حكومة إسياس أفورقي عشرون عاما من الحكم الدكتاتوري المتسلط - الحلقة الخامسة

بقلم الأستاذ: جلال إبراهيم

(11) هيمنة قومية التقرنية والسياسات الإقصائية: الموطن الأصلي لقومية التقرنية في إرتريا هي أقاليم الكبسا حماسين وسراي

وأكلي كوزاي وتشاركهم فيه قومية الساهو وقومية الجبرت وأقلية من قومية التقري يوجدون في أقليم الحماسين. تشكل هوية وقومية التقرنية وحدة العقيدة حيث يدين معظمهم بالديانة الأرثدوكسية المسيحية وأقلية كاثوليك وبروتستانت تجمعهم لغة التقرنية، ويعيش معظمهم بالفلاحة وجزء مقدر منهم يعيش في العاصمة أسمرا وفي المدن الأخرى.

كثيرين منهم هاجروا إلى إثيوبيا منذ عام 1935م عندما إحتلت إيطاليا إثيوبيا وكانوا من بينهم من إنخرط في المقاومة الإثيوبية للإحتلال الإيطالي حيث عرفوا من قبل الأمحرى بـ "سمي طِرُو حمايسن" ومعناها "حماسين صاحب الأسم الطيب" لأن صاحب الأسم السيئ كان كل من حارب إلى جانب الإيطالين، وتسمية "الحماسين" كانوا الأمحرا يطلقونها على كل الإرترين من وراء نهر المرب. وفي مهجرهم في إثيوبيا إنتفعوا من النظام الإمبراطوري الكنيسي في إثيوبيا وكان لهم دور فعال في الحركة الإقتصادية في إثيوبيا في العهد الملكي ومنهم من ترقى في الحكومة الملكية إلى مواقع المسؤولية مثل لورينسو تأزار (مستشار الملك)، وبلاتا داويت عقبازقي (وزير دولة) وبلاتن قيتا إفريم تولدي مدهن (وزير) وكفلي إزقي يحدقو (قاضي)، وكيداني ماريام أبرا (نائب وزير)، وملس عندوم (سفير)، وأمان عندوم (جنرال في الجيش)، وأمانوئيل عندي ميكائيل (وزير)، ود. برخت هبتي سلاسي (المدعي العام)، وجنرال مبرهتو (شرطة)، وسلمون أبرها (حاكم أقليم وعم إسياس أفورقي)، ود. سيوم حرقوت (وزير) وكثيرين غيرهم خدموا في مناصب مختلفة في حكومة هيلي سلاسي. وكان لمعظمهم دور فعال في حزب الإنضمام لضم إرتريا إلى إثيوبيا، وفي بداية إنقلاب الدرق وصل الجنرال أمان عندوم إلى سدة الحكم في إثيوبيا وأصبح رئيس الدرق ورئيس الدولة، ولكنه قتل في صراع داخلي في الدرق في 17 نوفميبر عام 1974م.

إلتحق بعض منهم بجبهة التحرير الإرترية منذ تأسيسها وناضلوا جنب إلى جنب مع المسلمين ولكن العدد الأكبر منهم إلتحق بالثورة بعد عام 1975م بعد ما قتل الجنرال أمان عندوم وإنضم معظمهم إلى تنظيم الجبهة الشعبية والتي تضخمت عضويتها في فترة وجيزة.

وفي الدول الغربية في فترة الستينات كان يوجد عدد غير قليل من الإرترين التقرنية معظمهم أرسلتهم حكومة هيلي سلاسي الإثيوبية في منح دراسية كانت توفرها لحكومة إثيوبيا الحكومات الغربية وبصفة أساسية الولايات المتحدة. وفي أمريكا كانوا معظمهم منتظمين في إتحادات طلابية إثيوبية يسارية التوجه مثل "إيْسُونَا" وفي إوروبا "إيسُوي" ولكنهم إنشقوا منها في بداية السبعينات وربما كانت نقطة التحول مذبحة عونا.

في أمريكا بعد إنشقاقهم من إتحاد الطلبة الإثيوبين أسسو إتحاد خاص بهم في 1971م وأطلقوا عليه "إرتراويان ننظانت أب سمين أمريكا" ومعناها "ارتريون من أجل الحرية في شمال أمريكا" وعرف الإتحاد بإسمه المختصر "إيناسا".

إنضم إتحاد إيناسا إلى الجبهة الشعبية في بداية السبعينات وكان لوثيقة نحنان علامانان دور أساسي في إختيارهم تنظيم الشعبية على تنظيم جبهة التحرير وأصبح إحد منظمات الشعبية الجماهيرية الفعالة في الخارج، وأعطى الإتحاد لمجموعة إسياس في "سلف نظانت" قوة إضافية كانوا في حوجة كبيرة إليها في تلك الظروف وكان بداية إمتداد تنظيم الشعبية إلى الدول الغربية. إنضم كذلك كثيرون من أعضاء إيناسا إلى الجبهة الشعبية وقاطعوا دراستهم ورجعوا إلى إرتريا وعينوا في مواقع قيادية وتعبوية مثل قسم الإعلام والتدريب ومدرسة الكادر.

