استنطاق علي رادآي ٢٠١٧
بقلم الأستاذ: بشرى بركت المصدر: فرجت
من هو علي رادآي؟
أنا إبن لأسرة كبيرة تتكوّن من عدد لا بأس من الرجال والنساء يُميّزهم أول ما يميزهم أنّهم على قدر من الأمانة
مع النفس والصدق مع الذات، وهذا أول درس تعلمته من أهلي الذين تربيت بين جنباتهم وتعلمت من فكرهم وأخلصت لما تعلمت منهم فسعيت في كل مراحل حياتي في أن أضع نصب عيني مصالحهم وتأمين مستقبلهم فكان أن وضعت ذلك في مقدّمة عملي السياسي والإجتماعي ونشاطي العام.
في إطار عملك السياسي يقال أنّك كنت طرفاً في تقسيم المُمثل الحقيقي لإرادة الشّعب الإرتري وهو الرابطة الإسلامية سعياً وراء مصالح كنت تراها أو رُبّما مزايدات كنت تعمل عليها ضد إبراهيم سُلطان.
ليس بالضرورة أن أكون مُتآمرا أو مُزايداً حتى أطالب بفهم جيّد للعدوّ وتأريخه وأدوات عمله. الرّابطة كانت كياناً نبيل الأهداف واضح الوسائل غير متحسّب للواقع العالمي والمحلي بالإضافة إلى عدم تعريفه ومن ثمّ معرفته للكيان الذي يواجهه فكان أن تمّ التحايل عليها بوضعها أمام حالة إستفتاء غير عادلة حيث سيستفتى جزأ من الشعب وتستفتى ما سميت بقيادات تاريخية بالنيابة عن جزأ آخر من الشعب الأمر الذي رآه بعض من أهل الوعي والفهم على أنه تجاوز لرأي الشعب فقاموا بتحرك أدى إلى إعتقال بعض رموزه على إعتبار أنهم يطالبون بالمساواة مع من سُمح لهم بالتصويت المباشر ولم تقل الرّابطة رايها في هذه الأزمة التي رأيتها نقطة تحول في عملها فإرتأينا أن نسعى لتحقيق جوهر أهداف شعبنا من تكوينه لتلك الرابطة والمُتمثل بفرض رأي الشعب في العد والمساواة والحفاظ على الخصوصيات والتأكيد على ملكية الأراضي.
كان الكبساويون يلعبون على هذه النّقطة تحديدا بكل قوة، فيُرسلون أفراداً يحاوروننا ويتعاملون معنا بناءًا على مفاهيمنا الوطنية فيتفاوضون معنا ويأخذون منّا كل ما يريدون لمشروعهم المُشترك، إذ أنّ كلّهم جميعا في واقع الحال يعملون في تناسق بإتجاه توحيد إرتريا مع إثيوبيا، ثم ذاك الأمر الأصعب والمُتمثّل في تأكيد تبعيّة أرضنا للحكومة وعدم أهلية شعبنا للتّصويت ناهيك أن يكون منه الحُكّام والقادة، وهذا كان الهدف الأسمى لعملهم السياسي، الأمر الذي لم يكن واضحاً بالنسبة لنا ولم نتحسّب له ممّا إستدعى العمل على التخطيط بشكل مشابه لما كانوا يقومون به والتلويح بفكرة أنّنا شعب واحد ولكن بإمكاننا أن نكون شعباً مستقلّا إذا أصرّ الشّركاء على التعامل معنا بناءًا على تصرّفاتهم تلك. ولك أن تذكر دائما بأنّ كل المُتحلّقين لحلّ قضيتك مُجمعون على وجود إثيوبيا قوية وداعمة لهم في شؤونهم ولن يكون الثّمن إلّا ما ستدفع أنت، وعليه لابد لك من أن تلتزم بقواعد اللعبة حتى تستمر معهم، ثم إيجاد مخرج غير تقليدي للوُصول الى هدفك.
ولكن البعض يراك بإعتبارك رمزاً للإنقسام داخل الرّابطة والتّقسيم لإرتريا.
