما إن الهقدف كانت قد فقدت بوصلتها لفترة قصيرة نسبتا لنتائج الحرب المدمرة والمعارضة الداخلية التي طلعت للعلن فقد وجدت الصحف الخاصة مساحة أكبر من الحرية وبداءة تكتب في المواضيع المحرمة وأجرت مقابلات كثيرة مع أعضاء مجموعة الـ 15، وكانت الأمور تبدو وكأن أسمرا كانت تعيش موسم ربيع الحرية.

(14.4) طلبة الجامعة:

لم تكن علاقة إسياس بالجامعة علاقة طيبة، وفي عام 1997م طرد نصف هيئة التدريس لأنهم دخلوا في صراع مع رئيس الجامعة عندي برهان ولدي قيورقيس بما يخص القوانين الأكاديمية للجامعة ورفضوا تدخل الحكومة في شؤون الجامعة في ظاهرة الأولى من نوعها في عرف تنظيم الجبهة الشعبية حيث تعودو على إصدارالأوامر.

وفي صيف عام 2001 م رفضوا طلبة الجامعة المشاركة في برنامج الحصاد الخريفي المعروف بـ "مأتوت" إذا لم تدفع لهم الحكومة أتعابهم، فقبض على رئيس إتحاد الطلبة وفي يوم محاكمته قبض على أعداد كبيرة من الطلبة الذين كانوا قد توجهوا إلى المحكمة لتأييد رئيس إتحادهم، ونقلوا إلى معسكر ويعا وأغلقت الجامعة، وتلك كانت نهاية إتحاد الطلبة وربما نهاية الجامعة كذلك.

(14.5) نهاية الربيع:

وفي 18 سبتمبر 2001 م وبينما العالم بأسره كان مشغول بأخبار الهجمات الإرهابية في أمريكا وسقوط مجمع التجارة العالمي في نيويورك حسمت الهقدف أمورها وأصدر إسياس أوامر إعتقال أفراد مجموعة الـ 15 أو الجي 15 المتواجدون داخل البلد وكان عددهم إحد عشر وهم محمود أحمد شريفو، وهيلي ولدي تنسئي، وصالح كيكيا، وبيطروس سلمون، وبراخي قبري سلاسي، وبرهاني قبري إقزابهير، وعقبي أبرها، وإستفانوس سيوم، وأستير فسهاظيون، وحامد حمد، وجرمانو ناتي. أما الباقون فقد كانوا خارج إرتريا وهم مسفن حقوس، وهيلي منقريوس، وأدحنوم قبري ماريام، بينما إنسحب محمد برهان بلاتا من المجموعة ولم يعتقل.

ولا يعرف بالضبط لماذا سمح إسياس لمسفن حقوس بالسفر إلى إوروبا قبل فترة وجيزة من إعتقال المجموعة، وهناك من يقول ربما توجد علاقة غير معلن عنها بين الإثنين وإن مسفن ربما لم ينسلخ من التنظيم والحكومة كما يدعي ولكنه إلتحق بالمعارضة بأمر من إسياس وإنه عميل مزدوج، ولا يستبعد أن يكون الأمر كذلك لأن مسفن لا زال يدافع عن إسياس أفورقي وحكومته وهذه ربما تكون واحدة من عمليات إسياس السرية. وفي مقابلة لمسفن مع موقع أسنا قال إنه لا يعرف لماذا لم يعتقله إسياس وقال إن ذلك لغز كبير بالنسبة له. وذادت التكهنات حول مصداقية مسفن حقوس بعدما تمكنت زوجته مع أبنائها من الخروج من إرتريا ووصولها إلى السودان ولاحقا إلى إثيوبيا في يونيو 2009م، ولا يعقل أن تتمكن من الخروج من إرتريا بدون علم الأجهزة الأمنية.

وفي اليوم التالي 19 سبتمبر 2001م أصدر إسياس أوامر بإغلاق جميع الصحف الخاصة وإعتقال جميع الصحفين، وإعتقلت أجهزت الأمن 18 صحفيا بعضهم كان يعمل في الإعلام الحكومي مثل بنيام هيلي من جريدة حداث إرتريا الحكومية وسيوم ظهاي وحامد محمد سعيد من الفضائية الإرترية وصالح الجزائري من الإذاعة الحكومية أما الباقون فقد كانوا يعملون في الصحف الخاصة، وكان من بينهم كذلك داويت إسحاق الذي يحمل الجنسية السويدية. ومنذ إعتقالهم لا يعرف أي شيء عنهم ويقال هناك الكثرين منهم من ماتوا في السجن.

