الإسياسية: من حلم إقامة دولة أكسوم وحكم الدولتين إلي انهيار الخيال وحكم الفرد - الحلقة التاسعة

بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار

من التحديات العاصمة أسمرا: لماذا ضريح القائد عواتي في هيكوته وليس في أسمرا؟ ولماذا إقامة النصب للشاعر الروسي بوشكين

في اسمرا ؟

 دولة أكسوم

ولماذا لم يكن النصب للمؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي وهو من نفس الامتداد وفي نفس العصر ؟

هل رأت الاسياسية أن هناك حضارتان ويمثل كل منهم حضارة فاستأثرت حضارتها في عاصمتها ؟ أسمرا هي عاصمة ارتريا التي أنشأها الإيطاليون علي شاكلة عاصمتهم روما لتكن لهم العاصمة الثانية بعد روما في هضاب أفريقيا وأطلقوا عليها اسم (سكند روما) اختاروا موقعها بعناية لطقسها الجميل المشابه للطقس الأوروبي ويقول عثمان صالح سبي في كتابه تأريخ ارتريا (عندما دخل الايطاليون أن اسمرا كانت عبارة عن اربعة قري صغيرة يطلق عليها - اربعتي أسمرا - بالتجرنية - وكانت هذه القري في نزاع وقتال فقمن اربعة من النسوة الصالحات بإحلال السلام محل القتال فسمي عملهن بالمثمر وبالتجرنية - أسمرت - وذكر اسمها في مخطوطات تجار البندقية في القرن الرابع عشر مما يدل بانها مدينة قديمة) وهي بجانب أنها عاصمة ارتريا تعتبر عاصمة إقليم الحماسين في نفس الوقت.

وهيكوته قرية صغيرة علي ضفاف القاش بين بارنتو وتسني وهي غير بعيدة عن اكبر مشروع زراعي هو مشروع علي قدر الذي تديره الدولة حاليا وتسميتها بهذا الاسم مختلف فيه ولا توجد مراجع موثقة فمن قال إنها تحمل اسم لقبيلة من قبائل البجه البائدة مثل (المنع) و(الهاش برّي) ومنهم من قال أن إسمها مكون من شقين بلهجة البجا (هي - كتا) معناها (أطعنه بها) أي الرمح. وكانت تعتبر هيكوته تقليديا احدي الادارات الاهلية لقبيلة البني عامر في (القاش) وبقية الادارات (كيرو) أسفل بركا - وكان الزعيم ابراهيم سلطان عقد فيها الاجتماع المشهور الذي انبثقت عنه نظارات ومشايخ وعمد قبائل البني عامر في حقبة الاربعينات من القرن الماضي و (منصورة) في أعالي بركة التي كانت مقر (الدقلل) و (طوكر) في الساحل، وقبل الثورة الارترية كانت تعتبر مركز تجاري للتهريب بين السودان وارتريا وكان اشهر تجارها، آل جعفر محمد عامر، وآل حزام، ومن عائلاتها المشهورة آل دقي، وحاليا يحمل اسمها أكبر سوق تجاري في مدينة كسلا لنشاط تجارها.

وعلي الرغم من صغر حجمها وبداوة سكانها الذين يمتهنون الرعي والزراعة تعتبر القرية التي غيرت التاريخ في ارتريا (مرتين) مرة بانفجار الثورة الارترية من جبالها، ومرة عند ما هزم أنصار المهدي في معركة حاسمة قلّ أن يذكرها التاريخ السوداني قتل فيها القائد العسكري للمهدية الذي كان يدير الحرب في غرب ارتريا ومنطقة كسلا في معركة (كوفيت) المشهورة التي كان يقودها القائد علي نورين الذي جمع حوله قبائل المنطقة وحسم المعركة في غرب ارتريا وكسلا، وبعد هذه المعركة دخلت ايطاليا كسلا دون قتال لأنها كانت ساقطة فعليا، فإذا كانت الاسياسية استعصمت عاصمتها علي قائد الثورة لأنه مسلم بدويّ،فهذه هي هيكوته، فهي كانت مركزا للسلفية الإسلامية ومركزا للطريقة الختمية وكان يؤمها الطلبة الوافدون لحفظ القرءان في خلاويها العامرة، وهي معركة كوفيت وجبال أومال وجبال أدال وهي تقوربا وهي صاحبة أول شهيد وأول أسير وأول امرأة تقدم قدح الطعام يأكله الثوار هذا هو الإكليل الذي يزين ويحيط بضريح الشهيد حامد عواتي ويزين هذه القرية، فهي غنية ولكن أسمرا عاصمة قومية وكان لزاما أن يكون فيها وجودا للأبطال، ولقيادات ارتريا التاريخية، قبل تمثال بوشكين المستعار.