بالمفهوم السياسي في كل الأزمنة، ليس هناك شيء غير قابل للمناقشة إذا لم يعد مُؤهّلاً لتحمّل كامل المسؤولية ومُعدّاً لمواجهة كل الإحتمالات، فبدايةً كانت الرّابطة كياناً فيه كل الخير الذي نرجوا وللأسف كل المساوئ التي نخشى. فالهدف الذي قامت من أجله هو أسمى الأهداف التي يمكن أن نعيش عليها وإخلاص من قاموا عليها دوماً سيكون رمزاً لكل الإخلاص والوفاء بالعهد تلك قاعدة ثابتة لا نقاش فيها. وأسوأ ما كان في الرّابطة آنذاك هو عدم تعريف العدو التّعريف الحقيقي وعدم التّمكُّن من مواكبة مخططاته المُعدة على مستوى الحلفاء، ثم أنّ الرابطة كانت كياناً يفترض حسن النّوايا في وسط من جهنّم، مواطنون وجوار وغزاة على حد سواء.
فإذا ما حاولنا مناقشة مدى فاعلية الرابطة وأنسبيتها وتناسبها مع الظروف التي وُجدت وتأسست فيها فإن هذا يعني نقاش تفصيلي ينزع القُدُسية عنها ومن ثمّ يمكن أن تجد فيه الخطا والصواب والعمل الذي لايتناسب مع الحدث الذي تتعامل معه، وعليه فإن أي تصرّف حينها لم يكن أبداً غير تصحيح لمسارها وتوجيهها نحوالمشاكل الحقيقية التي كان عليها أن تواجه والتي كان ضمنها شرعنة ما سمي حينها بتثبيت نظام “رستي” و “دومينيالي” في ملكية الأراضي وهو أمر كان سيفتح المجال واسعا لإمتلاك الغزاة أراضينا بمجرد تواجدهم عليها، ثم أنّ المطالبة بنظام التصويت المباشر، وإقرار الحكم الذاتي لكل الأقاليم دون التفاوض حوله كموضوع حقوقي محسوم بناءاً على المبادئ الاولية للنظام الدولي كان أمراً حسبناه من المُسلّمات التي كانت لدينا، وهذا كان أحد الأركان التي تمّ تتويه الرّابطة حولها.
أما إرتريا ومحاولة تقسيمها فهذا عار عن الصحة، ولمن لم يعلم فإنّنا كنا نُقارع نظاماً باطشاً وإخوة متآمرين مع ذاك النّظام ووسطاء يسعون لتحقيق مطالب الإثيوبيين، وحين تراني شخصيّاً أُسافر إلى أديس أبابا بجوار تدلا حاملين همّ وطن وشعب، وأجد نفسي أمام شريكي في المُهمة يسجُد للخصم المدعى سجوداً فيزيائيّاً حتى تقبيل الأقدام ثم يتفاوض هو معي بالنّيابة عنهم فأنا في هذه الحالة أتيقن أنّ الشّريك المُدّعَى في الوطن في حقيقة الأمر شريك لمن أراد أن يسلب منّا الوطن، وأن الذي يذهب في كل إتجاه بأنه وطني يقوم بكامل التنسيق مع العدوّ الذي يحاول التوغل إلى بلدي وأن الذي كشف هذا التناغم كثير منّا ولم يهتموا به راكنين على القَدَر الذي سيغيّر لهم المعادلة والكرم الذي تمنّوه من المستعمر فيمنحَهم الوطن منحاً. ومن هنا كانت أفكار أن تُوجد لنفسك كروت تفاوض يمكن أن تُزعج الخصوم في كلّ المراحل والعصور وقد حدث فانجزنا الكثير وحاصرنا مدعوا الوطنية والعاملين بالتّنسيق مع أقرانهم في ”جمعية حب الوطن“ إلى التمسك بالقول الواحد ومن ثم المواجهة بينهم على أساس أنّ الأرض التي كانو يحلمون بالسيطرة عليها ستذهب الى التقسيم إن لم يفعلوا شيئاً ممّا جعلهم لا يعودون حسب خطتهم إلى حضن جمعية الوحدة وإتباع سبيل أبطالهم المزعومون ممن إستبسلوا في سبيل الدفاع عن إثيوبيا على مر العصور.
وعليه فإن المُطالبات الحالية بإستعادة شيء من هذه الحقوق فيها بعض الصواب؟!