وإعتقل إسياس كذلك شخصيات مقربة من تنظيم الجبهة الشعبية وهم الشيخ عبدالرحمن يونس والشيخ حسن كيكيا والشيخ سنوبرا دامنا وإتهمهم بتقديم العون لمجموعة الـ 15 وأمضوا شهور طويلة في الأسر من دون أن توجه إليهم أي تهمة.

(14.6) تصدع حلف الشعبية:

لعبت وثيقة "نحنان علامانان" دور محوري في تكوين فكر النخبة التقرنياوية في خلال فترة الثلاثين عاماً من 1971 إلى 2001م، وإرتضو بمختلف توجهاتهم الأقليمية بإسياس أفورقي زعيم لهم والجبهة الشعبية تنظيمهم الرائد وكانت نظرتهم إلى الحالة الإرترية مقصورة في ثنائية "نحن - وهم" حيث يضعوا دائما لغتهم التقرنية وديانتهم المسيحية وثقافتهم الكبساوية في جهة ويضعوا بقية الشعب الإرتري بكل تنوعه في جهة مقابلة ولم ينظروا ابداً للوطن من خارج إطار النظرة الطائفية والأثنية الضيقة مما نتج عنه دولة ممسوخة المعالم.

ولكن تداعيات حرب الحدود وإنشقاق مجموعة الـ 15 من الهقدف كانت نقطة الإنعطاف والفرقة في داخل تنظيم الشعبية، وإنقسمت الشعبية على نفسها وأخذ الإنقسام بُعد مناطقي بين تكوينات الشعبية الذي كانت تتمركز بصفة أساسية بين مناطق التقرنية الثلاثة حماسين وسراي واكلي كوزاي. وإن أسياس بدوره وبعد ما واجهته المعارضة من داخل تنظيمه تراجع إلى ولائته الضيقة بين الحماسين إذ إنه محسوب على الحماسين وينتمي إلى قرية "ظلوت" في الشمال الشرقي من أسمرا وإن كانت جزوره من أقليم تقراي الإثيوبي.

في الإصطفاف الجديد الذي ظهر في صفوف الشعبية يبدو وكأن نخبة من اقليم الحماسين وقفت على جانب إسياس ونخبة من أقليم أكلي كوزاي مع هيلي ولدي تنسائ المحبوس وأدحنوم قبري ماريام الهارب وأصبح الصراع داخل الشعبية صراع بين الأقليمين وفقد الكثيرون من أبناء أقليم أكلي كوزاي مناصبهم في الحكومة بينما عزز إسياس موقفه بترقية المقربين من أبناء الحماسين في الجيش إلى مواقع قيادية مثل اللواء فليبوس هيلي واللواء ساموئيل "شاينا" وللواء قبري إقزابحيرعندي ماريام "وجو".

لم يتوقف هذا الإصطفاف في الحكومة والتنظيم في داخل إرتريا بل إتنقل إلى الجاليات الإرترية في الدول الغربية ومن جراء ذلك حصل إنشطار كبير فيما بينهم إلى درجة أن الكنائيس الإرترية في الخارج إنشقت على بعضها وأصبح نصفها تابع للحكومة ونصفها الأخر للمنشقين وكما هو معروف أن الكنيسة لا تفتح أبوابها للمصلين ما لم تكن مباركة من قبل السطلة الكنيسية المتمثلة في البابا، وظهر هذا الإنشقاق في الكنائيس الموجودة في إروربا وأمريكا وحتى الموجودة في القدس المحتلة حيث توجد كنيسة تابعة للحكومة وكنيسة أخرى تابعة للمنشقين تتبع الكنيسة القبطية المصرية كما نقل موقع "أسنا" مؤخراً.

هروب المسؤولين:

بعد إعتقال مجموعة الـ 15 حصل تصدع كبير في داخل الجبهة الشعبية وإنشقت من الحكومة والتنظيم شخصيات قيادية كبيرة من مختلف مواقع الدولة يصل عددهم إلى أكثر من مائتين شخصية طلبوا حق اللجؤ السياسي إلى الدول الغربية ويوجد من بينهم الوزير والسفير والحاكم.