فعقلية الاسياسية المتزمته المتعالية المتغطرسة التي استمرأت عواتي في عاصمتها هي امتداد لعقلية متزمتين حزب الإندنت هذا شاب منهم يصرخ في وجه الزعيم ابراهيم سلطان كما يرويها علي لسانه ألم سقد تسفا في كتابه لم نفترق وذلك في اجتماع بيت قرقيس في أسمرا (اسمع يا ابن سلطان نحن لسنا عاطلين حتي ندعو كل من هب ودب من المسلمين البدو رعاة الابقار والجمال إن ما نقرره هنا سيقبله المسلمون صاغرين وما نفعله سيفعلونه علي الرغم من أنوفهم).

ويقول سلطان فأجبتهم (إني لا أملك في الوقت الحاضر القدرة علي مجاراتكم في الإساءة فنحن الموجودين هنا لا يزيد عددنا العشرة او العشرين بينما انتم بالمئات وبإمكانكم أن تضعوا القمع في أنوف المسلمين وتصبوا ما تشاءون فيه) وغادرت المكان، ويقول المؤلف هذا ما سجلته ذاكرة الشيخ ولكن لم أجد دليل علي هذه الأقوال الاستفزازية)، ولكن لا يوجد دليل أقوي من أقوال الشيخ. فممارسات الاسياسية الاستفزازية حاليا هو الحاضر وذاك هو الماضي الاستفزازي وعلي مرآتهما يتحدد مستقبل ارتريا المضطرب كذلك.