وكانوا من أعضاء إيناسا أشخاص تبواء مناصب قيادية في تنظيم الشعبية لاحقا منهم على سبيل المثال هيلي منقريوس وعندي برهان ولدي قيورقيس ويماني منكي وقرماي أسمروم وأرفايني برهي وإستفانوس سيوم وتسفاي قرماظيون وحقوس كشا وباولوس تسفاقيورقيس وناي إزقي كفلو.

بعد التحرير رفضت الجبهة الشعبية إشارك الجبهات الأخرى في الحكم وشكلت الحكومة من مقاتليها فقط وكانت الأولوية تعطى للتقرنية حتى من داخل التنظيم، وتبواء الكثيرون من التقرنية المناصب الرفيعة في الدولة الوليدة التي أصبحت تطغي عليها لغة التقرنية وثقافة التقرنية، وأصبحت التقرنية اللغة الرسمية في البلاد وهُمشت اللغة العربية في التعليم ودواوين الدولة وظهر في العلن هيمنة قومية التقرنية على كل جوانب الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في إرتريا، أضف إلى ذلك أن الحكومة الأرترية عطلت برنامج توطين اللاجئين من السودان ودول الشرق الأوسط ومعظمهم أو كلهم من المسلمين.

إن سياسة التهميش التي يتعرض لها المسلمون وأهل المنخفضات بصفة عامة في ظل حكومة إسياس لا يمكن حصرها بالتفصيل هنا ويمكن علي القارئ الرجوع إلى وثيقة العهد لمجلس المختار والتي تتناول موضوع التهميش بإسهاب أكثر. ولكن سوف ننقل بعض من فقراتها المختصرة هنا من أجل الإيضاح فقط وليس على سبيل الحصر:-

• "منذ العام 1991م، ظل نظام الجبهة الشعبية يضع العراقيل أمام نصف مليون لاجئ أرتري مسلم بغرض منعهم من العودة إلى ديارهم بينما يستمر في معاملة الأرتريين المسلمين في الداخل كمواطنين من الدرجة الثانية".

• "سلوكيات اللامبالات وانعدام الإحساس تجاه مأزق المسلمين الأرتريين لا سيما فيما يتعلق بإشكالية حق العودة للاجئين وحملات الإستيطان الراهن بانتزاع الأرض من أيدي أصحابها".

• "سياسة التطهير العرقي المنظم، وإفراغ المنخفضات الأرترية من ساكنيها لجلب مستوطنين من المرتفعات ليقطنو مكان السكان الأصليين".

• "تظهر البيانات والإحصائيات كما يعترف كل أرتري منصف بأن المسلمين الأرتريين تتم معاملتهم فوق أرضهم كما لو كانو مواطنين من الدرجة الثانية بالرغم من كونهم شريك أصيل في الوطن".

• "القسم الذي كان ينشط في إدارة العقارات الوقفية في لجنة الأوقاف تم تأميمه من قبل الدولة الإرترية تحت ذريعة العجز عن دفع الضرائب، واستطاعت المؤسسات المسيحية المطالبة بممتلكاتها واستعادتها بفضل تمكنها من جمع الأموال من الخارج بينماالمسلمين يمنعون من التمويل أو أي نوع من أنواع المشروعات الإجتماعية والتنموية داخل البلاد".

• "يشكل سكان المرتفعات أغلبية هائلة حتى بين نسبة ال 90 % من الإرتريين الذين منحو فرصة الحصول على تعليم فوق ابتدائي، المنح الدراسية للتعليم والتدريب في الخارج، القبول في الكليات المحلية، الوظائف الحكومية،مهمات التكليف السياسي،الإدارة الحكومية، التعيين في البعثات الدبلوماسية، إدارة المشروعات الحكومية، القيادة العسكرية والمدنية، الإدارات الأهلية والوطنية، وبشكل جذري، جهاز الدولة بكامله محصور على فئة عرقية واحدة، وهو بشكله الحالي لا يعكس سمة وطنية ولا يعكس تنوع الشعب الإريتري".

هذ القليل من المظالم الكثيرة التي تلحق بالمسلمين من حكومة إسياس.

بما يخص اللغة تبنت الجبهة الشعبية لغة التقرنية في كل نشاطاتها وأصبح لزاما على كل مقاتليها وكوادرها تعلم التقرنية وتراجعت اللغة العربية في داخل التنظيم إلى الدرجة الثانية حتى تلاشى إستعمالها تماما. يدَّعي الكثيرون من أعضاء الشعبية أن التقرنية "فرضت نفسها" ويحاولوا أن يتجاهلوا الحقيقة أن التنظيم عمل جاهداً لتبني التقرنية وتهيئة كل الظروف الذاتية والموضوعية لها وجعلها لغة التخاطب والعمل والتدريب والإتصالات والإجتماعات وسمينارات التوعية وبرامج محو الأمية بين المقاتلتين والمواطنين، ولذا لا يمكن إنكار الحقيقة بأن تبني التقرنية كان عن قصد ورتب له بعناية وإنها أي التقرنية لم "تفرض نفسها" تلقائيا ولكنها فُرضت على البلد من خلال مخطط أعدا ونفذا بدقة.