يوجد من بين الذين إنشقوا عن التنظيم وهربوا خارج إرتريا:-

• عندي برهان ولدي قيورقيس (سفير في الإتحاد الأوروبي)،
• تسفاي قرماظيون جقع (وزير)،
• مسفن حقوس (وزير وحاكم أقليم)،
• ادحنوم قبري ماريام (سفير)،
• حبرت برهي (سفيرة)،
• د. اماري تخلي (رئيس مفوضية الدستور ومستشار الخارجية)،
• د. ولدآب إسحاق (رئيس جامعة اسمرا)،
• هيلي منقريوس (سفير الأمم المتحدة)،
• محيدين شنقب (رئيس إتحاد الشباب)،
• محمدنور أحمد (سفير في الصين)،
• عبدالله ادم (سفير في السودان)،
• باولوس تسفا قيورقيس (مناضل قديم)،
• د. برجت هبتي سلاسي (رئيس مفوضية الدستور)،
• د. هيلي دباس (طبيب)،
• أسفاو تخستي، محمدنور ديجول (مدير مكتب العمل)،
• حامد ضرار (دبلوماسي)،
• تخلو عقبامكائيل (قنصل في أستراليا)،
• هبتي آب تسفا سلاسي (قنصل في كندا)،
• درع محمد (دبلوماسي)،
• يونس حسين (دبلوماسي)،
• صالح إيمان (دبلوماسي)،
• د. أمانوئيل محرتأب (مفوضية تصريح المقاتلين)،
• فسهاي سلمون (أمن)،
• قبري سلاسي يوسيف (وزير)،
• توماس تولدي (دبلوماسي)،
• تمسقن دبساي (موظف في وزارة الإعلام)،
• كفلي ولدي سلاسي (خبير) وزوجته المناضلة، ولدي نتسائي (مكتب الهجرة)،
• كبروم دافلا (المالية)،
• مبرتهو (خطوط الجوية)،
• أعضاء سلاح الطيران، فرقة حلاوي وسن الفنية،
• أببا يوسيف (إذاعة فرع الأورمو)،
• أكليلو سلمون (صوت أمريكا)،

والقائمة كبيرة لا يمكن حصرها هنا.

اللجؤ والهروب الجماعي بين الشباب:

• يصل عدد الهاربين من الشباب من معسكرات الخدمة الوطنية والجيش إلى السودان وإثيوبيا لحوالي 1000 هارب في الشهر الواحد، ويقدر عدد اللاجئين في معسكرات اللجؤ في السودان مثل معسكر الشقراب ومعسكر شملبا في إثيوبيا بعشرات الألآف. وتغرم الحكومة أهل الجندي أو منتسب الخدمة الوطنية الهارب 50 الف نقفة أو ما يساوي 1250 دولار أمريكي في بلد لا يذيد فيه إجمالي الدخل السنوي للفرد عن 270 دولار أمريكي.

• تنشط عصابات تهريب البشر في البلد في داخل مؤسسة الجيش حيث يُكلف تهريب الشخص من داخل العاصمة أسمرا إلى السودان 5 ألف دولار يدفعها في الغالب أقارب الشخص المُهرب الذين يعيشون في الدول الغربية لوكلاء الضباط في الخارج وبعد ما تتم الصفقة بين الجانبين وتصل الإشارة المتفق عليها إلى الضابط المُهرب يصطحب الضابط الشخص الهارب إلى الحدود السودانية. وهناك الكثيرين الذين يهربون عبر الحدود إلى إثيوبيا بالرغم من المخاطر التي تواجههم في الحدود الذي يعتبر منطقة عسكرية مغلقة للمدنين ومرابطة على جانبيه جيوش البلدين في مواجهة دائمة بالإضافة إلى أخطار الألغام من مخلفات الحرب.

• هروب جميع افراد فريق كرة القدم الوطني في كينيا بعد مبارة دولية مع فريق كينيا لكاس شرق أفريقيا في ديسمبر 2009 م ويبلغ عددهم 18 لاعب يوجد من بينهم مسلم واحد وهم قرماي أبرها، رئسوم تولدي مدهن، علي "عليتاي" جابر، داويت "جقور ولدي قبرئيل، يكونو، فاسيل أبرها، إفريم "كروف"، لؤل مدهاني، روبيل يوسيف، روبيل قلتا، يماني هينوك، ودي محاري، زمكئيل أسملاش، مسقنا بسرات، يوناس نقوسي، يوسيف مكئيل، امانوئيل نقاشي، تمسقن تسفاي - وهذا بدوره يوضح مدي تهميش دور المسملين في إرتريا.

• الآلاف من اللاجئين يواصلون رحلة الشتات عبر السودان إلى مصر ثم إسرائيل وبعضهم إلى ليبيا والتهريب بالزوارق إلى إوروبا في رحلة محفوفة بالمخاطر وعلى سبيل المثال فقد غرق 325 لاجئ في البحر المتوسط في شهر أبريل 2011 م وهم في طريقهم من ليبيا إلى الشواطي الأوروبية.

• كثيرين منهم يفرون عبر البحر الأحمر إلى اليمن.