فالاسياسية الذي أجبرها الواقع أن تعترف مكرهة بتاريخ الفاتح من سبتمبر لانطلاقة الثورة الارترية تعتبر حقيقة إن الثورة بدأت بصدور بيان (نحن وأهدافنا) وبعد التحرير عز عليها أن يضم رفات الشهيد البدوي عواتي عاصمتها المقدسة ولهذا أعادت شأن دفن رفاته إلي قريته واستعلت واستكثرت عليه عاصمتها والذي كان يستحق أن ينصب له فيها نصبا شامخا كشموخه. الم يستحق الشيخ ابراهيم سلطان أن يكون له نصب في العاصمة وهو أول زعيم يخاطب الأمم المتحدة بشأن استقلال ارتريا ؟ ألم يستحق الشهيد عبد القادر كبيري الذي اغتيل في شوارعها أثناء ذهابه إلي الأمم المتحدة للدفاع عن استقلال ارتريا ؟ لماذا لم تقدم بإقامة نصب لولدآب ولد ماريام وهو تاريخي ويستحق ذلك ؟ هل خشيت أن يطلب منها كذلك للآخرين الذين استبعدتهم فاستبعدته ؟ هل حذاء الشدة الذي عز عليها وجسدته بنصب تمثال - والذي كان منتشرا في ارتريا حتي قبل النضال - هل أعز تأريخه من تأريخ هؤلاء الأبطال ؟ فالاسياسية غاصت في أعماق نفسها ووجدانها وغاصت في أعماق التاريخ وأبحرت عبر دولة أكسوم وعبرت البراري والبحار والمحيطات بذلك الحنان المتدفق والشعور والإحساس بالعظمة لذلك المجد، فرست سفينتها في روسيا ومدت يدها إلي القرن التاسع عشر لتخبرنا وتبلغنا لكيلا ينسي أحد بأن هناك شاعرا اسمه (بوشكين) ابن حفيدة لأحد الأكسوميين كما يقال وذو البشرة السمراء والشعر المجعد والشفاه الغليظة، ولكن الكاتب سمير عطاء الله قال في جريدة الشرق الأوسط العدد (11889) الصادرة في لندن بخصوص إقامة نصب له في مكتبة الإسكندرية جاء جده لأمه إلي موسكو من منطقة تقع ما بين ما هو اليوم تشاد والكميرون وعند الاسياسية خبر نسبه اليقين، هذا الشاعر الروسي الكبير قالت عنه الاسياسية إنه إبنها البار الذي مثلها في أوروبا منذ قرون ولهذا يستحق منها هذا المجد الأعظم من مجد هؤلاء الأعراب فأقامت له ذلك النصب التذكاري الضخم في عاصمتها المقدسة ليشعرها زهو وسطوة دولة أكسوم العظيمة، ألم يكن عبد الرحمن الجبرتي صاحب الرواقية في الأزهر الشريف ومن المؤرخين المشهورين في مصر من نفس الامتداد وكان معاصرا لبوشكين ؟ أم أن هذا مسلم وعلي حضارة إسلامية وذاك مسيحي أرثوذوكسيّ وعلي حضارة أكسوم المسيحية ؟ إن الخطورة في الإسياسية ليست في شخص قائدها اسياس أفورقي وستزول بزواله من يظن ذلك فهو واهم إنه فكر إيديولوجي أصولي استئصالي إقصائي ورثته الاسياسية من حزب الاندنت الذي كان يريد تثبيته عن طريق أثيوبيا ولكن الاسياسية منذ هيمنتها في الثمانينات أصلته وعمقته في دولة ارتريا بعد الاستقلال ولها أدواتها ووسائلها وقد بنت له الكوادر الفكرية الهائلة من المثقفين والإداريين والعسكريين مركزيتهم العاصمة الارترية اسمرا ومن خلالها ينتشرون للحكم علي الأقاليم الإسلامية التي يذيقونها المرارة، وفي احدي المشاهد في الأفلام الوثائقية عن جنوب أفريقيا التي كانت تبثها الفضائيات هناك أفراد من القوي البوليسية من البيض يقومون بتعذيب عنصران من السود أطلقوا عليهما الكلاب البوليسية لتنهشهم بأنيابها وأظافرها حتي أدمتهم في منظر بشع لا يطاق، أحدث ضجة قوية من الاستنكار العالمي، ولكن عندما يتعلق الأمر بجيش وطني كالجيش الأرتري عندما يجمع الأعشاب والأخشاب ويضعها في فوهات الأنفاق في مناجم الذهب التي أمرت الاسياسية بحفرها ليسترزق منها سكان المناطق الإسلامية الذين عجزت عن إطعامهم، ثم يأتوا ويشعلوا فيها النار لكي يحرقوا هؤلاء المواطنين المسلمين الفقراء داخلها فيموتون بالاحتراق والاختناق ثم حصد من خرج منهم بالرصاص ألآ يعتبر هؤلاء البشر جرذان الاسياسية ؟ وألم يعبر هذا التصرف عن حقد عنصري دفين في نفوسهم ؟ إنه التفكير المغروس في الأعماق تعكسه ما ينفذه معتنقين الاسياسية بهذه الصورة البشعة، ثم يأتي من كبار شخصيات الدولة / كيماني قبر آب - ويصرح بأن ما حصل كان خطأ كأنه مخالفة مرور بسيطة لا تستحق حتي عقاب الغرامة المالية البسيطة، أتوجد قسوة أكثر من هذه ؟ وأي استهتار وغطرسة أكثر من هذا ؟ وأي احتقار للبشر و المواطن المسلم ؟ إنها قضية حية مؤجلة لا تموت تتوافر فيها كل عناصر الجريمة الكاملة المتعمدة، إن الجيش الارتري بوضعه الحالي أصبح ذراعا لحماية أفكار الاسياسية، وقيادته في أكثريتها من أبناء العاصمة، إن من يصدر الأوامر لتنفيذ هذه المآسي علي الشعب هم من أبناء العاصمة وهم من يمارسون الإقصاء، وهم الطبقة المتوسطة التي استفادت من الأنظمة الاستعمارية المتعاقبة علي ارتريا بحكم أن العاصمة القومية هي عاصمة حماسين الإقليمية، إن من كتبوا وثيقة العهد التي نشرت وبينت مدي الخلل في شغل الوظائف في الإدارات بين المسلمين والمسيحيين في دولة ارتريا في الحاضر، أغفلوا نصيب ماضي المسلمين في شغل الوظائف الإدارية في السابق وأغفلوا أيضا كيف تم تقاسم الإدارات بين أقاليم الكبسة الثلاثة في ذلك الوقت.

