عبدالله إدريس أيقونة إريتريا

بقلم الإعلامي الأستاذ: يوسف عبدالرحمن  المصدر: جريدة الانباء

أكتب هذا التقرير من واقع علاقتي بالقائد الفذ عبدالله ادريس - رحمه الله -

يوم كنت امينا للسر بجمعية المعلمين الكويتية عام 1986 وكان هو رئيس جبهة التحرير الاريترية حينذاك وتوثيقا للدور الكويتي الرسمي والشعبي والتاريخي المؤازر للثورة الاريترية.

في الذكرى الرابعة لوفاته أكتب: التقينا في بيت صديق في مدينة كسلا بالسودان وكنت يومها قد قابلت مجموعة من القادة: عثمان سبي وعبدالله ادريس، وعثمان ايقلايدوس والجيلاني وعمر البرج بحكم قربنا من بعض ومناصرة للثورة الاريترية، يومها كان اسياس مشغولا بالتواصل مع التجمعات الكنسية في الولايات المتحدة الاميركية بقيادة الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر، وكنت مشغولا كصحافي ونقابي في دعم الثورة الاريترية ومناصرتها، كنت معجبا بالقائد عبدالله ادريس - رحمه الله - لأنه في حقيقة الامر كان يمثل لي مستقبل اريتريا ورؤيته الثورية العربية المرتبطة بالأمة وجماهيرها العربية المليونية ودوره الوطني في مواجهة «الأفورقية» مبكرا وأنها خطر على الثورة الاريترية، وايضا توقده كقائد مهتم بتوجهات شعبه وتطلعاته نحو الحرية والديموقراطية والانفتاح.

كان عبدالله ادريس قائدا ذا نشاط مكوكي وحراك شامل امتد من الخليج العربي الى المحيط لحشد الشعب العربي نحو الثورة الاريترية واستطاع من خلال جولاته وصولاته ان يحشد شعبه حوله وان يبصرهم بادوارهم النضالية ويقودهم بهمة عالية في ميادين السياسة والمؤتمرات والوعي الثوري بطموح عجيب يرافقه تواضع جمّ وقرارات حكيمة مما جعله في قلوب ناسه وشعبه، ولعل هذا ما اضفى عليه من سمات الزعامة التاريخية ايضا كما في كريزما عواتي وابراهيم سلطان وسبي وكيبري وغيرهم كثير في التاريخ الاريتري المجيد.

عرفته عن قرب سنوات طويلة، عملنا معا من اجل مكتسبات تربوية ومنح دراسية واغاثات عاجلة وتنسيق مواقف على مستوى اتحاد المعلمين العرب.

كان ابو ابراهيم لا يجامل في حق وطنه ابدا وهمّه الاول والاخير وضع مصلحة اريتريا فوق اي اعتبار وكثيرا ما حوصر وضغط عليه لتغيير موقف هنا او هناك وكان كالطود الشامخ لا يرضخ ولا ينهزم في حركة ايقاع واحد، حتى ان الرئيس اسياس افورقي كان لربما هو القائد الوحيد الذي يعمل له ألف ألف حساب.

كلنا يذكر والتاريخ سجل هذا الموقف البطولي يوم تحدى عبدالله ادريس «نظام أسمره» بالتوجه والاحتكام الى صناديق الاقتراع لقيام الدولة الدستورية وإصباغ الشرعية على نظامه.

لقد دفع عبدالله ادريس سنوات عمره من أجل وطنه اريتريا وشعبه وكان صادقا مع ربه وشعبه، ووضع في أولوياته تحرير اريتريا من اي محتل، وقد صدق عندما تحدى اسياس في ان يسمح لللاجئين الاريتريين بأن يعودوا إلى مدنهم وقراهم!

هكذا كان عبدالله ادريس يفكر، وهكذا كان القائد الحاضر الغائب يخطط!

نعم.. عبدالله ادريس هو القائد الاريتري الذي لم تسعد به حتى الآن اريتريا لأنه على موعد بإذن الله بأن يكرّم ولهذا اليوم.. اليوم اكتب عنه وأقولها بصوت جهوري عال: لقد غرست وناضلت وجاهدت وقدمت لاريتريا زهرة شبابك وفاء واخلاصا كواحد من العظام من أمثال «عواتي» وأحسبك اليوم مكرما عند شعبك الوفي والأجيال الإريترية التي سمعت عنك واحدثها اليوم عن بطولاتك أبا إبراهيم.