(15) حقيقة الوضع الراهن:

توجد إرتريا في أوضاع إقتصادية وعسكرية وسياسية في غاية التعقيد وفي تقرير للأمم المتحدة صادر عام 2008 م يشير إلى إن إرتريا تحتل المرتبة 164 من إجمال 179 دولة في سلم " مؤاشر التنمية البشرية " على مستوى العالم وقد تحصلت من النقاط على مجموع 0.350 والذي يضعها على مستوي متدني في التنمية البشرية على خلاف ما تدعيه حكومة إسياس.

(15.1) دستور معطل:

بالرغم من مأخذ الإرترين على الدستور وجوانب القصور فيه إلاًّ إنه لا زال دستور معطل ولم يرى النور أبداً، وإن إسياس أفورقي يتحاشى الإشارة اليه في كل مقابلاته الصحفية. وعندما سألته صحفية من فضائية الجزيرة متى سيوفي بوعده للشعب بإجراء الإنتخابات قال لها "إنني لم أعد أي شيء لأي إنسان" متنكراً حتى للدستور الذي فصله على مقياسه. وإرتريا هذه واحدة من الدول القلائل التى لا تحتكم إلى دستور وطني ويمكن القول إن الحكومة فقدت شرعيتها منذ أمد طويل بتعليق الدستور.

(15.2) حكومة غير منتخبة:

إستولت الجبهة الشعبية على مقاليد الحكم بعد التحرير مباشرة في 24 مايو 1991م ومنذ ذلك اليوم لم تُشرك أي فصيل أخر في الحكم ولم تجري أي إنتخابات في البلاد أو حتى داخل تنظيم الجبهة الشعبية وإن أخر مؤتمر للتنظيم كان قد عقد في عام 1994 م. تعلن الحكومة بين الحين والأخر عن إنتخاب مجالس الأقاليم ولكن هذا ليس إلاَّ دعاية يراد بها تضليل الرأي العام لأن هذه المجالس ليس لها أي صلاحيات على الإطلاق ولا يعرف متى تنتخب ومتى تنتهي مدة ولايتها وكم عدد أعضائها.

(15.3) نظام قمعي جائر وحقوق مهدورة:

إرتريا هي من الدول القليلة التي تأتي في المقدمة في إنتهاكات حقوق الإنسان بين مواطنيها. ويقدر عدد المعتقلين السياسين في إرتريا بين 30- 50 الف معتقل، وتنتشر في البلاد منظومة كبيرة من السجون والمعتقلات ويعاني الإرتريون من إنتهاكات لا تحصى في حقوقهم المدنية.

الحقوق والحريات المدنية الغائبة في إرتريا يمكن أن نذكر منها حق الحرية الشخصية، حق حرية الدين والعقيدة والتفكير، حق حرية الرأي والتعبير والتجمع، حق التصويت والترشيح والمشاركة في الشؤون العامة، حق الإحتجاح السلمي، حق حرية التنقل، حق الحماية المتساوية بغض النظرعن العرق والدين والجنس والعمر، حق المحاكمة العادلة، حق الحصول على التعويض، حق الخصوصية، حق السلامة الجسدية والمعنوية.

وغير الحقوق المنتهكة تحكم البلد محسوبية مطلقة وتعاني من طائفية وهيمنة أثنية تطال جزء كبير من المواطنين.

(15.4) التعبئة العسكرية:

لا تزال إرتريا في حالة تعبئة عاليةمع 13-15% من سكانها تحت التعبئة العسكرية. وقد تم تجنيد جزء كبير من منتسبي الخدمة المدنية بما في ذلك الألآف من المعلمين والمزارعين والعمال في الجيش مما نتج عنه تأثير سلبي على إقتصاد البلاد، وهذا الوضع مستمر على الرغم من حل النزاع الحدودي (1998-2000) بين البلدين من خلال التحكيم الدولي في أعقاب اتفاقية السلام في ديسمبر2000م.

أثرت سياسات التعبئة الحكومية على قطاع التعليم بطرق متفرقة وأكثر تحديدا مثل إجبار جميع طلاب السنة النهائية في الثانوية لمتابعة تعليمهم في معسكر ساوا للجيش. وحولت كوكبة من السياسات والممارسات الوحشية قطاع التعليم إلى مؤسسة شبه عسكرية ونتيجة لذلك تعانى الكفاءة والجودة والإنصاف في النظام التعليمي ومثله يعاني قطاع الزراعة من نقص شديد في الأيدي العاملة يظهر تأثيره في تدني الإنتاج الزراعي.