وبعد التحرير إنتقل وضع التقرنية كلغة العمل في تنظيم الشعبية إلى عمل الحكومة وأصبحت التقرنية لغة المعاملات الحكومية وهذه الوضعية أعطت الناطقين بالتقرنية إمتيازات في فرص العمل وفي كل الشؤون السياسية والإقتصادية والإجتماعية غير متوفرة لغيرهم من القوميات الأخرى.

(11.2) سياسات التعليم:

المرحلة الإبتدائية وسياسة التعليم بلغة الأم:

كانت اللغة العربية واللغة التقرنية لغات التعليم الإبتدائي في ظل النظام الفيدرالي وكان هناك منهجين متوازيين منهج يتبع اللغة العربية ومنهج أخر يتبع لغة التقرنية، وعند دخول الطلبة إلى الصف السادس كانت اللغة الإنجليزية تأخذ مكان اللغة العربية والتقرنية كلغة التعليم وكانوا الطلبة من المنهجين العربي والتقرنية يلتقون في الصف السادس. بعد إلغاء النظام الفيدرالي فرضت اللغة الأمهرية كلغة التعليم في المرحلة الإبتدائية بعد إلغاء اللغة العربية والتقرنية.

بعد التحرير أصبحت لغات الأم لغات التعليم في المرحلة الإبتدائية. هذا في حد ذاته قد يبدو منصفا لكل القوميات ولكن مربط الجمل هو أن التقرنية هي اللغة الوحيدة المتعامل بها في أعمال الحكومة وهي اللغة الرسمية في البلاد وعليه أن الطلبة الذين تلقوا تعليمهم باللغة التقرنية لهم الأفضلية في فرص العمل من الطلبة الذين تلقوا تعليمهم باللغات الأخرى.نظام التعليم بلغة الأم يعاني كذلك من إشكاليات فنية جمة مثل عدم توفر الكتب وغياب المناهج المتطورة ومستوى تطوراللغة المكتوبة المعنية وكفاءات المعلمين إلى غير ذلك من الإمور الفنية. احد العالمين بدواخل الأمور بما يخص التعليم بلغة الأم كان المناضل إدريس أبو عري الذي غُيب في سجون إسياس بعد معارضته سياسة التعليم بلغة الأم.

يؤمن الكثيرون من الإرتريون أن سياسة التعليم بلغة الأم موجه بدرجة إساسية ضد التعليم باللغة العربية وليس حباً في تطوير اللغات الأخرى، ونقل موقع رحيب عن المناضل أبوعري مايلي: " لكن ـ كما يذكر أبو عري ـ في جريدة إرتريا الحديثة العدد 82 تاريخ 2001/2/10 "أن وزارة التعليم أصدرت أوامرها لإيقاف التسجيل في بعض المدارس التي تدرس باللغة العربية، وأوقفت في نفس الوقت مادة اللغة العربية في بعض الأقاليم، الأمر الذي زاد من مشاعر الاستياء والقلق".

وذكر أيضا في العدد نفسه: "أنها استغنت عن عدد من مدرسي اللغة العربية في الإقليم الجنوبي".

وأعرب أبو عري عن استيائه الشديد من هذا التصرف متسائلا عن نوايا وزارة التعليم، وواصفا تصرفها هذا بالأمر المزعج، حيث قال في الصحيفة نفسها: "ولا يدري المرء ماذا تنوي الوزارة أن تفعل، ولكنه أمر مزعج بالتأكيد".

ولم يمضي طويلا ً قبل إلقاء القبض عليه وتغيبه.

من الذين نفذون سياسة التعليم بلغة الأم يأتي في المقدمة تسفامكائيل قراتو المعروف بـ "ودي قراتو" السفير الحالي في المملكة المتحدة وكان مسؤول كبير في وزارة التعليم ومعروف بشوفينيته وتعصبه ضد كل ما هو عربي. وودي قراتو هو واحد من موظفين وزارة التعليم الذين أضروا بالتعليم في إرتريا.

التعليم بلغة الأم غيرالتقرنية يضر بالطالب مرتين مرة عندما يحرم من التعليم باللغة التي يختارها مثلا ً التعليم باللغة العربية للطلب المسلم ومرة أخرى عندما يتقدم عليه الطالب الذي تعلم باللغة التقرنية لأن التقرنية هي لغة الدولة وعليه أن الطالب الذي فات عليه تعليم لغة التقرنية يكون مظلوما مرتين ويكون في تعداد الأممين.

ربما كان الأفضل التركيز على اللغة الإنجليزية وجعلها لغة التعليم حتى في المراحل الإبتدائية بينما يسمح تدريس اللغات العربية والتقرنية واللغات الإرترية الأخرى بجانب اللغة الإنجليزية. ولكن التركيز على لغات الأم أهمل كذلك اللغة الإنجليزية والتي قد توفر أرضية متساوية للجميع وأعطي أفضلية للمتعلمين بالتقرنية غير متوفرة للأخرين وأهمل في ذات الوقت اللغة العربية التي هي الوعاء الذي يحفظ الهوية المسلمة في إرتريا. على كل حال أن موضوع اللغات في التعليم سوف يأخذ حيز كبير من النقاش الوطنى ولكن كما هو الأن سياسات التعليم بلغة الأم ولأسباب كثيرة أضرت كثيراً بمستوى التعليم في إرتريا وحرمت المسلمين من حق من حقوقهم المشروعة وهو التعلم باللغة التي يختارونها سواء كانت اللغة العربية أو غيرها.