أيها الاريتريون في كل مكان وزمان، اليوم اكتب لكم عن الزعيم البطل عبدالله إدريس محمد سليمان طيب الله ثراه ومثواه.. فمن هو؟

من هو عبدالله إدريس ؟

هو بركان القرن الافريقي ورمز الثورة الاريترية خلال 3 عقود من الصراع مع العدو الاثيوبي، وهو الجغرافيا التي تصنع التاريخ وصراع الابطال مع الغزاة من امثال عواتي وسلطان وكبيري وأحمد ناصر وعثمان سبي وقلايدوس وادريس محمد آدم.

ولد عبدالله ادريس في 1944/3/18 في قرية «قرابيت» بمنطقة شلاب بمحافظة اغردات في اريتريا بمنزل والده ادريس محمد سليمان، وتعلم مع الاطفال مبادئ القراءة والكتابة، والده ابرز شيوخ المنطقة ثم واصل دراسته في السودان ومصر وسورية، وفي مصر التقى اخوانه القادة عثمان سبي وعثمان اقلايدوس وادريس محمد ادم ثم ابتعث إلى سورية في دورة عسكرية في الكلية الحربية في حلب وتخرج فيها ضابطا رغم بروزه أيام التلمذة بالمسرح وحبه للكتاب العربي، ويذكر بعض الاخوة الثقاة الاريتريين ان عبدالله ادريس قبل دراسته في السودان التقى مع مفجر الثورة الاريترية «حامد ادريس عواتي» في 1961 وكان عمر عبدالله ادريس نحو 16 عاما، وان حوارا دار بين الزعيم التاريخي وعبدالله ادريس حول انضمامه لصفوف الثورة غير ان عواتي رفض ضمه لصغر سنه وطلب منه ان يواصل دراسته، ومما يقال انه حمله رسالة مكتوبة باللغة الايطالية يطلب فيها «سلاحا وذخيرة» من العاملين في الجيش السوداني.

وتجدر الإشارة الى ان عبدالله ادريس رجع حاملا الذخيرة لقائده الذي لم يخف اعجابه بهذا البطل الاريتري الصغير عبدالله ادريس، والذي تحول فيما بعد إلى قائد حقيقي، مواصلا الثورة على درب القادة التاريخيين لاريتريا، وذكر المقربون منه انه قفز من كرسيه يوم عبور الجيش المصري وصفق وكبر «الله اكبر»، ويصفه بعض اصدقائه بأنه رقيق القلب لأنه في أكثر من مناسبة وقف كي يرثي اصدقاءه من أمثال محمد تمساح وادريس هنقلا ومحمود حسب وهيلي قرازا وسعيد صالح.

وكان معجبا بالاريترية المناضلة أمنة ملكين من اعضاء المجلس الثوري في المؤتمر الوطني الأول، وكان يصف بورقيبة بأنه داهية العرب والافارقة..

كاريزما:

أتذكر في اول مقابلة وكان ضمن قادة كبار، كونت رأيا سريعا عنه، انه بحق «كاريزما اريترية» قادمة يملك حضورا في المقابلات الصحافية، فهو مناضل ومجاهد وقائد عسكري وناشط سياسي، مناقبه وخصاله تسبق ذكر اسمه، اخذ من قريته وشعبه البسيط من هناك الطهر والتسامح وإلماما بالعادات والتقاليد وثقافة «الموزاييك الاريتري».

والده حببه في اللغة العربية والدين والكتاب والثقافة العربية، وتأثر بما كتب عن تاريخ اريتريا ونهل منه واضاف له.

من تاريخ اريتريا العظيمة تقمس ادوار الكبار وصار كبيرا فيما بعد، كان مفاوضا ناجحا ويحمل قلبا ابيض لم يعاد احدا ولم يحمل ضغينة نحو أي انسان خالفه الرأي في حياته، ولم يجاهر يوما في خصومة، قليل الكلام كثير العمل، له نفس تؤمن بالرأي والرأي الآخر.