(15.5) التعليم:

يلخص الكاتب أحمد راجي الوضع الحالي بما يخص التعليم في إرتريا كما يلي: "حولت مجموعة من إعتقادات ألية في مجال التعليم كأداة للتحول الاقتصادي والتطور إلى عسكرة النظام التعليمي الإرتري في سوء إدارة المشروع الضخم من الهندسة الاجتماعية. وتحولت المدارس إلى معسكرات شبه عسكرية، ويعامل الطلاب كمجرد معطيات في صيغة إقتصادية محددة بدون الحرية الأكاديمية . الألآف من المعلمين ومديري التعليم الذين كانوا من بين الذين تم تجنيدهم في فيالق الخدمة الوطنية لم يعودوا بعد الى وظائفهم. وبالإضافة إلى ذلك نظام الخدمة العسكرية اللامحدود يحجز جزء كبير من الموارد البشرية الثمينة التي كان من الممكن ان تُستوعب في مجال التدريس الذي توجد مطالب ضخمة فيه. وقد أثر كل ذلك بشكل كبير من قدرة النظام على توسيع نطاق التعليم وتحسين الجودة وتحقيق أهداف القطاعات الآخرى. ولقد كان له تأثيره كبير على الفتيات بشكل خاص، وفي ذات الوقت قوضت السياسات القمعية للحكومة أهدافها المزعومة الخاصة من توسيع نطاق التعليم.

(15.6) الركود الإقتصادي:

الإقتصاد الإرتري هو إقتصاد مركزي تحت سلطة الحزب الواحد، وخلال العشرون عاما المنصرمة حافظت الحكومة من احكام قبضتها على الاقتصاد والتوسع في استخدام الشركات العسكرية والحزبية المملوكة لاستكمال جدول أعمال التنمية، وتفرض الحكومة رقابة صارمة على استخدام العملات الأجنبية عن طريق الحد من توفيرها لرجال الأعمال وإستيرادها من قبل الزوار وعلى الزائر ان يعلن عن قيمة العملة الصعبة التي بحوزته عند دخول البلاد ولايسمح له بصرفها في غير البنوك الحكومية التي تحدد السعر في حدود 15 نقفة للدولار الواحد بينما السعر الحقيقي هو حوالي 42 نفقة للدولار. والإستثمارات الأجنبية معدومة تماماً إلاَّ لشركات كندية تعمل في مجال التعدين. إقتصاد إرتريا يعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات الخارجية والضرائب التي يدفعها المغتربين (2.5 % من الدخل السنوي).

ومثل الكثير من الدول النامية يعمل حوالي 80% من السكان بالفلاحة ولكن عدم إنتظام هطول الأمطار وتأخير تسريح المزارعين من الخدمة في الجيش يواصل في التأثير السلبي على الإنتاج الزراعي، ومواسم الحصاد في الآونة الأخيرة لم تتمكن من تلبية الاحتياجات الغذائية للبلاد ونتيجة لذلك الوضع الغذائي للبلاد ليس مستقر.

(15.7) الحكم العسكري والفساد:

خلقت حرب الحدود مع إثيوبيا ظروف مواتية للفساد في مؤسسة الجيش، فقد تضخم الجيش في العدد إلى درجة كبيرة وبلغ تعداد أفراده فوق الخمسة مائة ألف مجند ومجندة أو ما يقارب 15 % من مجموع تعداد الشعب الإرتري، وهذه نسبة كبيرة لبلد صغير في حجم إرتريا يفتقر الى المؤسسات الإدراية. وأصبحت القيادات العليا في الجيش المنتفع من حالة اللاحرب واللاسلام التي تلت الحرب حيث إنخرط جزء كبير من أفراد الجيش في حملة التنمية ليوفرالعمالة المجانية للمشاريع التي يديرها الجيش والتي يستولي الضباط على عائداتها.

وتجري إختلاسات كبيرة في صرف الرواتب وتقديم المؤن والمأكل والمشرب وجميع إحتياجات الجيش الإستهلاكية. وفي غياب الشفافية والمحاسبة أصبح الجيش بؤرة الفساد وعلى ما يبدو أن إسياس أفورقي لا يتجراء في محاسبة الضباط لكسب ولائهم.

ينشط الضباط الكبار في الجيش في عمليات تهريب الشباب إلى السودان وهناك شبكة تهريب تعمل من داخل العاصمة أسمرا، وتكلف تهريب الشخص الواحد حوالي 5 ألف دولار أمريكي يدفعها قريب الشخص المهرب الذي يعيش في الغرب ويسلم المال في خارج البلاد لعملاء الضابط المعني والذي يساعد الشخص بتوفير الأوراق الرسمية اللازمة للسفر من أسمرا إلى تسني على الحدود في عربات عسكرية وثم مساعدته عبور الحدود في نقاط محددة، وهناك عصابات تهريب البشر تتشط في الجانب السوداني من الحدود تتعامل مع هؤلاء الضباط.