المرحلة الثانوية:

منذ التحرير هناك تخبط واضح في سياسات التعليم في إرتريا بصفة عامة والتعليم الثانوي والجامعي بصفة خاصة. في بداية الأمر ولأسباب غير معروفة أختصرت المرحلة الدراسية قبل الجامعية إلى إحد عشرسنة بدل الأثنى عشر سنة المتعارف عليها عالمياً وحذفت الحكومة الصف الثاني عشر في خطوة غير مدروسة ربما كان الهدف منها تخفيض ميذانية التعليم. ثم إكتشفوا أن ذلك كان خطاء نتج عنه صعوبات لم تكن في الحسبان. وبعد فترة من الزمن وفرص ضائعة قرروا الرجوع إلى النظام السابق الذي يكون فيه إكمال المرحلة الثانوية بإكمال الفصل الثاني عشر ولكن في ذات الوقت أتوا ببرنامج جديد حيث نقلوا دراسة الفصل الثاني عشر بكاملها من كل مدارس إرتريا إلى معسكر ساوا. ومعنى ذلك تجميع طلبة الفصل الثاني عشركلهم من مختلف أقاليم البلاد في مدرسة واحدة في معسكر ساوا. والقصد من ذلك كما هو الحال دائما السيطرة التامة.

في تقرير سري سُرب من أسمرا كتبه (باللغة التقرنية) الميجر جنرال تخلاي هبتي سلاسي مسؤول معسكر ساوا بتأريح 2008/6/30م إلى الكولونيل تسفالدت في مكتب الرئيس يشرح فيه بإسهاب أحوال الطلبة الذين دخلوا معسكر ساوا في بداية العام الدراسي الجديد لعام 2008 م. القصد هنا ليس تحليل محتويات التقرير ولكن ما نريد الإشارة إليه هنا هو أعداد الطلبة والقوميات التي بنتمون إليها لتوضيح مدي هيمنة قومية التقرنية وتهميش القوميات الأخرى في مجال التعليم. نقراء في التقرير السري أن إجمالي عدد الطلبة هو 9938 طالب وطالبة من بينهم 5614 ذكر و4324 أنثى، مقسمون حسب القوميات التي ينتموا إليها كالأتي:

تقرنية: 8670 (87.24%)

تقري: 575 (5.78%)

بلين: 261 (2.62%)

حدارب: 5 (0.05%)

عفر: 99 (0.99%)

نارا: 29 (0.29%)

كناما: 23 (0.23%)

ساهو: 274 (2.75%)

رشايدا:2 (0.02%)

وهذا معناه أن 87% من خريجي الطلبة الثانوية هم من قومية التقرنية وهذه النسبة تكون مماثلة لنسبة طلبة الجامعة والكليات المختلفة وبالتالي في نسبة الخرجين الجامعين. يمكن قرأت الترجمة الإنجليزية للتقرير السري على هذه الوصلة.

وبما يخص معلمين التوعية السياسية في المعسكر كلهم ضباط في الجيش ومن بين 22 معلم 2 منهم فقط مسلمين (9%)، والكودار المعينين والمرسلين من قبل حزب الهقدف لإعطاء دروس سياسية بلغ عددهم 47 كادر من بينهم 6 مسلمين (12.76%).

هذه كانت الحقيقة في عام 2008م بعد سبعة عشر عاماً من التحرير، وبعد ثلاثة سنوات من ذلك التاريخ وعشرون عاماً من التحريرلا نعتقد أو بالأحرى ليس هناك أي أسباب ملحة تجعلنا نعتقد أن الأوضاع قد تحسنت للأفضل ومن المؤكد أن هيمنة التقرنية لا زالت كما كانت عليه عند كتابة التقرير السري.

التعليم االجامعي:

كما قدمنا في الفقرة السابقة أن نسبة طلبة الفصل الثاني عشر في ساوا يشير إلى إنحياز كامل لقومية التقرنية حيث تصل نسبتهم إلى 87% ونسبة الطلبة من القوميات المتبقية كلها مجتمعة تصل إلى 13%. كان ذلك في صيف عام 2008م ولا يستبعد أن تكون النسبة مماثلة في 2011م. هذه النسبة التي نراها في نسبة التخرج في الثانوية العامة نجدها في الجامعة والكليات وعليه أن نسبة التقرنية في المستوى الجامعي لا يقل عن 87% على أقل تقدير.

بالمقابل نجد أن كل أعضاء هيئة التدريس و الموظفين الإدارين في الكيات المختلفة كلهم من قومية التقرنية ولم تقم الحكومة في خلال العشرون سنة الماضية بأي برامج محددة لتصحيح الوضع وعليه أن التعليم العالي في إرتريا لا يمثل الوجه الحقيقي لإرتريا من حيث نسبة الطلبة وهيئة التدريس والموظفين.