كان يتأثر بالانكسارات ويصفق للانتصارات، موقفه طيب ابان الاحتلال العراقي، وقال: كيف نقبل بالاحتلال ونحن نعاني من الاحتلال ؟ كان يعلن حبه للكويت وشعبها لأنها معطاءة للثورة وتشارك الاريتريين في كل نكباتهم ولم تحرمهم لا من المساعدات ولا المنح الدراسية، وكان ايضا يحب مصر وسورية ويخاف من المواقف الليبية، كان زعيما حقيقيا.

محطات من عمره:

• ولادته بقرية بمنطقة شلاب بمحافظة اغردات عام 1944.

• سفره الى التعليم: السودان، مصر وسورية.

• تخرجه كضابط في العام 1966 والتحاقه بصفوف الميدان في العام 1967 واختياره عضو قيادة قبيل معركة «حلحل» مع الاثيوبيين في العام 1968.

• بروزه في مؤتمر ادوبحا عام 1969 رشحه لقيادة المكتب العسكري.

• في المؤتمر الوطني الاول عام 1971 انتخب نائبا ثانيا ورئيس المكتب العسكري لرئيس جبهة التحرير الاريترية.

• وفي المؤتمر الوطني الثاني انتخب عضوا بالمجلس الثوري رئيسا للمكتب العسكري للجبهة.

• من العام 1977 حتى العام 1980 استطاع ان يوحد الجبهة، حيث بدأت معارك تحرير المدن الاريترية.

• في العام 1981 واجه مؤامرة استهدفت تصفية الجبهة ورفض اسقاط البندقية وقاد انتفاضة 25 مارس 1982 وبقاء جبهة التحرير الاريترية في المعادلة الاريترية.

• في العام 1983 انتخب المؤتمر الوطني الثالث عبدالله ادريس رئيسا للجبهة ونائبا اول لرئيس جبهة التحرير الاريترية التنظيم الموحد اثر توحيد الجبهات بعد اتفاقية جدة.

• 1989 اعيد انتخابه رئيسا للمؤتمر الخامس والسادس عام 2001، وقاد الجبهة الموحدة وانتخب رئيسا للجبهة في المؤتمر السابع عام 2005، وواجهه نظام الجبهة الشعبية الاقصائي.

• اختير رئيسا للتحالف الوطني في العام 1996 ثم رئيسا للقوى الوطنية في العام 1999 ثم رئيسا للقيادة العليا في العام 2002.

ذكريات:

عرفت الزعيم عبدالله ادريس في الثمانينيات على اثر زيارة الى السودان، والتي عهدتها دائما «صديقة للشعب الاريتري» وملاذه في المدلهمات والاحداث وسنده في الحوادث والكوارث.

عندما عرفته بنفسي، قال: أنا أحترم الشعب الكويتي وأقدر جهود حكيم العرب صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي كان وزيرا للخارجية حينذاك الذي عرض قضيتنا في المحافل الدولية، ولتكن أخ يوسف على ثقة بأن الشعب الاريتري لن ينسى دور الديبلوماسية الكويتية عبر أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وهي تدافع عن وجودنا وكياننا، كما أنني اشكر الشعب الكويتي الوفي الأصيل الكريم على مؤازرته لنا وتكفله بالكثير من الأعباء في أوساط اللاجئين هنا في السودان خاصة كسلا والخرطوم. والمنح الدراسية لطلبة البعوث في الكويت الخيرة.

كنت أتراسل معه عبر الرسائل والمكالمات الهاتفية والبرقيات في المناسبات، وكثيرا ما كان يبعث لي برسائل من سورية ومصر او السودان.

كان، رحمه الله، سياسيا محنكا يعرف التاريخ الاريتري وله تحركه السياسي في كثير من الدول العربية.

قاد كثيرا من المعارك بنفسه، خاصة في عام 1977، حيث تم طرد المحتل الاثيوبي من كثير من البلديات الاريترية مثل عنسبا واكلي قوزاي ودنكاليا والساحل وسمهر وحماسين ولم يبق بيد العدو إلا اسمرا العاصمة ومصوع وعصب.