بعد الحرب الحدودية وبعد ما أعتقل إسياس رفاقه في مجموعة الـ 15 وضع البلاد تحت الحكم العسكري المطلق وقسم البلد إلى خمسة اقسام عسكرية تعرف بمناطق العمليات العسكرية الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وتقع المناطق العسكرية تحت الإدارة العسكرية لخمسة جنرالات في الجيش وهم:

(1) قبري إقزابهير عندي ماريام الملقب بـ "وُجُو"

(2) سامويل هيلي الملقب بـ "شاينا"

(3) تخلاي هبتي سلاسي الملقب بـ "منجوس"

(4) فليبوس ولدي يوهنس

(5) حسن عمر الملقب بـ "طويل"

والعسكرين الخمسة الذين أوكلت إليهم المهمة رجال من صنع إسياس وبالتالي مقربين منه وقد أعطاهم إمتيازات كثيرة محجوبة عن بقية ضباط الجيش.

(15.8) العقوبات الدولية:

في 23 ديسمبر 2009 م فرض مجلس الأمن الدولي قرار العقوبات رقم 1907 (2009) على إرتريا لدعمها بالأسلحة والمال المجموعات المتناحرة في الصومال، ووجد القرار الدعم من 13 دولة من الدول الـ 15 الأعضاء في المجلس وامتنعت الصين، واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس عن التصويت على القرار بينما صوتت ضده ليبيا القرار.

يضع القرار حظر بيع الأسلحة لإرتريا ويفرض كذلك حظر سفر كبار المسؤولين الإرترين وتجميد أصولهم يوجد من بينهم يماني قبري آب الملقب "يماني مانكي". وأعرب المجلس عن قلقه إزاء رفض إرتريا للأمم المتحدة لتسهيل اتفاق جيبوتي لعام 2008 م بين الحكومة الاتحادية الصومالية الانتقالية والتحالف من أجل إعادة تحرير الصومال المعارض.

ويطالب القرار جميع الدول الأعضاء ولا سيما إرتريا وقف تسليح وتدريب وتجهيز الجماعات المسلحة وأفرادها بما في ذلك حركة الشباب التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة أو تحرض على العنف والحرب الأهلية في الصومال، كما يدعو جميع الدول لدعم عملية جيبوتي للسلام ودعم جهود المصالحة في الحكومة الاتحادية الإنتقالية في الصومال. علاوة على ذلك تطالب الوثيقة إرتريا بالإعتراف بنزاعها مع جيبوتي والمشاركة بنشاط في محادثات لنزع فتيل التوترات.

وكرر المجلس أيضا عن "قلقه الشديد إزاء رفض إرتريا حتى الآن للدخول في حوار مع جيبوتي أو قبول الاتصالات الثنائية أو تيسير جهود الوساطة من جانب المنظمات الإقليمية أو الاستجابة للجهود التي يبذلها الأمين العام.

يعتبر قرار فرض العقوبان الدولية على حكومة إسياس نصر كبير لسياسة إثيوبيا الخارجية حيث تبنت الحكومة الأثيوبية قرار العقوبات أولاً في منظمة الإيقاد ثم منظمة الوحدة الأفريقية والتي بدورها قدمت القرار الى الأمم المتحدة. ويعكس القرار كذلك مدي عناد إسياس وعزلته الدولية وبالتالي عدم مقدرته التأثير على مجريات الأمور.

القرار في حد ذاته ربما لم يكن له مردود كبير مثل غيره من قرارات الأمم المتحدة الأخرى وكما يظهر إن كبار المسؤولين الأرترين لا زالو يواصلون زياراتهم الخارجية مثل يماني قبري آب الذي كان في زيارات إلى النرويج والسويد في نهاية أبريل 2011 م، ولكن القرار شارة وأضحة إلى عدم الرضاء الدولي عن حكومة إسياس ودورها في المنطقة.

(16) الخاتمة:

وصل إسياس أفورقي إلى سدة الحكم في مايو 1991م وبحلول مايو 2011م يكون قد أمضى على كرسي الحكم عشرون عاما ولكن بدايته الأولى كانت في عام 1970م عندما إنشق من جبهة التحرير وأسس الجبهة الشعبية تحت قيادته وبذلك يكون قد أمضى أربعون عاما على منصب القيادة اولا ً في الجبهة الشعبية وبعدها في رئاسة الحكومة.