غالبية المستفيدين من المنح الخارجية عندما كانت متوفرة ينتمون إلى قومية التقرنية وخير مثال على ذلك المنح الدرارسية التي مولها برنامج التنمية للأمم المتحدة (UNDP) في عام 2000م، ووصل إجمال المنح المقدمة في ذلك الحين 629 منحة للدراسات العليا لشهادة الماجستير، وكان ولدآب إسحاق رئيس جامعة أسمرا المشرف على اللحنة التي إختارت الطلبة المستفيدين من المنح وكان حوالي 90% منهم من التقرنية إرسلو أكثرهم الى جامعات جنوب أفريقيا وقليلين إلى الولايات المتحدة. ولكن بعد تخرجهم لم يرجع أي منهم إلى إرتريا وإختاروا اللجؤ إلى الدول الغربية.

(11.3) الخدمة المدنية:

رأينا في الفصل الثاني من هذه الورقة أن حصة المسلمين والمسيحين غير التقرنية من المناصب الحكومة أقل من 18% من إجمال المناصب الحكومية وكذلك في المؤسسات التعليمية والجيش والشرطة، وعرجنا في الفصل السادس على تركيبة الوظائف المدنية والعسكرية في حكومة إسياس واوردنا بعض من الإحصائيات بما يخص ذلك. وعليه أن هيمنة قومية التقرنية على المناصب الحكومية لا جدال فيها ومدعومة بالأدلة الكافية ولكن حكومة إسياس تحاول من خلال إعلامها طمس الحقائق وتقول أن المساوات مكفولة في إرتريا وتلك أكذوبة كبيرة لا يصدقها اليوم حتى التقرنية المنتفعين منها.

(12) السياسة الخارجية العدوانية:

تنتهج حكومة إسياس السياسات العدوانية تجاه الدول المجاورة والمنظمات الدولية والدول التي لا ترضخ لطلباتها. فهي تتصرف مثل عصابة من قطاع الطرق تتبنى في كل الأوقات سياسات التهديد والترويع والإبتزاز. إن السياسة الخارجية لإرتريا تحت قيادة إسياس افورقي لا تأخذ بعين الأعتبار المصالح والتطلعات المشتركة بينها وبين الدول التي تتعامل معها، وتفتقر سياساتها الخارجية إلى النظرة الإستراتيجية البعيدة والتفكير البراغماتي والبحث عن الفرص والممكن والدليل على ذلك هو معاملاتها مع جيرانها في السنوات العشرين الماضية حيث دخلت في الحرب أولاً مع السودان ثم مع اليمن ثم مع إثيوبيا وأخيراً مع جبوتي وكسبت بجدارة في المحافل الدولية وصف الدولة المصادمة.

(12.1) السودان:

كانت العلاقات الإرترية - السودانية جيدة في الفترة من مايو 1991 الى نهاية 1993م وحضر الرئيس عمر حسن البشير إحتفلات إستقلال إرتريا في مايو 1993م ولكن في نهاية 1993م إتهمت حكومة إسياس الخرطوم مساعدة حركة الجهاد الإسلامي الإرتري وبعد عام من التوتر بينهم قطعت أسمرا علاقاتها الدبلوماسية في ديسمبر 1994م، ويقول بيطروس سلمون الذي كان وزير الخارجية في ذلك الوقت إن قرار قطع العلاقات مع السودان إتخذ في غيابة عندما كان في رحلة خارجية وعند رجوعه من سفره علم بأن العلاقة مع السودان قد قطعت مما يؤكد أن إسياس كان يتخذ قرارات إحادية حتى بدون الرجوع إلى وزرائه ورفاقه.

وفي تدخل سافر في الشأن السوداني الداخلي أصبحت إرتريا الراعي الكبير لحركة الجنوب الإنفصالية وإستضافة التحالف الديمقراطي الوطني المعارض للرئيس البشير والذي إفتتح مكتبه في مبنى السفارة السودانية في أسمرا وعقد مؤتمر المعارضة السودانية في أسمرا في يونيو 1995م.

إستمرت أسمرا في معاداتها لحكومة البشير إلى درجة أن حكومة أسمرا كانت تهدد علناً بغزو السودان وإسقاط حكومة البشير بالقوة، ووجدت أسمرا الدعم لموقفها المتشدد تجاه الخرطوم من الدول الغربية التي كانت تعتبر زيناوي وأفورقي حلفاء الغرب الجدد في المنطقة. ثم حصل ما لم يكن في الحسبان عندما أندلعت الحرب بين إرتريا وإثيوبيا في يونيو 1998م وبهت الغرب، واتت الحرب على الرطب واليابس وكانت حرب دموية خسر فيها الطرفان مئات الإلوف من القتلى والجرحى.

أجبرت حرب الحدود حكومة إسياس على النظر مجدداً إلى علاقتها بالسودان وتوصلت إلى صلح مع الخرطوم في 1999م بواسطة قطرية وعادت العلاقة بين إرتريا والسودان في 2000م. ولكن لم تتوقف حكومة إسياس من العبث في الشؤون الداخلية السودانية وسأت العلاقة من جديد، وفي ديسمبر 2003م إتهمت السودان حكومة إسياس بمساعدة المتمردين في دارفور، وفي يناير 2004م بادلتها إرتريا إتهامات مماثلة.

وبعد سنوات من التوتر عادت العلاقة من جديد في يونيو 2006 م واخذت إرتريا تلعب دورالوسيط بين الحركات الشرقية وحكومة الخرطوم، ولازالت العلاقات الثنائية بين البلدين تتأرجح بين المد والجزر، وعلى الأقل من الجانب الإرتري هي علاقات مزاجية تتحكم فيها نزوات إسياس أفورقي الشخصية وقرأته المتقلبة للأوضاع في المنطقة.