الأسس مُعدّة سلفاً، يوم أن قلنا الوحدة على أساس العدالة أو الطلاق النّهائي!! ففي هذا الوضع بالذّات فإنّ الصّواب دائماً يعتمد على العمل في كل جوانب القضية. فكل أزمة لها معطياتها وكلّ مطلب متكرّر بنفس الصياغة فأقلّ فاشل، فإذا كانت مطالبكم أقل من مطالب زماننا فأنتم تعملون في ترسيخ أجندة الأخوة الأعداء وخاصّة أنّكم قد تعلّمتم من أخطائنا فأصبح لديكم رصيد خبراتي ومعلوماتي لتعريف مشكلتكم التعريف الواضح ومعرفة عدوكم وخريطتكم دون الإكتراث بالواقع القائم على منطق القوّة ومنطق قوّة الدّعم الخارجي. فالحقوق الثّابتة للأُمم لا يمكن أن تتغيّر بإقرار الواقع والبناء عليه.
إذن نحن أمام واقع مشابه لواقعنا الذي تمكنّا حسب المتاح لنا من التصرّف في سبيل الضّغط لترسيخ حقيقة أنّ إرتريا كيان مختلف عن إثيوبيا أمّهم هم وليس أم إرتريا أو أم الإرتريين، وعليه يكون السّعي إما لإرتريا الموروثة عن المستعمر الإيطالي أو مخرج آخر. وفي سبيل ذلك أذكر ما قلته لرفقاء الوطن من أهل كبسا بمن فيهم تدلا بلغتهم التقرنية عن مطلب شعبنا بعيداً عن سطوة إثيوبيا (فتحي وي فتّح) فخيرتهم بالمعنى المباشر بين العدل أو التقسيم، فكان ذلك سيفاً مسلّطاً على رؤوسهم!!
هل هذا يعني ان مشروع التقسيم كان كارتاً أخرجته للضّغط بإتجاه إحباط مخطّط توحيد إرتريا بإثيوبيا؟
ليس بالدّقّة التي تقول هو بالفعل كان كذلك ولكنّه كان أيضاً تثبيتاً للحقوق وتاكيداً لملكية الأراضي وذاتية الحكم، ثم كان ذلك خُطّةً بديلة لما يمكن أن يحدُث عكس ما رجونا.
هل لنا ان نسألك عما يجري اليوم على مستوى السّاحة الإرترية وعن مواءمة المشاريع المطروحة كالذي طرحه السيد أحمدين عثمان في موقع عواتي عن الحكم الأمثل لإرتريا كما قال عنه الولايات المتحدة الإرترية؟
حين ذهبنا في كل الإتجاهات بحثاً عن حلول لقضيتنا، وسعياً لتحقيق العدالة الإجتماعية لشعبنا بعيداً عن الرّهانات العالمية التي كانت تتحكم على كل الأوضاع، حينها كان جوهر سعينا أن لا يأتينا حاكم أو نظام حكم أو قانون من خارج موروثاتنا وأن لا يتم التّفريط في أرضنا وثرَوَاتها ولكم أن تقيسوا حالكم بما سعينا عليه بشتّى الوسائل ولكم أن تختاروا ما يُحقّق لكم ذلك.
ولكن هناك أفكار تقول بان وحدة الشعب والدولة ستكون بتوحيد النظام والقوانين، حرية التّملّك لكلّ مواطن فيما شاء من المناطق في كل ربوع ارتريا من أقصاها إلى أقصاها؟
نقبل بهذا إذا كان في ظلّ الوضع الطبيعي الذي رأته قيادة الرّابطة في أول أيّامها، وهذه المثالية تلاشت مع أول مواجهة بين الوطني والآخر الذي يمثل التفكير الإنتهازي الذي يريد سرقة أرضنا والتّمتع بثرواتها دون الإكتراث بمالك الأرض الحقيقي مما إستدعى إلى ضرورة التّغيير في الأجندة وهذا يعني أنّ ما طُرح من رؤية كلّ يحكم منطقته بناءًا على موروثاته من القوانين ويستفيد من خيرات أرضه بطريقته فتلكم حقيقة لابُد من التأكيد عليها وللعلم فإنّ هذه الرؤية ليست إلّا نتيجةً للجشع والإستغلال والسّرقة المُنظّمة التي عمل عليها الجانب الآخر على مدار التأريخ.