في الأربعينات والخمسينات والستينات كانت ارتريا مضطربة فالمسيحيون وضعوا كل أوراقهم في السلة الأثيوبية بقيادة حزب الإندنت بينما عزف المسلمون وابتعدوا عنها، ولهذا انفرد المسيحيون بالوظائف الإدارية فقسموها باتفاق فيما بينهم لا يتعدي فيها أحد علي ما اختص به الآخر، فاختص أبناء الحماسين بالوظائف البلدية قاطبة في كل أنحاء أرترية ولا يحق لغيرهم سواء كان مسلما أو غير ذلك شغل أي وظيفة فيها وكانت العاصمة الارترية حكرا عليهم، وكان (حرقوت أباي) رئيس بلدية أسمرا يقول لسكان مسلمين في أسمرا عندما يقدمون طلباتهم للوظائف المحتكرة من قبله كان يقول لهم بازدراء أنتم وظائفكم في (جدة). واختص أبناء اكلي قوزاي بجهاز الشرطة في كل أنحاء أرتريا قاطبة وفي أسمرا وهم في الحقيقة قد أنصفوا بعض الشيء للمسلمين الذين يشاركوهم في الإقليم، ولهذا نجد أبناء العسارتا والساهو هم أكثر من كان في الشرطة الارترية مما وجدوه من نصيب، واختص أبناء السراي بكل فروع جهاز القضاء في كل أنحاء ارتريا قاطبة وفي أسمرا ولا غير سواهم، فهذه الأجهزة الثلاثة كانت حكرا عليهم ولا مجال للمسلمين أن يشغلوا هذه الوظائف إلا ما ندر وشذ عن القاعدة استثناء ا، وعندما جاء منجستو هيلي ماريام تأطروا في القبلي الذي أسسه منجستو وحافظوا علي وظائفهم وسيطرتهم، و أسمرا بحكم أنها العاصمة كانت مركز الثقل الوظيفي خاصة بعد دمار بقية المدن، وبعد الاستقلال أقرتهم الإسياسية علي هذه الوظائف وأضافت عليهم كوادرها الجديدة من المسيحيين القادمين من الميدان، فالسلم الوظيفي الإداري اعتمدته الإسياسية كما كان لمصلحة عقيدتها وسرّحت من جمعتهم في معسكر دندن من المسلمين بصرف إعانات المعاش وجعلت الوظائف الإدارية من لون واحد كما كانت أثناء الاستعمار، هذه الوضعية من الصعوبة إزالتها بسهولة اليوم بعد أن عمقتها الإسياسية، فالمشكلة محددة ومعروفة وأن هنا ك ظلم فادح واقع علي المسلمين ما قبل الاستقلال وبعده، وعندما يعرف الخلل لا بد أن يطرح سؤال كيف يكون العلاج ؟ و نقرأ في المواقع وفي بيانات الفصائل المعارضة وجود هذا الخلل ولكن دائما لا تجد الإجابات الواضحة لإيجاد التصور للمستقبل لمعالجة المشكلة وما هو البديل ؟ هل يلقي بهؤلاء المحتكرين والقائمين بالوظائف الإدارية حاليا في البحر كما ألقوا الآخرين في البحر ؟ وكيف ؟ وهل تطردهم الأقاليم من أقاليمها وتوظف أبنائها كما تفعل الإسياسية ؟ وهل ممكن أن يفعلوا ذلك في ظل الاختلال ؟ وهل من مصلحة الدولة ذلك ؟ أم يقترحوا عاصمة جديدة في منطقة محايدة ويؤمنوا لها الرأسمال الاستثماري وتكون أسمرا العاصمة التجارية وبالتالي يكونوا أوجدوا فرص عمل جديدة للمظلومين ؟ أسئلة يؤجلونها للمستقبل المجهول وهكذا دواليك، وأصحاب التحالف والمعارضة يعرفون قبل غيرهم إنهم إذا ذهبوا بوضعهم الحالي إلي أسمرا العاصمة بعد تغيير النظام فيتأكدوا تماما إن كل المكاتب الإدارية سوف يجدون علي أبوابها لوحة صغيرة معلقة علي الباب مكتوب عليها (لا توجد وظيفة شاغرة) ويتأكدوا تماما كذلك انه لا يوجد هناك معسكر دندن ولا توجد منظمات الإغاثة فهي طردت بثومها وعدسها وبصلها، فعندما يقول حزب الشعب أن القوة معه فصدقوه فإنه علي هؤلاء يراهن فعلي من يراهنون هؤلاء و بهذه المواقف الضعيفة ؟ وليفكروا جيدا من تجربة السنين الماضية وبهذه المواقف الضبابية التي يريدون أن يضمنوا خلفها مصالحهم التنظيمية، أن يفكروا ملياّ قبل كل شيء إنهم سيعودون إلي ديار ما شاء الله قبل أن يفتحوا حقائبهم في أسمرا.