(12.2) اليمن:

كانت الحرب مع اليمن مفاجئة كبيرة لم يتوقع حدوثها أحد، وأسبابها يعود إلى ملكية جزر أرخبيل حنيش. في 11 نوفمبر 1995م وصلت قوة إرترية إلى احد الجزر وطلبت من القوة اليمنية التي كانت متواجدا في الجزر أن تخلي مواقعا وترحل من الجزيرة، وفي 7 ديسمبر ألتقيا الطرفان في أسمرا ولكن المحادثات لم تثمر عن أي تقدم وإندلع القتال بينهم في 15 ديسمبر 1995م عندما غزت قوة إرترية المواقع اليمنية في الجزر وتمكنت من أسر بعض البحارة اليمنين إستعرضتهم في شوارع أسمرا بطريقة منافية للعرف الدولي بما يخص اسرا الحرب. دخلت إثيوبيا للوساطة بينهم وتوصلوا إلى إتفاق عام لطرح القضية أمام المحكمة الدولية التي حكمت بملكية الجزر المتنازع عليها لليمن بقرارين صدر من المحكمة في 9 أكتوبر 1998م و 17 ديسمبر 1999م.

وأسدل الستار على واحدة من مغامرات إسياس أفورقي الفاشلة في المنطقة. والغريب في الأمر يؤكد بيطروس سلمون من إنه لم يكن يعرف تفاصيل النزاع مع اليمن بالرغم من كونه وزيراً للخارجية عند إندلاع القتال.

(12.3) إثيوبيا:

الحرب الحدودية بين إرتريا وإثيوبيا موثقة بكل تفاصيلها وسوف لا نتطرق إليها هنا أكثر من ذكر الوقائع المهمة فيها. في 12 مايو 1998م أصدر إسياس أفورقي أوامره بالإستيلاء على منطقة متنازع عليها في منطقة بادمي بعد إشتباكات بين وحدات مسلحة إثيوبية وأخرى إرترية ومقتل بعض من أفراد القوة الإرترية. وفي 13 مايو 1998م أعلن البرلمان الإثيوبي حالة الحرب مع إرتريا. حرب الحدود مع إثيوبيا كانت الكارثة الكبرى لمغامرات إسياس العسكرية، فكما فعل مع السودان واليمن حاول فرض الحلول العسكرية للمشاكل التي كانت قائمة بينهم وبين إثيوبيا فيما يخص التجارة والعملة والحدود ولكن رد فعل القيادة الإثيوبية بإعلان الحرب في 13 مايو 1998م لم يكن كما توقعه إسياس ودخل الطرفان في حرب شرسة إستمرت لسنتين من مايو 1998 إلى يونيو 2000م.

إستمرت الإشتباكات لأربعة أسابيع وفي 5 يونيو أغارت الطائرات الإثيوبية على أسمرا ورد سلاح الطيران الإرتري بالمثل وأغار على مدينة مقلي. ثم توقفت الحرب وبدأت التحركات الدبلوماسية ولكن بعد رفض إرتريا المبادرة الأمريكية الرواندية بالإنسحاب إلى المواقع الأولية إندلع القتال مجدداً للجولة الثانية في 22 فبراير 1999م. وفي 27 فبراير قبل االجانبان مبادرة منظمة الوحدة الأفريقية بوقف إطلاق النار والدخول في المحادثات. ولكن في 16 مايو 1999م في جولة ثالثة من المعارك قام الإثيوبين بهجوم جديد إستمرا المعارك إلى شهر يونيو 1999م تكبدا فيها الطرفان خسائر كبيرة.

في مايو 2000 م توقفت المحادثات غير المباشرة بين الطرفين بعد ما إتهم كل طرف الطرف الأخر بوضع شروط تعجيزية وتلك كانت المدخل للجولة الرابعة والأخيرة من الحرب والتي بدأها الإثيوبيون في 12 مايو 2000 م. في هذه الجولة خسر الجيش الإرتري مواقعه المتقدمة في الجبهة الوسطى وإنسحب من بادمي وضواحيها ولكنه صمدا في جبهة عصب والفضل يرجع إلى قائد الجبهة الشرقية الذي رفض أوامر إسياس بالإنسحاب وانقذا ميناء عصب من الإحتلال الإثيوبي.

كسر الجيش الإثيوبيى الدفاعات الإرترية في المنطقى الوسطى وإحتل مدن اقليم القاش - بركا مثل تسني وهيكوت وعلى قدر وبارنتو. وعلى أثر الهزيمة العسكرية قبل إسياس مرغوماً مبادرة منظمة الوحدة الأفريقية وإنسحب الجيش الإثيوبي من غرب إرتريا بعد أن الحق دمار شامل بالبنية التحتية، وتلك كانت نهاية الحرب التي قتل وجرح فيها المئات الألآف من الطرفين. ثم وقع الطرفان إتفاقية الجزائر وقبل إسياس الذي قال في فترة ماضية "ان ننسحب من بادمي معناه ان تشرق الشمس من الغرب" قبل بمنطقة منزوعة السلاح في داخل الأراضي الإرترية وبقوة دولية لحفظ السلام (UNMEE) في المنطقة المنزوعة السلاح.