إن إسياس هو الشخص الوحيد الذي يمتلك مفاتيح الحكم في إرتريا وهو الألف والياء في التنظيم والحكومة ولكن هناك أشخاص من حوله ينتفع بهم في تسير الأمور وهولاء الأشخاص لا يملكون أي سلطة حقيقية ولكنهم يتمتعون ببعض الإمتيازات مالم يخرجوا من الخط المرسوم لهم وفي حالة خروجهم من بيت الطاعة يكون السجن نهايتهم في فبراير 2009م قدم موقع عواتي قائمة تحتوي على أسماء هولاء الأشخاص وتحتوي القائمة على أكثر من سبعين إسما بعضهم أسماء معروفة للجمهور وبعضهم الأخر ليسوا معروفون. إن من يحكم إرتريا هو إسياس أفورقي وتلتف حوله مجموعة من المقربين والمعاونين والوزراء وحكام الأقاليم وضباط الجيش وكل ما تبقي من تنظيم الجبهة الشعبية هو هيكل فارغ، ويتبع إسياس أساليب متنوعة من العمل البوليسي المخابراتي والسجن والتغيب والترويع والتجويع والطائفية وكذلك الرشوة والإبتزاز.

نقل دان كونيل عن إسياس أفورقي قوله وهو يصف نفسه "عندما أجد من يتحداني أكون أكثر عناداً وأكثر وأكثر جموداً". وهذا العناد والجمود ظهر جلياً للشعب الإرتري ولبقية العالم في مواقف سياسية وعسكرية كثيرة كلفت الشعب الإرتري الكثير في الأرواح والمال والعتاد والفرص المفقودة. وبعناده وجموده أن إسياس أفورقي أبعد ما يكون عن السياسي الواعي المتمرس الذي يعرف كيف يحافظ على مصالح وطنه وشعبه.

يقول الكاتب صالح يونس إن محاولة فهم الأوضاع في إرتريا وكيف وصلت إلى ما وصلت عليه اليوم من التردئ لا يمكن فهمها إلاًّ من خلال فهم شخصية إسياس أفورقي وكتب عدة مقالات تحليلية في الموضوع أوجز فيها شخصية إسياس كإنسان مكار، طموح، قاسي، مهوس بالإحادية في التفكير والعمل وإنسان غير مبدئي على الإطلاق.

وينقل صالح يونس عن ولدييسوس عمار رئيس حزب الشعب الديمقراطي الذي كان زميل إسياس في المرحلة الثانوية والجامعية وصفه للجبهة الشعبية بالورم الخبيث، ويصف إسياس قائلا ً إن لإسياس ثلاثة خصائص: الخوف من المسلمين وكراهيته لهم، كبرياء متضخم وعطش لا يرتوي للسلطة، ويلخصها في ثلاثة خصائص : كراهية وكبرياء وطموح. ويمكن ان نذيد عليها قساوة مفرطة.

ويقول أدحنوم قبري ماريام إن إسياس رجل دكتاتوري لأن الكفاح الإرتري (يقصد الجبهة الشعبية) كانت مصنع لتصنيع الديكتاتورية.

ويقول عنه بيطروس سلمون رفيقه في تنظيم الشعبية منذ 1971م في مقابلة مع دان كونيل إن لإسياس مقدرة فائقة للتفريق بين الناس وإنه يشعر بسعادة لخصام الناس ويستثمر ذلك في خدمة مصالحه، ويصفه كذلك كإنسان عنيد يحب أن يظهر وكأنه مختلف عن رفاقه، ومن عادته التهجم على قيادات التنظيم وإتهامهم بالفساد وهو يُظهر نفسه وكأنه برئ من الفساد ومختلف عنهم، ولكن بما يخص الفساد يقول عنه بيطروس إنه أي إسياس في رحلاته إلى اليابان وتايوان وهون كونج كان على علاقات حميمة مع بنات القيشا وإن إرمياس باباي (معتقل منذ 1997م) يعرف كل الأسرار ويقول بيطروس إن فواتير بيوت الدعارة كانت في حدود الخمسين إلى السبعين ألف دولار.

يُعرف عن إسياس إنه إنسان حسود لا يحب نجاح الأخرين ويمارس في أقواله وأفعاله تقليل شأن الأخرين وإن كانوا رفاقه في النضال كما كانت عادته في الميدان بين المقاتلين. ويقال إن احد الأسباب لأندلاع حرب الحدود بين إثيوبيا وإرتريا هو محاولة إسياس للهيمنة على منطقة القرن الأفريقي وإنه كان يغار جداً من النجاح الذي كان يحققه ملس زيناوي في علاقاته بالدول الأفريقية والغربية نسبتاً لوزن إثيوبيا كدولة أفريقية مهمة تستضيف منظمات دولية مثل الوحدة الأفريقية ومفوضية الأمم المتحدة الإقتصادية لأفريقيا ونسبتا لمقدرة زيناوي الشخصية.