كما نراه اليوم في أعمال التّعدين التي يعمل عليها النّظام ليل نهار وكأنه يسرق شيئاً في ظلمة الليل وسيهرب مع بزوغ الفجر / فجر الحرية؟
حين كان ولدآب مدّعي ”إرتريا للإرتريين“ يقول ذلك فإنه كان يخطّط للإستفراد بثروات مناطق إرتريا الغربية التي كان شعبها يُفكّر في إرتريا الخريطة بكاملها وكان كلّ ما يقومون به من مُخطّطات كان في إطار الوصول إلى الثّروات الطبيعية لتلكم المنطقة، ممّا إستدعى للنّفير العام رفضاً لهذه الفكرة وسيراً بإتجاه الحكم الذّاتي والإستفادة الذّاتية من الثّروات. وهذا يُؤكد ان الولدآبية ستسعى دوماً لإبتلاع كل ما تستطيع من ثروات شعبنا في كلّ المراحل.
إذن العمل الذي يسعى أهله للتّأكد من أنّ أهل المنخفضات الإرترية يجب عليهم إستعادة أرضهم والمحافظة على تراثهم يحمل بعض الصواب فهل ترونهم يحملون الكثير مما سعيتم لتحقيقه؟
في واقع الأمر يوم كان سعينا لتثبيت حقوقنا كشعب له ثقافته الخاصّة وتوجُّهاته في مجمل شؤونه تتميّز عن رفقاء الوطن من أهل كبسا كان لدينا آمال ما يُدعى بالوحدة القطرية للدّولة وهذا كان شأنٌ تسعى له الرّابطة الإسلامية وتتنازل من أجله حتّى خُسارة جوهر القضيّة وكان التّصرف الأمثل أن نسعى في وجهتين إحداهما تهدّد القُطر والأخرى تحاول تثبيته في شكله المُتاح من قبل المستعمر الإيطالي وكان الهدف دائما واضحاً لنا فإن لم يؤمنوا بحقوقنا كاملة فلن تكون لنا شراكة وأن لا مكان بيننا لأنصاف الحلول، وبما أنّ كل أطروحة لها ظرفها ومعطياتها المكانية والزّمانية فإنّ التلويح المُباشر بالإستقلال مع أجزاء من السّودان الشّرقي كما طرحنا سلفاً يكون أقلّ المطروح في هذا الإتّجاه، كون الجانب الآخر كان ومازال مستمرّاً في تحقيق أجندته الإستئصالية وسيظل كذلك حتى يتم إيقافه، وعليه فلا مناص من العمل على المطالبة بكامل الحقوق ثم التفاوض حول التوحّد على أساس ما ذكرت من عرض السيّد أحمدّين بإقامة الولايات المتحدة الإرترية مع بعض التّعديلات على خريطته.
يبدوا أنّ فكرة السيّد أحمدين تروق لك كثيراً؟
إنّه يفكر بشكل عملي شريطة أن يُعاد الوضع الديموغرافي إلى ما كان عليه قبل إبتلاعنا طعم الولدآبية.
إساياس أفورقي؟
نصف ولدآب!!
والنصف الآخر؟
ملّس زيناوي!!
أين ترى أبراهام إساياس أفورقي بعد عشرة أعوام بناءً على حالنا اليوم؟
حيث كان أبرهة يوم أن حاول هدم الكعبة!!
وماذا عن إثيوبيا بعد هذه الأعوام؟؟
سيكون لها شاطئ على البحر الأحمر طوله ألف كيلو متر.
والسودان؟
سيكون نصف شعبه من الإرتريين بعد إستقلال دارفور.
جيبوتي والصومال؟
نفس حال اليوم!!
ماذا نفعل لتغيير هذا الوضع المتشائم؟
نجلس سوياً دون أجندات الغير!!!
فقط؟
نعم فقط!!!
كلمة أخيرة؟
من أراد أن يردّ على ما قلت فليقرأ ما كتبه ألدّ من عاداني وعادى نشاطي من الإنقليز والإثيوبيين عنّّي وعن لحظات تعامل تفصيلية بيني وبينهم ثم ليبدأ في قول ما شاء وله كلّ التّرحاب!!