(12.4) جيبوتي:

يبلغ طول الحدود بين إرتريا وجيبوتي 110 كيلومتر فقط. ظهرت بوادر الخلاف الأول بين البلدين حول الحدود في أبريل 1996م عندما إتهمت جيبوتي إرتريا بقصفها منطقة رأس دوميرا، ولكن إرتريا نفت الإتهام وبعد تدخل من بعض الدول الصديقة للجانبين تمكنوا من تجاوز الأزمة ولكن لم يطفؤا شرارتها نهائياً. عند إندلاع الحرب الحدودية بين إثيوبيا وإرتريا حولت إثيوبيا كل معاملاتها البحرية إلى ميناء جيبوتي وعززت علاقاتها التجارية مع جيبوتي مما جعل إرتريا تضع جيبوتي في خانة دولة غير صديقة ومنذ ذلك الوقت والعلاقة بين البلدين غير مستقرة. عامل أخر ليس مرتبط بالحدود كان له دور في برود العلاقات الإرترية الجيبوتية كان إخيار الولايات المتحدة ميناء جيبوتي لإقامة قاعدة عسكرية لمحاربة ما كانت تطلق عليه إدارة بوش "الحرب على الإرهاب".

بعد هجمات 11 سبتمبر 2001م في نيويورك وواشنطون كانت أمريكا تبحث عن قاعدة لها في شرق أفريقيا لتكون منطلق لعملياتها في شرق أفريقيا والشرق الأوسط. كان ذلك قبل الغزو الأمريكي للعراق. حاولت حكومة إسياس أن تقنع الحكومة الأمريكية بإختيار ميناء عصب للقاعدة المزمعة، وحصلت إتصالات على مستوى كبير بين البلدين وزار وزير الدفاع الأمريكي دوناد رامسفيلد أسمرا وقابل إسياس أفورقي، وفي واشنطون صرح السفير قرماي أسمروم في تصريح غير دبلوماسي وبعيد من اللياقة الدبلوماسية كما هي عادته قائلاً من "إنه من السهل ضرب العراق من إرتريا". بعد كل تلك المحاولات من جانب حكومة إسياس إختارت الإدارة الأمريكية جيبوتي على عصب لأسباب تخصها من بينها التسهيلات الجيبوتية وشخصية إسياس المتقلبة وربما اللوبي الإثيوبي، ولكن إسياس لم يغفر لهم ذلك ومنذ تلك اللحظة سأت علاقته مع جيبوتي و كذلك مع الولايات المتحدة.

وحصلت صدامات في الحدود بين إرتريا وجيبوتي في يونيو 2008م أدت إلى إصدار قرار الأمم المتحدة رقم 1907 في ديسمبر 2009 م يطلب من إرتريا سحب جيشها من الأراضي الجيبوتية ولا زالت أوضاع الحدود بينهم غير مستقرة وأخر وساطة بينهم كان قد قام بها الأمير حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر ولكن الظروف محكومة بسياسات أسياس أفورقي المتقلبة.

(12.5) الصومال:

منذ هروب الرئيس سياد بري من الصومال والبلد توجد في حروب أهلية تشابكت فيه الأطراف المتناحرة من بينها قبلية إلى عقائدية إلى مرتزقة، وبعد إنفصال شمال الصومال ووسطه توجد اليوم في جنوب الصومال حكومة تطلق على نفسها الحكومة الفيدرالية الإنتقالية المدعومة بقوات من الإتحاد الأفريقي وتدعمها كذلك إثيوبيا والدول الغربية وتعارضها فصائل مسلحة إسلامية مختلفة تدعمها إرتريا، وقد قامت الأطراف المتحاربة (الحكومة الإنتقالية والفصائل الإسلامية المسلحة المعارضة) بارتكاب جرائم خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وفي ذات الوقت أصبح الصومال ساحة لتصفية الحسابات بين الحكومة الإثيوبية والحكومة الإرترية وإمتداد لحربهم الحدودية.

تتهم الأمم المتحدة إرتريا بزعزعة أمن وإستقرار الصومال بتقديم الأسلحة للجماعات المتشددة وبالفعل أصدر مجلس الأمن الدولي قرار دولي رقم 1907 في ديسمبر 2009م بفرض عقوبات دولية على إرتريا. وهكذا وضع إسياس نفسه في موقف صدامي مع المجتمع الدولي وكان بإمكانه ان يتجنب ذلك بشيء من الحنكة السياسية وبُعد النظر.

(12.6) منظمة الوحدة الأفريقية:

علاقات إرتريا بالمنظمات الدولية هي علاقات متوترة على أقل تقدير والسبب الأساسي يرجع الى نظرة إسياس تجاه هذه المنظمات. إسياس أفورقي سياسي لا يعطي الوزن الكبير لقيمة العلاقات الدبلوماسية، ولا يستثمرالكثير في بناء وتطويرالعلاقات الدبلوماسية ونتيجة ذلك القصور في النظرة والممارسة تعاني حكومته من إشكالات وإخفاقات جسيمة في علاقاتها مع الأخرين، ومنظمة الوحدة الأفريقية كانت المنظمة الدولية الأولى التي تعرض لها إسياس بالسباب والشتائم في أول خطاب له فيها.