عبدالله ادريس تقابل مع الموت مرات، وكان يمكن ان يستشهد او يغتال، لكن الأمر بيد الله الذي امهله حتى يرى تحرير وطنه وسرقة فرحة الشعب الاريتري عن طريق الجبهة الشعبية.. لقد كنت يا عبدالله بطلا حقيقيا.

وفاته ورحيله:

في لندن 2011/4/29 فقدت اريتريا بطلها الحقيقي عبدالله ادريس محمد سليمان الرئيس السابق لجبهة التحرير الاريترية وقائد جيش التحرير الاريتري، وفي الخرطوم تم استقبال جثمانه في جمع حاشد للاريتريين والسودانيين وأقيمت صلاة الغائب في كثير من البلدان وسط تجمع الاريتريين في استراليا ولندن وبعض البلدان العربية «مركز الخليج» ومصر وسورية واليمن وستوكهولهم في السويد.

لم يحظ زعيم اريتري على حد علمي بمثل هذه المشاركة الشعبية الواسعة، وافادت مصادر اريترية بأن الداخل في المدن والقرى رثاه، وأقيمت عليه صلاة الغائب في سرية بعيدا عن النظام الذي يعتبره من أبرز اعدائه.

هكذا ودعت الجموع الاريترية الحزينة واحدا من أخلص الرجال تم وداعه بالصورة التي تليق به كقائد وزعيم وطني، أفنى زهرة شبابه من أجل تحرير اريتريا عنيدا كالجبال في قوة مواقفه معطاء للشريان الاريتري.

وكلمتي للأجيال الاريترية تذكروا 2011/4/29 هو يوم تاريخي حدث في العاصمة البريطانية لندن، حيث ودعت اريتريا ابنها البار عبدالله ادريس بعد صراع مع المرض، وكان بحق عبر تاريخه مناضلا ومجاهدا حقيقيا ومهندسا للعلاقات العربية والافريقية والأوروبية مع بلده.. عبدالله ادريس - رحمه الله - تاريخه وشخصه عز لإريتريا.

آخر الكلام:

اريتريا بمدنها وقراها تؤبن عبدالله ادريس محمد سليمان، بطل قل نظيره، سطر اعظم تركة سجلت في سجلات التاريخ والحقيقة.

عبدالله ادريس ترك وصيته للشعب الاريتري والاجيال الجديدة: «توحدوا في الداخل والخارج ونسقوا الجهود فأنتم حملة الامانة وفي عروقكم اكثر من عواتي وعبدالله ادريس وابراهيم سلطان..».

أيها الاريتريون في كل مكان، هذا هو عبدالله ادريس بكل تاريخه ومواقفه وشجاعته وارثه، رجل كل المواقف يصرخ بكم: اياكم ان تتركوا «حلمكم الجميل»، ففي كل تخوم اريتريا وروابيها كواكب الشهداء تستصرخكم، رصوا صفوفكم وسيخرج الألوف من المناضلين والمواطنين الأبرياء ليروا «الحلم بإريتريا» الموحدة الديموقراطية الحرة ولنمسح دمعة المقهورين من أبناء شعبنا الوفي وسنحكم بالاعدام على كل من قتل وصفى شعبنا المسالم بلا حسيب ولا رقيب.

اشعلنا ثورة اريترية ستزيل الكابوس الجاسم على صدور شعبنا الذي ناضل وانتصر على الاستعمار وهو في طريقه للتحرر الكامل.

ولد عبدالله ادريس في اريتريا ودفن في السودان وصلت علية الجاليات الاريترية في المهجر.. وبقي حلمه متروكا للشعب الاريتري، وتاريخه.

واقترح الآن ان يجمع في كتاب تاريخه وافكاره وآراءه وتجربته الثورية والتحررية خدمة لوطنه والاجيال الاريترية الآنية واللاحقة.

قال عبدالله ادريس اريتريا الشعب الواحد والوطن الواحد اسقط نظام هيلا سيلاسي.

رحم الله الرجل الاريتري عبدالله ادريس الذي كان على الدوام قراءة للتاريخ لا كتابا له.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click