الكثيرون يستبشرون بالحركات الثورية المحيطة ويتمنون أن تحدث الانتفاضة في العاصمة أسمرا ضد النظام في ارتريا ولا أريد التشاؤم ولا أريد كسر خاطر المتحمسين، ولكن حقيقة العاصمة الارترية لا تحمل الورود والياسمين في تأريخها، من المفترض أن تقف في واجهة الأحداث التاريخية و تكون منبرا للأحرار ومنبرا للحرية والتقدم بحكم وجود النخبة المثقفة وأكثرية الطبقة المتوسطة فيها وباعتبارها المركز السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي والإعلامي والإداري ولكن في الحقيقة أن أسمرا لا تنقلب علي ذاتها فهي دائما الحاكمة مع المستعمر الأوروبي ومع المستعمر الأثيوبي ومع الدولة المستقلة وهي الحاصدة لثمار الآخرين، هي المدينة التي لم تحطم لها نافذة في النضال خلال الثلاثون عاما بينما دكت وحطمت كل المدن والقرى الارترية حولها، يأتيها الثوار من الأطراف والأقاليم فتغتالهم اغتالت فعليا في شوارعها الزعيم عبد القادر كبيري واغتالت سياسيا في شوارعها الزعيم ابراهيم سلطان وطردت من شوارعها الزعيم ولداب ولد ماريام واتهمته بانتمائه للتقراي واغتالت في شوارعها كامل الشعب الارتري بعد الاستقلال، حتى أبنائها الذين انضموا إلي الثورة بمالهم من إمكانات وعلاقات خطفوا الثورة وعادوا بها في أسمرا إلي خنادق ومعاقل ما قبل الأربعينات، استأثرت لها الاسياسية بكل مداخيل الدولة لبنائها وزينتها وجمالها واهتمت بغسيل شوارعها بالصابون بينما بقية المدن والقرى الإسلامية التي دفعت الثمن الغالي للتحرير صعب عليها حتى لقمة العيش وهي تخدم العاصمة، هذه المدن والقرى هجرت واستبعدت من التنمية واستؤصل من كان فيها , وترضخ تحت لهيب نار قادة العاصمة وهي تقدم الخدمة لفتاة ارترية المدللة التي سخر لها قيصرها سخرة الشعب بالكامل لبنائها وخدماتها ليفاخر بها زواره وضيوفه الوافدين، فأبناءها هم أبناء الطبقة المتوسطة وهم الملاك وهم الحكام وهم القادة الأمنيّون والعسكريون فهل ينتفض أحد علي نفسه، وإذا انتفضت الأقاليم فهي مستعدة لسحقها إلا إذا تغلبت الأقاليم كما حصل سابقا في النضال، وهذا هو الراجح، فالعاصمة الارترية هي احدي التحديات التي لم يتطرق إليها أحد، ففي كل دول العالم لسكان العاصمة دور كبير في التحرير والتغيير و الثورات وتغيير أنظمة الحكم المستبدة ولكن العاصمة الارترية (أسمرا) هي غير ذلك فهي الراعية لهم و هي المستبدة والمستفيدة منهم.

وعلي أطراف المعارضة أن يتبنوا بداية مظالم هذه الأقاليم التي تئن تحت وطأة ظلم أبناء العاصمة قبل أن يبحثوا الهرولة إلي الحكم فهي دفعت الثمن الغالي خلال الخمسون عاما. فالجنوبيون السودانيون أصبحوا يثيرون مبكرا دور العاصمة (جوبا) وأن تكون لهم عاصمة جديدة هروبا من السيطرة، ونيجيريا عاصمتها كانت (لاجوس) فأنشأت عاصمة جديدة هي (أبوجا) لتحاشي هذه المشاكل، وحصل ذلك في كثير من دول العالم، مثلا باكستان عاصمتها كانت كراتشي ثم لا هور والآن إسلام أباد، إن العاصمة الارترية أسمرا من خلال تأريخها ليست العاصمة التي تجمع أبناء الوطن في الوظائف الإدارية، وإنما هي مدينة يلتف حولها سكان إقليمها المتعصبين تاريخيا مستأثرين علي كل شيء ومستفيدين من وضعها جاعلين الآخرين تحت خدمتهم، فهي عاصمة لا تقبل الآخرين وهذا شيء واقع و مرير ولكنه الحقيقة الثابتة التي لا تقبل الجدال.

ولهذا لا بد من عاصمة قومية للارتريين في منطقة محايدة عاصمة لا يستأسد أبناؤها علي الآخرين وتوفر فرص عمل جديدة للمحرومين وتعيد التوازن في الهيكل الوظيفي المختل.

Top
X

Right Click

No Right Click