في القمة التاسعة والعشرون للمنظمة التي عُقدت في القاهرة تحت رئاسة الرئيس حسني مبارك في يونيو 1993م قبلت المنظمة عضوية إرتريا فيها وأصبحت إرتريا العضو الثاني والخمسون، ولكن ما أثار الإنتباه وإستغراب المراقبين في القمة كان الهجوم اللاذع الذي قام به إسياس أفورقي في المؤتمر على المنظمة الدولية ووصفها بأوصاف بعيدة عن العرف الدبلوماسي وكانت تلك الحادثة المؤاشر لشخصية إسياس في معاملاته الدبلوماسية أو بالأحرى غير الدبلوماسية مع الأخرين.

وأصبحت إرتريا عضو في المنظمة وعينت سفيرها في إثيوبيا هيلي منقريوس سفيراً لها في المنظمة وخلفه قرماي أسمروم وإستمرت العلاقة بين المد والجزر إلى إندلاع الحرب الحدودية مع إثيوبيا وطُردت إثيوبيا في بداية الحرب السفير قرماي كشخصية غير مرغوب فيها وأصبح كرسي إرتريا في المنظمة شاغراً بعد إغلاق السفارة الإرترية في أديس أبابا.

عملت المنظمة لأيجاد حل سلمي للحرب بين إرتريا وإثيوبيا وكانت لها عدة مبادرات وجولات دبلوماسية في الشأن ولكن حكومة إسياس كانت دائما تقول إن المنظمة تنحاز إلى جانب إثيوبيا في تعاملها مع ملف الوساطة بين البلدين، وبعد الحرب وصلت العلاقات إلى درجة القطيعة وجمدت إرتريا عضويتها في المنظمة وسحبت سفيرها في 20 نوفمبر 2009 م عندما طلبت المنظمة من الأمم المتحدة فرض عقوبات دولية على إرتريا لدورها في الحرب الأهلية في الصومال. ولكن في يناير 2011م كانت مفاجأة عندما عاد السفير قرماي أسمروم من جديد إلى أديس أبابا بعد غياب ثلاثة عشر عاماً لتفعيل عضوية إرتريا في الإتحاد الأفريقي ربما بعد تضررها من العزلة التي فرضتها على نفسها. ولا زالت علاقة حكومة إسياس مع الإتحاد الأفريقي غير متكاملة ويشوبها الكثير من الريبة وعدم الثقة.

(12.7) الولايات المتحدة:

بعد التحرير مباشرة كانت علاقة إرتريا بالولايات المتحدة علاقات جيدة وقد قام إسياس أفورقي بعدة زيارات لواشنطون ودخل البيت الأبيض على الأقل مرة واحدة بدعوة من الرئيس بيل كلينتون. وفي تلك الفترة قدمت الولايات المتحدة مساعدات كثيرة لإرتريا في مجالات مختلفة من بينها تنظيم الجيش الإرتري بعد قيام الدولة الإرترية وتحصل الضباط الإرتريون على دورات للتدريب في الولايات المتحدة وكذلك المسؤولين الحكومين من مختلف الوزارات كانوا يتدفقون إلى واشنطون في زيارات للتدريب والسمنارات والورش وأعطت الحكومة الأمريكية منح تعليمية للكثرين من محاربين الشعبية في الإدارة والصحة والتعليم. وكانت الولايات المتحدة تقدم كذلك الكثير من المعونات الإنسانية من بينها مساعدات القمح التى وصلت إلى 150 الف طن في السنة.

من الجانب الأمريكي زارت السيدة هيلاري كيلنتون إرتريا في عام 1997م عندما كانت السيدة الأولى، وزار إرتريا كذلك مسؤولين أمريكين في فترات مختلفة منهم الجنرال تومي فرانكس قائد القيادة الوسطى ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وزارت قطع من البحرية الأمريكية المواني الإرترية. كانت تلك الأوقات عندما كانت الإدارة الأمريكية تحاول الضغط على حكومة السودان بشأن قضية الجنوب وكان إسياس يلعب دور المنفذ والوكيل للسياسة الأمريكية في السودان. كانت الأدارة الأمريكية تنظر إلى إسياس وملس وكاقامي وموسيفيني وكأنهم الجيل الجديد من الرؤساء الأفارقة الذين سوف ينقذون أفريقيا. ثم تبددت الأمال أو الأوهام مع إندلاع حرب الحدود.

حاولت أمريكا إيقاف الحرب بين البلدين ولعب المستر أتنوي ليك مستشار الأمن القومي للرئيس كلينتون والدكتورة سوزان رايس مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية دور محموري في ذلك، ولكن بعد نهاية الحرب سأت العلاقات بين البلدين تدريجيا لأن في إعتقاد إسياس أن أمريكا إختارت إثيوبيا وعدوه اللدود ملس زيناوي عليه وعلى حكومته. وتتهم حكومة إسياس أمريكا بعدم ضغطها على إثيوبيا للإنسحاب من الأراضي الإرترية المحتلة، ومثل إخفاقاته الأخرى المتعددة فشل إسياس في علاقته مع الولايات المتحدة والتي وصلت إلى حد القطيعة.

Top
X

Right Click

No Right Click