من خلال وثيقة نحنان علامانان نشر إسياس أفورقي بذور الخوف والريبة والشك بين أفراد قومية التقرنية وإمتطاهم مثل الجواد إلى كرسي الحكم وفي الحقيقة كل همه كان ولا زال السطلة والحفاظ عليها وليس مصالح قومية بعينها، ولكن بعد ثلاثون عاما (1971- 2001) من الهوس الطائفي إستيقظ التقرنية من سباتهم ليكتشفوا أن شركائهم في الوطن غير التقرنية لم يكونوا في أي يوم من الأيام يناصبوهم العداء وإن ما صوره لهم إسياس من عداء وكراهية لم يكن سوى مؤامرة سيئة الإخراج حبكها إسياس ليكسب ولائهم وبالفعل خدعهم لسنين طويلة، وإنهم إكتشفوا كذلك أن إرتريا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون وطن لهم لوحدهم دون الأخرون، وإن إسياس يجترها إلى الهاوية وإنهم سوف لا ينجون من السقوط المريع الذي ينتظره ومن معه إذا لم يتداركوا الأمور قبل فوات الأوان، ولذا بدأوا ينفضوا من حوله وينفضوا الغبار من عيونهم وإن الرؤية في وضوح متذايد مع كل فجر جديد.

إنتفاض التقرنية من مائدة إسياس وعصابته الشوفينية يعطي بالطبع فرصة جديدة للمقاومة الوطنية لمد جسور التواصل مع كل من إنشق من النظام ومحاولة ردم الهوة التي تفصل بين فئات الشعب المختلفة لأن الصراع في الأصل ليس صراع طائفي بل هو صراع ضد حفنة من الشوفنين الذين يستغلون الطائفية للبقاء في الحكم. ولكن في ذات الوقت يجب الإنتباه إلى أن هناك لا زال البعض الذين لا زالوا في خندق واحد مع إسياس، على الأقل فكرياً، بالرغم من إنشقاقهم الظاهر ولكن يجب على المقاومة تجاوزهم والتركيز والبناء على الإيجابيات لأن التناقدات التي تفصل بين فئات الشعب المختلفة معظمها تناقدات ثانوية يمكن تجاوزها وإعادة الإمور إلى نصابها وهو التعايش السلمي المبني على العدل وحفظ الحقوق كاملة غير منقوصة والإعتراف بالطرف الأخر والإحترام المتبادل، ولكن كل ذلك لا يأتي من فراق ولكن من مبداء القوة والدفاع عن الحقوق بدون التفريط في الحقوق والأرث والثوابت وبدون أي مجاملات وحسابات سياسية.

إرتريا هي قصة طويلة من التضحيات والصمود والأمل إمتدت عبر السنين لكنها تحولت الي كابوس مرعب بعد تحقيق النصر العسكرى في 24 مايو 1991م والإستقلال السياسي في 24 مايو 1993م. إنها قصة ثورة وطنية إختطفتها عصابة صغيرة من عديم الضمير والطائفين والشوفينين وشلة صغيرة من اللصوص وقطاع الطرق تحت قيادة رجل شبه مجنون أجمع العالم على قساوته التي لا تعرف الحدود، وبعد الإخفاقات الجسيمة والحسابات الخاطئة والتراكمات السلبية تقف اليوم إرتريا على مفترق الطريق بأن تكون أو لا تكون بعد أن فقد نصف سكانها الأمل في أن يكونوا شركاء في الوطن مع شركائهم التقرنية، وطن يتقاسمون فيه تحديات الحاضر وآمال المستقبل، وطن يسع للكل يستمتعون فيه بما يقدمه من أمان ودفئ وعز وكرامة وشرف.

خلاصة الأمر إن السياسات الطائفية التي يتبعها نظام إسياس لا يجب ان تكون عائقاً للعمل بين المسلمين والمسيحين وبين التقرنية وغير التقرنية وبين أهل المرتفعات وأهل المنخفضات ويجب النظر إلى المستقبل لأن هذه حالة عارضة سوف تزول حتماً. إن المؤتمر الوطني للتغير الديمقراطي المزمع عقده في أكتوبر القادم سوف يكون فرصة نادرة للمصارحة التامة بين مكونات الشعب ولجمع الفئات الوطنية في فكرة واحدة وهدف واحد وهو التخلص من الزمرة الحاكمة وإقامة دولة العدل والقانون.

Top
X

Right Click

No Right Click